التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-27b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.62 ميغابايت )
التنزيل ( 628 )
الإستماع ( 24 )


2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى محمد بن وضاح وغيره : أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم لأن الناس كانوا يذهبون تحتها . فخاف عمر الفتنة عليهم . وقد اختلف العلماء رضي الله عنهم في إتيان المشاهد - فقال محمد بن وضاح : كان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي بالمدينة ، ما عدا قباء وأحدا . ودخل سفيان الثوري بيت المقدس وصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ، ولا الصلاة فيها . فهؤلاء كرهوها مطلقا ، لحديث عمر رضي الله عنه هذا ، ولأن ذلك يشبه الصلاة عند المقابر إذ هو ذريعة إلى اتخاذها أعيادا ، وإلى التشبه بأهل الكتاب ، ولأن ما فعله ابن عمر لم يوافقه عليه أحد من الصحابة ، فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا غيرهم ، من المهاجرين والأنصار ، أنه كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي صلى الله عليه وسلم . والصواب مع جمهور الصحابة ؛ لأن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بطاعة أمره ، وتكون في فعله ، بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله ، فإذا قصد العبادة في مكان كان قصد العبادة فيه متابعة له ، كقصد المشاعر والمساجد . وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول ، أو غير ذلك ، مما يعلم أنه لم يتحر ذلك المكان ، فإذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له ، فإن الأعمال بالنيات . أستمع حفظ

3 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واستحب آخرون من العلماء المتأخرين إتيانها ، وذكر طائفة من المصنفين من أصحابنا وغيرهم في المناسك ، استحباب زيارة هذه المساجد وعدوا منها مواضع وسموها . وأما أحمد فرخص منها فيما جاء به الأثر من ذلك إلا إذا اتخذت عيدا ، مثل أن تنتاب لذلك ، ويجتمع عندها في وقت معلوم ، كما يرخص في صلاة النساء في المساجد جماعات ، وإن كانت بيوتهن خيرا لهن ، إلا إذا تبرجن وجمع بذلك بين الآثار ، واحتج بحديث ابن أم مكتوم . ومثله : ما خرجاه في الصحيحين ، " عن عتبان بن مالك قال : كنت أصلي لقومي بني سالم ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إني أنكرت بصري ، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي ، فلوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكانا حتى أتخذه مسجدا . فقال : " أفعل إن شاء الله " فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه ، بعدما اشتد النهار ، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتى قال : " أين تحب أن أصلي من بيتكم " فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ، وصففنا وراءه ، فصلى ركعتين ، ثم سلم وسلمنا حين سلم " . أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ففي هذا الحديث دلالة على أن من قصد أن يبني مسجده في موضع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بأس به ، وكذلك قصد الصلاة في موضع صلاته ، لكن هذا كان أصل قصده بناء مسجد ، فأحب أن يكون موضعا يصلي له فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ليكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رسم المسجد ، بخلاف مكان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا فاتخذ مسجدا لا لحاجة إلى المسجد ، لكن لأجل صلاته فيه . فأما الأمكنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الصلاة أو الدعاء عندها ، فقصد الصلاة فيها أو الدعاء سنة ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا له ، كما إذا تحرى الصلاة أو الدعاء في وقت من الأوقات فإن قصد الصلاة أو الدعاء في ذلك الوقت سنة كسائر عباداته ، وسائر الأفعال التي فعلها على وجه التقرب ومثل هذا : ما خرجاه في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال : " كان سلمة بن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأصطوانة التي عند المصحف . فقلت له : يا أبا مسلم ، أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأصطوانة ، قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها " وفي رواية لمسلم عن سلمة بن الأكوع : أنه كان يتحرى الصلاة موضع المصحف ، يسبح فيه ، وذكر أن " رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى ذلك المكان ، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة " . أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد ظن بعض المصنفين أن هذا مما اختلف فيه وجعله والقسم الأول سواء ، وليس بجيد . فإنه هنا أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى البقعة . . فكيف لا يكون هذا القصد مستحبا؟ نعم : إيطان بقعة في المسجد لا يصلى إلا فيها منهي عنه كما جاءت به السنة ، والإيطان ليس هو التحري من غير إيطان . فيجب الفرق بين اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستنان به فيما فعله ، وبين ابتداع بدعة لم يسنها لأجل تعلقها به . وقد تنازع العلماء فيما إذا فعل فعلا من المباحات لسبب ، وفعلناه نحن تشبها به ، مع انتفاء ذلك السبب ، فمنهم من يستحب ذلك ومنهم من لا يستحبه ، وعلى هذا يخرج فعل ابن عمر رضي الله عنهما ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في تلك البقاع التي في طريقه ، لأنها كانت منزله ، لم يتحر الصلاة فيها لمعنى في البقعة . فنظير هذا : أن يصلي المسافر في منزله ، وهذا سنة فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقا ، فهذا لم ينقل عن غير ابن عمر من الصحابة ، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وسائر السابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار ، يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق ، فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين ، بل هو مما ابتدع ، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره ، ليس بحجة ، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟ وأيضا: فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد والتشبه بأهل الكتاب مما نهينا عن التشبه بهم فيه وذلك ذريعة إلى الشرك بالله ، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد ، فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان ، سدا للذريعة . فكيف يستحب قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه ، أو صلاتهم فيه ، من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟ . ولو ساغ هذا لاستحب قصد جبل حراء والصلاة فيه ، وقصد جبل ثور والصلاة فيه ، وقصد الأماكن التي يقال إن الأنبياء قاموا فيها ، كالمقامين اللذين بطريق جبل قاسيون بدمشق ، اللذين يقال إنهما مقام إبراهيم وعيسى ، والمقام الذي يقال إنه مغارة دم قابيل ، وأمثال ذلك ، من البقاع التي بالحجاز والشام وغيرهما . أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور ، فإنه يقال : إن هذا مقام نبي ، أو قبر نبي ، أو ولي ، بخبر لا يعرف قائله ، أو بمنام لا تعرف حقيقته ، ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجدا ، فيصير وثنا يعبد من دون الله تعالى . شرك مبني على إفك! والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب ، كما يقرن بين الصدق والإخلاص . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله " - ثلاثا - ثم قرأ قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور. حنفاء لله غير مشركين به } . وقال تعالى: { ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون }{ ونزعنا من كل أمةٍ شهيدًا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون } وقال تعالى عن الخليل : { إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون }{ أئفكًا آلهةً دون الله تريدون } وقال تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرةٍ وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } . وقال تعالى: { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم }{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصًا له الدين }{ ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفارٌ } . وقال تعالى : { ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون }{ فكفى بالله شهيدًا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين }{ هنالك تبلو كل نفسٍ ما أسلفت وردوا إلى }{ الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون } . وقال تعالى : { ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون } . وقال تعالى : { إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربهم وذلةٌ في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين } . قال أبو قلابة : " هي لكل مبتدع من هذه الأمة إلى يوم القيامة " . وهو كما قال : فإن أهل الكذب والفرية عليهم من الغضب والذلة ما أوعدهم الله به . أستمع حفظ

