التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-25a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.59 ميغابايت )
التنزيل ( 629 )
الإستماع ( 70 )


2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الجواب المفصل فنقول : مدار هذه الشبه على أصلين: منقول : وهو ما يحكى من فعل هذا الدعاء عن بعض الأعيان . ومعقول : وهو ما يعتقد من منفعته بالتجارب والأقيسة . فأما النقل في ذلك : فإما كذب ، أو غلط ، أو ليس بحجة ، بل قد ذكرنا النقل عمن يقتدى به بخلاف ذلك . وأما المعقول فنقول : عامة المذكور من المنافع كذب ، فإن هؤلاء الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم - إنما يستجاب لهم في النادر . ويدعو الرجل منهم ما شاء الله من دعوات ، فيستجاب له في واحدة ، ويدعو خلق كثير منهم ، فيستجاب للواحد بعد الواحد وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء أوقات الأسحار ، ويدعون الله في سجودهم وأدبار صلاتهم ، وفي بيوت الله؟ فإن هؤلاء إذا ابتهلوا من جنس ابتهال المقابريين لم تكد تسقط لهم دعوة إلا لمانع . بل الواقع أن الابتهال الذي يفعله المقابريون إذا فعله المخلصون ، لم يرد المخلصون إلا نادرا ، ولم يستجب للمقابريين إلا نادرا، والمخلصون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث : إما أن يعجل الله له دعوته ، أو يدخر له من الخير مثلها ، أو يصرف عنه من الشر مثلها ، قالوا : يا رسول الله ، إذن نكثر . قال : الله أكثر " . فهم في دعائهم لا يزالون بخير . وأما المقبريون : فإنهم إذا استجيب لهم نادرا ، فإن أحدهم يضعف توحيده ، ويقل نصيبه من ربه ، ولا يجد في قلبه من ذوق الإيمان وحلاوته ما كان يجده السابقون الأولون . ولعله لا يكاد يبارك له في حاجته ، اللهم إلا أن يعفو الله عنهم لعدم علمهم بأن ذلك بدعة ، فإن المجتهد إذا أخطأ أثابه الله على اجتهاده ، وغفر له خطأه . أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وجميع الأمور التي يظن أن لها تأثيرا في العالم وهي محرمة في الشرع ، كالتمريجات الفلكية ، والتوجهات النفسانية . كالعين ، والدعاء المحرم ، والرقى المحرمة ، أو التمريجات الطبيعية . ونحو ذلك ، فإن مضرتها أكثر من منفعتها حتى في نفس ذلك المطلوب ، فإن هذه الأمور لا يطلب بها غالبا إلا أمور دنيوية ، فقل أن يحصل لأحد بسببها أمر دنيوي إلا كانت عاقبته فيه في الدنيا عاقبة خبيثة . دع الآخرة . والمخفق من أهل هذه الأسباب أضعاف أضعاف المنجح ، ثم إن فيها من النكد والضرر ما الله به عليم . فهي في نفسها مضرة ولا يكاد يحصل الغرض بها إلا نادرا وإذا حصل فضرره أكثر من نفعه . والأسباب المشروعة في حصول هذه المطالب ، المباحة أو المستحبة سواء كانت طبيعية : كالتجارة والحراثة ، أو كانت دينية : كالتوكل على الله والثقة به ، وكدعاء الله سبحانه على الوجه المشروع ، في الأمكنة والأزمنة التي فضلها الله ورسوله ، بالكلمات المأثورة عن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم ، وكالصدقة ، وفعل المعروف ، يحصل بها الخير المحض أو الغالب . وما يحصل من ضرر بفعل مشروع ، أو ترك غير مشروع مما نهي عنه ، فإن ذلك الضرر مكثور في جانب ما يحصل من المنفعة . أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا الأمر ، كما أنه قد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فهو أيضا معقول بالتجارب المشهورة والأقيسة الصحيحة ، فإن الصلاة والزكاة يحصل بهما خير الدنيا والآخرة ، ويجلبان كل خير ، ويدفعان كل شر . فهذا الكلام في بيان أنه لا يحصل بتلك الأسباب المحرمة لا خير محض ، ولا غالب ، ومن كان له خبرة بأحوال العالم وعقل ، تيقن ذلك يقينا لا شك فيه . وإذا ثبت ذلك : فليس علينا من سبب التأثير أحيانا ، فإن الأسباب التي يخلق الله بها الحوادث في الأرض والسماء ، لا يحصيها على الحقيقة إلا هو ، أما أعيانها فبلا ريب - وكذلك أنواعها أيضا - لا يضبطها المخلوق لسعة ملكوت الله سبحانه وتعالى ، ولهذا كانت طريقة الأنبياء عليهم السلام ، أنهم يأمرون الخلق بما فيه صلاحهم ، وينهونهم عما فيه فسادهم ، ولا يشغلونهم بالكلام في أسباب الكائنات كما تفعل المتفلسفة ، فإن ذلك كثير التعب ، قليل الفائدة ، أو موجب للضرر . ومثال النبي مثال طبيب دخل على مريض ، فرأى مرضه فعلمه ، فقال له : اشرب كذا ، واجتنب كذا . ففعل ذلك ، فحصل غرضه من الشفاء . والمتفلسف قد يطول معه الكلام في سبب ذلك المرض ، وصفته ، وذمه وذم ما أوجبه . ولو قال له المريض : فما الذي يشفيني منه؟ لم يكن له بذلك علم تام . والكلام في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فيه فتنة لمن ضعف عقله ودينه ، بحيث تختطف عقله فيتأله ، إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين . ويكفي العاقل أن يعلم أن ما سوى المشروع لا يؤثر بحال ، فلا منفعة فيه ، أو أنه وإن أثر فضرره أكثر من نفعه . أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة : أن الرجل منهم قد يكون مضطرًا ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له ، لصدق توجهه إلى الله ، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا . ولو استجيب له على يد المتوسل به ، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته ، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي به في النار إذا لم يعف الله عنه ، كما لو طلب من الله ما يكون فتنة له . كما أن ثعلبة لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بكثرة المال ، ونهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرة بعد مرة فلم ينته حتى دعا له ، وكان ذلك سبب شقائه في الدنيا والآخرة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليسألني المسألة فأعطيه إياها ، فيخرج بها يتأبطها نارا " ، فقالوا : يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال : " يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل " . فكم من عبد دعا دعاء غير مباح ، فقضيت حاجته في ذلك الدعاء ، وكان سبب هلاكه في الدنيا والآخرة ، تارة بأن يسأل ما لا تصلح له مسألته ، كما فعل بلعام وثعلبة ، وكخلق كثير دعوا بأشياء فحصلت لهم ، وكان فيها هلاكهم . وتارة بأن يسأل على الوجه الذي لا يحبه الله كما قال سبحانه : { ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين } فهو سبحانه لا يحب المعتدين في صفة الدعاء ، ولا في المسؤول ، وإن كانت حاجتهم قد تقضى ، كأقوام ناجوا الله في دعواتهم بمناجاة فيها جرأة على الله ، واعتداء لحدوده ، وأعطوا طلبتهم فتنة ، ولما يشاء سبحانه ، بل أشد من ذلك . ألست ترى السحر والطلسمات والعين وغير ذلك ، من المؤثرات في العالم بإذن الله ، قد يقضى بها كثير من أغراض النفوس ومع هذا فقد قال سبحانه : { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبةٌ من عند الله خيرٌ لو كانوا يعلمون } . أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك أنواع من الداعين والسائلين قد يدعون دعاء محرما ، يحصل معه ذلك الغرض ، ويورثهم ضررا أعظم منه ، وقد يكون الدعاء مكروها ويستجاب له أيضا . ثم هذا التحريم والكراهة قد يعلمه الداعي ، وقد لا يعلمه ، على وجه لا يعذر فيه بتقصير في طلب العلم ، أو ترك للحق ، وقد لا يعلمه على وجه يعذر فيه ، بأن يكون فيه مجتهدًا ، أو مقلدا ، كالمجتهد والمقلد اللذين يعذران في سائر الأعمال ، وغير المعذور قد يتجاوز عنه في ذلك الدعاء ؛ لكثرة حسناته وصدق قصده ، أو لمحض رحمة الله به ، أو نحو ذلك من الأسباب . فالحاصل : أن ما يقع من الدعاء المشتمل على كراهة شرعية ، بمنزلة سائر أنواع العبادات . وقد علم أن العبادة المشتملة على وصف مكروه قد تغفر تلك الكراهة لصاحبها ، لاجتهاده أو تقليده ، أو حسناته أو غير ذلك . ثم ذلك لا يمنع أن يعلم أن ذلك مكروه ينهى عنه ، وإن كان هذا الفاعل المعين قد زال موجب الكراهة في حقه . ومن هنا يغلط كثير من الناس ، فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين عبدوا عبادة ، أو دعوا دعاء ، ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء ، فيجعلون ذلك دليلا على استحسان تلك العبادة والدعاء ، ويجعلون ذلك العمل سنة ، كأنه قد فعله نبي ، وهذا غلط ، لما ذكرناه . خصوصا إذا كان ذلك العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب فاعله حين الفعل ، ثم يفعله الأتباع صورة لا صدقا ، فيضرون به ، لأنه ليس العمل مشروعا فيكون لهم ثواب المتبعين ، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل الذي لعله بصدق الطلب وصحة القصد يكفر عن الفاعل . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب ما يحكى من آثار لبعض الشيوخ ، حصلت في السماع المبتدع ، فإن تلك الآثار ، إنما كانت عن أحوال قامت بقلوب أولئك الرجال ، حركها محرك كانوا في سماعه إما مجتهدين ، وإما مقصرين تقصيرا غمره حسنات قصدهم ، فيأخذ الأتباع حضور صورة السماع وليس حضور أولئك الرجال سنة تتبع ، ولا مع المقتدين من الصدق والقصد ما لأجله عذروا ، أو غفر لهم ، فيهلكون بذلك . وكما يحكى عن بعض الشيوخ ، أنه رئي بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : أوقفني بين يديه وقال لي : يا شيخ السوء ، أنت الذي كنت تتمثل بسعدى ولبنى؟ لولا أني أعلم أنك صادق لعذبتك . فإذا سمعت دعاء ، أو مناجاة مكروهة في الشرع قد قضيت حاجة صاحبها فكثير ما يكون من هذا الباب . ولهذا كان الأئمة ، العلماء بشريعة الله ، يكرهون هذا من أصحابهم وإن وجد أصحابهم أثره ، كما يحكى عن سمنون المحب قال : وقع في قلبي شيء من هذه الآيات فجئت إلى دجلة . فقلت : وعزتك لا أذهب حتى يخرج لي حوت . فخرج حوت عظيم ، أو كما قال . قال : فبلغ ذلك الجنيد ، فقال : كنت أحب أن تخرج إليه حية فتقتله . وكذلك حكي لنا أن بعض المجاورين بالمدينة، جاء إلى عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاشتهى عليه نوعا من الأطعمة، فجاء بعض الهاشميين إليه، فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لك ذلك ، وقال لك : اخرج من عندنا، فإن من يكون عندنا لا يشتهي مثل هذا . وآخرون قضيت حوائجهم ، ولم يقل لهم مثل هذا ، لاجتهادهم أو تقليدهم، أو قصورهم في العلم ، فإنه يغفر للجاهل ما لا يغفر لغيره ، كما يحكى عن برخ العابد ، الذي استسقى في بني إسرائيل . ولهذا عامة ما يحكى في هذا الباب ، إنما هو عن قاصري المعرفة ، ولو كان هذا شرعا ودينا لكان أهل المعرفة أولى به . ولا يقال : هؤلاء لما نقصت معرفتهم ساغ لهم ذلك ، فإن الله لم يسوغ هذا لأحد ، لكن قصور المعرفة قد يرجى معه العفو والمغفرة . أستمع حفظ