التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-21a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.64 ميغابايت )
التنزيل ( 900 )
الإستماع ( 64 )


2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا المعنى ثابت في كل ما يذكر في بعض البدع المكروهة من الفائدة . لكن هذا القدر لا يمنع كراهتها والنهي عنها ، والاعتياض عنها بالمشروع ، الذي لا بدعة فيه ، كما أن الذين زادوا الأذان في العيدين هم كذلك ، بل اليهود والنصارى يجدون في عباداتهم أيضًا فوائد ، وذلك لأنه لا بد أن تشتمل عبادتهم على نوع ما ، مشروع في جنسه ، كما أن أقوالهم لا بد أن تشتمل على صدق ما ، مأثور عن الأنبياء . ثم مع ذلك لا يوجب ذلك أن نفعل عباداتهم ، أو نروي كلماتهم ، لأن جميع المبتدعات لا بد أن تشتمل على شر راجح على ما فيها من الخير إذ لو كان خيرها راجحًا لما أهملتها الشريعة . فنحن نستدل بكونها بدعة على أن إثمها أكبر من نفعها ، وذلك هو الموجب للنهي . وأقول : إن إثمها قد يزول عن بعض الأشخاص لمعارض؛ لاجتهاد أو غيره ، كما يزول إثم النبيذ والربا المختلف فيهما عن المجتهدين من السلف ، ثم مع ذلك يجب بيان حالها ، وأن لا يقتدى بمن استحلها ، وأن لا يقصر في طلب العلم المبين لحقيقتها . وهذا الدليل كاف في بيان أن هذه البدع مشتملة على مفاسد اعتقادية ، أو حالية مناقضة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن ما فيها من المنفعة مرجوح لا يصلح للمعارضة . ثم يقال على سبيل التفصيل : إذا فعلها قوم ذوو فضل ودين فقد تركها في زمان هؤلاء ، معتقدًا لكراهتها ، وأنكرها قوم إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها ، فليسوا دونهم. ولو كانوا دونهم في الفضل فقد تنازع فيها أولو الأمر ، فترد إلى الله والرسول وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها ، لا مع من رخص فيها . ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاء. وأما ما فيها من المنفعة ، فيعارضه ما فيها من مفاسد البدع الراجحة : منها : مع ما تقدم من المفسدة الاعتقادية والحالية : أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن ، حتى تجد كثيرًا من العامة يحافظ عليها ، ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس . ومنها : أن الخاصة والعامة تنقص -بسببها- عنايتهم بالفرائض والسنن ، ورغبتهم فيها ، فتجد الرجل يجتهد فيها ، ويخلص وينيب ، ويفعل فيها ما لا يفعله في الفرائض والسنن ، حتى كأنه يفعل هذه عبادة ، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة ، وهذا عكس الدين ، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة والرقة والطهارة والخشوع ، وإجابة الدعوة ، وحلاوة المناجاة ، إلى غير ذلك من الفوائد . وإن لم يفته هذا كله ، فلا بد أن يفوته كماله . أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومنها : ما في ذلك من مصير المعروف منكرًا ، والمنكر معروفًا. وجهالة أكثر الناس بدين المرسلين ، وانتشاء زرع الجاهلية . ومنها : اشتمالها على أنواع من المكروهات في الشريعة مثل : تأخير الفطور ، وأداء العشاء الآخرة بلا قلوب حاضرة ، والمبادرة إلى تعجيلها ، والسجود بعد السلام لغير سهو ، وأنواع من الأذكار ومقاديرها لا أصل لها ، إلى غير ذلك من المفاسد التي لا يدركها إلا من استنارت بصيرته ، وسلمت سريرته . ومنها : مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم ، وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر ، فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان ، كما قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله : ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه ثم هذا مظنة لغيره ، فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه ، أو يكاد ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا . ومنها : ما تقدم التنبيه عليه في أعياد أهل الكتاب من المفاسد التي توجد في كلا النوعين المحدثين ، النوع الذي فيه مشابهة ، والنوع الذي لا مشابهة فيه . والكلام في ذم البدع لما كان مقررًا في هذا الموضع، لم نطل النفس في تقريره ، بل نذكر بعض أعيان هذه المواسم . أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: قد تقدم أن العيد يكون اسمًا لنفس المكان ، ولنفس الزمان ، ولنفس الاجتماع . وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء : أما الزمان فثلاثة أنواع ، ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال : أحدها : يوم لم تعظمه الشريعة أصلًا ، ولم يكن له ذكر في السلف ، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه : مثل أول خميس من رجب، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة ، إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة ، وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء ، مضمونه : فضيلة صيام ذلك اليوم وفعل هذه الصلاة ، المسماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم . والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم : النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم ، وعن هذه الصلاة المحدثة ، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة ، وإظهار الزينة ، ونحو ذلك حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من الأيام ، وحتى لا يكون له مزية أصلًا . وكذلك يوم آخر في وسط رجب ، يصلى فيه صلاة تسمى صلاة أم داود ، فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلًا . النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ، من غير أن يوجب ذلك جعله موسمًا ، ولا كان السلف يعظمونه : كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع ، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله ، ووصى فيها بأهل بيته كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه. فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي ، بعد أن فرش له ، وأقعده على فراش عالية ، وذكروا كلامًا وعملًا قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء ، وزعموا أن الصحابة تمالئوا على كتمان هذا النص ، وغصبوا الوصي حقه ، وفسقوا وكفروا ، إلا نفرًا قليلًا . أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والعادة التي جبل الله عليها بني آدم ، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة والديانة ، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا ممتنع كتمانه . وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة ، وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدث لا أصل له ، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم-من اتخذ ذلك اليوم عيدًا ، حتى يحدث فيه أعمالًا . إذ الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الاتباع ، لا الابتداع . وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة : مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين . ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا . وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع . وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه . وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيمًا . والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا . مع اختلاف الناس في مولده . فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا . ولو كان هذا خيرًا محضا ، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص " الكلام على الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيمًا . والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا . مع اختلاف الناس في مولده . فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا . ولو كان هذا خيرًا محضا ، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص .وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره ، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا ، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان . فإن هذه طريقة السابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان . أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصًا على أمثال هذه البدع ، مع ما لهم من حسن القصد ، والاجتهاد الذين يرجى لهم بهما المثوبة ، تجدهم فاترين في أمر الرسول ، عما أمروا بالنشاط فيه ، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه ، أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد ، ولا يصلي فيه ، أو يصلي فيه قليلًا ، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة ، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ، ويصحبها من الرياء والكبر ، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها ، كما جاء في الحديث : " ما ساء عمل أمة قط إلا زخرفوا مساجدهم " أستمع حفظ

11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير ، لاشتماله على أنواع من المشروع ، وفيه أيضًا شر ، من بدعة وغيرها ، فيكون ذلك العمل خيرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين، وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة ، فعليك هنا بأدبين : أحدهما : أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا ، في خاصتك وخاصة من يطيعك . وأعرف المعروف وأنكر المنكر . الثاني : أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه ، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه ، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه ، ولكن إذا كان في البدعة من الخير ، فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان ، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء ، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه ، فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروهًا ، فالتاركون أيضًا للسنن مذمومون ، فإن منها ما يكون واجبًا على الإطلاق ، ومنها ما يكون واجبًا على التقييد ، كما أن الصلاة النافلة لا تجب . ولكن من أراد أن يصليها يجب عليه أن يأتي بأركانها ، وكما يجب على من أتى الذنوب من الكفارات والقضاء والتوبة والحسنات الماحية ، وما يجب على من كان إماما ، أو قاضيا ، أو مفتيا ، أو واليا من الحقوق ، وما يجب على طالبي العلم ، أو نوافل العبادة من الحقوق . " أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومنها : ما يكره المداومة على تركه كراهة شديدة . ومنها : ما يكره تركه أو يجب فعله على الأئمة دون غيرهم وعامتها يجب تعليمها والحض عليها والدعاء إليها . وكثير من المنكرين لبدع العبادات والعادات تجدهم مقصرين في فعل السنن من ذلك ، أو الأمر به . ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العبادات المشتملة على نوع من الكراهة . بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه ، فلا ينهى عن منكر إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه كما يؤمر بعبادة الله سبحانه ، وينهى عن عبادة ما سواه ، إذ رأس الأمر شهادة أن لا إله إلا الله ، والنفوس خلقت لتعمل ، لا لتترك ، وإنما الترك مقصود لغيره ، فإن لم يشتغل بعمل صالح ، وإلا لم يترك العمل السيئ ، أو الناقص ، لكن لما كان من الأعمال السيئة ما يفسد عليها العمل الصالح ، نهيت عنه حفظًا للعمل الصالح . أستمع حفظ