1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن ذلك : ما يفعله الأكارون ، من نكت البقر بالنقط الحمر أو نكت الشجر أيضا ، أو جمع أنواع من النبات والتبرك بها ، والاغتسال بمائها ، ومن ذلك : ما قد يفعله النساء من أخذ ورق الزيتون ، والاغتسال بمائه ، أو قصد الاغتسال بشيء من ذلك ، فإن أصل ذلك ماء المعمودية . ومن ذلك : ترك الوظائف الراتبة من الصنائع ، والتجارات ، أو حلق العلم ، أو غير ذلك ، واتخاذه يوم راحة وفرح ، واللعب فيه بالخيل أو غيرها على وجه يخالف ما قبله وما بعده من الأيام . والضابط : أنه لا يحدث فيه أمر أصلا ، بل يجعل يوما كسائر الأيام ، فإنا قد قدمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن اليومين اللذين كانا لهم يلعبون فيهما في الجاهلية ، وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح بالمكان إذا كان المشركون يعيدون فيه . ومن ذلك : ما يفعله كثير من الناس في أثناء الشتاء في أثناء كانون الأول لأربع وعشرين خلت منه ، ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام ، فجميع ما يحدث فيه هو من المنكرات ، مثل : إيقاد النيران ، وإحداث طعام ، واصطناع شمع وغير ذلك . فإن اتخاذ هذا الميلاد عيدا هو دين النصارى ، ليس لذلك أصل في دين الإسلام ، ولم يكن لهذا الميلاد ذكر أصلا على عهد السلف الماضين ، بل أصله مأخوذ عن النصارى ، وانضم إليه سبب طبيعي وهو كونه في الشتاء المناسب لإيقاد النيران ، ولأنواع مخصوصة من الأطعمة . ثم إن النصارى تزعم أنه بعد الميلاد بأيام -أظنها أحد عشر يوما- عمد يحيى لعيسى عليهما السلام في ماء المعمودية فهم يتعمدون في هذا الوقت ، ويسمونه عيد الغطاس ، وقد صار كثير من جهال النساء يدخلن أولادهن إلى الحمام في هذا الوقت ، ويزعمن أن هذا ينفع الولد ، وهذا من دين النصارى ، وهو من أقبح المنكرات المحرمة . أستمع حفظ
6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك أعياد الفرس مثل : النيروز والمهرجان ، وأعياد اليهود أو غيرهم من أنواع الكفار أو الأعاجم أو الأعراب ، حكمها كلها على ما ذكرناه من قبل وكما لا نتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك ، بل ينهى عن ذلك فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته ، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد ، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد ، لم تقبل هديته ، خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم ، مثل : إهداء الشمع ونحوه في الميلاد أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم . أستمع حفظ
7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد ، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه . ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد ، من الطعام واللباس ونحو ذلك ؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر ، فأما مبايعتهم ما يستعينون هم به على عيدهم أو شهود أعيادهم للشراء فيها ، فقد قدمنا أنه قيل للإمام أحمد : هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام مثل طور يانور ودير أيوب ، وأشباهه يشهده المسلمون ، يشهدون الأسواق ، ويجلبون فيه الغنم والبقر والدقيق والبر ، وغير ذلك ؛ إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون ، ولا يدخلون عليهم بيعهم ، وإنما يشهدون الأسواق قال : إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم ، وإنما يشهدون السوق فلا بأس . وقال أبو الحسن الآمدي : " فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره " . نص عليه أحمد في رواية مهنا ، وقال : " إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم ، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا ، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم " فهذا