1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم نحن نحرم الأجرة عليه ، لحق الله سبحانه لا لحق المستأجر ، والمشتري بخلاف من استأجر للزنا أو التلوط أو القتل أو الغصب أو السرقة ، فإن نفس هذا العمل محرم لا لأجل قصد المشتري ، فهو كما لو باعه ميتة أو خمرا ، فإنه لا يقضي له بثمنها ؛ لأن نفس هذه العين محرمة . ومثل هذه الإجارة والجعالة لا توصف بالصحة مطلقا ، ولا بالفساد مطلقا ، بل هي صحيحة بالنسبة إلى المستأجر ، بمعنى أنه يجب عليه مال الجعل والأجرة وهي فاسدةبالنسبة إلى الأجير ، بمعنى أنه يحرم عليه الانتفاع بالأجرة والجعل ، ولهذا في الشريعة نظائر .وعلى هذا فنص أحمد على كراهة نظارة كرم النصراني لا ينافي هذا ، فإنا ننهاه عن هذا الفعل وعن ثمنه ، ثم نقضي له بكرائه ، ولو لم نفعل هذا لكان في هذا منفعة عظيمة للعصاة ، فإن كل من استأجروه على عمل يستعينون به على المعصية قد حصلوا غرضهم منه، ثم لا يعطونه شيئا ، وما هم بأهل أن يعاونوا على ذلك .بخلاف من سلم إليهم عملا لا قيمة له بحال . نعم : البغي والمغني والنائحة ، ونحوهم ؛ إذا أعطوا أجورهم ثم تابوا : هل يتصدقون بها ، أو يجب أن يردوها على من أعطاهموها؟ فيها قولان أصحهما : أنا لا نردها على الفساق الذين بذلوها في المنفعة المحرمة ، ولا يباح الأخذ بل يتصدق بها ، وتصرف في مصالح المسلمين ، كما نص عليه أحمد في أجرة حمال الخمر . ومن ظن أنها ترد على الباذل المستأجر ؛ لأنها مقبوضة بعقد فاسد ، فيجب ردها عليه كالمقبوض بالربا ، أو نحوه من العقود الفاسدة . فيقال له : المقبوض بالعقد الفاسد يجب فيه التراد من الجانبين ، فيرد كل منهما على الآخر ما قبضه منه، كما في تقابض الربا عند من يقول: المقبوض بالعقد الفاسد لا يملك كما هو المعروف من مذهب الشافعي وأحمد .فأما إذا تلف المقبوض عند القابض ، فإنه لا يستحق استرجاع عوضه مطلقا ، وحينئذ فيقال : وإن كان ظاهر القياس يوجب ردها بناء على أنها مقبوضة بعقد فاسد ، فإن الزاني ومستمع الغناء والنوح قد بذلوا هذا المال عن طيب نفوسهم ، واستوفوا العوض المحرم ، والتحريم الذي فيه ليس لحقهم ، وإنما هو لحق الله تعالى ، وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض ، والأصول تقتضي : أنه إذا رد أحد العوضين يرد الآخر ، فإذا تعذر على المستأجر رد المنفعة لم يرد عليه المال .وأيضا فإن هذا الذي استوفيت منفعته عليه ضرر في أخذ منفعته وعوضها جميعا منه ، بخلاف ما لو كان العوض خمرا أو ميتة ، فإن تلك لا ضرر عليه في فواتها ، فإنها لو كانت باقية أتلفناها عليه ، ومنفعة الغناء والنوح لو لم تفت لتوفرت عليه ، بحيث كان يتمكن من صرف تلك المنفعة في أمر آخر ، أعني من صرف القوة التي عمل بها . فيقال على هذا : فينبغي أن يقضوا بها إذا طالب بقبضها . قيل: نحن لا نأمر بدفعها ولا بردها كعقود الكفار المحرمة ، فإنهم إذا أسلموا قبل القبض لم نحكم بالقبض ، ولو أسلموا بعد القبض لم نحكم بالرد ، ولكن في حق المسلم تحرم هذه الأجرة عليه ؛ لأنه كان معتقدا لتحريمها بخلاف الكافر ، وذلك لأنه إذا طلب الأجرة قلنا له : أنت فرطت ، حيث صرفت قوتك في عمل محرم ، فلا يقضى لك بأجرة . فإذا قبضها ثم قال الدافع : هذا المال اقضوا لي برده ، فإنما أقبضته إياه عوضا عن منفعة محرمة . قلنا له : دفعته بمعاوضة رضيت بها ، فإذا طلبت استرجاع ما أخذ فاردد إليه ما أخذت إذا كان له في بقائه معه منفعة ، فهذا أستمع حفظ
