التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-30b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.54 ميغابايت )
التنزيل ( 640 )
الإستماع ( 27 )


1 - القراءة من قول المصنف ومقابلة النسخ: " وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي : الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي غار حراء ، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد ، ثم يرجع فيتزود لذلك ، حتى فجأه الوحي ، وهو بغار حراء ، فأتاه الملك ، فقال له : اقرأ ، فقال : لست بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، ثم قال : اقرأ ، فقال : لست بقارئ ، قال : مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علقٍ. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم } فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره " ، الحديث بطوله . فتحنثه وتعبده بغار حراء كان قبل المبعث ، ثم إنه لما أكرمه الله بنبوته ورسالته ، وفرض على الخلق الإيمان به وطاعته واتباعه ، وأقام بمكة بضع عشرة سنة هو ومن آمن به من المهاجرين الأولين الذين هم أفضل الخلق ، ولم يذهب هو ولا أحد من أصحابه إلى حراء . أستمع حفظ

2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم هاجر إلى المدينة واعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية التي صده فيها المشركون عن البيت - والحديبية عن يمينك وأنت قاصد مكة إذا مررت بالتنعيم ، عند المساجد التي يقال : إنها مساجد عائشة ، والجبل الذي عن يمينك يقال له : جبل التنعيم ، والحديبية غربيه - . ثم إنه اعتمر من العام القابل عمرة القضية ، ودخل مكة هو وكثير من أصحابه ، وأقاموا بها ثلاثا . ثم لما فتح مكة وذهب إلى ناحية حنين والطائف شرقي مكة ، فقاتل هوازن بوادي حنين ، ثم حاصر أهل الطائف وقسم غنائم حنين بالجعرانة ، فأتى بعمرة من الجعرانة إلى مكة . ثم إنه اعتمر عمرته الرابعة مع حجة الوداع ، وحج معه جماهير المسلمين ، لم يتخلف عن الحج معه إلا من شاء الله . وهو في ذلك كله ، لا هو ولا أحد من أصحابه يأتي غار حراء ، ولا يزوره ، ولا شيئا من البقاع التي حول مكة . أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم بعده خلفاؤه الراشدون ، وغيرهم من السابقين الأولين ، لم يكونوا يسيرون إلى غار حراء ونحوه للصلاة فيه والدعاء . وكذلك الغار المذكور في القرآن في قوله تعالى : { ثاني اثنين إذ هما في الغار } وهو غار بجبل ثور ، يمان مكة ، لم يشرع لأمته السفر إليه وزيارته والصلاة فيه والدعاء ، ولا بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة مسجدا ، غير المسجد الحرام ، بل تلك المساجد كلها محدثة ، مسجد المولد وغيره ، ولا شرع لأمته زيارة موضع المولد ، ولا زيارة موضع بيعة العقبة الذي خلف منى ، وقد بني هناك له مسجد . ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعا مستحبا يثيب الله عليه ؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بذلك ، ولكان يعلم أصحابه ذلك ، وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم ، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك ؛ علم أنه من البدع المحدثة ، التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة ، فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة فقد اتبع غير سبيلهم ، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله . وإذا كان حكم مقام نبينا صلى الله عليه وسلم في مثل غار حراء الذي ابتدي فيه بالإنباء والإرسال ، وأنزل عليه فيه القرآن ، مع أنه كان قبل الإسلام يتعبد فيه . وفي مثل الغار المذكور في القرآن الذي أنزل الله فيه سكينته عليه . فمن المعلوم أن مقامات غيره من الأنبياء أبعد عن أن يشرع قصدها والسفر إليها لصلاة أو دعاء أو نحو ذلك ، إذا كانت صحيحة ثابتة . فكيف إذا علم أنها كذب ، أو لم يعلم صحتها ؟ وهذا كما أنه قد ثبت باتفاق أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج البيت لم يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين ، فلم يستلم الركنين الشاميين ولا غيرهما من جوانب البيت ، ولا مقام إبراهيم ولا غيره من المشاعر ، وأما التقبيل فلم يقبل إلا الحجر الأسود . وقد اختلف في الركن اليماني : فقيل : يقبله . وقيل : يستلمه ويقبل يده ، وقيل : لا يقبله ولا يقبل يده . والأقوال الثلاثة مشهورة في مذهب أحمد وغيره . والصواب : أنه لا يقبله ولا يقبل يده ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا ولا هذا ، كما تنطق به الأحاديث الصحيحة ، ثم هذه مسألة نزاع ، وأما مسائل الإجماع فلا نزاع بين الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة العلم ، أنه لا يقبل الركنين الشاميين ، ولا شيئا من جوانب البيت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الركنين اليمانيين ، وعلى هذا عامة السلف ، وقد روي : " أن ابن عباس ومعاوية طافا بالبيت ، فاستلم معاوية الأركان الأربعة . فقال ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الركنين اليمانيين ، فقال معاوية : ليس من البيت شيء متروك ، فقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، فرجع إليه معاوية ". أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد اتفق العلماء على ما مضت به السنة، من أنه لا يشرع الاستلام والتقبيل لمقام إبراهيم الذي ذكره الله تعالى في القرآن، وقال : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلًى } . فإذا كان هذا بالسنة المتواترة وباتفاق الأئمة، لا يشرع تقبيله بالفم ، ولا مسحه باليد ، فغيره من مقامات الأنبياء أولى أن لا يشرع تقبيلها بالفم ، ولا مسحها باليد . وأيضا : فإن المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائما ، لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يقبله ، ولا المواضع التي صلى فيها بمكة وغيرها . فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه بقدميه الكريمتين ، ويصلي عليه ، لم يشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله ، فكيف بما يقال : إن غيره صلى فيه أو نام عليه ؟ وإذا كان هذا ليس بمشروع في موضع قدميه للصلاة ، فكيف بالنعل الذي هو موضع قدميه للمشي وغيره ؟ هذا إذا كان النعل صحيحا ، فكيف بما لا يعلم صحته ، أو بما يعلم أنه مكذوب : كحجارة كثيرة يأخذها الكذابون وينحتون فيها موضع قدم ، ويزعمون عند الجهال أن هذا الموضع قدم النبي صلى الله عليه وسلم " أستمع حفظ

