التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-20a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.51 ميغابايت )
التنزيل ( 570 )
الإستماع ( 65 )


5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما مقامهم الثاني فيقال: هب أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح ، فهذا القدر لا يمنع أن يكون هذا الحديث دالا على قبح الجميع ، لكن أكثر ما يقال : إنه إذا ثبت أن هذا حسن يكون مستثنى من العموم ، وإلا فالأصل أن كل بدعة ضلالة ، فقد تبين أن الجواب عن كل ما يعارض به من أنه حسن ، وهو بدعة : إما أنه ليس ببدعة ، وإما أنه مخصوص ، فقد سلمت دلالة الحديث . وهذا الجواب إنما هو عما ثبت حسنه ، فأما أمور أخرى قد يظن أنها حسنة وليست بحسنة ، أو أمور يجوز أن تكون حسنة ، ويجوز أن لا تكون حسنة ، فلا تصلح المعارضة بها ، بل يجاب عنها بالجواب المركب ، وهو : إن ثبت أن هذا حسن فلا يكون بدعة ، أو يكون مخصوصا ، وإن لم يثبت أنه حسن فهو داخل في العموم . وإذا عرفت أن الجواب عن هذه المعارضة بأحد الجوابين ، فعلى التقديرين : الدلالة من الحديث باقية ، لا ترد بما ذكروه ، ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية ، وهي قوله : " كل بدعة ضلالة " بسلب عمومها ، وهو أن يقال ليست كل بدعة ضلالة ، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل ، بل الذي يقال فيما يثبت به حسن الأعمال التي قد يقال هي بدعة : إن هذا العمل المعين مثلا ليس ببدعة ، فلا يندرج في الحديث ، أو إن اندرج لكنه مستثنى من هذا العموم لدليل كذا وكذا ، الذي هو أقوى من العموم ، مع أن الجواب الأول أجود ، وهذا الجواب فيه نظر ، فإن قصد التعميم المحيط ظاهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة ، فلا يعدل عن مقصوده بأبي هو وأمي -عليه الصلاة والسلام- . أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما صلاة التراويح ، فليست بدعة في الشريعة ، بل سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله ، فإنه قال : " إن الله فرض عليكم صيام رمضان ، وسننت لكم قيامه " ، ولا صلاتها جماعة بدعة ، بل هي سنة في الشريعة ، بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين ، بل ثلاثا ، وصلاها أيضا في العشر الأواخر في جماعة مرات وقال : " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " كما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح ، رواه أهل السنن . وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد ، وفي قوله هذا ترغيب لقيام شهر رمضان خلف الإمام ، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة ، وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم ويقرهم ، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم . أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما قول عمر : " نعمت البدعة هذه " فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكما بقول عمر الذي لم يخالف فيه ؛ لقالوا : قول الصاحب ليس بحجة ، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة ، فلا يعتقده إذا خالف الحديث . فعلى التقديرين لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب . نعم ، يجوز تخصيص عموم الحديث بقول الصاحب الذي لم يخالف ، على إحدى الروايتين ، فيفيدهم هذا حسن تلك البدعة ، أما غيرها فلا . ثم نقول : أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك : بدعة ، مع حسنها ، وهذه تسمية لغوية ، لا تسمية شرعية ، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق . وأما البدعة الشرعية : فما لم يدل عليه دليل شرعي ، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته أو دل عليه مطلقا ، ولم يعمل به إلا بعد موته ، ككتاب الصدقة ، الذي أخرجه أبو بكر -رضي الله عنه- فإذا عمل ذلك العمل بعد موته صح أن يسمى بدعة في اللغة ؛ لأنه عمل مبتدأ كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة ويسمى محدثا في اللغة ، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة : " إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم ، ولم يدخلوا في دين الملك ، وجاءوا بدين محدث لا يعرف " ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة : ليس بدعة في الشريعة ، وإن سمي بدعة في اللغة ، فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة . وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل بدعة ضلالة " لم يرد به كل عمل مبتدأ ، فإن دين الإسلام ، بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ ، وإنما أراد : ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم وإذا كان كذلك : فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى ؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة ، أو الرابعة ، لما اجتمعوا : "إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم ، فصلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته ، إلا المكتوبة" فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض ، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم ، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم . فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد ، وأسرج المسجد ، فصارت هذه الهيئة وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج عملا لم يكونوا يعملونه من قبل ؛ فسمي بدعة ؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك ، ولم يكن بدعة شرعية ؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض ، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم فانتفى المعارض . أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهكذا جمع القرآن ، فإن المانع من جمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أن الوحي كان لا يزال ينزل ، فيغير الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، فلو جمع في مصحف واحد لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت ، فلما استقر القرآن بموته صلى الله عليه وسلم واستقرت الشريعة بموته صلى الله عليه وسلم أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه ، وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم ، والمقتضي للعمل قائم بسنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فعمل المسلمون بمقتضى سنته ، وذلك العمل من سنته ، وإن كان يسمى في اللغة بدعة . وصار هذا كنفي عمر رضي الله عنه ليهود خيبر ونصارى نجران ونحوهما من أرض العرب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك في مرضه فقال : " أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب " وإنما لم ينفذه أبو بكر رضي الله عنه لاشتغاله عنه بقتال أهل الردة وبشروعه في قتال فارس والروم ، وكذلك عمر لم يمكنه فعله في أول الأمر لاشتغاله بقتال فارس والروم ، فلما تمكن من ذلك فعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم . وإن كان هذا الفعل قد يسمى بدعة في اللغة كما قال له اليهود : "كيف تخرجنا وقد أقرنا أبو القاسم" . وكما جاءوا إلى علي رضي الله عنه في خلافته فأرادوا منه إعادتهم وقالوا : " كتابك بخطك " فامتنع من ذلك ؛ لأن ذلك الفعل كان بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان محدثا بعده ، ومغيرا لما فعله هو صلى الله عليه وسلم . أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا العطاء ما كان عطاء ، فإذا كان عوضا عن دين أحدكم فلا تأخذوه " فلما صار الأمراء يعطون مال الله لمن يعينهم على أهوائهم وإن كانت معصية ، كان من امتنع من أخذه متبعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان ترك قبول العطاء من أولي الأمر محدثا ، لكن لما أحدثوا هم أحدث لهم حكم آخر بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكذلك دفعه إلى أهبان بن صيفي سيفا وقوله له : " قاتل به المشركين ، فإذا رأيت المسلمين قد اقتتلوا فاكسره " فإن كسره لسيفه وإن كان محدثا حيث لم يكن المسلمون يكسرون سيوفهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن هو بأمره صلى الله عليه وسلم . ومن هذا الباب قتال أبي بكر لمانعي الزكاة ، فإنه وإن كان بدعة لغوية من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحدا على إيتاء الزكاة فقط ، لكن لما قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله " وقد علم أن الزكاة من حقها فلم تعصم من منع الزكاة كما بينه في الحديث الآخر الصحيح " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " وهذا باب واسع . أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والضابط في هذا والله أعلم أن يقال : إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه : فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا ، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه ، وكذلك إن "كان المقتضي لفعله قائما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته . وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد ، فهنا لا يجوز الإحداث ، فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا ، لو كان مصلحة ولم يفعل ، يعلم أنه ليس بمصلحة . وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق فقد يكون مصلحة . ثم هنا للفقهاء طريقان : أحدهما : أن ذلك يفعل ما لم ينه عنه ، وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة والثاني : أن ذلك لا يفعل إن لم يؤمر به : وهو قول من لا يرى إثبات الأحكام بالمصالح المرسلة ، وهؤلاء ضربان : منهم من لا يثبت الحكم ، إن لم يدخل في لفظ كلام الشارع ، أو فعله ، أو إقراره ، وهم نفاة القياس . ومنهم من يثبته بلفظ الشارع أو بمعناه وهم القياسيون . فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة ، وهو مع هذا لم يشرعه ، فوضعه تغيير لدين الله ، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين ، من الملوك والعلماء والعباد ، أو من زل منهم باجتهاد ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير واحد من الصحابة : " إن أخوف ما أخاف عليكم زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون " فمثال هذا القسم : الأذان في العيدين ، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء ، أنكره المسلمون لأنه بدعة ، فلو لم يكن كونه بدعة دليلا على كراهته ، وإلا لقيل : هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى عبادة الله ، فيدخل في العمومات . كقوله تعالى : { اذكروا الله ذكرًا كثيرًا } ، وقوله تعالى : { ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله } ، أو يقاس على الأذان في الجمعة ، فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين ، أقوى من الاستدلال على حسن أكثر البدع . بل يقال : ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيا ، وزوال المانع ، سنة ، كما أن فعله سنة . فلما أمر بالأذان في الجمعة ، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة ، كان ترك الأذان فيهما سنة ، فليس لأحد أن يزيد في ذلك ، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات ، أو صيام الشهر ، أو الحج ، فإن رجلا لو أحب أن يصلي الظهر خمس ركعات وقال : هذا زيادة عمل صالح ، لم يكن له ذلك . وكذلك لو أراد أن ينصب مكانًا آخر يقصد لدعاء الله فيه وذكره ، لم يكن له ذلك ، وليس له أن يقول : هذه بدعة حسنة ، بل يقال له كل بدعة ضلالة . ونحن نعلم أن هذا ضلالة قبل أن نعلم نهيا خاصا عنها ، أو نعلم ما فيها من المفسدة . فهذا مثال لما حدث ، مع قيام المقتضي له ، وزوال المانع لو كان خيرا . فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة ، أو يستدل به من الأدلة ، قد كان ثابتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا الترك سنة خاصة ، مقدمة على كل عموم وكل قياس . أستمع حفظ

11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدع بتفريط من الناس : تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين ، فإنه لما فعله بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة ، واعتذر من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضون قبل سماع الخطبة ، وكانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفضون حتى يسمعوا ، أو أكثرهم . فيقال له : سبب هذا تفريطك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم ، وأنت قصدك إقامة رياستك ، أو إن قصدت صلاح دينهم ، فلا تعلمهم ما ينفعهم ، فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى ، بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله ، وتتبع سنة نبيه ، وقد استقام الأمر ، وإن لم يستقم فلا يسألك الله إلا عن عملك ، لا عن عملهم . وهذان المعنيان من فهمهما انحل عنه كثير من شبه البدع الحادثة أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أحدث قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها " وقد أشرت إلى هذا المعنى فيما تقدم ، وبينت أن الشرائع أغذية القلوب ، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن ، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث . وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها ، وعقوبات على الجرائم لا تجوز ؛ لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه ، ووضعوه حيث يسوغ وضعه ، طالبين بذلك إقامة دين الله ، لا رياسة نفوسهم ، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع ، والقريب والبعيد ، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله -لما احتاجوا إلى المكوس الموضوعة ، ولا إلى العقوبات الجائرة ، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين ، كما كان الخلفاء الراشدون ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك العلماء : إذا أقاموا كتاب الله وفقهوا ما فيه من البينات التي هي حجج الله ، وما فيه من الهدى ، الذي هو العلم النافع والعمل الصالح ، وأقاموا حكمة الله التي بعث بها رسوله صلى الله عليه وسلم -وهي سنته- لوجدوا فيها من أنواع العلوم النافعة ما يحيط بعلم عامة الناس ، ولميزوا حينئذ بين المحق والمبطل من جميع الخلق ، بوصف الشهادة التي جعلها الله لهذه الأمة ، حيث يقول عز وجل : { وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس } ولاستغنوا بذلك عما ابتدعه المبتدعون ، من الحجج الفاسدة ، التي يزعم الكلاميون أنهم ينصرون بها أصل الدين ، ومن الرأي الفاسد الذي يزعم القياسيون أنهم يتمون به فروع الدين ، وما كان من الحجج صحيحا ومن الرأي سديدا ، فذلك له أصل في كتاب الله وسنة رسوله ، فهمه من فهمه ، وحرمه من حرمه . وكذلك العباد : إذا تعبدوا بما شرع من الأقوال والأعمال ظاهرا وباطنا ، وذاقوا طعم الكلم الطيب ، والعمل الصالح الذي بعث الله به رسوله ، وجدوا في ذلك من الأحوال الزكية ، والمقامات العلية ، والنتائج العظيمة ، ما يغنيهم عما قد يحدث في نوعه : كالتغيير ونحوه ، من السماعات المبتدعة ، الصارفة عن سماع القرآن ، وأنواع من الأذكار والأوراد ، لفقها بعض الناس . أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " أو في قدره : كزيادات من التعبدات ، أحدثها من أحدثها لنقص تمسكه بالمشروع منها ، وإن كان كثير من العلماء والعباد ، بل والأمراء معذورا فيما أحدثه لنوع اجتهاد . فالغرض أن يعرف الدليل الصحيح ، وإن كان التارك له قد يكون معذورا لاجتهاده ، بل قد يكون صديقا عظيما ، فليس من شرط الصديق أن يكون قوله كله صحيحا ، وعمله كله سنة ، إذ كان يكون بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا باب واسع .والكلام في أنواع البدع وأحكامها وصفاتها ، لا يتسع له هذا الكتاب ، وإنما الغرض التنبيه على ما يزيل شبهة المعارضة للحديث الصحيح ، الذي ذكرناه ، والتعريف بأن النصوص الدالة على ذم البدع ، مما يجب العمل بها . أستمع حفظ