8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومثل هذا يتوجه فيما يقبض من ثمن الميتة والخمر ، وأيضا فمشتري الخمر إذا أقبض ثمنها وقبضها وشراها ، ثم طلب أن يعاد إليه الثمن كان الأوجه أن يرد إليه الثمن ولا يباح للبائع ، ولا سيما ونحن نعاقب الخمار -بياع الخمر- بأن نحرق الحانوت التي تباع فيها الخمر ، نص على ذلك أحمد وغيره من العلماء ؛ فإن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حرق حانوتا يباع فيها الخمر ، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حرق قرية يباع فيها الخمر ، وهي آثار معروفة ، وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع ؛ وذلك لأن العقوبات المالية عندنا باقية غير منسوخة .فإذا عرف أصل أحمد في هذه المسائل ، فمعلوم أن بيعهم ما يقيمون به أعيادهم المحرمة ، مثل بيعهم العقار للسكنى وأشد ، بل هو إلى بيعهم العصير أقرب منه إلى بيعهم العقار ؛ لأن ما يبتاعونه من الطعام واللباس ونحو ذلك يستعينون به على العيد ، إذ العيد كما قدمنا اسم لما يفعل من العبادات والعادات ، وهذه إعانة على ما يقام من العادات ، لكن لما كان جنس الأكل والشرب واللباس ليس محرما في نفسه ، بخلاف شرب الخمر ؛ فإنه محرم في نفسه .فإن كان ما يبتاعونه يفعلون به نفس المحرم : مثل صليب ، أو شعانين ، أو معمودية ، أو تبخير ، أو ذبح لغير الله ، أو صورة ونحو ذلك ؛ فهذا لا ريب في تحريمه ، كبيعهم العصير ليتخذوه خمرا ، وبناء الكنيسة لهم ، وأما ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس ، فأصول أحمد وغيره تقتضي كراهته .لكن : كراهة تحريم كمذهب مالك ، أو كراهة تنزيه؟ والأشبه : أنه كراهة تحريم كسائر النظائر عنده ، فإنه لا يجوز بيع الخبز واللحم والرياحين للفساق الذين يشربون عليها الخمر ، ولأن هذه الإعانة قد تفضي إلى إظهار الدين وكثرة اجتماع الناس لعيدهم وظهوره ، وهذا أعظم من إعانة شخص معين . لكن من يقول : هذا مكروه كراهة تنزيه يقول : هذا متردد بين بيع العصير وبيع الخنزير ، وليس هذا مثل بيعهم العصير الذي يتخذونه خمرا ؛ لأنا إنما يحرم علينا أن نبيع الكفار ما كان محرم الجنس : كالخمر ، والخنزير فأما ما يباح في حال دون حال كالحرير ونحوه فيجوز بيعه لهم .وأيضا ، فإن الطعام واللباس الذي يباعونه في عيدهم ليس محرما في نفسه ، وإنما الأعمال التي يعملونها به لما كانت شعار الكفر، نهي عنها المسلم لما فيها من مفسدة انجراره إلى بعض فروع الكفر. فأما الكافر فهي لا تزيده من الفساد أكثر مما هو فيه ؛ لأن نفس حقيقة الكفر قائمة به ؛ فدلالة الكفر وعلامته إذا كانت مباحة لم يكن فيها كفر زائد ، كما لو باعهم المسلم ثياب الغيار التي يتميزون بها عن المسلمين ، بخلاف شرب الخمر وأكل الخنزير فإنه زيادة في الكفر . نعم : لو باعهم المسلم ما يتخذونه صليبا ، أو شعانين ونحو ذلك ، فهنا قد باعهم ما يستعينون به على نفس المعصية . ومن نصر التحريم يجيب عن هذا بأن شعار الكفر