1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما إن آجره إياها لأجل بيع الخمر ، أو اتخاذها كنيسة أو بيعة ؛ لم يجز قولا واحدا ، وبه قال الشافعي وغيره ، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور . وقال أبو حنيفة : " يجوز أن يؤجرها لذلك " .قال أبو بكر الرازي : لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر ، وبين أن لا يشترط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر ، أن الإجارة تصح" ومأخذه في ذلك أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء ، وإن شرط ؛ لأن له أن لا يبيع فيها الخمر ولا يتخذها كنيسة ، وتستحق عليه الأجرة بالتسليم في المدة ، فإذا لم يستحق عليه فعل هذه الأشياء ، كان ذكرها وترك ذكرها سواء ، كما لو اكترى دارا لينام فيها أو يسكنها ، فإن الأجرة تستحق عليه ، وإن لم يفعل ذلك ، وكذا يقول فيما إذا استأجر رجلا يحمل خمرا ، أو ميتة ، أو خنزيرا : أنه يصح ؛ لأنه لا يتعين حمل الخمر ، بل لو حمل عليه بدله عصيرا استحق الأجرة ، فهذا التقييد عنده لغو ، فهو بمنزلة الإجارة المطلقة ، والمطلقة عنده جائزة ، وإن غلب على ظنه أن المستأجر يعصي فيها ، كما يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا ، ثم إنه كره بيع السلاح في الفتنة ، قال : لأن السلاح معمول للقتال لا يصلح لغيره .وعامة الفقهاء خالفوه في المقدمة الأولى ، وقالوا: " ليس المقيد كالمطلق ، بل المنفعة المعقود عليها هي المستحقة، فتكون هي المقابلة بالعوض ، وهي منفعة محرمة ، وإن جاز للمستأجر أن يقيم غيرها مقامها ، وألزموه ما لو اكترى دارا يتخذها مسجدا ، فإنه لا يستحق عليه فعل المعقود عليه ، ومع هذا فإنه أبطل هذه الإجارة بناء على أنها اقتضت فعل الصلاة ، وهي لا تستحق بعقد إجارة . ونازعه أصحابنا وكثير من الفقهاء في المقدمة الثانية وقالوا : " إذا غلب على ظنه أن المستأجر ينتفع بها في محرم حرمت الإجارة له ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها ، والعاصر إنما يعصر عصيرا لكن إذا رأى أن المعتصر يريد أن يتخذه خمرا ، وعصره استحق اللعنة ، وهذا أصل مقرر في غير هذا الموضع . أستمع حفظ
2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال أبو حنيفة : " يجوز أن يؤجرها لذلك " .قال أبو بكر الرازي : لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر ، وبين أن لا يشترط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر ، أن الإجارة تصح" ومأخذه في ذلك أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء ، وإن شرط ، لأن له أن لا يبيع فيها الخمر ولا يتخذها كنيسة ، وتستحق عليه الأجرة بالتسليم في المدة ، فإذا لم يستحق عليه فعل هذه الأشياء ، كان ذكرها وترك ذكرها سواء ، كما لو اكترى دارا لينام فيها أو يسكنها ، فإن الأجرة تستحق عليه ، وإن لم يفعل ذلك ، وكذا يقول فيما إذا استأجر رجلا يحمل خمرا ، أو ميتة ، أو خنزيرا : أنه يصح ؛ لأنه لا يتعين حمل الخمر ، بل لو حمل عليه بدله عصيرا استحق الأجرة ، فهذا التقييد عنده لغو ، فهو بمنزلة الإجارة المطلقة ، والمطلقة عنده جائزة ، وإن غلب على ظنه أن المستأجر يعصي فيها ، كما يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا ، ثم إنه كره بيع السلاح في الفتنة ، قال : لأن السلاح معمول للقتال لا يصلح لغيره .