التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-17a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.53 ميغابايت )
التنزيل ( 615 )
الإستماع ( 28 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه السابع: ما قررته في وجه أصل المشابهة : وذلك أن الله تعالى جبل بني آدم بل سائر المخلوقات، على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر ؛ كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط، ولما كان بين الإنسان وبين الإنسان مشاركة في الجنس الخاص، كان التفاعل فيه أشد، ثم بينه وبين سائر الحيوان مشاركة في الجنس المتوسط، فلا بد من نوع تفاعل بقدره، ثم بينه وبين النبات مشاركة في الجنس البعيد مثلا، فلا بد من نوع ما من المفاعلة . ولأجل هذا الأصل : وقع التأثر والتأثير في بني آدم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة ، وكذلك : الآدمي إذا عاشر نوعا من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة، من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلابون، وصار الحيوان الإنسي، فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة والمؤالفة وقلة النفرة . فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي . وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفرا من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى، هم أقل إيمانا من غيرهم ممن جرد الإسلام، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضا مناسبة وائتلافا، وإن بعد المكان والزمان، فهذا أيضا أمر محسوس، فمشابهتهم في أعيادهم -ولو بالقليل- هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط ؛ علق الحكم به، وأدير التحريم عليه، فنقول : مشابهتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة . بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ولا ينضبط، وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوله، ولو تفطن له، وكل ما كان سببا إلى مثل هذا الفساد فإن الشارع يحرمه، كما دلت عليه الأصول المقررة . أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه الثامن : أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة ، وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين، وذلك لأن الاشتراك في البلد نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة . بل لو اجتمع رجلان في سفر، أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب ونحو ذلك ؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضا ما لا يألفون غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة : إما على الملك، وإما على الدين . وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء، وإن تباعدت ديارهم وممالكهم بينهم مناسبة تورث مشابهة ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه . إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص . فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية، تورث المحبة والموالاة لهم ؛ فكيف بالمشابهة في أمور دينية ؟ فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين } وقال تعالى فيما يذم بها أهل الكتاب : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون } . فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان ؛ لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم . وقال سبحانه : { لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه } . فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرا ؛ فمن واد الكفار فليس بمؤمن، والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة، فتكون محرمة، كما تقدم تقرير مثل ذلك . واعلم أن وجوه الفساد في مشابهتهم كثيرة، فلنقتصر على ما نبهنا عليه أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان : أحدهما : مع العلم بأن هذا العمل هو من خصائص دينهم ؛ فهذا العمل الذي هو من خصائص دينهم : إما أن يفعل لمجرد موافقتهم -وهو قليل- وإما لشهوة تتعلق بذلك العمل، وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا أو الآخرة، وكل هذا لا شك في تحريمه، لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفرا بحسب الأدلة الشرعية . وأما عمل لم يعلم الفاعل أنه من عملهم فهو نوعان : أحدهما : ما كان في الأصل مأخوذا عنهم، إما على الوجه الذي يفعلونه، وإما مع نوع تغيير في الزمان أو المكان أو الفعل ونحو ذلك، فهذا غالب ما يبتلى به العامة : في مثل ما يصنعونه في الخميس الحقير والميلاد ونحوهما، فإنهم قد نشئوا على اعتياد ذلك، وتلقاه الأبناء عن الآباء، وأكثرهم لا يعلمون مبدأ ذلك، فهذا يعرف صاحبه حكمه، فإن لم ينته وإلا صار من القسم الأول . النوع الثاني : ما ليس في الأصل مأخوذا عنهم، لكنهم يفعلونه أيضا، فهذا ليس فيه محذور المشابهة، ولكن قد يفوت فيه منفعة المخالفة، فتتوقف كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي وراء كونه من مشابهتهم، إذ ليس كوننا تشبهنا بهم بأولى من كونهم تشبهوا بنا أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما استحباب تركه لمصلحة المخالفة إذا لم يكن في تركه ضرر ؛ فظاهر لما تقدم من المخالفة، وهذا قد توجب الشريعة مخالفتهم فيه . وقد توجب عليهم مخالفتنا : كما في الزي ونحوه، وقد يقتصر على الاستحباب، كما في صبغ اللحية والصلاة في النعلين، والسجود، وقد تبلغ الكراهة، كما في تأخير المغرب والفطور ، بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذا عنهم، فإن الأصل فيه التحريم كما قدمناه . تم المجلد الأول بحمد الله ويليه المجلد الثاني أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك . وكذلك حريم العيد : هو وما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله ، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله ، أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال حكمها حكمه فلا يفعل شيء من ذلك ، فإن بعض الناس قد يمتنع من إحداث أشياء في أيام عيدهم ، كيوم الخميس والميلاد ، ويقول لعياله : إنما أصنع لكم هذا في الأسبوع أو الشهر الآخر . وإنما المحرك له على إحداث ذلك وجود عيدهم ولولا هو لم يقتضوا ذلك ، فهذا من مقتضيات المشابهة . أستمع حفظ

19 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك ، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " . وأكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء، وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " . وروي أيضا : " هلكت الرجال حين أطاعت النساء " وقد قال صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين ، لما راجعنه في تقديم أبي بكر : " إنكن صواحب يوسف " . يريد أن النساء من شأنهن مراجعة ذي اللب ، كما قال في الحديث الآخر : " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب ذي اللب من إحداكن " . " ولما أنشده الأعشى - أعشى باهلة - أبياته التي يقول فيها : ( وهن شر غالب لمن غلب ...) جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرددها ويقول : " وهن شر غالب لمن غلب ...". ولذلك امتن الله على زكريا عليه السلام حيث قال : { وأصلحنا له زوجه } وقال بعض العلماء : " ينبغي للرجل أن يجتهد إلى الله في إصلاح زوجه له " . أستمع حفظ

20 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: أعياد الكفار كثيرة مختلفة ، وليس على المسلم أن يبحث عنها ، ولا يعرفها ، بل يكفيه أن يعرف في أي فعل من الأفعال أو يوم أو مكان ، أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان والزمان من جهتهم ، ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم ، فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام ، فإنه إذا لم يكن له أصل فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء نفسه ، أو يكون مأخوذا عنهم ، فأقل أحواله : أن يكون من البدع ، ونحن ننبه على ما رأينا كثيرا من الناس قد وقعوا فيه : فمن ذلك الخميس الحقير ، الذي في آخر صومهم ، فإنه يوم عيد المائدة فيما يزعمون ويسمونه عيد العشاء وهو الأسبوع الذي يكون فيه من الأحد إلى الأحد ؛ هو عيدهم الأكبر ، فجميع ما يحدثه الإنسان فيه من المنكرات .فمنه : خروج النساء ، وتبخير القبور ، ووضع الثياب على السطح ، وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب ، واتخاذه موسما لبيع البخور وشرائه ، وكذلك شراء البخور في ذلك الوقت إذ اتخذ وقتا للبيع ، ورقي البخور مطلقا في ذلك الوقت أو في غيره ، أو قصد شراء البخور المرقي فإن رقي البخور واتخاذه قربانا هو دين النصارى والصابئين ، وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه كما يتطيب بسائر الطيب من المسك وغيره مما له أجزاء بخارية وإن لطفت ، أو له رائحة محضة ، ويستحب التبخر حيث يستحب التطيب .وكذلك اختصاصه بطبخ رز بلبن ، أو بسيسة ، أو عدس ، أو صبغ ، أو بيض ، أو مقر ونحو ذلك ؛ فأما القمار بالبيض ، أو بيع البيض لمن يقامر به ، أو شراؤه من المقامرين فحكمه ظاهر . أستمع حفظ