التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-25b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.56 ميغابايت )
التنزيل ( 595 )
الإستماع ( 67 )


4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد علمت جماعة ممن سأل حاجته من بعض المقبورين من الأنبياء والصالحين . فقضيت حاجته ، وهو لا يخرج عما ذكرته ، وليس ذلك بشرع فيتبع ، ولا سنة وإنما يثبت استحباب الأفعال واتخاذها دينا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه السابقون الأولون ، وما سوى هذه من الأمور المحدثة فلا يستحب ، وإن اشتملت أحيانا على فوائد ، لأنا نعلم أن مفاسدها راجحة على فوائدها . ثم هذا التحريم أو الكراهة المقترنة بالأدعية المكروهة ، إما من جهة المطلوب ، وإما من جهة نفس الطلب ، وكذلك الاستعاذة المحرمة أو المكروهة فكراهتها : إما من جهة المستعاذ منه ، وإما من جهة نفس الاستعاذة ، فينجون من ذلك الشر ، ويقعون فيما هو أعظم منه . أما المطلوب المحرم ، فمثل أن يسأل ما يضره في دنياه أو آخرته ، وإن كان لا يعلم أنه يضره ، فيستجاب له ، " كالرجل الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجده مثل الفرخ فقال : " هل كنت تدعو الله بشيء؟ " قال : كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا . قال : " سبحان الله إنك لا تسطيعه - أو لا تطيقه - هلا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ؟ " . وكأهل جابر بن عتيك لما مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " . وقد عاب الله على من يقتصر على طلب الدنيا بقوله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ } فأخبر أن من لم يطلب إلا الدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب . ومثل أن يدعو على غيره دعاء منهيا عنه ، كدعاء بلعم بن باعور على قوم موسى عليه السلام ، وهذا قد يبتلى به كثير من العباد أرباب القلوب ، فإنه قد يغلب على أحدهم ما يجده من حب أو بغض لأشخاص ، فيدعو لأقوام وعلى أقوام بما لا يصلح ، فيستجاب له ، ويستحق العقوبة على ذلك الدعاء ، كما يستحقها على سائر الذنوب ، فإن لم يحصل له ما يمحوه ، من توبة أو حسنات ماحية ، أو شفاعة غيره ، أو غير ذلك ، وإلا فقد يعاقب ، إما بأن يسلب ما كان عنده من ذوق طعم الإيمان ووجود حلاوته ، فينزل عن درجته ، وإما أن يسلب عمل الإيمان ، فيصير فاسقا ، وإما بأن يسلب أصل الإيمان ، فيصير كافرا منافقا ، أو غير منافق . وما أكثر ما يبتلى بمثل هذا المتأخرون من أرباب الأحوال القلبية ، بسبب عدم فقههم في أحوال قلوبهم ، وعدم معرفة شريعة الله في أعمال القلوب ، وربما غلب على أحدهم حال قلبه ، حتى لا يمكنه صرفه عما توجه إليه ، فيبقى ما يخرج منه مثل السهم الخارج من القوس . وهذه الغلبة إنما تقع غالبا بسبب التقصير في الأعمال المشروعة ، التي تحفظ حال القلب ، فيؤاخذ على ذلك ، وقد تقع بسبب اجتهاد يخطئ صاحبه ، فتقع معفوا عنها . أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم من غرور هؤلاء وأشباههم ، اعتقادهم أن استجابة مثل هذا الدعاء كرامة من الله تعالى لعبده ، وليس في الحقيقة كرامة ، وإنما تشبه الكرامة من جهة أنها دعوة نافذة ، وسلطان قاهر . وإنما الكرامة في الحقيقة : ما نفعت في الآخرة ، أو نفعت في الدنيا ولم تضر في الآخرة ، وإنما هذا بمنزلة ما ينعم به الكفار والفساق ، من الرياسات والأموال في الدنيا ، فإنها إنما تصير نعمة حقيقية ، إذا لم تضر صاحبها في الآخرة " الكلام على الكرامة وتعريفها والفرق بينها وبين المعجزة أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولهذا اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء : هل ما ينعم به الكافر ، نعمة أو ليس بنعمة؟ وإن كان الخلاف لفظيا . قال الله تعالى : { أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } وقال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيءٍ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون } . وفي الحديث : " إذا رأيت الله ينعم على العبد مع إقامته على معصيته ، فإنما هو استدراج يستدرجه " . ومثال هذا في الاستعاذة : " قول المرأة التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخطبها فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : " لقد عذت بمعاذ " . ثم انصرف عنها ، فقيل لها : إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : أنا كنت أشقى من ذلك " . أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما التحريم من جهة الطلب : فيكون تارة لأنه دعاء لغير الله ، مثل ما يفعله السحرة من مخاطبة الكواكب ، وعبادتها ونحو ذلك ، فإنه قد يقتضي عقب ذلك أنواعا من القضاء ، إذا لم يعارضه معارض ، من دعاء أهل الإيمان وعبادتهم ، أو غير ذلك ولهذا تنفذ هذه الأمور في أزمان فترة الرسل ، وفي بلاد الكفر والنفاق ، ما لا تنفذ في دار الإيمان وزمانه . ومن هذا : أني أعرف رجالا يستغيثون ببعض الأحياء في شدائد تنزل بهم ، فيفرج عنهم ، وربما يعاينون أمورا ، وذلك الحي المستغاث به لم يشعر بذلك ، ولا علم به البتة ، وفيهم من يدعو على أقوام ، أو يتوجه في إيذائهم ، فيرى بعض الأحياء ، أو بعض الأموات يحول بينه وبين إيذاء أولئك ، وربما رآه ضاربا له بسيف ، وإن كان الحايل لا شعور له بذلك ، وإنما ذلك من فعل الله سبحانه ، بسبب يكون بين المقصود وبين الرجل الدافع ، من اتباع له ، وطاعته فيما يأمره من طاعة الله ، ونحو ذلك . فهذا قريب . وقد يجري لعباد الأصنام أحيانا من الجنس المحرم ، محنة من الله ، بما تفعله الشياطين لأعوانهم ، فإذا كان الأثر قد يحصل عقب دعاء من قد تيقن أنه لم يسمع الدعاء ، فكيف يتوهم أنه هو الذي تسبب في ذلك ، أو أن له فيه فعلا؟ . وإذا قيل : إن الله يفعله بذلك السبب ، فإذا كان السبب محرما لم يجز ، كالأمراض التي يحدثها الله عقب أكل السموم ، وقد يكون الدعاء المحرم في نفسه دعاء لغير الله ، وأن يدعو الله ، كما تقول النصارى : يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله . وقد يكون دعاء لله ، لكنه توسل إليه بما لا يحب أن يتوسل به ، كالمشركين الذين يتوسلون إلى الله بأوثانهم ، وقد يكون دعاء لله بكلمات لا تصلح أن يناجى بها الله ، ويدعى بها ، لما في ذلك من الاعتداء . فهذه الأدعية ونحوها ، وإن كان قد يحصل لصاحبها أحيانا غرضه ، لكنها محرمة ، لما فيها من الفساد الذي يربي على منفعتها ، كما تقدم . ولهذا كانت هذه فتنة في حق من لم يهده الله ، وينور قلبه ، ويفرق بين أمر التكوين وأمر التشريع ، ويفرق بين القدر والشرع " أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ويعلم أن الأقسام ثلاثة : أمور قدرها الله ، وهو لا يحبها ولا يرضاها ، فإن الأسباب المحصلة لهذه تكون محرمة موجبة لعقابه . * وأمور شرعها فهو يحبها من العبد ويرضاها ، لكن لم يعنه على حصولها ، فهذه محمودة عنده مرضية ، وإن لم توجد . والقسم الثالث : أن يعين الله العبد على ما يحبه منه . فالأول : إعانة الله . والثاني : عبادة الله . والثالث : جمع له بين العبادة والإعانة . كما قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } .فما كان من الدعاء غير المباح إذا أثر : فهو من باب الإعانة لا العبادة كسائر الكفار والمنافقين والفساق . ولهذا قال تعالى في مريم : { وصدقت بكلمات ربها وكتبه } " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ " بكلمات الله التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر " ومن رحمة الله تعالى ، أن الدعاء المتضمن شركًا ، كدعاء غيره أن يفعل ، أو دعائه أن يدعو ، ونحو ذلك - لا يحصل غرض صاحبه ، ولا يورث حصول الغرض شبهة إلا في الأمور الحقيرة ، فأما الأمور العظيمة ، كإنزال الغيث عند القحوط ، أو كشف العذاب النازل ، فلا ينفع فيه هذا الشرك . كما قال تعالى : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين. بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون. إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } . وقال تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورًا } . وقال تعالى : { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض } . وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلًا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورًا } . وقال تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون. قل لله الشفاعة جميعًا } . فكون هذه المطالب العظيمة لا يستجيب فيها إلا هو سبحانه ، دل على توحيده ، وقطع شبهة من أشرك به ، وعلم بذلك أن ما دون هذا أيضًا من الإجابات إنما فعلها هو سبحانه وحده لا شريك له ، وإن كانت تجري بأسباب محرمة أو مباحة ، كما أن خلقه السماوات والأرض والرياح والسحاب ، وغير ذلك من الأجسام العظيمة ، دل على وحدانيته ، وأنه خالق لكل شيء ، وأن ما دون هذا بأن يكون خلقًا له أولى ، إذ هو منفعل عن مخلوقاته العظيمة ، فخالق السبب التام ، خالق للمسبب لا محالة . أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وجماع الأمر : أن الشرك نوعان : شرك في ربوبيته : بأن يجعل لغيره معه تدبيرًا ما ، كما قال سبحانه : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شركٍ وما له منهم من ظهيرٍ } ، فبين سبحانه أنهم لا يملكون ذرة استقلالا ، ولا يشركونه في شيء من ذلك . ولا يعينونه على ملكه ، ومن لم يكن مالكًا ولا شريكًا ولا عونًا ، فقد انقطعت علاقته . وشرك في الألوهية : بأن يدعى غيره دعاء عبادة ، أو دعاء مسألة كما قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } فكما أن إثبات المخلوقات أسبابًا لا يقدح في توحيد الربوبية ، ولا يمنع أن يكون الله خالق كل شيء ، ولا يوجب أن يدعى المخلوق دعاء عبادة أو دعاء استغاثة . كذلك إثبات بعض الأفعال المحرمة ، من شرك أو غيره أسبابا ، لا يقدح في توحيد الألوهية ، ولا يمنع أن يكون الله هو الذي يستحق الدين الخالص ، ولا يوجب أن نستعمل الكلمات والأفعال التي فيها شرك ، إذا كان الله يسخط ذلك ، ويعاقب العبد عليه ، وتكون مضرة ذلك على العبد أكثر من منفعته ، إذ قد جعل الخير كله في أنا لا نعبد إلا إياه ، ولا نسعتين إلا إياه . وعامة آيات القرآن تثبت هذا الأصل حتى إنه سبحانه قطع أثر الشفاعة بدون إذنه ، كقوله سبحانه : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وكقوله سبحانه : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه وليٌ ولا شفيعٌ } وقوله تعالى : { وذكر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت ليس لها من دون الله وليٌ ولا شفيعٌ } وقوله تعالى : { قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } الآية. وقوله سبحانه : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرةٍ وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } وسورة الأنعام سورة عظيمة مشتملة على أصول الإيمان . وكذلك قوله تعالى : { ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من وليٍ ولا شفيعٍ } وقوله سبحانه : { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقوله تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون }{ قل لله الشفاعة جميعًا } . وسورة الزمر أصل عظيم في هذا . ومن هذا قوله سبحانه : { ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين }{ يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد }{ يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير } . وكذلك قوله تعالى : { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } . أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والقرآن عامته إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم الذي هو أصل الأصول . وهذا الذي ذكرناه كله من تحريم هذا الدعاء ، مع كونه قد يؤثر ، إذا قدر أن هذا الدعاء كان سببًا