وعامة الفقهاء خالفوه في المقدمة الأولى ، وقالوا: " ليس المقيد كالمطلق ، بل المنفعة المعقود عليها هي المستحقة، فتكون هي المقابلة بالعوض ، وهي منفعة محرمة ، وإن جاز للمستأجر أن يقيم غيرها مقامها ، وألزموه ما لو اكترى دارا يتخذها مسجدا ، فإنه لا يستحق عليه فعل المعقود عليه ، ومع هذا فإنه أبطل هذه الإجارة بناء على أنها اقتضت فعل الصلاة ، وهي لا تستحق بعقد إجارة . ونازعه أصحابنا وكثير من الفقهاء في المقدمة الثانية وقالوا : " إذا غلب على ظنه أن المستأجر ينتفع بها في محرم حرمت الإجارة له ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها ، والعاصر إنما يعصر عصيرا لكن إذا رأى أن المعتصر يريد أن يتخذه خمرا ، وعصره استحق اللعنة ، وهذا أصل مقرر في غير هذا الموضع . أستمع حفظ
7 - ما معنى قول المصنف: " ومأخذه في ذلك أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء ، وإن شرط ، لأن له أن لا يبيع فيها الخمر ولا يتخذها كنيسة ." ؟ أستمع حفظ
8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " لكن معاصي الذمي قسمان : أحدهما : ما اقتضى عقد الذمة إقراره عليها . والثاني : ما اقتضى عقد الذمة منعه منها ، أو من إظهارها . فأما القسم الثاني : فلا ريب أنه لا يجوز على أصلنا أن يؤاجر أو يبايع ، إذا غلب على الظن أن يفعل ذلك كالمسلم وأولى . وأما القسم الأول : فعلى ما قاله ابن أبي موسى : " يكره ولا يحرم " ؛ لأنا قد أقررناه على ذلك ، وإعانته على سكنى هذه الدار كإعانته على سكنى دار الإسلام ، فلو كان هذا من الإعانة المحرمة لما جاز إقرارهم بالجزية ، وإنما كره ذلك لأنه إعانة من غير مصلحة ، لإمكان بيعها من مسلم ، بخلاف الإقرار بالجزية ، فإنه جاز لأجل المصلحة " . أستمع حفظ
9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وعلى ما قاله القاضي لا يجوز ؛ لأنه إعانة على ما يستعين به على المعصية ، من غير مصلحة تقابل هذه المفسدة فلم يجز ، بخلاف إسكانهم دار الإسلام ، فإن فيه من المصالح ما هو مذكور في فوائد إقرارهم بالجزية . أستمع حفظ
10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومما يشبه ذلك : أنه قد اختلف قول أحمد إذا ابتاع الذمي أرض عشر من مسلم ، على روايتين ، منع من ذلك في إحداهما ، قال : " لأنه لا زكاة على الذمي ، وفيه إبطال العشر ، وهذا ضرر على المسلمين " قال : " وكذلك لا يمكنون من استئجار أرض العشر لهذه العلة . وقال في الرواية الأخرى : " لا بأس أن يشتري الذمي أرض العشر من مسلم " . واختلف قوله إذا جاز ذلك فيما على الذمي فيما تخرج هذه الأرض على روايتين : قال في إحداهما : " لا عشر عليه ، ولا شيء سوى الجزية " . وقال في الرواية الأخرى : " عليه فيما يخرج من هذه الأرض الخمس ضعف ما كان على المسلم " ومن أصحابنا من حكى رواية أنهم ينهون عن شرائها ، فإن اشتروها أضعف عليهم العشر وفي كلام أحمد ما يدل على هذا ، فإذا كان قد اختلف قوله في جواز تمليكهم عامر الأرض العشرية ؛ لما فيه من رفع العشر ، فالمفسدة الدينية الحاصلة بكفرهم وفسقهم -في دار كانت للمسلمين يعبد الله فيها ويطاع- أعظم من منع العشر . ولهذا تردد : " هل يرفع الضرر بمنع التملك بالكلية؟ " إذ مع تجويز البيع : إما أن يعطل حق المسلمين ، أو تؤخذ الزكاة من الكفار ، وكلاهما غير ممكن ، فكان منع التملك أسهل ، كما منعناه من تملك العبد المسلم والمصحف ، لما فيه من تمكين عدو الله من أولياء الله ، وكلام الله . أستمع حفظ
