التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-28a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.57 ميغابايت )
التنزيل ( 618 )
الإستماع ( 69 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا } ولم يقل : وأن المشاهد لله . وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة كقوله في الحديث الصحيح : " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة " ولم يقل : مشهدا . وقال أيضا في الحديث : " صلاة الرجل في المسجد تفضل عن صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين صلاة " وقال في الحديث الصحيح : " من تطهر في بيته فأحسن الطهور ، ثم خرج إلى المسجد لا تنهزه إلا الصلاة ، كانت خطواته إحداهما ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة . فإذا جلس ينتظر الصلاة فالعبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة ، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ، اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث " . أستمع حفظ

2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا مما علم بالتواتر والضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه أمر بعمارة المساجد والصلاة فيها ، ولم يأمر ببناء مشهد ، لا على قبر نبي ، ولا غير قبر نبي ، ولا على مقام نبي ، ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم في بلاد الإسلام ، لا الحجاز ولا الشام ولا اليمن ولا العراق ولا خراسان ولا مصر ولا المغرب مسجد مبني على قبر ، ولا مشهد يقصد للزيارة أصلا ، ولم يكن أحد من السلف يأتي إلى قبر نبي أو غير نبي ، لأجل الدعاء عنده ، ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عند قبر غيره من الأنبياء ، وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه . أستمع حفظ

4 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يستقبل قبره ، وتنازعوا عند السلام عليه فقال مالك وأحمد وغيرهما : يستقبل قبره ويسلم عليه ، وهو الذي ذكره أصحاب الشافعي ، وأظنه منصوصًا عنه . وقال أبو حنيفة : بل يستقبل القبلة ويسلم عليه ، هكذا في كتب أصحابه . وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط ، والقاضي عياض وغيرهما : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ، ولكن يسلم ويمضي . وقال أيضًا في المبسوط : لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج ، أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ، ويدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . فقيل له : فإن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه ، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر عند القبر ، فيسلمون ويدعون ساعة ، فقال : لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك . ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده . أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد تقدم في ذلك من الآثار عن السلف والأئمة ، ما يوافق هذا ويؤيده من أنهم كانوا إنما يستحبون عند قبره ما هو من جنس الدعاء له والتحية : كالصلاة والسلام . ويكرهون قصده للدعاء ، والوقوف عنده للدعاء ومن يرخص منهم في شيء من ذلك فإنه إنما يرخص فيما إذا سلم عليه ثم أراد الدعاء ، أن يدعو مستقبلًا القبلة إما مستدبر القبر وإما منحرفًا عنه ، وهو أن يستقبل القبلة ويدعو ، ولا يدعو مستقبل القبر ، وهكذا المنقول عن سائر الأئمة . ليس في أئمة المسلمين من استحب للمرء أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو عنده ، وهذا الذي ذكرناه عن مالك والسلف ، يبين حقيقية الحكاية المأثورة عنه ، وهي الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد قال : " ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكًا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين ، لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإن الله تعالى أدب قوما فقال : { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية ، ومدح قومًا فقال : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } الآية ، وذم قومًا فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } الآية . وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًا ، فاستكان أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله . وقال الله تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله } الآية . فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة ، أو مغيرة ، وإما أن تفسر بما يوافق مذهبه إذ قد يفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه ، فإنه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء ، وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقًا ، وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر ، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو مستقبل القبلة ، ويوليه ظهره ، وقيل : لا يوليه ظهره . فاتفقوا في استقبال القبلة وتنازعوا في تولية القبر ظهره ، وقت الدعاء . أستمع حفظ

