التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-22b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.56 ميغابايت )
التنزيل ( 662 )
الإستماع ( 77 )


3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والفرق بين هذا التعريف المختلف فيه وتلك التعريفات التي لم يختلف فيها : أن في تلك قصد بقعة بعينها للتعريف فيها : كقبر الصالح ، أو كالمسجد الأقصى ، وهذا تشبيه بعرفات ، بخلاف مسجد المصر ، فإنه قصد له بنوعه لا بعينه ، ونوع المساجد مما شرع قصدها ، فإن الآتي إلى المسجد ليس قصده مكانا معينا لا يتبدل اسمه وحكمه ، وإنما الغرض بيت من بيوت الله ، بحيث لو حول ذلك المسجد لتحول حكمه ، ولهذا لا تتعلق القلوب إلا بنوع المسجد لا بخصوصه . وأيضًا ، فإن شد الرحال إلى مكان للتعريف فيه ، مثل الحج ، بخلاف المصر ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا » . هذا مما لا أعلم فيه خلافا . فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة ، ومعلوم أن إتيان الرجل مسجد مصره : إما واجب كالجمعة ، وإما مستحب كالاعتكاف به . أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا فإن التعريف عند القبر اتخاذ له عيدا ، وهذا بنفسه محرم ، سواء كان فيه شد للرحل ، أو لم يكن ، وسواء كان في يوم عرفة أو في غيره ، وهو من الأعياد المكانية مع الزمانية . وأما ما أحدث في الأعياد ، من ضرب البوقات والطبول فإن هذا مكروه في العيد وغيره ، لا اختصاص للعيد به ، وكذلك لبس الحرير ، أو غير ذلك من المنهي عنه في الشرع وترك السنن من جنس فعل البدع ، فينبغي إقامة المواسم على ما كان السابقون الأولون يقيمونها ، من الصلاة والخطبة المشروعة ، والتكبير والصدقة في الفطر ، والذبح في الأضحى . فإن من الناس من يقصر في التكبير المشروع . ومن الأئمة من يترك أن يخطب للرجال والنساء . كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الرجال ثم النساء . ومنهم من لا يذكر في خطبته ما ينبغي ذكره ، بل يعدل إلى ما تقل فائدته ، ومنهم من لا ينحر بعد الصلاة بالمصلى وهو ترك للسنة ، إلى أمور أخرى من السنة ، فإن الدين هو فعل المعروف والأمر به ، وترك المنكر والنهي عنه . أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: وأما الأعياد المكانية وتنقسم أيضا كالزمانية ثلاثة أقسام...فهذه الأقسام الثلاثة : أحدها مكان لا فضل له في الشريعة أصلا ، ولا فيه ما يوجب تفضيله ، بل هو كسائر الأمكنة ، أو دونها ، فقصد ذلك المكان ، أو قصد الاجتماع فيه لصلاة أو دعاء ، أو ذكر ، أو غير ذلك- ضلال بين . ثم إن كان به بعض آثار الكفار ، من اليهود أو النصارى أو غيرهم ، صار أقبح وأقبح ، ودخل في هذا الباب وفي الباب قبله ، في مشابهة الكفار . وهذه أنواع لا يمكن ضبطها ، بخلاف الزمان ، فإنه محصور . وهذا الضرب أقبح من الذي قبله ، فإن هذا يشبه عباده الأوثان أو هو ذريعة إليها ، أو نوع من عبادة الأوثان ، إذ عباد الأوثان كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك أو غير تمثال ، يعتقدون أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى ، وكانت الطواغيت الكبار التي تشد إليها الرحال ثلاثة : اللات ، والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى . كما ذكر الله ذلك في كتابه حيث يقول : { أفرأيتم اللات والعزى }{ ومناة الثالثة الأخرى. ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذًا قسمةٌ ضيزى } . أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كل واحد من هذه الثلاثة لمصر من أمصار العرب . والأمصار التي كانت من ناحية الحرم ، ومواقيت الحج ثلاثة : مكة ، والمدينة ، والطائف . فكانت اللات : لأهل الطائف ، ذكروا أنه كان في الأصل رجلا صالحا ، يلت السويق للحجيج ، فلما مات عكفوا على قبره مدة ، ثم اتخذوا تمثاله ، ثم بنوا عليه بنية سموها : بيت الربة . وقصتها معروفة ، لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم لهدمها لما افتتحت الطائف بعد فتح مكة ، سنة تسع من الهجرة . وأما العزى : فكانت لأهل مكة قريبا من عرفات ، وكانت هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون . فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليها خالد بن الوليد ، عقب فتح مكة فأزالها ، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم مالها ، وخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها ، فيئست العزى أن تعبد . وأما مناة : فكانت لأهل المدينة ، يهلون لها شركا بالله تعالى ، وكانت حذو قديد الجبل الذي بين مكة والمدينة من ناحية الساحل . ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم ، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله ، وأنواعه ، حتى يتبين له تأويل القرآن ، ويعرف ما كرهه الله ورسوله ، فلينظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه ، وما ذكره الأزرقي في أخبار مكة ، وغيره من العلماء . ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ، ويسمونها ذات أنواط ، فقال بعض الناس : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط ، كما لهم ذات أنواط . فقال : « الله أكبر ، قلتم كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم » . فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها ، معلقين عليها سلاحهم . فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين ، أو هو الشرك بعينه؟ . فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ، ولم تستحب الشريعة ذلك ، فهو من المنكرات ، وبعضه أشد من بعض ، سواء كانت البقعة شجرة أو عين ماء ، أو قناة جارية ، أو جبلا ، أو مغارة ، وسواء قصدها ليصلي عندها ، أو ليدعو عندها ، أو ليقرأ عندها ، أو ليذكر الله سبحانه عندها ، أو ليتنسك عندها ، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا . وأقبح من ذلك أن ينذر لتلك البقعة دهنا لتنور به ، ويقال : إنها تقبل النذر ، كما يقول بعض الضالين . فإن هذا النذر نذر معصية باتفاق العلماء ، ولا يجوز الوفاء به ، بل عليه كفارة عند كثير من أهل العلم ، منهم أحمد في المشهور عنه ، وعنه رواية هي قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهما : أنه يستغفر الله من هذا النذر ، ولا شيء عليه ، والمسألة معروفة . أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك إذا نذر طعاما من الخبز أو غيره للحيتان التي في تلك العين ، أو البئر . وكذلك إذا نذر مالا من النقد أو غيره للسدنة ، أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة ، فإن هؤلاء السدنة فيهم شبه من السدنة التي كانت لللات والعزى ومناة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله ، والمجاورون هناك فيهم شبه من العاكفين الذين قال لهم إبراهيم الخليل إمام الحنفاء ، صلى الله عليه وسلم : { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } ، وقال : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين } والذين أتى عليهم موسى عليه السلام وقومه ، كما قال تعالى : { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم } . فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع التي لا فضل في الشريعة للمجاور بها ، نذر معصية ، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها ، أو لسدنة الأبداد التي بالهند ، والمجاورين عندها . ثم هذا المال المنذور ، إذا صرفه في جنس تلك العبادة من المشروع ، مثل أن يصرفه في عمارة المساجد ، أو للصالحين من فقراء المسلمين ، الذين يستعينون بالمال على عبادة الله وحده لا شريك له- كان حسنا . فمن هذه الأمكنة ما يظن أنه قبر نبي ، أو رجل صالح ، وليس كذلك ، أو يظن أنه مقام له ، وليس كذلك . فأما ما كان قبرا له أو مقاما ، فهذا من النوع الثاني . وهذا باب واسع أذكر بعض أعيانه : فمن ذلك : عدة أمكنة بدمشق ، مثل مشهد لأبي بن كعب خارج الباب الشرقي ، ولا خلاف بين أهل العلم ، أن أبي بن كعب إنما توفي بالمدينة ، لم يمت بدمشق . والله أعلم قبر من