11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك نمنعهم -على ظاهر المذهب - من شراء السبي الذي جرى عليه سهام المسلمين ، كما شرط عليهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أو يرفع الضرر بإبقاء حق الأرض عليه ، كما يؤخذ ممن اتجر منهم في أرض المسلمين ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة . ويتخرج : أنه لا يؤخذ منه إلا عشر واحد كالمسألة الآتية ، وهذا في العشرية التي ليست خراجية . فأما الخراجية فقالوا : ليس لذمي أن يبتاع أرضا فتحها المسلمون عنوة ، وإذا جوزنا بيع أرض العنوة كان حكم الذمي في ابتياعها كحكمه في ابتياع أرض العشر المحض ، إذ جميع الأرض عشرية عندنا وعند الجمهور ، بمعنى أن العشر يجب فيما أخرجت . وكذلك أرض الموات من أرض الإسلام التي ليست خراجية ، هل للذمي أن يتملكها بالإحياء ؟ قال طائفة من العلماء : ليس له ذلك ، وهو قول الشافعي وابن حامد وهذا قياس إحدى الروايتين عن أحمد في منعه ابتياعها فإنها إذا لم يجوز تملكها بالابتياع فبالإحياء أولى ، لكن قد يفرق بينهما بأن المبتاعة أرض عامرة ، ففيه ضرر محقق بخلاف إحياء الميتة فإنه لا يقطع حقا . أستمع حفظ
12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والمنصوص عن أحمد - وعليه الجمهور من أصحابه - أنه يملكها بالإحياء ، وهو قول أبي حنيفة ، واختلف فيه عن مالك . ثم هل عليه العشر؟ فيه روايتان : قال ابن أبي موسى : " ومن أحيا من أهل الذمة أرضا مواتا فهي له ، ولا زكاة عليه فيها ، ولا عشر فيما أخرجت " وقد روي عنه رواية أخرى : " أنه لا خراج على أهل الذمة في أرضهم ، ويؤخذ منهم العشر مما يخرج ، يضاعف عليهم " والأول عنه أظهر . فهذا الذي حكاه ابن أبي موسى ، من تضعيف العشر فيما يملكه بالإحياء ، هو قياس تضعيفه فيما ملكه بالابتياع . لكن نقل حرب عنه في رجل من أهل الذمة أحيا مواتا . قال : " هو عشر " ففهم القاضي وغيره من الأصحاب أن الواجب هو العشر المأخوذ من المسلم من غير تضعيف . فحكوا في وجوب العشر فيها روايتين ، وابن أبي موسى نقل الروايتين في وجوب عشر مضعف . وعلى طريقة القاضي يخرج في مسألة الابتياع كذلك . وهذا الذي نقله ابن أبي موسى أصح ؛ فإن الكرماني ، ومحمد بن أبي حرب وإبراهيم بن هانئ ، ويعقوب بن بختان نقلوا : أن أحمد سئل- وقال حرب : سألت أحمد قلت- : " إن أحيا رجل من أهل الذمة مواتا ماذا عليه؟ " قال : " أما أنا فأقول : ليس عليه شيء " قال : " وأهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا ، يقولون : لا يترك الذمي أن يشتري أرض العشر " . قال : " وأهل البصرة يقولون قولا عجبا! يقولون : يضاعف عليه العشر " . قال : وسألت أحمد مرة أخرى ، فقلت : إن أحيا رجل من أهل الذمة مواتا؟ قال : " هو عشر " . وقال مرة أخرى : " ليس عليه شيء " .وروى حرب عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قيل له : أخذكم الخمس من أرض أهل الذمة ، التي في أرض العرب ، أبأثر عندكم ، أم بغير أثر؟ قال : " ليس عندنا فيه أثر ، ولكن قسناه بما أمر به عمر -رضي الله عنه- أن يؤخذ من أموالهم إذا اتجروا بها ، ومروا بها على عشار " . فهذا أحمد -رضي الله عنه- سئل عن إحياء الذمي الأرض ، فأجاب : بأنه ليس عليه شيء ، وذكر اختلاف الفقهاء في مسألة اشترائه الأرض : هل يمنع ، أو يضعف عليه العشر؟ وهذا يبين لك أن المسألتين عنده واحدة ، وهو تملك الذمي الأرض العشرية ، سواء كان بابتياع أو إحياء أو غير ذلك . وكذلك ذكر العنبري قاضي أهل البصرة: أنهم يأخذون الخمس من جميع أرض أهل الذمة العشرية، وذلك يعم ما ملك انتقالا، أو ابتداء وهذا يفيدك أن أحمد إذا منع الذمي أن يبتاع الأرض العشرية ، فكذلك يمنعه من إحيائها ، وأنه إذا أخذ منه فيما ابتاعه الخمس ، فكذلك فيما أحياه ، وأن من نقل عنه عشرا مفردا في الأرض المحياة دون المبتاعة فليس بمستقيم ، وإنما سببه قوله في الرواية الأخرى التي نقلها الكرماني : هي أرض عشر ولكن هذا كلام مجمل قد فسره أبو عبد الله في موضع آخر ، وبين مأخذه . ونقل الفقه : إن لم يعرف الناقل مأخذ الفقيه ، وإلا فقد يقع فيه الغلط كثيرا . وقد أفصح أرباب هذا القول بأن مأخذهم قياس الحراثة على التجارة ، فإن الذمي إذا اتجر في غير أرضه فإنه يؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من المسلمين ، وهو نصف العشر ، فكذلك إذا استحدث أرضا غير أرضه ؛ لأنه في كلا الموضعين قد أخذ يكتسب في غير مكانه الأصلي ، وحق الحرث والتجارة قرينان ، كما في قوله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } وكذلك قال أحمد في رواية الميموني : يؤخذ من أموال أهل الذمة ، إذا اتجروا فيها قومت ، ثم أخذ منهم زكاتها مرتين ، تضعف عليهم ؛ لقول عمر -رضي الله عنه- : " أضعفها عليهم " . فمن الناس من شبه الزرع على ذلك . قال الميموني : " والذي لا شكفيه من قول أبي عبد الله -غير مرة- : أن أرض أهل الذمة التي في الصلح ليس عليها خراج ، إنما ينظر إلى ما أخرجت ، يؤخذ منهم العشر مرتين " .قال الميموني : " قلت لأبي عبد الله : فالذي يشتري أرض العشر ما عليه؟ " قال لي : " الناس كلهم يختلفون في هذا : منهم من لا يرى عليه شيئا ، ويشبهه بماله ليس عليه فيه زكاة إذا كان مقيما ما كان بين أظهرنا ، وبماشيته " فيقول : " هذه أموال ، وليس عليه فيها صدقة " . ومنهم من يقول : " هذه حقوق لقوم ، ولا يكون شراؤه الأرض يذهب بحقوق هؤلاء منهم " ، والحسن يقول : " إذا اشتراها ضوعف عليه " . قلت : " كيف يضعف عليه؟ " قال : " لأن عليه العشر ، فيؤخذ منه الخمس " قلت : " يذهب إلى أن يضعف عليه الخمس فيؤخذ منه الخمس فالتفت إلي ، فقال : " نعم يضعف عليهم " . قال : وذاكرنا أبا عبد الله : أن مالكا كان يرى أن لا يؤخذ منهم شيء ، وكان يحول بينهم وبين الشراء لشيء منها ، وهذه الرواية اختيار الخلال ، وهي مسألة كبيرة ، ليس هذا موضع استقصائها .والفقهاء أيضا مختلفون في هذه المسألة ، كما ذكره أبو عبد الله . فمن نقل عنه تضعيف العشر : عمر بن عبد العزيز ، والحسن البصري ، وغيره من أهل البصرة ، وبعضهم يرويه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو قول أبي يوسف . ومنهم من قال : " بل يؤخذ العشر على ما كان عليه ، كالقول الذي ذكره بعض أصحابنا " . ويروى هذا عن الثوري ، ومحمد بن الحسن . وحكي عن الثوري : لا شيء عليه كالرواية الأخرى عن أحمد . ويروى هذا عن مالك أيضا ، وعن مالك : أنه يؤمر ببيعها . وحكي ذلك عن الحسن بن صالح وشريك وهو قول الشافعي . وقال أبو ثور يجبر على بيعها .وقياس قول من يضعف العشر : أن المستأمن لو زرع في دار الإسلام لكان الواجب عليه خمسين ، ضعفا ما يؤخذ من الذمي ، كما أنه إذا اتجر في دار الإسلام ، يؤخذ منه العشر ، ضعفا ما يؤخذ من الذمي . أستمع حفظ
