التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-24a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.29 ميغابايت )
التنزيل ( 622 )
الإستماع ( 80 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الثاني : اشتمال غالب ذلك على نبش قبور المسلمين ، وإخراج عظام موتاهم ، كما قد علم ذلك في كثير من هذه المواضيع . الثالث : أنه قد روى مسلم في صحيحه عن جابر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهى أن يبنى على القبور " . الرابع : أن بناء المطاهر التي هي محل النجاسات ، بين مقابر المسلمين ، من أقبح ما تجاور به القبور ، لا سيما إن كان محل المطهرة قبر رجل مسلم . الخامس : اتخاذ القبور مساجد ، وقد تقدم بعض النصوص المحرمة لذلك . السادس : الإسراج على القبور وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك . السابع : مشابهة أهل الكتاب في كثير من الأقوال والأفعال والسنن بهذا السبب كما هو الواقع . إلى غير ذلك من الوجوه . وقد كانت البنية التي على قبر إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مسدودة لا يدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة ، فقيل : إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك منامًا فنقبت لذلك . وقيل : إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك . ثم ترك ذلك مسجدًا بعد الفتوح المتأخرة . وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية ، وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها ، اتباعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتقاء لمعصيته ، كما تقدم . وكذلك إيقاد المصابيح في هذه المشاهد مطلقًا ، لا يجوز بلا خلاف أعلمه ، للنهي الوارد ، ولا يجوز الوفاء بما ينذر لها من دهن وغيره ، بل موجبه موجب نذر المعصية . أستمع حفظ

2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن ذلك الصلاة عندها ، وإن لم يبن هناك مسجد ، فإن ذلك أيضًا اتخاذها مسجدًا ، كما قالت عائشة : " ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجدًا " ، ولم تقصد عائشة رضي الله عنها مجرد بناء مسجد ، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا ، وإنما قصدت أنهم خشوا أن الناس يصلون عند قبره ، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا ، بل كل موضع يصلى فيه فإنه يسمى مسجدًا ، وإن لم يكن هناك بناء ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا " . وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأرض كلها مسجد ، إلا المقبرة والحمام " رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه والبزار ، وغيرهم بأسانيد جيدة ، ومن تكلم فيه فما استوفى طرقه . واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب كراهة الصلاة في المقبرة ليس إلا كونها مظنة النجاسة ، لما يختلط بالتراب من صديد الموتى ، وبنى على هذا الاعتقاد الفرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة ، وبين أن يكون بينه وبين التراب حائل ، أو لا يكون ونجاسة الأرض مانع من الصلاة عليها ، سواء كانت مقبرة أو لم تكن ، لكن المقصود الأكبر بالنهي عن الصلاة عند القبور ليس هو هذا . فإنه قد بين أن اليهود والنصارى كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وقال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما فعلوا . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ، ولكن كره أن يتخذ مسجدا وقال : " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهى عن ذلك " . فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة وإنما هو مظنة اتخاذها أوثانا . كما قال الشافعي رضي الله عنه : " وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا ، مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس " ، وقد ذكر هذا المعنى أبو بكر الأثرم في (ناسخ الحديث ومنسوخه) ، وغيره من أصحاب أحمد وسائر العلماء فإن قبر النبي أو الرجل الصالح ، لم يكن ينبش ، والقبر الواحد لا نجاسة عليه . وقد نبيه هو صلى الله عليه وسلم على العلة بقوله : " "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " وبقوله : " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فلا تتخذوها مساجد " وأولئك إنما كانوا يتخذون قبورا لا نجاسة عندها . ولأنه قد روى مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها " . ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : " كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " . فجمع بين التماثيل والقبور . أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك ، وقد ذكروا أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهما السلام . فروى محمد بن جرير بإسناده إلى الثوري عن موسى بن محمد بن قيس : "ويعوق ونسرا" قال : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح عليهما السلام ، وكان لهم اتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصوروهم . فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم ، وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم . قال قتادة وغيره : "كانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح ، ثم اتخذها العرب بعد ذلك" وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي أوقعت كثيرا من الأمم ، إما في الشرك الأكبر ، أو فيما دونه من الشرك ، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين ، وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب ، ونحو ذلك . فإن يشرك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه ، أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله . ولهذا نجد أقواما كثيرين يتضرعون عندها ، ويخشعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في المسجد ، بل ولا في السحر ، ومنهم من يسجد لها ، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال . فهذه المفسدة -التي هي مفسدة الشرك ، كبيره وصغيره- هي التي حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها ، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا ، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة ، ونحو ذلك كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها ؛ لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها فينهى المسلم عن الصلاة حينئذ - وإن لم يقصد ذلك - سدا للذريعة . فأما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء والصالحين، متبركا بالصلاة في تلك البقعة ، فهذا عين المحادة لله ورسوله ، والمخالفة لدينه ، وابتداع دين لم يأذن به الله ، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أن الصلاة عند القبر - أي قبر كان - لا فضل فيها لذلك ، ولا للصلاة في تلك البقعة مزية خير أصلا ، بل مزية شر . واعلم أن تلك البقعة وإن كان قد تنزل عندها الملائكة والرحمة ، ولها شرف وفضل ، لكن دين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه . فإن النصارى عظموا الأنبياء حتى عبدوهم ، وعبدوا تماثيلهم ، واليهود استخفوا بهم حتى قتلوهم ، والأمة الوسط عرفوا مقاديرهم ؛ فلم يغلوا فيهم غلو النصارى ، ولم يجفوا عنهم جفاء اليهود ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله " . فإذا قدر أن الصلاة هناك توجب من الرحمة أكثر من الصلاة في غير تلك البقعة كانت المفسدة الناشئة من الصلاة هناك تربي . على هذه. المصلحة حتى تغمرها أو تزيد عليها ، بحيث تصير الصلاة هناك مذهبة لتلك الرحمة ، ومثبتة لما يوجب العذاب ، ومن لم تكن له بصيرة يدرك بها الفساد الناشئ من الصلاة عندها فيكفيه أن يقلد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لولا أن الصلاة عندها مما غلبت مفسدته على مصلحته لما نهى عنه ، كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة وعن صوم يومي العيدين بل كما حرم الخمر ، فإنه لولا أن فسادها غالب على ما فيها من المنفعة لما حرمها ، وكذلك تحريم القطرة منها ، ولولا غلبة الفساد فيها على الصلاح لما حرمها . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وليس على المؤمن ولا له أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المصالح والمفاسد وإنما عليه طاعتهم . قال الله تعالى : { وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله } وقال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وإنما حقوق الأنبياء في تعزيرهم وتوقيرهم ، ومحبتهم محبة مقدمة على النفس والأهل والمال وإيثار طاعتهم ومتابعة سنتهم ، ونحو ذلك من الحقوق التي من قام بها لم يقم بعبادتهم والإشراك بهم ، كما أن عامة من يشرك بهم شركا أكبر أو أصغر يترك ما يجب عليه من طاعتهم ، بقدر ما ابتدعه من الإشراك بهم . وكذلك حقوق الصديقين المحبة والإجلال ونحو ذلك من الحقوق التي جاء بها الكتاب والسنة وكان عليها سلف الأمة . وقد اختلف الفقهاء في الصلاة في المقبرة : هل هي محرمة أو مكروهة؟ وإذا قيل : هي محرمة ، فهل تصح مع التحريم أم لا ؟ المشهور عندنا أنها محرمة لا تصح ومن تأمل النصوص المتقدمة تبين له أنها محرمة بلا شك ، وأن صلاته لا تصح . أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وليس الغرض هنا تقرير المسائل المشهورة فإنها معروفة ، إنما الغرض التنبيه على ما يخفى من غيرها . فمما يدخل في هذا : قصد القبور للدعاء عندها أو بها . فإن الدعاء عند القبور وغيرها من الأماكن ينقسم إلى نوعين : أحدهما : أن يحصل الدعاء في البقعة بحكم الاتفاق ، لا لقصد الدعاء فيها ، كمن يدعو الله في طريقه ، ويتفق أن يمر بالقبور أو كمن يزورها فيسلم عليها ، ويسأل الله العافية له وللموتى ، كما جاءت به السنة ، فهذا ونحوه لا بأس به . الثاني : أن يتحرى الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره فهذا النوع منهي عنه إما نهي تحريم أو تنزيه وهو إلى تحريم أقرب ، والفرق بين البابين ظاهر فإن الرجل لو كان يدعو الله ، واجتاز في ممره بصنم أو صليب أو كنيسة ، أو كان يدعو في بقعة وهناك صليب هو عنه ذاهل ، أو دخل كنيسة ليبيت فيها مبيتا جائزا ، ودعا الله في الليل ، أو بات في بيت بعض أصدقائه ودعا الله ، لم يكن بهذا بأس . ولو تحرى الدعاء عند صنم أو صليب ، أو كنيسة ، يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة ، لكان هذا من العظائم . بل لو قصد بيتا أو حانوتا في السوق ، أو بعض عواميد الطرقات يدعو عندها ، يرجو الإجابة بالدعاء عندها لكان هذا من المنكرات المحرمة ؛ إذ ليس للدعاء عندها فضل . فقصد القبور للدعاء عندها من هذا الباب بل هو أشد من بعضه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها مساجد ، واتخاذها عيدا ، وعن الصلاة عندها ، بخلاف كثير من هذه المواضع . أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وما يرويه بعض الناس من أنه قال : " إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور " ، أو نحو هذا ، فهو كلام موضوع مكذوب باتفاق العلماء والذي يبين ذلك أمور : أحدها : أنه قد تبين أن العلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها عن الصلاة عندها إنما هو لئلا تتخذ ذريعة إلى نوع من الشرك بالعكوف عليها وتعلق القلوب بها رغبة ورهبة . ومن المعلوم أن المضطر في الدعاء الذي قد نزلت به نازلة فيدعو لاستجلاب خير كالاستسقاء ، أو لرفع شر كالاستنصار ، حاله في افتتانه بالقبور - إذا رجا الإجابة عندها - أعظم من حال من يؤدي الفرض عندها في حال العافية ، فإن أكثر المصلين - في حال العافية - لا تكاد قلوبهم تفتن بذلك إلا قليلا ، أما الداعون المضطرون ففتنتهم بذلك عظيمة جدا ، فإذا كانت المفسدة والفتنة التي لأجلها نهي عن الصلاة متحققة في حال هؤلاء ، كان نهيهم عن ذلك أوكد وأوكد . وهذا واضح لمن فقه في دين الله ، وتبين له ما جاءت به الحنفية من الدين الخالص لله ، وعلم كمال سنة إمام المتقين في تجريد التوحيد ، ونفي الشرك بكل طريق . أستمع حفظ