التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-16b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.42 ميغابايت )
التنزيل ( 631 )
الإستماع ( 26 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم يوم الخميس الذي يسمونه الخميس الكبير، يزعمون أن في مثله نزلت المائدة التي ذكرها الله في القرآن، حيث قال: { قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدةً من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرازقين } فيوم الخميس هو يوم عيد المائدة، ويوم الأحد يسمونه عيد الفصح ، وعيد النور، والعيد الكبير . ولما كان عيدا صاروا يصنعون لأولادهم البيض المصبوغ ونحوه ؛ لأنهم فيه يأكلون ما يخرج من الحيوان من لحم ولبن وبيض ؛ إذ صومهم هو عن الحيوان وما يخرج منه، وإنما يأكلون في صومهم الحب وما يصنع منه : من زيت وشيرج ونحو ذلك . أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وعامة هذه الأعمال المحكية عن النصارى، وغيرها مما لم يحك، قد زينها الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام، وجعل لها في قلوبهم مكانة وحسن ظن، وزادوا في بعض ذلك ونقصوا، وقدموا وأخروا ؛ إما لأن بعض ما يفعلونه قد كان يفعله بعض النصارى، أو غيروه هم من عند أنفسهم، كما قد يغيرون بعض أمر الدين الحق . لكن كلما خصت به هذه الأيام ونحوها، من الأيام التي ليس لها خصوص في دين الله، وإنما خصوصها في الدين الباطل : إنما أصل تخصيصها من دين الكافرين، وتخصيصها بذلك فيه مشابهة لهم، وليس لجاهل أن يعتقد أن بهذا تحصل المخالفة لهم، كما في صوم يوم عاشوراء ؛ لأن ذلك فيما كان أصله مشروعا لنا، وهم يفعلونه، فإنا نخالفهم في وصفه، فأما ما لم يكن في ديننا بحال، بل هو من دينهم، المبتدع أو المنسوخ، فليس لنا أن نشابههم لا في أصله، ولا في وصفه، كما قدمنا قاعدة ذلك فيما مضى . فإحداث ما في هذه الأيام التي يتعلق تخصيصها بهم لا بنا، هو مشابهة لهم في أصل تخصيص هذه الأيام بشيء فيه تعظيم، وهذا بين على قول من يكره صوم يوم النيروز والمهرجان، لا سيما إذا كانوا يعظمون اليوم الذي أحدث فيه ذلك . ويزيد ذلك وضوحا أن الأمر قد آل إلى أن كثيرا من الناس صاروا في مثل هذا الخميس الذي هو عيد الكفار - عيد المائدة - آخر خميس في صوم النصارى الذي يسمونه الخميس الكبير - وهو الخميس الحقير - يجتمعون في أماكن اجتماعات عظيمة، ويصبغون البيض ويطبخون باللبن، وينكتون بالحمرة دوابهم، ويصنعون الأطعمة التي لا تكاد تفعل في عيد الله ورسوله، ويتهادون الهدايا التي تكون في مثل مواسم الحج، وعامتهم قد نسوا أصل ذلك وعلته، وبقي عادة مطردة كاعتيادهم بعيدي الفطر والنحر وأشد . واستعان الشيطان في إغوائهم بذلك أن الزمان زمان ربيع، وهو مبدأ العام الشمسي، فيكون قد كثر فيه اللحم واللبن والبيض ونحو ذلك، مع أن عيد النصارى ليس هو يوما محدودا من السنة الشمسية، وإنما يتقدم فيها ويتأخر، في نحو ثلاثة وثلاثين يوما كما قدمناه أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا كله تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم " وسببه: مشابهة الكفار في القليل من أمر عيدهم، وعدم النهي عن ذلك، وإذا كانت المشابهة في القليل ذريعة ووسيلة إلى بعض هذه القبائح ؛ كانت محرمة، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله، من التبرك بالصليب والتعميد في المعمودية أو قول القائل : المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن : إما كون الشريعة النصرانية واليهودية، المبدلتين المنسوختين، موصلة إلى الله ؛ وإما استحسان بعض ما فيها، مما يخالف دين الله، أو التدين بذلك، أو غير ذلك، مما هو كفر بالله وبرسوله، وبالقرآن وبالإسلام، بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة . أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واعلم أنا لو لم نر موافقتهم قد أفضت إلى هذه القبائح لكان علمنا بما الطباع عليه، واستدلالنا بأصول الشريعة يوجب النهي عن هذه الذريعة، فكيف وقد رأينا من المنكرات التي أفضت إليها المشابهة ما قد يوجب الخروج من الإسلام بالكلية ؟ . وسر هذا الوجه : أن المشابهة تفضي إلى كفر، أو معصية غالبا، أو تفضي إليهما في الجملة، وليس في هذا المفضي مصلحة، وما أفضى إلى ذلك كان محرما : فالمشابهة محرمة . والمقدمة الثانية لا ريب فيها، فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها دال على أن ما أفضى إلى الكفر - غالبا - حرم، وما أفضى إليه على وجه خفي حرم، وما أفضى إليه في الجملة ولا حاجة تدعو إليه، حرم، كما قد تكلمنا على قاعدة الذرائع، في غير هذا الكتاب والمقدمة الأولى قد شهد بها الواقع شهادة لا تخفى على بصير ولا أعمى، مع أن الإفضاء أمر طبيعي، قد اعتبره الشارع في عامة الذرائع التي سدها كما قد ذكرنا من الشواهد على ذلك : نحوا من ثلاثين أصلا منصوصة، أو مجمعا عليها في كتاب : (بطلان التحليل) أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه الرابع: أن الأعياد والمواسم في