التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-23a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.55 ميغابايت )
التنزيل ( 624 )
الإستماع ( 79 )


3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فإن تعظيم مكان لم يعظمه الشرع شر من تعظيم زمان لم يعظمه ، فإن تعظيم الأجسام بالعبادة عندها أقرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان ، حتى إن الذي ينبغي تجنب الصلاة فيها ، وإن كان المصلي لا يقصد تعظيمها ، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى تخصيصها بالصلاة فيها ، كما ينهى عن الصلاة عند القبور المحققة ، وإن لم يكن المصلي يقصد الصلاة لأجلها . وكما ينهى عن إفراد الجمعة وسرر شعبان بالصوم ، وإن كان الصائم لا يقصد التخصيص بذلك الصوم ، فإن ما كان مقصودا بالتخصيص ، مع النهي عن ذلك ، ينهى عن تخصيصه أيضا بالفعل . وما أشبه هذه الأمكنة بمسجد الضرار الذي أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم . فإن ذلك المسجد لما بني ضرارا وكفرا ، وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ، نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه ، وأمر بهدمه . وهذه المشاهد الباطلة إنما وضعت مضاهاة لبيوت الله ، وتعظيما لما لم يعظمه الله ، وعكوفا على أشياء لا تنفع ولا تضر ، وصدًا للخلق عن سبيل الله ، وهي عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واتخاذها عيدا هو الاجتماع عندها واعتياد قصدها ، فإن العيد من المعاودة . ويلتحق بهذا الضرب -لكنه ليس منه- مواضع يدعى لها خصائص لا تثبت ، مثل كثير من القبور التي يقال إنها قبر نبي ، أو قبر صالح ، أو مقام نبي ، أو صالح ، ونحو ذلك ، وقد يكون ذلك صدقا ، وقد يكون كذبا . وأكثر المشاهد التي على وجه الأرض من هذا الضرب . فإن القبور الصحيحة والمقامات الصحيحة قليلة جدا . وكان غير واحد من أهل العلم يقول : لا يثبت من قبور الأنبياء إلا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم . وغيره قد يثبت غير هذا أيضا مثل قبر إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقد يكون علم أن القبر في تلك الناحية لكن يقع الشك في عينه ، ككثير من قبور الصحابة التي بباب الصغير من دمشق ، فإن الأرض غيرت مرات ، فتعيين قبر أنه قبر بلال أو غيره لا يكاد يثبت ، إلا من طريق خاصة ، وإن كان لو ثبت ذلك لم يتعلق به حكم شرعي مما قد أحدث عندها . أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولكن الغرض أن نبين هذا القسم الأول ، وهو تعظيم الأمكنة التي لا خصيصة لها : إما مع العلم بأنه لا خصيصة لها ، أو مع عدم العلم بأن لها خصيصة ، إذ العبادة والعمل بغير علم منهي عنه ، كما أن العبادة والعمل بما يخالف العلم منهي عنه ، ولو كان ضبط هذه الأمور من الدين لما أهمل ، ولما ضاع عن الأمة المحفوظ دينها ، المعصومة عن الخطأ . وأكثر ما تجد الحكايات المتعلقة بهذا عند السدنة والمجاورين لها الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله . وقد يحكي من الحكايات التي فيها تأثير ، مثل أن رجلا دعا عندها فاستجيب له ، أو نذر لها إن قضى الله حاجته فقضيت حاجته ، ونحو ذلك . وبمثل هذه الأمور كانت تعبد الأصنام فإن القوم كانوا أحيانا يخاطبون من الأوثان ، وربما تقضي حوائجهم إذا قصدوها ، وكذلك يجري لأهل الأبداد من أهل الهند وغيرهم . وربما قيست على ما شرع الله تعظيمه من بيته المحجوج ، والحجر الأسود الذي شرع الله استلامه وتقبيله ، كأنه يمينه ، والمساجد التي هي بيوته . وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس ، وبمثل هذه الشبهات حدث الشرك في أهل الأرض . وقد صح "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال : « إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل » ، فإذا كان نذر الطاعات المعلقة بشرط لا فائدة فيه ، ولا يأتي بخير ، فما الظن بالنذر لما لا يضر ولا ينفع؟ . وأما إجابة الدعاء ، فقد يكون سببه اضطرار الداعي وصدقه ، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له ، وقد يكون أمرا قضاه الله لا لأجل دعائه ، وقد يكون له أسباب أخرى ، وإن كانت فتنة في حق الداعي " أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون ، وينصرون ويعانون ، ويرزقون ، مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها . وقد قال الله تعالى : { كلًا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورًا } ، وقال تعالى : { وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا } . وأسباب المقدورات فيها أمور يطول تعدادها ، ليس هذا موضع تفصيلها ، وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين ، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة . ولعلي إن شاء الله أبين بعض أسباب هذه التأثيرات في موضع آخر . أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: النوع الثاني من الأمكنة : ما له خصيصة لكن لا يقتضي اتخاذه عيدا ، ولا الصلاة ونحوها من العبادات عنده . فمن هذه الأمكنة : قبور الأنبياء والصالحين ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلف النهي عن اتخاذها عيدا ، عموما وخصوصا . وبينوا معنى العيد . فأما العموم : فقال أبو داود في سننه : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : قرأت على عبد الله بن نافع ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » " وهذا إسناد حسن ، فإن رواته كلهم ثقات مشاهير ، لكن عبد الله بن نافع الصائغ الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه . قال يحيى بن معين : هو ثقة . وحسبك بابن معين موثقا . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم الرازي : ليس بالحافظ ، وهو لين تعرف حفظه وتنكر . فإن هذه العبارات منهم تنزل حديثه من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن ، إذ لا خلاف في عدالته وفقهه ، وأن الغالب عليه الضبط ، لكن قد يغلط أحيانا ، ثم هذا الحديث مما يعرف من حفظه ، ليس مما ينكر ، لأنه سنة مدنية ، وهو محتاج إليها في فقهه ، ومثل هذا يضبطه الفقيه . وللحديث شواهد من غير طريقه ، فإن هذا الحديث روي من جهات أخرى فما بقي منكرا . وكل جملة من هذا الحديث رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد معروفة ، وإنما الغرض هنا النهي عن اتخاذه عيدا . فمن ذلك : ما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا جعفر بن إبراهيم -من ولد ذي الجناحين- حدثنا علي بن عمر ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين : أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو . فنهاه ، فقال : ألا أحدثكم حديثا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا بيوتكم قبورا ، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم » رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ، فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين ، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في صحيحه . أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى سعيد في سننه ، حدثنا حبان بن علي ، حدثني محمد بن عجلان ، عن أبي سعيد مولى المهري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تتخذوا بيتي عيدا ، ولا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني » . وقال سعيد : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال : رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر ، فناداني ، وهو في بيت فاطمة يتعشى . فقال : هلم إلى العشاء؟ فقلت لا أريده . فقال : ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت : سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إذا دخلت المسجد فسلم . ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تتخذوا بيتي عيدا ، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر ، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء. فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث ، لا سيما وقد احتج من أرسله به وذلك يقتضي ثبوته عنده ، ولو لم يكن روي من وجوه مسندة غير هذين . فكيف وقد تقدم مسندا؟ . أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ووجه الدلالة : أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض ، وقد نهى عن اتخاذه عيدا . فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان ، ثم إنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تتخذوا بيوتكم قبورا » أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة ، فتكون بمنزلة القبور ، فأمر بتحري العبادة في البيوت ، ونهى عن تحريها عند القبور ، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم . وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ، ولا تتخذوها قبورا » . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه » ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعقب النهي عن اتخاذه عيدًا بقوله : « صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » ، وفي الحديث الآخر : « فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم » يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا . والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه كثيرة ، مثل ما روى أبو داود من حديث أبي صخر حميد بن زياد ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » صلى الله عليه وسلم . وهذا الحديث على شرط مسلم . ومثل ما روى أبو داود أيضا عن أوس بن أوس رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا : يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء » . أستمع حفظ