وعلامته ودلالته على وجهين : وجه نؤمر به في دين الإسلام ، وهو ما فيه إذلال للكفر وصغار ، فهذا إذا اتبعوه كان ذلك إعانة على ما يأمر الله به ورسوله ، فإنا نحن نأمرهم بلباس الغيار . ووجه ننهى عنه وهو ما فيه إعلاء للكفر وإظهار له ، كرفع أصواتهم بكتابهم ، وإظهار الشعانين ، وبيع النواقيس لهم ، وبيع الرايات والألوية لهم ، ونحو ذلك ، فهذا من شعائر الكفر التي نحن مأمورون بإزالتها ، والمنع منها في ديار الإسلام ، فلا يجوز إعانتهم عليها . أستمع حفظ
9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم ، فقد قدمنا عن علي -رضي الله عنه- أنه أتي بهدية النيروز فقبلها . وروى ابن أبي شيبة في المصنف : حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه أن امرأة سألت عائشة ، قالت : إن لنا أظآرا من المجوس ، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا . فقالت : "أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا ، ولكن كلوا من أشجارهم " وقال حدثنا وكيع عن الحسن بن حكيم ، عن أمة ، عن أبي برزة : أنه كان له سكان مجوس ، فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان ، فكان يقول لأهله : " ما كان من فاكهة فكلوه وما كان من غير ذلك فردوه " .فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم ، بل حكمها في العيد وغيره سواء ؛ لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم . لكن قبول هدية الكفار من أهل الحرب وأهل الذمة مسألة مستقلة بنفسها ؛ فيها خلاف وتفصيل ليس هذا موضعه ، وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم ، بابتياع أو هدية ، أو غير ذلك مما لم يذبحوه للعيد ، فأما ذبائح المجوس ، فالحكم فيها معلوم ، فإنها حرام عند العامةفأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم ، وما يتقربون بذبحه إلى غير الله ، نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى ، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة ، فعن أحمد روايتان : أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله ، وإن لم يسم عليه غير الله تعالى ، ونقل النهي عن ذلك ، عن عائشة وعبد الله بن عمر .قال الميموني : سألت أبا عبد الله عن ذبائح أهل الكتاب فقال : إن كان مما يذبحون لكنائسهم. فقال : يدعون التسمية على عمد ، إنما يذبحون للمسيح.وذكر أيضا: أنه سأل أبا عبد الله عمن ذبح من أهل الكتاب ولم يسم ، فقال : إن كان مما يذبحون لكنائسهم . فقال ابن عمر يترك التسمية فيه على عمد ؛ إنما يذبح للمسيح ، وقد كرهه ابن عمر ، إلا أن أبا الدرداء يتأول أن طعامهم حل ، وأكثر ما رأيت منه الكراهية لأكل ما ذبحوا لكنائسهم .وقال أيضا: سألت أبا عبد الله عن ذبيحة المرأة من أهل الكتاب ، ولم تسم قال : " إن كانت ناسية فلا بأس ، وإن كان مما يذبحون لكنائسهم قد يدعون التسمية فيه على عمد " وقال المروزي : قرئ على أبي عبد الله : { وما ذبح على النصب }، قال : " على الأصنام " وقال : " كل شيء ذبح على الأصنام لا يؤكل " .وقال حنبل : قال عمي: " أكره كل ما ذبح لغير الله ، والكنائس إذا ذبح لها ، وما ذبح أهل الكتاب على معنى الذكاة فلا بأس به، وما ذبح يريد به غير الله فلا آكله ، وما ذبحوا في أعيادهم أكرهه " .