12 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة ، أو مغيرة ، وإما أن تفسر بما يوافق مذهبه إذ قد يفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه ، فإنه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء ، وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقًا ، وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر ، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو مستقبل القبلة ، ويوليه ظهره ، وقيل : لا يوليه ظهره . فاتفقوا في استقبال القبلة وتنازعوا في تولية القبر ظهره ، وقت الدعاء . ويشبه - والله أعلم - أن يكون مالك رحمه الله سئل عن استقبال القبر عند السلام عليه ، وهو يسمي ذلك دعاء ، فإنه قد كان من فقهاء العراق من يرى أنه عند السلام عليه يستقبل القبلة أيضًا ، ومالك يرى استقبال القبر في هذه الحال كما تقدم .وكما قال في رواية ابن وهب عنه: " إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ، ويدنو ويسلم ويدعو ، ولا يمس القبر بيده وقد تقدم قوله : إنه يصلي عليه ويدعو له " . ومعلوم أن الصلاة عليه والدعاء له يوجب شفاعته للعبد يوم القيامة ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول : ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون ذلك العبد ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة " . أستمع حفظ

13 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فقول مالك في هذه الحكاية - إن كان ثابتًا عنه - معناه : إنك إذا استقبلته وصليت عليه وسلمت عليه ، وسألت الله له الوسيلة ، يشفع فيك يوم القيامة فإن الأمم يوم القيامة يتوسلون بشفاعته واستشفاع العبد به في الدنيا هو فعل ما يشفع به له يوم القيامة ، كسؤال الله له الوسيلة ونحو ذلك وكذلك ما نقل عنه من رواية ابن وهب : إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا ، يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ، ويدعو ويسلم ، يعني دعاءه للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه .فهذا الدعاء هو المشروع هناك ، كالدعاء عند زيارة قبور سائر المؤمنين ، وهو الدعاء لهم ، فإنه أحق الناس أن يصلى عليه ويسلم عليه ويدعى له - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم . وبها تتفق أقوال مالك ، ويفرق بين الدعاء الذي أحبه ، والدعاء الذي كرهه وذكر أنه بدعة . أستمع حفظ

14 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك } الآية ، فهي - والله أعلم - باطلة ، فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلمه ، ولم يذكر أحد منهم أنه استحب أن يسأل بعد الموت لا استغفارا ولا غيره ، وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله ينافي هذا ، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء ، عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلا هذه الآية ، وأنشد بيتين : يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك ، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي ، لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعا مندوبا ؛ لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم ، بل قضاء حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع . أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعًا مأمورًا به ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلا ، وتكون المسألة محرمة في حق السائل : حتى قال " إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا " قالوا يا رسول الله فلم تعطيهم ؟ قال : " يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله لي البخل " وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحًا ، ولا يكون عالمًا أنه منهي عنه ، فيثاب على حسن قصده ، ويعفى عنه لعدم علمه . وهذا باب واسع . وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها ، قد يفعلها بعض الناس ، ويحل له بها نوع من الفائدة ، وذلك لا يدل على أنها مشروعة بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهي عنها . ثم الفاعل قد يكون متأولا ، أو مخطئا مجتهدا أو مقلدا ، فيغفر له خطؤه ويثاب على ما فعله من الخير المشروع المقرون بغير المشروع ، كالمجتهد المخطئ ، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع . أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والمقصود هنا أنه قد علم أن مالكًا من أعلم الناس بمثل هذه الأمور ، فإنه مقيم بالمدينة ، يرى ما يفعله التابعون وتابعوهم ، ويسمع ما ينقلونه عن الصحابة وأكابر التابعين ، وهو ينهى عن الوقوف عند القبر للدعاء ، ويذكر أنه لم يفعله السلف . وقد أجدب الناس على عهد عمر رضي الله عنه ، فاستسقى بالعباس ففي صحيح البخاري ، عن أنس : " أن عمر استسقى بالعباس ، وقال : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون . فاستسقوا به كما كانوا يستسقون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، وهو أنهم يتوسلون بدعائه وشفاعته لهم ، فيدعو لهم ويدعون معه كالإمام والمأمومين ، من غير أن يكونوا يقسمون على الله بمخلوق ، كما ليس لهم أن يقسم بعضهم على بعض بمخلوق ، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم توسلوا بدعاء العباس واستسقوا به . ولهذا قال الفقهاء : يستحب الاستسقاء بأهل الخير والدين ، والأفضل أن يكون من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد استسقى معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي وقال اللهم إنا نستسقي بيزيد بن الأسود ، يا يزيد ارفع يدك فرفع يديه ودعا ، ودعا الناس حتى أمطروا . أستمع حفظ