13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فقد ظهر أنا -على إحدى الروايتين ، وقول طوائف من أهل العلم -نمنعهم من أن يستولوا على عقار في دار الإسلام للمسلمين فيه حق من المساكن والمزارع ، كما نمنعهم أن يحدثوا في دار الإسلام بناء لعباداتهم من كنيسة أو بيعة أو صومعة ؛ لأن عقد الذمة اقتضى إقرارهم على ما كانوا عليه من غير تعد منهم إلى الاستيلاء فيما ثبت للمسلمين فيه حق من عقار أو رقيق . وهذا لأن مقصود الدعوة : أن تكون كلمة الله هي العليا ، وإنما أقروا بالجزية للضرورة العارضة ، والحكم المقيد بالضرورة مقدر بقدرها ، ولهذا لم يثبت عن واحد من السلف حق شفعة على مسلم ، وأخذ بذلك أحمد رحمه الله وغيره ؛ لأن الشقص الذي يملكه مسلم ، إذا أوجبنا فيه شفعة لذمي ، كنا قد أوجبنا على المسلم أن ينقل الملك في عقاره إلى ذمي بطريق القهر للمسلم ، وهذا خلاف الأصول ولهذا نص أحمد على أن البائع للشقص إذا كان مسلما وشريكه ذمي ، لم يجب له شفعة ؛ لأن الشفعة في الأصل إنما هي من حقوق أحد الشريكين على الآخر ، بمنزلة الحقوق التي تجب على المسلم للمسلم : كإجابة الدعوة ، وعيادة المريض ، وكمنعه أن يبيع على بيعه أو يخطب على خطبته ، وهذا كله عند أحمد مخصوص بالمسلمين ، وفي البيع والخطبة خلاف بين الفقهاء . وأما استئجاره الأرض الموقوفة على الكنيسة ، وشراؤه ما يباع للكنيسة: فقد أطلق أحمد المنع أنه لا يستأجرها ، لا يعينهم على ما هم فيه . أستمع حفظ
17 - ما معنى قول المصنف : " وأما استئجاره الأرض الموقوفة على الكنيسة ، وشراؤه ما يباع للكنيسة: فقد أطلق أحمد المنع أنه لا يستأجرها ، لا يعينهم على ما هم فيه " ؟ أستمع حفظ
18 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك أطلقه الآمدي وغيره . ومثل هذا ما لو اشترى من المال الموقوف للكنيسة أو الموصى لها به ، أو باع آلات يبنون بها كنيسة ونحو ذلك ، والمنع هنا أشد ؛ لأن نفس هذا المال الذي يبذله يصرف في المعصية ، فهو كبيع العصير لمن يتخذه خمرا بخلاف نفس السكنى ، فإنها ليست محرمة ، ولكنهم يعصون في المنزل ، فقد يشبه ما لو قد باعهم الخبز واللحم والثياب ، فإنهم قد يستعينون بذلك على الكفر ، وإن كان الإسكان فوق هذا ؛ لأن نفس الأكل والشرب ليس بمحرم ، ونفس المنفعة المعقود عليها في الإجارة -وهو اللبث- قد يكون محرما ، ألا ترى أن الرجل لا ينهى أن يتصدق على الكفار والفساق في الجملة ، وينهى أن يقعد في منزله من يكفر أو يفسق؟ وقد تقدم تصريح ابن القاسم أن هذا الشراء لا يحل ، وأطلق الشافعي المنع من معاونتهم على بناء الكنيسة ، ونحو ذلك ، فقال في كتاب الجزية من الأم : " ولو أوصى -يعني الذمي- بثلث ماله أو شيء منه يبني به كنيسة لصلوات النصارىأو يستأجر به خدما للكنيسة ، أو تعمر به الكنيسة ، أو يستصبح به فيها ، أو يشتري به أرضا فتكون صدقة على الكنيسة ، أو تعمر بهأو ما في هذا المعنى ؛ كانت الوصية باطلة ولو أوصى أن يبني كنيسة ينزلها مار الطريق ، أو وقفها على قوم يسكنونها جازت الوصية ، وليس في بنيان الكنيسة معصية ، إلا أن تتخذ لمصلى النصارى الذي اجتماعهم فيها على الشرك" ، قال : وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارا ، أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم . وأما مذهب أحمد في الإجارة لعمل ناووس ونحوه ، فقال الآمدي : لا يجوز رواية واحدة ؛ لأن المنفعة المعقود عليها محرمة ، وكذلك الإجارة لبناء كنيسة أو بيعة ، أو صومعة ، كالإجارة لكتبهم المحرفة . وأما مسألة حمل الخمر والميتة والخنزير للنصراني أو للمسلم فقد تقدم لفظ أحمد أنه قال فيمن حمل خمرا أو خنزيرا أو ميتة لنصراني : فهو يكره أكل كرائه ، ولكن يقضي للحمال بالكراء ، وإذا كان للمسلم فهو أشد . زاد بعضهم فيها : ويكره أن يحمل الميتة بكراء ، أو يخرج دابة ميتة ، ونحو هذا .