وروى أحمد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي : سألت ميمونا عما ذبحت النصارى لأعيادهم وكنائسهم ، فكره أكله . قال حنبل : سمعت أبا عبد الله قال : " لا يؤكل ؛ لأنه أهل لغير الله به ويؤكل كل ما سوى ذلك ، وإنما أحل الله عز وجل من طعامهم ما ذكر اسم الله عليه ، قال الله عز وجل { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه }، وقال :{ وما أهل به لغير الله } فكل ما ذبح لغير الله فلا يؤكل لحمه " .وروى حنبل عن عطاء في ذبيحة النصراني يقول : اسم المسيح ، قال : كل ، قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يسأل عن ذلك قال : لا تأكل ، قال الله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فلا أرى هذا ذكاة { وما أهل لغير الله به }.فاحتجاج أبي عبد الله بالآية دليل على أن الكراهة عنده كراهة تحريم ، وهذا قول عامة قدماء الأصحاب ، قال الخلال في باب التوقي لأكل ما ذبحت النصارى وأهل الكتاب لأعيادهم وذبائح أهل الكتاب لكنائسهم : " كل من روى عن أبي عبد الله روى الكراهة فيه ، وهي متفرقة في هذه الأبواب .وما قاله حنبل في هاتين المسألتين ذكر عن أبي عبد الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } { وما أهل لغير الله به } فإنما الجواب من أبي عبد الله فيما أهل لغير الله به ، وأما التسمية وتركها ، فقد روى عنه جميع أصحابه : أنه لا بأس بأكل ما لم يسموا عليه ، إلا في وقت ما يذبحون لأعيادهم وكنائسهم ، فإنه معنى قوله تعالى { وما أهل لغير الله به } ، وعند أبي عبد الله أن تفسير { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } إنما عنى به الميتة . وقد أخرجته في موضعه .ومقصود الخلال : أن نهي أحمد لم يكن لأجل ترك التسمية فقط ؛ فإن ذلك عنده لا يحرم ، وإنما كان لأنهم ذبحوا لغير الله ، سواء كانوا يسمون غير الله أو لا يسمون الله ولا غيره ، ولكن قصدهم الذبح لغيره . وقال ابن أبي موسى : ويجتنب أكل كل ما ذبحه اليهود والنصارى لكنائسهم وأعيادهم ، ولا يؤكل ما ذبح للزهرة والرواية الثانية : أن ذلك مكروه غير محرم ، وهذه التي ذكرها القاضي وغيره . وأخذوا ذلك -فيما أظنه- مما نقله عبد الله بن أحمد ، قال : سألت أبي عمن ذبح للزهرة ، قال : لا يعجبني . قلت : أحرام أكله؟ قال : لا أقول حراما ، ولكن لا يعجبني. وذلك أنه أثبت الكراهة دون التحريم .ويمكن أن يقال : إنما توقف عن تسميته محرما ؛ لأن ما اختلف في تحريمه وتعارضت فيه الأدلة ، كالجمع بين الأختين المملوكتين ونحوه ، هل يسمى حراما؟ على روايتين ، كالروايتين عنه في أن ما اختلف في وجوبه ، هل يسمى فرضا؟ على روايتين .ومن أصحابنا من أطلق الكراهة ، ولم يفسر : هل أراد التحريم أو التنزيه؟ قال أبو الحسن الآمدي : ما ذبح لغير الله مثل الكنائس والزهرة والشمس والقمر . فقال أحمد : مما أهل لغير الله به ، أكرهه ، كل ذبح لغير الله ، والكنائس ، وما ذبحوا في أعيادهم ، أكرهه ؛ فأما ما ذبح أهل الكتاب على معنى الذكاة فلا بأس به .وكذلك مذهب مالك ، يكره ما ذبحه النصارى لكنائسهم ، أو ذبحوا على اسم المسيح ، أو الصليب ، أو أسماء من مضى من أحبارهم ورهبانهم ". أستمع حفظ