20 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فما خصت به تلك البقاع لا يقاس بها غيرها ، وما لم يشرع فيها فأولى أن لا يشرع في غيرها ، ونحن استدللنا على أن ما لم يشرع هناك من التقبيل والاستلام أولى أن لا يشرع في غيرها ، ولا يلزم أن يشرع في غير تلك البقاع مثل ما شرع فيها . ومن ذلك القبة التي عند باب عرفات ، التي يقال : إنها قبة آدم ، فإن هذه لا يشرع قصدها للصلاة والدعاء ، باتفاق العلماء ، بل نفس رقي الجبل الذي بعرفات الذي يقال له : جبل الرحمة ، واسمه : إلال ، على وزن هلال ، ليس مشروعا باتفاقهم . أستمع حفظ

21 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإنما السنة الوقوف بعرفات : إما عند الصخرات حيث وقف النبي صلى الله عليه وسلم ، وإما بسائر عرفات ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ". وكذلك سائر المساجد المبنية هناك ، كالمساجد المبنية عند الجمرات ، وبجنب مسجد الخيف مسجد يقال له : (غار المرسلات ) فيه نزلت سورة المرسلات ، وفوق الجبل مسجد يقال له ( مسجد الكبش ) ونحو ذلك . لم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم قصد شيء من هذه البقاع لصلاة ولا دعاء ولا غير ذلك . وأما تقبيل شيء من ذلك والتمسح به ؛ فالأمر فيه أظهر إذ قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام : أن هذا ليس من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر طائفة من المصنفين في المناسك استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها ، وكنت قد كتبتها في منسك كتبته قبل أن أحج في أول عمري ، لبعض الشيوخ ، جمعته من كلام العلماء ، ثم تبين لنا أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة ، وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، لم يفعلوا شيئا من ذلك ، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك ، وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف ، وغير ذلك من العبادات ، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه ، ولا يصلح أن يجعل هناك مسجد يزاحمه في شيء من الأحكام ، وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد ، من دعاء وصلاة وغير ذلك ، إذا فعله في المسجد الحرام كان خيرا له ؛ بل هذا سنة مشروعة ، وأما قصد مسجد غيره هناك تحريا لفضله ، فبدعة غير مشروعة وأصل هذا : أن المساجد التي تشد إليها الرحال ، هي المساجد الثلاثة ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " وقد روي هذا من وجوه أخرى ، وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل العلم ، فتلقي بالقبول عنه . أستمع حفظ