التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-22a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.57 ميغابايت )
التنزيل ( 766 )
الإستماع ( 66 )


5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام ، غير الاجتماعات المشروعة ، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس ، وللجمعة ، وللعيدين وللحج . وذلك هو المبتدع المحدث . ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة ، فإن ذلك يضاهي المشروع . وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد ، وغيره من الأئمة فروى أبو بكر الخلال ، في كتاب الأدب ، عن إسحاق بن منصور الكوسج ، أنه قال لأبي عبد الله : تكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال : "ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد ، إلا أن يكثروا" . قال إسحاق بن راهويه كما قال . وإنما معنى أن لا يكثروا : أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا . هذا كلام إسحاق . وقال المروزي : سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون ، فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا؟ قال : أرجو أن لا يكون به بأس . وقال أبو السري الحربي : قال أبو عبد الله : "وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلون ، ويذكرون ما أنعم الله عليهم ، كما قالت الأنصار؟" وهذا إشارة إلى ما رواه أحمد ، حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : "نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قالوا : لو نظرنا يومًا فاجتمعنا فيه ، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا ، فقالوا : يوم السبت ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم . قالوا : فيوم الأحد . قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم . قالوا : فيوم العروبة . وكانوا يسموه يوم الجمعة يوم العروبة- فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم" . وقال أبو أمية الطرسوسي : سألت أحمد بن حنبل عن القوم يجتمعون ويقرأ لهم القارئ قراءة حزينة فيبكون ، وربما طفوا السراج . فقال لي أحمد : إن كان يقرأ قراءة أبي موسى فلا بأس . وروى الخلال عن الأوزاعي : أنه سئل عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم . قال : إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس . فقيد أحمد الاجتماع على الدعاء بما إذا لم يتخذ عادة . وكذلك قيد إتيان الأمكنة التي فيها آثار الأنبياء . قال سندي الخواتيمي : سألنا أبا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد ويذهب إليها ، ترى ذلك؟ قال : أما على حديث " ابن أم مكتوم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ، حتى يتخذ ذلك مصلى" . وعلى ما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما : يتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره ، فليس بذلك بأس أن يأتي الرجل المشاهد ، إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا جدا ، وأكثروا فيه . وكذلك نقل عنه أحمد بن القاسم . ولفظه : سئل عن الرجل يأتي هذه المشاهد التي بالمدينة وغيرها ؛ يذهب إليها؟ فقال : أما على حديث ابن أم مكتوم أنه : سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته ، حتى يتخذه مسجدا ، وعلى ما كان يفعله ابن عمر : يتبع مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، حتى رئي يصب في موضع ماء ، فسئل عن ذلك ، فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصب هاهنا ماء . قال : أما على هذا فلا بأس قال : ورخص فيه . ثم قال : ولكن قد أفرط الناس جدا ، وأكثروا في هذا المعنى ، فذكر قبر الحسين وما يفعل الناس عنده . وهذا الذي كرهه أحمد وغيره من اعتياد ذلك مأثور عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره لما اتخذ أصحابه مكانا يجتمعون فيه للذكر ، فخرج إليهم قال : "يا قوم لأنتم أهدى من أصحاب محمد ، أو لأنتم على شعبة ضلالة" . أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأصل هذا : أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات ، حتى تصير سننا ومواسم ، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد ، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد ، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه . وفيه من الفساد ما تقدم التنبيه على بعضه ، بخلاف ما يفعله الرجل وحده ، أو الجماعة المخصوصة أحيانا ، ولهذا كره الصحابة إفراد صوم رجب ، لما شبه برمضان ، وأمر عمر رضي الله عنه بقطع الشجرة التي توهموا أنها الشجرة التي بويع الصحابة تحتها بيعة الرضوان . لما رأى الناس ينتابونها ويصلون عندها ، كأنها المسجد الحرام ، أو مسجد المدينة ، وكذلك لما رآهم قد عكفوا على مكان قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عكوفا عاما نهاهم عن ذلك ، وقال : "أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟" . أو كما قال رضي الله عنه . فكما أن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع ، من غير أن يتخذ جماعة عامة متكررة ، تشبه المشروع من الجمعة ، والعيدين والصلوات الخمس ، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء ، جماعة وفرادى ، وتطوع قصد بعض المشاهد ، ونحو ذلك ، كله من نوع واحد ، يفرق بين الكثير الظاهر منه ، والقليل الخفي ، والمعتاد وغير المعتاد ، وكذلك كل مكان مشروع الجنس ، لكن البدعة اتخاذه عادة لازمة ، حتى يصير كأنه واجب ، ويترتب على استحبابه وكراهته حكم نذره ، واشتراط فعله في الوقف والوصية ونحو ذلك ، حيث كان النذر لا يلزم إلا في القرب ، وكذلك العمل المشروط في الوقف ، لا يجوز أن يكون إلا برا ومعروفا على ظاهر المذهب ، وقول جمهور أهل العلم . وسنومئ إلى ذلك إن شاء الله . وهذه المسائل تفتقر إلى بسط أكثر من هذا ، لا يحتمله هذا الموضع ، وإنما الغرض التنبيه على المواسم المحدثة . وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع ، فهذا لا يحتاج إلى ذكره ؛ لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب مثل : رفع الأصوات في المساجد ، واختلاط الرجال والنساء ، أو كثرة إيقاد المصابيح زيادة على الحاجة ، أو إيذاء المصلين أو غيرهم بقول أو فعل ، فإن قبح هذا ظاهر لكل مسلم . أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإنما هذا من جنس سائر الأقوال المحرمة في المساجد ، سواء حرمت في المسجد وغيره ، كالفواحش والفحش ، أو صين عنها المسجد : كالبيع وإنشاد الضالة ، وإقامة الحدود ونحو ذلك . وقد ذكر بعض المتأخرين ، من أصحابنا وغيرهم- أنه يستحب قيام هذه الليلة بالصلاة التي يسمونها الألفية ، لأن فيها قراءة " قل هو الله أحد " ألف مرة . وربما استحبوا الصوم أيضا ، وعمدتهم في خصوص ذلك : الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك . وقد يعتمدون على العمومات التي تندرج فيها هذه الصلاة ، وعلى ما جاء في فضل هذه الليلة بخصوصها ، وما جاء من الأثر بإحيائها ، وعلى الاعتياد ، حيث فيها من المنافع والفوائد ما يقتضي الاستحباب كجنسها من العبادات . فأما الحديث المرفوع في هذه الصلاة الألفية : فكذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث . وأما العمومات الدالة على استحباب الصلاة فحق ، لكن العمل المعين إما أن يستحب بخصوصه ، أو يستحب لما فيه من المعنى العام . فأما المعنى العام : فلا يوجب جعل خصوصها مستحبا ومن استحبها ذكرها في النفل المقيد : كصلاة الضحى والتراويح . وهذا خطأ ، ولهذا لم يذكر هذا أحد من الأئمة المعدودين ، لا الأولين ولا الآخرين . وإنما كره التخصيص لما صار يخص ما لا خصوص له بالاعتقاد والاقتصاد ، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم : إفراد يوم الجمعة وسرر شعبان بالصيام ، وإفراد ليلة الجمعة بالقيام ، وصار نظير هذا : لو أحدثت صلاة مقيدة ليالي العشر ، أو بين العشائين ، ونحو ذلك . أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فالعبادات ثلاثة : منها ما هو مستحب بخصوصه : كالنفل المقيد من ركعتي الفجر ، وقيام رمضان ، ونحو ذلك . وهذا منه المؤقت كقيام الليل .