11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي المدونة : " وكره مالك أكل ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم ، أو لأعيادهم ، من غير تحريم ، وتأول قول الله تعالى { أو فسقًا أهل لغير الله به }. قال ابن القاسم : وكذلك ما ذبحوا وسموا عليه اسم المسيح ، وهو بمنزلة ما ذبحوا لكنائسهم ، ولا أرى أن يؤكل .ونقلت الرخصة في ذبائح الأعياد ونحوها ، عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا فيما لم يسموا غير الله .فإن سموا غير الله في عيدهم ، أو غير عيدهم : حرم في أشهر الروايتين ، وهو مذهب الجمهور ، وهو مذهب الفقهاء الثلاثة فيما نقله غير واحد ، وهو قول علي بن أبي طالب ، وغيره من الصحابة ، منهم أبو الدرداء وأبو أمامة ، والعرباض بن سارية ، وعبادة بن الصامت ، وهو قول أكثر فقهاء الشام وغيرهم .والثانية : لا يحرم ، وإن سموا غير الله ، وهذا قول عطاء ومجاهد ومكحول والأوزاعي والليث .نقل ابن منصور : أنه قيل لأبي عبد الله : سئل سفيان عن رجل ذبح ولم يذكر اسم الله متعمدا ، قال : أرى أن لا يؤكل ، قيل له : أرأيت إن كان يرى أنه يجزي عنه فلم يذكر؟ قال : أرى أن لا يؤكل . قال أحمد : المسلم فيه اسم الله ، يؤكل . ولكن قد أساء في ترك التسمية ؛ النصارى : أليس يذكرون غير اسم الله .ووجه الاختلاف أن هذا قد دخل في عموم قوله عز وجل { وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم }، وفي عموم قوله { وما أهل لغير الله به }؛ لأن هذه الآية تعم كل ما نطق به لغير الله . يقال : أهللت بكذا ، إذا تكلمت به ، وإن كان أصله الكلام الرفيع ، فإن الحكم لا يختلف برفع الصوت وخفضه ، وإنما لما كانت عادتهم رفع الصوت في الأصل ، خرج الكلام على ذلك ، فيكون المعنى : وما تكلم به لغير الله وما نطق به لغير الله ، ومعلوم أن ما حرم : أن يجعل غير الله مسمى ، فكذلك منويا ، إذ هذا مثل النيات في العبادات ، فإن اللفظ بها وإن كان أبلغ ، لكن الأصل القصد ، ألا ترى أن المتقرب بالهدايا والضحايا سواء قال : أذبحه لله ، أو سكت ، فإن العبرة بالنية؟وتسمية الله على الذبيحة ، غير ذبحها لله ، فإنه يسمى على ما يقصد به اللحم ، وأما القربان فيذبح لله سبحانه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قربانه : " اللهم منك ولك " بعد قوله : " بسم الله والله أكبر " اتباعا لقوله تعالى { إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }.والكافرون يصنعون بآلهتهم كذلك فتارة يسمون آلهتهم على الذبائح ، وتارة يذبحونها قربانا إليهم ، وتارة يجمعون بينهما ، وكل ذلك -والله أعلم- يدخل فيما أهل لغير الله به ، فإن من سمى غير الله فقد أهل به لغير الله ، فقوله : (باسم كذا) استعانة به ، وقوله (لكذا) عبادة له ؛ ولهذا جمع الله بينهما في قوله : { إياك نعبد وإياك نستعين } .وأيضا ، فإنه سبحانه حرم ما ذبح على النصب ، وهي كل ما ينصب ليعبد من دون الله تعالى . وأما احتجاج أحمد على هذه المسألة بقوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فحيث اشترطت التسمية في ذبيحة المسلم ؛ هل تشترط في ذبيحة الكتابي؟ على روايتين : أستمع حفظ