الجملة، لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم، كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولهذا جاءت بها كل شريعة، كما قال تعالى : { ولكل أمةٍ جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } وقال : { لكل أمةٍ جعلنا منسكًا هم } ثم إن الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه، وهو الكمال المذكور في قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية ؛ فإنه لا عيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان، وهو عيد النحر، ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامة المسلمين، وقد نفى الله تعالى الكفر وأهله . والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه -ويروى مرفوعا - : " إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن " ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من طعام حاجته ؛ استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة، وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه . ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه ؛ تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه " أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه ؛ تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها ؛ لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم ؛ لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير. ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها " رواه الإمام أحمد . وهذا أمر يجده من نفسه من نظر في حاله من العلماء، والعباد، والأمراء، والعامة وغيرهم، ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع، وكرهتها لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافا لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفا، بل لا بد أن يوجب له فسادا ، منه: نقص منفعة الشريعة في حقه، إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين الجاهليين : " إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرا منهما " فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدعة مانعا عن الاغتذاء، - أو من كمال الاغتذاء - بتلك الأعمال الصالحة النافعة الشرعية، فيفسد عليه حاله من حيث لا يشعر، كما يفسد جسد المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر، وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع . إذا تبين هذا فلا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره، اتفاقا واجتماعات وراحة، ولذة وسرورا، وكل ذلك يوجب تعظيمه لتعلق الأغراض به، فلهذا جاءت الشريعة في العيد، بإعلان ذكر الله تعالى فيه، حتى جعل فيه من التكبير في صلاته وخطبته وغير ذلك : ما ليس في سائر الصلوات، وأقامت فيه من تعظيم الله وتنزيل الرحمة فيه - خصوصا العيد الأكبر - ما فيه صلاح الخلق، كما دل عليه قوله تعالى : { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميقٍ ليشهدوا منافع لهم }. أستمع حفظ

18 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأقامت فيه من تعظيم الله وتنزيل الرحمة فيه - خصوصا العيد الأكبر - ما فيه صلاح الخلق، كما دل عليه قوله تعالى : { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميقٍ ليشهدوا منافع لهم }. فصار ما وسع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية ؛ فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها، أو بعضه الذي يكون في عيد الله ؛ فترت عن الرغبة في عيد الله، وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم، فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه فخسرت النفوس خسرانا مبينا . وأقل الدرجات : أنك لو فرضت رجلين: أحدهما قد اجتمع اهتمامه بأمر العيد على المشروع، والآخر مهتم بهذا وبهذا، فإنك بالضرورة تجد المتجرد للمشروع، أعظم اهتماما به من المشرك بينه وبين غيره، ومن لم يدرك هذا فلغفلته أو إعراضه، وهذا أمر يعلمه من يعرف بعض أسرار الشرائع . وأما الإحساس بفتور الرغبة، فيجده كل أحد، فإنا نجد الرجل إذا كسا أولاده، أو وسع عليهم في بعض الأعياد المسخوطة، فلا بد أن تنقص حرمة العيد المرضي من قلوبهم، حتى لو قيل : بل في القلوب ما يسع هذين، قيل : لو تجردت لأحدهما لكان أكمل . أستمع حفظ

20 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه السادس: أن مما يفعلونه في عيدهم: ما هو كفر، وما هو حرام وما هو مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة، ثم التمييز بين هذا وهذا يظهر غالبا، وقد يخفى على كثير من العامة ؛ فالمشابهة فيما لم يظهر تحريمه للعالم، يوقع العامي في أن يشابههم فيما هو حرام، وهذا هو الواقع . والفرق بين هذا الوجه ووجه الذريعة أنا هناك قلنا : الموافقة في القليل تدعو إلى الموافقة في الكثير، وهنا جنس الموافقة يلبس على العامة دينهم، حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر، فذاك بيان للاقتضاء من جهة تقاضي الطباع بإرادتها، وهذا من جهة جهل القلوب باعتقاداتها . أستمع حفظ