هو ، لكنه ليس بقبر أبي بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك . وكذلك مكان بالحائط القبلي ، بجامع دمشق ، يقال إن فيه قبر هود عليه السلام ، وما عملت أحدا من أهل العلم ذكر أن هودا النبي مات بدمشق ، بل قد قيل إنه مات باليمن ، وقيل بمكة ، فإن مبعثه كان باليمن ، ومهاجره بعد هلاك قومه كان إلى مكة ، فأما الشام فلا داره ولا مهاجره ، فموته بها -والحال هذه مع أن أهل العلم لم يذكروه بل ذكروا خلافه- في غاية البعد . وكذلك مشهد خارج الباب الغربي من دمشق ، يقال إنه قبر أويس القرني ، وما علمت أن أحدا ذكر أن أويسا مات بدمشق ، ولا هو متوجه أيضا ، فإن أويسا قدم من اليمن إلى أرض العراق . وقد قيل : إنه قتل بصفين ، وقيل : إنه مات بنواحي أرض فارس ، وقيل غير ذلك . فأما الشام فما ذكر أنه قدم إليها فضلا عن الممات بها . ومن ذلك أيضا : قبر يقال له : قبر أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا خلاف أنها رضي الله عنها ماتت بالمدينة لا بالشام ، ولم تقدم الشام أيضا . فإن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تكن تسافر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل لعلها أم سلمة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ، فإن أهل الشام كشهر بن حوشب ونحوه ، كانوا إذا حدثوا عنها قالوا : أم سلمة . وهي بنت عم معاذ بن جبل ، وهي من أعيان الصحابيات ، ومن ذوات الفقه والدين منهن . أو لعلها أم سلمة ، امرأة يزيد بن معاوية ، وهو بعيد ، فإن هذه ليست مشهورة بعلم ولا دين . وما أكثر الغلط في هذه الأشياء وأمثالها من جهة الأسماء المشتركة أو المغيرة . ومن ذلك : مشهد بقاهرة مصر يقال : إن فيه رأس الحسين رضي الله عنه ، وأصله : أنه كان بعسقلان مشهد يقال : إن فيه رأس الحسين ، فحمل فيما قيل الرأس من هناك إلى مصر ، وهو باطل باتفاق أهل العلم ، لم يقل أحد من أهل العلم : إن رأس الحسين كان بعسقلان ، بل فيه أقوال ليس هذا منها ، فإنه حمل رأسه إلى قدام عبيد الله بن زياد بالكوفة ، حتى روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغيظه . وبعض الناس يذكر أن الرواية كانت أمام يزيد بن معاوية بالشام ، ولا يثبت ذلك ، فإن الصحابة المسمين في الحديث إنما كانوا بالعراق . وكذلك مقابر كثيرة لأسماء رجال معروفين ، قد علم أنها ليست مقابرهم . فهذه المواضع ليست فيها فضيلة أصلا ، وإن اعتقد الجاهلون أن لها فضيلة ، اللهم إلا أن يكون قبرا لرجل مسلم فيكون كسائر قبور المسلمين ، ليس لها من الخصيصة ما يحسبه الجهال ، وإن كانت القبور الصحيحة لا يجوز اتخاذها أعيادا ، ولا أن يفعل ما يفعل عند هذه القبور المكذوبة ، أو تكون قبرا لرجل صالح غير المسمى ، فيكون من القسم الثاني . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب أيضا : مواضع يقال إن فيها أثر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ، ويضاهي بها مقام إبراهيم الذي بمكة ، كما يقول الجهال في الصخرة التي ببيت المقدس ، من أن فيها أثرا من وطء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغني أن بعض الجهال يزعم أنها من وطء الرب سبحانه وتعالى! فيزعمون أن ذلك الأثر موضع القدم . وفي مسجد قبلي دمشق -يسمى مسجد القدم- أثر أيضا يقال إن ذلك أثر قدم موسى عليه السلام ، وهذا باطل لا أصل له . ولم يقدم موسى دمشق ولا ما حولها . وكذلك مشاهد تضاف إلى بعض الأنبياء أو الصالحين بناء على أنه رؤى في المنام هناك ، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة تقصد البقعة لأجلها ، وتتخذ مصلى ، بإجماع المسلمين . وإنما يفعل هذا وأمثاله أهل الكتاب ، وربما صور فيها صورة النبي أو الرجل الصالح أو بعض أعضائه ، مضاهاة لأهل الكتاب ، كما كان في بعض مساجد دمشق ، مسجد يسمى مسجد الكف ، فيه تمثال كف يقال : إنه كف علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، حتى هدم الله ذلك الوثن . وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في أكثر البلاد . أستمع حفظ