الكلام محتمل ؛ لأنه أجاز شهود السوق مطلقا بائعا ، ومشتريا ؛ لأنه قال : " إذا لم يدخلوا عليهم كنائسهم ، وإنما يشهدون السوق فلا بأس " هذا يعم البائع ، والمشتري ، لا سيما إن كان الضمير في قوله : " يجلبون " عائدا إلى المسلمين ، فيكون قد نص على جواز كونهم جالبين إلى السوق . ويحتمل -وهو أقوى- أنه إنما أرخص في شهود السوق فقط ، ورخص في الشراء منهم ، ولم يتعرض للبيع منهم ؛ لأن السائل إنما سأله عن شهود السوق التي يقيمها الكفار لعيدهم ، وقال في آخر مسألته : " يشترون ، ولا يدخلون عليهم بيعهم " وذلك ؛ لأن السائل مهنا بن يحيى الشامي ، وهو فقيه عالم ، وكان -والله أعلم- قد سمع ما جاء في النهي عن شهود أعيادهم ، فسأل أحمد : هل شهود أسواقهم بمنزلة شهود أعيادهم؟ فأجاب أحمد بالرخصة في شهود السوق ، ولم يسأل عن بيع المسلم لهم إما لظهور الحكم عنده ، وإما لعدم الحاجة إليه إذ ذاك ، وكلام الآمدي أيضا محتمل للوجهين . لكن الأظهر فيه الرخصة في البيع أيضا ؛ لقوله : " إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم " ، وقوله : " وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم " . فما أجاب به أحمد من جواز شهود السوق فقط للشراء منها، من غير دخول الكنيسة فيجوز ؛ لأن ذلك ليس فيه شهود منكر ، ولا إعانة على معصية ؛ لأن نفس الابتياع منهم جائز ، ولا إعانة فيه على المعصية ، بل فيه صرف لما لعلهم يبتاعونه لعيدهم عنهم ، فيكون فيه تقليل الشر ". أستمع حفظ
8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد كانت أسواق في الجاهلية ، كان المسلمون يشهدونها ، وشهد بعضها النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الأسواق ما كان يكون في مواسم الحج ، ومنها ما كان يكون لأعياد باطلة . وأيضا ، فإن أكثر ما في السوق ، أن يباع فيها ما يستعان به على المعصية ، فهو كما لو حضر الرجل سوقا يباع فيها السلاح لمن يقتل به معصوما ، أو العصير لمن يخمره ، فحضرها الرجل ليشتري منها ، بل هذا أجود ؛ لأن البائع في هذا السوق ذمي ، وقد أقروا على هذه المبايعة . ثم إن الرجل لو سافر إلى دار الحرب ليشتري منها ، جاز عندنا ، كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر -رضي الله عنه- في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام ، وهي دار حرب، وحديث عمر -رضي الله عنه- وأحاديث أخر بسطت القول فيها في غير هذا الموضع مع أنه لا بد أن تشتمل أسواقهم على بيع ما يستعان به على المعصية فأما بيع المسلمين لهم في أعيادهم ، ما يستعينون به على عيدهم ، من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك ، أو إهداء ذلك لهم ، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم ، وهو مبني على أصل وهو : أن بيع الكفار عنبا أو عصيرا يتخذونه خمرا لا يجوز وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما وقد دل حديث عمر -رضي الله عنه- في إهداء الحلة السيراء إلى أخ له بمكة مشرك على جواز بيعهم الحرير ، لكن الحرير مباح في الجملة ، وإنما يحرم الكثير منه على بعض الآدميين ، ولهذا جاز التداوي به في أصح الروايتين ، ولم يجز بالخمر بحال ، وجازت صنعته في الأصل والتجارة فيه . فهذا الأصل فيه اشتباه ، فإن قيل بالاحتمال الأول في كلام أحمد جوز ذلك ، وعن أحمد في جواز حمل التجارة إلى أرض الحرب روايتان منصوصتان ، فقد يقال : بيعها لهم في العيد كحملها إلى دار الحرب ، فإن حمل الثياب والطعام إلى أرض الحرب فيه إعانة على دينهم في الجملة ، وإذا منعنا منها إلى أرض الحرب فهنا أولى ، وأكثر أصوله ونصوصه تقتضي المنع من ذلك ، لكن هل هو منع تحريم؟ أو تنزيه؟ مبني على ما سيأتي . وقد ذكر عبد الملك بن حبيب أن هذا مما اجتمع على كراهته ، وصرح بأن مذهب مالك أن ذلك حرام . قال عبد الملك بن حبيب في (الواضحة) : كره مالك أكل ما ذبح النصارى لكنائسهم ، ونهى عنه من غير تحريم ، قال : وكذلك ما ذبحوا على اسم المسيح، أو الصليب، أو أسماء من مضى من أحبارهم ورهبانهم الذين يعظمون ، فقد كان مالك وغيره ممن يقتدى به يكره أكل هذا كله من ذبائحهم ، وبه نأخذ ، وهو يضاهي قول الله تعالى { وما أهل به لغير الله } ، وهي ذبائحهم التي كانوا يذبحون لأصنامهم التي كانوا يعبدون . قال : وقد كان رجال من العلماء يستخفون ذلك ويقولون : قد أحل الله لنا ذبائحهم ، وهو يعلم ما يقولون ، وما يريدون بها ، وروى ذلك ابن وهب عن ابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، وأبي الدرداء وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد ومكحول وعطاء. قال عبد الملك : وترك ما ذبحوا لأعيادهم وأقستهم وموتاهم ، وكنائسهم أفضل . أستمع حفظ
9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال : وإن فيه عيبا آخر : أن أكله من تعظيم شركهم . ولقد سأل سعد المعافري مالكا عن الطعام الذي تصنعه النصارى لموتاهم يتصدقون به عنهم : أيأكل منه المسلم؟ فقال : " لا ينبغي، لا يأخذه منهم " ؛ لأنه إنما يعمل تعظيما للشرك فهو كالذبائح للأعياد والكنائس . وسئل ابن القاسم عن النصراني يوصي بشيء يباع من ملكه للكنيسة : هل يجوز لمسلم شراؤه؟ فقال : " لا يحل ذلك له ؛ لأنه تعظيم لشعائرهم وشرائعهم ومشتريه مسلم سوء " . وقال ابن القاسم في أرض الكنيسة يبيع الأسقف منها شيئا في مرمتها ، وربما حبست تلك الأرض على الكنيسة لمصلحتها : إنه لا يجوز للمسلمين أن يشتروها من وجهين : الواحد : من العون على تعظيم الكنيسة .والآخر: من جهة بيع الحبس ، ولا يجوز لهم في أحباسهم إلا ما يجوز للمسلمين ، ولا أرى لحاكم المسلمين أن يتعرض فيها بمنع ولا تنفيذ ولا بشيء .قال : وسئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم ، فكره ذلك مخافة نزول السخطة عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه ، وكره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئا في عيدهم مكافأة لهم ورآه من تعظيم عيدهم وعونا لهم على مصلحة كفرهم ، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم؟ لا لحما ، ولا إداما ولا ثوبا ، ولا يعارون دابة ، ولا يعاونون على شيء من عيدهم ؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم ، ومن عونهم على كفرهم ، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك ، وهو قول مالك وغيره ، لم أعلمه اختلف فيه . فأكل ذبائح أعيادهم داخل في هذا الذي اجتمع على كراهيته ، بل هو عندي أشد ، فهذا كله كلام ابن حبيب . وقد ذكر أنه قد اجتمع على كراهة مبايعتهم ومهاداتهم ما يستعينون به على أعيادهم ، وقد صرح بأن مذهب مالك : أنه لا يحل ذلك . وأما نصوص أحمد على مسائل هذا الباب : فقال إسحاق بن إبراهيم : سئل أبو عبد الله -رحمه الله- عن نصارى ، وقفوا ضيعة للبيعة : أيستأجرها الرجل المسلم منهم ؟ فقال : لا يأخذها بشيء ، لا يعينهم على ما هم فيه ، وقال أيضا : سمعت أبا عبد الله ، وسأله رجل بناء : أبني للمجوس ناووسا قال : لا تبن لهم ، ولا تعنهم على ما هم فيه . وقد نقل عن محمد بن الحكم ، وسأله عن الرجل المسلم يحفر لأهل الذمة قبرا بكراء؟ قال : لا بأس به ، والفرق بينهما أن الناووس من خصائص دينهم الباطل كالكنيسة ، بخلاف القبر المطلق ، فإنه ليس في نفسه معصية ، ولا من خصائص دينهم . وقال الخلال : " باب الرجل يؤاجر داره للذمي أو يبيعها منه " وذكر عن المروزي أن أبا عبد الله سئل عن رجل باع داره من ذمي ، وفيها محاريبه : فقال : " نصراني !" واستعظم ذلك ، وقال : " لا تباع يضرب فيها بالناقوس وينصب فيها الصلبان ، وقال : لا تباع من الكفار " ، وشدد في ذلك . وعن أبي الحارث أن أبا عبد الله سئل عن الرجل يبيع داره ، وقد جاء نصراني فأرغبه ، وزاده في ثمن الدار ، ترى له أن يبيع داره منه وهو نصراني أو يهودي أو مجوسي ؟ قال : " لا أرى له ذلك، يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها! يبيعها من مسلم أحب إلي " فهذا نص على المنع . ونقل عنه إبراهيم بن الحارث ، قيل لأبي عبد الله : الرجل يكري منزله من الذمي ينزل فيه ، وهو يعلم أنه يشرب فيه الخمر ، ويشرك فيها؟ قال : " ابن عون كان لا يكري إلا من أهل الذمة يقول : يرعبهم " قيل له : كأنه أراد إذلال أهل الذمة بهذا . قال : " لا ، ولكنه أراد : أنه كره أن يرعب المسلمين ، يقول : إذا جئت أطلب الكراء من المسلم أرعبته . فإذا كان ذميا كان أهون عنده " وجعل أبو عبد الله يعجب لهذا من ابن عون ، فيما رأيت . وهكذا نقل الأثرم سواء ، ولفظه : قلت لأبي عبد الله . ومسائل الأثرم وإبراهيم بن الحارث يشتركان فيها . أستمع حفظ
10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ونقل عنه مهنا قال : سألت أحمد عن الرجل يكري المجوس داره ، أو دكانه ، وهو يعلم أنهم يزنون ، فقال : " كان ابن عون لا يرى أن يكري المسلمين ، يقول : أرعبهم في أخذ الغلة ، وكان يرى أن يكري غير المسلمين " . قال أبو بكر الخلال : كل من حكى عن أبي عبد الله في رجل يكري داره من ذمي ، فإنما أجابه أبو عبد الله على فعل ابن عون ، ولم ينفذ لأبي عبد الله فيه قول . وقد حكى عنه إبراهيم أنه رآه معجبا بقول ابن عون ، والذين رووا عن أبي عبد الله في المسلم يبيع داره من الذمي : أنه كره ذلك كراهة شديدة ، فلو نفذ لأبي عبد الله قول في السكنى ؛ لكان السكنى والبيع عندي واحدا ، والأمر في ظاهر قول أبي عبد الله أنه لا يباع منه ؛ لأنه يكفر فيها ، وينصب الصلبان ، وغير ذلك ، والأمر عندي : أنه لا يباع منه ولا يكرى ؛ لأنه معنى واحد . أستمع حفظ
11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال : وقد أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال : سئل أبو عبد الله عن حصين بن عبد الرحمن فقال : " روى عنه حفص ، لا أعرفه " قال أبو بكر : هذا من النساك حدثني أبو سعيد الأشج سمعت أبا خالد الأحمر يقول : حفص هذا العدوي نفسه باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد أهل الكوفة ، من عون البصري فقال له أحمد : " حفص "؟ قال : نعم . فعجب أحمد ، يعني من حفص بن غياث ، قال الخلال : وهذا أيضا تقوية لمذهب أبي عبد الله . قلت : عون هذا كأنه من أهل البدع ، أو من الفساق بالعمل ، فقد أنكر أبو خالد الأحمر على حفص بن غياث قاضي الكوفة ، أنه باع دار الرجل الصالح من مبتدع ، وعجب أحمد أيضا من فعل القاضي . قال الخلال : " فإذا كان يكره بيعها من فاسق ، فكذلك من كافر ، وإن كان الذمي يقر ، والفاسق لا يقر ، لكن ما يفعله الكافر فيها أعظم " ، وهكذا ذكر القاضي عن أبي بكر عبد العزيز أنه ذكر قوله في رواية أبي الحارث : لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها ، يبيعها من مسلم أحب إلي ، فقال أبو بكر : " لا فرق بين الإجارة والبيع عنده ، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة ، وإذا منع البيع منع الإجارة" ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك . وعن إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله : سئل -يعني الأوزاعي - عن الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصراني ، فكره ذلك ، وقال أحمد : " ما أحسن ما قال ؛ لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر ، إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر فلا بأس به " .وعن أبي النضر العجلي قال : قال أبو عبد الله فيمن يحمل خمرا أو خنزيرا أو ميتة لنصراني ، فهو يكره أكل كرائه ، ولكنه يقضي للحمال بالكراء ، وإذا كان للمسلم فهو أشد كراهية " وتلخيص الكلام في ذلك : أما بيع داره من كافر ، فقد ذكرنا منع أحمد منه . ثم اختلف أصحابه : هل هذا تنزيه أو تحريم؟ فقال الشريف أبو علي بن أبي موسى : " كره أحمد أن يبيع مسلم داره من ذمي يكفر فيها بالله تعالى ، ويستبيح فيها المحظورات ، فإن فعل أساء ، ولم يبطل البيع " وكذلك أبو الحسن الآمدي أطلق الكراهة مقتصرا عليها ، وأما الخلال وصاحبه والقاضي فمقتضى كلامهم تحريم ذلك ، وقد ذكر كلام الخلال وصاحبه ، وقال القاضي : " لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار ، أو كنيسة ، أو يبيع فيه الخمر ، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر ، أو لم يشرط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر " . وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث : " لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها يبيعها من مسلم أحب إلي " . قال أبو بكر : " لا فرق بين الإجارة والبيع عنده ، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة ، وإذا منع البيع منع الإجارة " .وقال أيضا في نصارى أوقفوا ضيعة لهم للبيعة : " لا يستأجرها الرجل المسلم منهم ، يعينهم على ما هم فيه " . قال : وبهذا قال الشافعي " . فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر ، مستشهدا على ذلك بنص أحمد على أنه لا يبيعها لكافر ، ولا يستكري وقف الكنيسة ، وذلك يقتضي أن المنع في هاتين الصورتين عنده منع تحريم ، ثم قال القاضي في أثناء المسألة : فإن قيل أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة ، مع علمه بأنهم يفعلون فيها ذلك؟ قيل : " المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عون وعجب منه ، وذكر القاضي رواية الأثرم ، وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوز إجارتها من ذمي . وكذلك أبو بكر قال : إذا أجاز أجاز وإذا منع منع وما لا يجوز فهو محرم " ، وكلام أحمد رحمه الله محتمل الأمرين ، فإن قوله في رواية أبي الحارث " يبيعها من مسلم أحب إلي " يقتضي أنه منع تنزيه . واستعظامه لذلك في رواية المروذي ، وقوله : " لا تباع من الكفار " -وشدد في ذلك- يقتضي التحريم " أستمع حفظ
12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الإجارة فقد سوى الأصحاب بينها وبين البيع ، وأن ما حكاه عن ابن عون ليس بقول له ، وإن إعجابه بفعل ابن عون إنما كان لحسن مقصد ابن عون ، ونيته الصالحة ، ويمكن أن يقال : بل ظاهر الرواية أنه أجاز ذلك ، فإن إعجابه بالفعل دليل على جوازه عنده ، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين . والفرق بين الإجارة والبيع : أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة أخرى ، وهو صرف إرعاب المطالبة بالكراء عن المسلم ، وإنزال ذلك بالكفار ، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية ، فإنه وإن كان إقرارا لكافر لكن لما تضمنه من المصلحة جاز ، وكذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة . أستمع حفظ
13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما البيع : فهذه المصلحة منتفية فيه ، وهذا ظاهر على قول ابن أبي موسى وغيره أن البيع مكروه غير محرم ، فإن الكراهة في الإجارة تزول بهذه المصلحة الراجحة كما في نظائره فيصير في المسألة أربعة أقوال . وهذا الخلاف عندنا ، والتردد في الكراهة ، هو إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة ، فأما إن آجره إياها لأجل بيع الخمر ، أو اتخاذها كنيسة أو بيعة ؛ لم يجز قولا واحدا ، وبه قال الشافعي وغيره ، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور . أستمع حفظ
14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال أبو حنيفة : " يجوز أن يؤجرها لذلك " .قال أبو بكر الرازي : لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر ، وبين أن لا يشترط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر ، أن الإجارة تصح" . و مأخذه في ذلك أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء ، وإن شرط . أستمع حفظ