20 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومثل ما روى أبو داود أيضا عن أوس بن أوس رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا : يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء » . أرم أي صار رميما ، أي عظما باليا ، فإذا اتصلت به تاء الضمير فأفصح اللغتين أن يفك الإدغام فيقال : أرمت . وفيه لغة أخرى كما في الرواية : أرمت بتشديد الميم ، وقد يخفف ، فيقال : أرمت. أستمع حفظ

21 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي مسند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته » . رواه الدارقطني بمعناه . وفي النسائي وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام » إلى أحاديث أخر في هذا الباب متعددة . ثم إن أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنه ، نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم ، واستدل بالحديث ، وهو راوي الحديث الذي سمعه من أبيه الحسين ، عن جده علي ، واعلم بمعناه من غيره ؛ فبين أن قصده للدعاء ونحوه اتخاذ له عيدًا . وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته ، كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند دخول المسجد ، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدًا . فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت ، الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار ، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا لها أضبط . أستمع حفظ

22 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والعيد إذا جعل اسمًا للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه ، وانتيابه للعبادة عنده ، أو لغير العبادة ، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة ، جعلها الله عيدًا ، مثابة للناس ، يجتمعون فيها ، وينتابونها ، للدعاء والذكر والنسك ، وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها . فلما جاء الإسلام محا الله ذلك كله . وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الأنبياء والصالحين والقبور التي يجوز أن تكون قبورًا لهم ، بتقدير كونها قبورًا لهم ، بل وسائر القبور أيضًا داخلة في هذا . فإن قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة ، إذ هو بيت المسلم الميت ، فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يوطأ ولا يداس ، ولا يتكأ عليه عندنا ، وعند جمهور العلماء ، ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة ، ويستحب عند إتيانه السلام على صاحبه ، والدعاء له ، وكلما كان الميت أفضل ، كان حقه أوكد . أستمع حفظ