11 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء ، ولهذا : كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد ، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب : كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء ، وأعظمهم شركا ، فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم ، ولا أبعد عن التوحيد منهم ، حتى إنهم يخربون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه فيعطلونها عن الجماعات والجمعات ، ويعمرون المشاهد التي على القبور ، التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها ، والله سبحانه في كتابه إنما أمر بعمارة المساجد لا المشاهد ، فقال تعالى : { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } ولم يقل : مشاهد الله . وقال تعالى : { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجدٍ } ولم يقل : عند كل مشهد . وقال تعالى : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر } إلى قوله : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } ولم يقل : مشاهد الله . بل المشاهد إنما يعمرها من يخشى غير الله ويرجو غير الله لا يعمرها إلا من فيه نوع من الشرك . وقال الله تعالى : { ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا } وقال تعالى : { في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال }{ رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار }{ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حسابٍ } ، وقال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا } ولم يقل : وأن المشاهد لله . أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا } ولم يقل : وأن المشاهد لله . وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة كقوله في الحديث الصحيح : " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة " ولم يقل : مشهدا . وقال أيضا في الحديث : " صلاة الرجل في المسجد تفضل عن صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين صلاة " وقال في الحديث الصحيح : " من تطهر في بيته فأحسن الطهور ، ثم خرج إلى المسجد لا تنهزه إلا الصلاة ، كانت خطواته إحداهما ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة . فإذا جلس ينتظر الصلاة فالعبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة ، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ، اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث " . أستمع حفظ