التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-28b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.57 ميغابايت )
التنزيل ( 603 )
الإستماع ( 19 )


5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولم يذهب أحد من الصحابة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره يستسقي عنده ولا به ، والعلماء استحبوا السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ للحديث الذي في سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " هذا مع ما في النسائي وغيره ، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام " . وفي سنن أبي داود وغيره عنه ، أنه قال " أكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي " ، فقالوا يا رسول الله ، كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ -أي بليت - فقال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء " . فالصلاة عليه -بأبي هو وأمي- والسلام عليه مما أمر الله به ورسوله " أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد ثبت في الصحيح أنه قال " من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا " . والمشروع لنا عند زيارة قبور الأنبياء والصالحين وسائر المؤمنين ، هو من جنس المشروع عند جنائزهم . فكما أن المقصود بالصلاة على الميت الدعاء له ؛ فالمقصود بزيارة قبره الدعاء له كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح والسنن والمسند " أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور ، أن يقول قائلهم : " السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ، واغفر لنا ولهم " فهذا دعاء خاص للميت ، كما في دعاء الصلاة على الجنازة الدعاء العام والخاص : " اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، إنك تعلم متقلبنا ومثوانا " أي ثم يخص الميت بالدعاء . قال الله تعالى في حق المنافقين : { ولا تصل على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله } . . .الآية. فلما نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم - لأجل كفرهم - دل ذلك بطريق التعليل والمفهوم على أن المؤمن يصلى عليه ويقام على قبره . ولهذا في السنن : أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دفن الرجل من أصحابه يقوم على قبره ، ثم يقول : " سلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " . أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال الله تعالى في حق المنافقين : { ولا تصل على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله } . . .الآية. فلما نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم - لأجل كفرهم - دل ذلك بطريق التعليل والمفهوم على أن المؤمن يصلى عليه ويقام على قبره . ولهذا في السنن : أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دفن الرجل من أصحابه يقوم على قبره ، ثم يقول : " سلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " . أستمع حفظ

15 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال القاضي عياض : كره مالك أن يقال : زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر عن بعضهم أنه علله بلعنه صلى الله عليه وسلم زوارات القبور ، قال : وهذا يرده قوله : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " . وعن بعضهم أن الزائر أفضل من المزور ، قال : وهذا مردود بما جاء من زيارة أهل الجنة لربهم قال : والأولى أن يقال في ذلك : إنه إنما كرهه مالك لإضافة الزيارة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه لو قال : زرنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه ، لقوله " اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر والتشبه بأولئك ؛ قطعًا للذريعة وحسمًا للباب قلت: غلب في عرف كثير من الناس استعمال لفظ : (زرنا) في زيارة قبور الأنبياء والصالحين على استعمال لفظ زيارة القبور في الزيارة البدعية الشركية لا في الزيارة الشرعية ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص ، ولا روى أحد في ذلك شيئًا ، لا أهل الصحيح ولا السنن ، ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره .وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره ، وأجل حديث روي في ذلك ما رواه الدارقطني ، وهو ضعيف باتفاق أهل العلم بل الأحاديث المروية في زيارة قبره ، كقوله : " من زارني وزار أبي إبراهيم الخليل في عام واحد ضمنت له على الله الجنة " ، و " من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي " ، و " من حج ولم يزرني فقد جفاني " ، ونحو هذه الأحاديث ، كلها مكذوبة موضوعة . لكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور مطلقا ، بعد أن كان قد نهى عنها ، كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " ، وفي الصحيح عنه أنه قال : " استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " فهذه زيارة لأجل تذكرة الآخرة ، ولهذا يجوز زيارة قبر الكافر لأجل ذلك . وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيسلم على موتى المسلمين ويدعو لهم ، فهذه زيارة مختصة بالمسلمين ، كما أن الصلاة على الجنازة تختص بالمؤمنين . أستمع حفظ

16 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كما أن الصلاة على الجنازة تختص بالمؤمنين . وقد استفاض عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما فعلوا ، قالت عائشة : " ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدًا " . وفي الصحيح أنه ذكر له كنيسة بأرض الحبشة ، وذكر من حسنها وتصاوير فيها ، فقال : " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " وهذه في الصحيح . وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ، وهو يقول " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " . أستمع حفظ

17 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي السنن عنه أنه قال : " لا تتخذوا قبري عيدا ، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني " ، وفي الموطأ وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وفي المسند ، وصحيح أبي حاتم ، عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد " . ومعنى هذه الأحاديث متواتر عنه صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - وكذلك عن أصحابه . فهذا الذي ينهى عنه: من اتخاذ القبور مساجد ، مفارق لما أمر به وشرعه من السلام على الموتى ، والدعاء لهم ، فالزيارة المشروعة من جنس الثاني . والزيارة المبتدعة من جنس الأول ، فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها ، وعن قصد الصلاة عندها ، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء ، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور ، بل صرحوا بتحريم ذلك ، كما دل عليه النص . واتفقوا أيضا على أنه لا يشرع قصد الصلاة والدعاء عند القبور ، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين إن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية عن القبور " أستمع حفظ

18 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبن على القبور ، أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور ، بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاقهم ، وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك بل وبإبطال الصلاة فيها ، وإن كان في هذا نزاع . والمقصود هنا : أن هذا ليس بواجب ولا مستحب ، باتفاقهم ، بل هو مكروه باتفاقهم . والفقهاء قد ذكروا في تعليل كراهة الصلاة في المقبرة علتين : إحداهما : نجاسة التراب باختلاطه بصديد الموتى ، وهذه علة من يفرق بين القديمة والحديثة ، وهذه العلة في صحتها نزاع ، لاختلاف العلماء في نجاسة تراب القبور ، وهي من مسائل الاستحالة ، وأكثر علماء المسلمين يقولون إن النجاسة تطهر بالاستحالة ، وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر ، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد . وقد ثبت في الصحيح : أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان حائطًا لبني النجار ، وكان قبورًا من قبور المشركين ، ونخلا وخربًا ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخيل فقطعت ، وبالخرب فسويت ، وبالقبور فنبشت ، وجعل النخل في صف القبلة . فلو كان تراب قبور المشركين نجسا ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنقل ذلك التراب ، فإنه لا بد أن يختلط ذلك التراب بغيره " أستمع حفظ