ثم اختلف أصحابنا في هذا الجواب على ثلاث طرق : أحدها : إجراؤه على ظاهره ، وأن المسألة رواية واحدة ، قال ابن أبي موسى : وكره أحمد أن يؤجر المسلم نفسه لحمل ميتة أو خنزير لنصراني . قال : فإن فعل قضي له بالكراء ، وإن آجر نفسه لحمل محرم لمسلم كانت الكراهة أشد ، ويأخذ الكراء . وهل يطيب له أم لا على وجهين ، أوجههما : أنه لا يطيب له ، وليتصدق به . وهكذا ذكر أبو الحسن الآمدي ، قال : وإذا آجر نفسه من رجل في حمل خمر أو خنزير أو ميتة ؛ كره . نص عليه . وهذه كراهة تحريم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن حاملها . إذا ثبت هذا فيقضى له بالكراء ، وغير ممتنع أن يقضى بالكراء وإن كان محرما ، كإجارة الحجام ، فقد صرح هؤلاء بأنه يستحق الأجرة مع كونها محرمة عليه على الصحيح . الطريقة الثانية : تأويل هذه الرواية بما يخالف ظاهرها ، وجعل المسألة رواية واحدة : أن هذه الإجارة لا تصح ، وهي طريقة القاضي في المجرد ، وهي طريقة ضعيفة ، رجع عنها القاضي في كتبه المتأخرة ، فإنه صنف المجرد قديما .الطريقة الثالثة : تخرج هذه المسألة على روايتين : إحداهما : أن هذه الإجارة صحيحة يستحق بها الأجرة مع الكراهة للفعل وللأجرة . والثانية : لا تصح الإجارة ، ولا يستحق بها أجرة ، وإن حمل . وذلك على قياس قوله في أن الخمر لا يجوز إمساكها ، وتجب إراقتها . قال في رواية أبي طالب: إذا أسلم ، وله خمر أو خنازير ، تصب الخمر وتسرح الخنازير ، وقد حرما عليه ، وإن قتلها فلا بأس ، فقد نص على أنه لا يجوز إمساكها ، ولأنه قد نص في رواية ابن منصور : أنه يكره أن يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصراني ؛ لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر . فقد منع من إجارة نفسه على حفظ الكرم الذي يتخذ للخمر ، فأولى أن يمنع من إجارة نفسه على حمل الخمر . فهذه طريقة القاضي في التعليق وتصرفه ، وعليها أكثر أصحابه ، مثل أبي الخطاب ، وهي طريقة من احتذى حذوه من المتأخرين .والمنصور عندهم الرواية المخرجة ، وهي مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد ، وهذا عند أصحابنا فيما إذا استأجر على حمل الخمر إلى بيته ، أو حانوته ، أو حيث لا يجوز إقرارها ، سواء كان حملها للشرب أو مطلقا : فأما إن كان يحملها ليريقها ، أو يحمل الميتة لينقلها إلى الصحراء ؛ لئلا يتأذى بنتن ريحها ، فإنه يجوز الإجارة على ذلك ؛ لأنه عمل مباح ، لكن إن كانت الأجرة جلد الميتة لم تصح ، واستحق أجرة المثل ، وإن كان قد سلخ الجلد وأخذه رده على صاحبه ، وهذا مذهب مالك ، وأظنه مذهب الشافعي أيضا . ومذهب أبي حنيفة كالرواية الأولى ، ومأخذه في ذلك : أن الحمل إذا كان مطلقا لم يكن المستحق عين حمل الخمر ، وأيضا فإن مجرد حملها ليس معصية ؛ لجواز أن تحمل لتراق ، أو تخلل عنده ، ولهذا إذا كان الحمل للشرب لم يصح ، ومع هذا فإنه يكره الحمل . والأشبه -والله أعلم- طريقة ابن أبي موسى ، فإنها أقرب إلى مقصود أحمد ، وأقرب إلى القياس ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعة تستحق عوضا ، وهي ليست محرمة في نفسها ، وإنما حرمت لقصد المعتصر ، والمستحمل فهو كما لو باع عنبا أو عصيرا لمن يتخذه خمرا ، وفات العصير والخمر في يد المشتري ، فإن مال البائع لا يذهب مجانا ، بل يقضي له بعوضه ، كذلك هاهنا المنفعة التي وفاها المؤجر لا تذهب مجانا ، بل يعطى بدلها ، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر لا من جهته . أستمع حفظ