أو جزءًا من السبب ، في حصول طلبته . والناس قد اختلفوا في الدعاء المستعقب لقضاء الحاجات فزعم قوم من المبطلين ، متفلسفة ومتصوفة ، أنه لا فائدة فيه أصلًا ، فإن المشيئة الإلهية والأسباب العلوية ، إما أن تكون قد اقتضت وجود المطلوب ، وحينئذ فلا حاجة إلى الدعاء ، أو لا تكون اقتضته ، وحينئذ فلا ينفع الدعاء . وقال قوم ممن تكلم في العلم : بل الدعاء علامة ودلالة على حصول المطلوب ، وجعلوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدليل بالمدلول ، لا ارتباط السبب بالمسبب بمنزلة الخبر الصادق والعلم السابق . والصواب : ما عليه الجمهور - من أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب ، أو غيره ، كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة . وسواء سمي سببًا أو جزءًا من السبب أو شرطًا ، فالمقصود هنا واحد ، فإذا أراد الله بعبد خيرًا ألهمه دعاءه والاستعانة به ، وجعل استعانته ودعاءه سببًا للخير الذي قضاه له ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إني لا أحمل هم الإجابة ، وإنما أحمل هم الدعاء ، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه " . كما أن الله تعالى إذا أراد أن يشبع عبدًا ، أو يرويه ألهمه أن يأكل أو يشرب ، وإذا أراد الله أن يتوب على عبد ألهمه أن يتوب ، فيتوب عليه ، وإذا أراد أن يرحمه ويدخله الجنة يسره لعمل أهل الجنة ، والمشيئة الإلهية اقتضت وجود هذه الخيرات ، بأسبابها المقدرة لها ، كما اقتضت وجود دخول الجنة بالعمل الصالح ، ووجود الولد بالوطء ، والعلم بالتعلم . فمبدأ الأمور من الله ، وتمامها على الله ، لا أن العبد نفسه هو المؤثر في الرب ، أو في ملكوت الرب ، بل الرب سبحانه هو المؤثر في ملكوته وجاعل دعاء عبده سببًا لما يريده سبحانه من القضاء ، كما " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، أرأيت أدوية نتداوى بها ، ورقى نسترقي بها وتقى نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال : هي من قدر الله " . وعنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن الدعاء والبلاء ليلتقيان ، فيعتلجان بين السماء والأرض " ، فهذا في الدعاء الذي يكون سببًا في حصول المطلوب . وأعلى من هذا ما جاء به الكتاب والسنة ، أن رضا الله وفرحه ، وضحكه بسبب أعمال عباده الصالحة ، كما جاءت به النصوص ، وكذلك غضبه ومقته . وقد بسطنا الكلام في هذا الباب ، وما للناس فيه من المقالات والاضطراب . فما فرض من الأدعية المنهي عنها سببًا ، فقد تقدم الكلام عليه . فأما غالب الأدعية التي ليست مشروعة لا تكون هي السبب في حصول المطلوب ، ولا جزءًا منه ، ولا يعلم ذلك ، بل يتوهم وهما كاذبًا ، كالنذر سواء . فإن في الصحيح عن ابن عمر " عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن النذر وقال : " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدره له ، ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ، ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج " . أستمع حفظ

11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن النذر لا يأتي بخير ، وأنه ليس من الأسباب الجالبة للخير ، أو الدافعة لشر أصلًا ، وإنما يوافق القدر موافقة كما توافقه سائر الأسباب فيخرج من البخيل حينئذ ما لم يكن يخرجه من قبل ذلك . ومع هذا فأنت ترى الذين يحكون أنهم وقعوا في شدائد ، فنذروا نذورًا تكشف شدائدهم ، أكثر - أو قريبًا - من الذين يزعمون أنهم دعوا عند القبور ، أو غيرها ، فقضيت حوائجهم ، بل من كثرة اغترار المضلين ، بذلك ؛ صارت النذور المحرمة في الشرع مآكل لكثير من السدنة والمجاورين ، والعاكفين عند بعض المساجد أو غيرها ، ويأخذون من الأموال شيئًا كثيرًا ، وأولئك الناذرون يقول أحدهم : مرضت فنذرت . ويقول آخر : خرج علي المحاربون فنذرت ، ويقول الآخر : ركبت البحر فنذرت . ويقول الآخر : حبست فنذرت . ويقول الآخر : أصابتني فاقة فنذرت . أستمع حفظ