ومنه المقيد بسبب : كصلاة الاستسقاء ، وصلاة الآيات . ثم قد يكون مقدرا في الشريعة بعدد : كالوتر . وقد يكون مطلقا مع فضل الوقت : كالصلاة يوم الجمعة قبل الصلاة ، فصارت أقسام المقيد أربعة . ومن العبادات ما هو مستحب بعموم معناه ، كالنفل المطلق ، فإن الشمس إذا طلعت فالصلاة مشهودة محضورة حتى يصلي العصر ومنها ما هو مكروه تخصيصه لا مع غيره كقيام ليلة الجمعة . وقد يكره مطلقا ، إلا في أحوال مخصوصة ، كالصلاة في أوقات النهي . ولهذا اختلف العلماء في كراهة الصلاة بعد الفجر والعصر ، هل هو لئلا يفضي إلى تحري الصلاة في هذا الوقت ، فيرخص في ذوات الأسباب العارضة ، أو هو نهي مطلق لا يستثنى منه إلا قدر الحاجة؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد ، وفيها أقوال أخر للعلماء . أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: وقد يحدث في اليوم الفاضل ، مع العيد العملي المحدث ، العيد المكاني ، فيغلظ قبح هذا ، ويصير خروجا عن الشريعة . فمن ذلك : ما يفعل يوم عرفة ، مما لا أعلم بين المسلمين خلافا في النهي عنه ، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة ، والاجتماع العظيم عند قبره ، كما يفعل في بعض أرض المشرق والمغرب ، والتعريف هناك ، كما يفعل بعرفات فإن هذا نوع من الحج المبتدع الذي لم يشرعه الله ، ومضاهاة للحج الذي شرعه الله ، واتخاذ القبور أعيادا . وكذلك السفر إلى بيت المقدس ، للتعريف فيه ، فإن هذا أيضا ضلال بين ، فإن زيارة بيت المقدس مستحبة مشروعة للصلاة فيه والاعتكاف ، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ، لكن قصد إتيانه في أيام الحج هو المكروه ، فإن ذلك تخصيص وقت معين بزيارة بيت المقدس ، ولا خصوص لزيارته في هذا الوقت على غيره . ثم فيه أيضا مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام ، وتشبيه له بالكعبة ، ولهذا قد أفضى إلى ما لا يشك مسلم في أنه شريعة أخرى ، غير شريعة الإسلام ، وهو ما قد يفعله بعض الضلال من الطواف بالصخرة ، أو من حلق الرأس هناك ، أو من قصد النسك هناك. وكذلك ما يفعله بعض الضلال ، من الطواف بالقبة التي بجبل الرحمة بعرفة كما يطاف بالكعبة . فأما الاجتماع في هذا الموسم لإنشاد الغناء أو الضرب بالدف بالمسجد الأقصى ونحوه ، فمن أقبح المنكرات من جهات أخرى . منها : فعل ذلك في المسجد ، فإن ذلك فيه ما نهي عنه خارج المساجد ، فكيف بالمسجد الأقصى؟! ومنها : اتخاذ الباطل دينا . ومنها فعله في الموسم . أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه ، ففعله ابن عباس ، وعمرو بن حريث من الصحابة وطائفة من البصريين والمدنيين ، ورخص فيه أحمد ، وإن كان مع ذلك لا يستحبه ، هذا هو المشهور عنه . وكرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين : كإبراهيم النخعي وأبي حنيفة ومالك ، وغيرهم . ومن كرهه قال : هو من البدع ، فيندرج في العموم لفظا ومعنى . ومن رخص فيه قال : فعله ابن عباس بالبصرة حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، ولم ينكر عليه ، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار لا يكون بدعة . لكن ما يزاد على ذلك من رفع الأصوات الرفع الشديد في المساجد بالدعاء ، وأنواع من الخطب والأشعار الباطلة مكروه في هذا اليوم وغيره . قال المروزي : سمعت أبا عبد الله يقول : "ينبغي أن يسر دعاءه ؛ لقوله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } . قال : هذا في الدعاء . قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : وكان يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء . وروى الخلال بإسناد صحيح ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : "أحدث الناس الصوت عند الدعاء" . وعن سعيد بن أبي عروبة : أن مجالد بن سعيد سمع قوما يعجون في دعائهم ، فمشى إليهم فقال : أيها القوم ، إن كنتم أصبتم فضلا على من كان قبلكم لقد ضللتم ، قال : فجعلوا يتسللون رجلا رجلا ، حتى تركوا بغيتهم التي كانوا فيها . أستمع حفظ