تتمة ما سبق : فصل وكل ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلا أو إجمالا , إثباتا أو نفيا , فإننا في ذلك على كتاب ربنا وسنة نبينا معتمدون , وعلى ما سار عليه سلف الأمة و أئمة الهدى من بعدهم سائرون .
طيب، إذا قالوا: نحن لا نثبت الغضب لله، لأن العقل ينكره، ماذا نقول؟
نقول: هذا مردود، أولا: لأن العقل يقتضيه، فإن الغضب عند وجود سببه كمال، الغضب عند وجود سببه كمال، فالعقل يقتضيه.
ثم إن النص أتى به، قال الله تعالى : (( وغضب الله عليه )) في القاتل عمدا، فكيف ننكره؟ عرفتم يا جماعة؟
طيب، ما وجه كون الغضب صفة كمال عند وجود السبب؟ لأنه يدل على قوة الغاضب وقدرته على الانتقام، ولهذا لو أن الإنسان ضربه من هو أقوى منه ايش؟ حزن وإلا غضب؟ إنسان ضربه من هو أقوى منه؟ يحزن ما يقدر يغضب، لأنه ما يستطيع أن ينتقم منه، فتجده يحزن ويبكي ويتشكى، لكن لو ضربه من دونه انتفخ عليه غضبا ورصه بالأرض. واضح؟ لأنه قوي، فالغضب عند وجود سببه كمال وليس بنقص، ونحن نعلم أن الله لا يغضب إلا إذا وجد موجب الغضب.
على هذا، العمدة في ما نثبته لله عز وجل أو ننفيه عنه شيئان فقط، هما؟ أجيبوا يا جماعة؟ إجابة عامة الكتاب والسنة، فما فيهما من أسماء الله وصفاته وجب علينا قبوله والإيمان به، وما نفاه الله ورسوله وجب علينا نفيه، وما سكت عنه الله ورسوله نظرنا، إن كان صفة نقص نفيناه على القاعدة أن الله منزه عن النقص، وإن لم نعلم أنه نقص وجب علينا أن نتوقف، لا ننفيه ولا نثبته.
طيب قال : " وعلى ما سار عليه سلف الأمة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون ".
إذا قيل: سلف الأمة، فمن هم؟ دقيقة.
سلف الأمة هم القرون المفضلة، الذين قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، هؤلاء هم سلف الأمة.
قال : " وأئمة الهدى من بعدهم " ولم يقل الأئمة من بعدهم، لأن الأئمة من بعد السلف الصالح صاروا أئمة هدى وأئمة ضلال، نحن نتّبع من؟ أئمة الهدى من بعدهم.
أما أئمة الضلال فما أكثر أئمة الضلال في هذه الأمة الإسلامية ونحن بريئون منهم، لكننا أتباع لأئمة الهدى.
لكن هل نحن أتباع لهم على الخطأ والصواب؟ لا، ما علمنا أنهم أخطؤوا فيه سألنا الله لهم العفو، وخالفناهم في خطئهم إلى الصواب.
1 - تتمة ما سبق : فصل وكل ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلا أو إجمالا , إثباتا أو نفيا , فإننا في ذلك على كتاب ربنا وسنة نبينا معتمدون , وعلى ما سار عليه سلف الأمة و أئمة الهدى من بعدهم سائرون . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب و السنة في ذلك على ظاهرها , وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عزوجل .
نرى، المؤلف يتكلم بلسان أهل السنة، وليس يتكلم بلسان نفسه ويعظم نفسه، لكنه يتكلم بلسان أهل السنة، يقول : " نرى وجوب إجراء نصوص الكتاب واالسنة " في ذلك، أي: فيما وصف الله به نفسه " على ظاهرها وحملها " أي: وجوب حملها " على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل ".
وهذا، وجه ذلك، وجه الدلالة على هذا قول الله تبارك وتعالى : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا )) ايش؟ (( لعلكم تعقلون )) أي: تفهمون، وقال : (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون )). فالدليل على وجوب إجرائها على ظاهرها هاتان الآيتان.
الأولى؟ اقرأها؟ اقرأها؟ احذر أن تقوم من مقامك، أو أن تُقام من مقامك.
الطالب : (( اتبعوا ما )).
الشيخ : لا، وين رحت؟
الطالب : ... .
الشيخ : ها؟
الطالب : ... .
الشيخ : طيب قلي معناها.
الطالب : ... .
الشيخ : لا ما هي هذا، لا لا ما هي هذا. نعم.
الطالب : قوله تعالى : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا )).
الشيخ : (( لعلكم تعقلون ))، يعني: صيرناه بلسان العرب من أجل أن تفهموه.
ثم قال : " (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم )) " فأمرنا باتباعه على الفهم الذي نفهمه بمقتضى اللغة ايش؟ العربية، لأن الله تعالى قال : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا )). وعلى هذا إذا دل الكتاب والسنة على معنى نفهمه بمقتضى اللغة العربية وجب علينا أن ايش؟ أن نتبعه.
من ذلك قول الله تعالى : (( ثم استوى على العرش )) الأخ، ما معنى استوى على العرش؟ اه؟
الطالب : ... .
الشيخ : يعني علا عليه؟ ها؟
الطالب : العرش فوق السماوات.
الشيخ : العرش فوق السماوات، لكن معنى استوى عليه؟ يعني: علا عليه.
الطالب : ... .
الشيخ : استوى علا عليه، كذا؟
صحيح، استوى على العرش يعني: علا على العرش.
الدليل؟ أن استوى على كذا في اللغة العربية بمعنى علا عليه، قال الله تعالى : (( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ))، وقال تعالى : (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره )). وخذ بقية الأمثلة على هذا، ما دلّ عليه القرآن بمقتضى العربية فخذ به، ولا تحزن، خذ به ولا تحزن، لأن هذا هو الذي أمرك الله به (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم )).
ولهذا قال : " نرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسنة في ذلك على ظاهرها " وعرفتم الدليل، قال : " وحملها على حقيقتها " وهذا من تمام إجرائها على ظاهرها أن نحملها على حقيقتها، لكن قال : " اللائقة بالله " وهذا محط الفائدة، " اللائقة بالله " يعني: لا على ظاهرها المماثل للمخلوق، لا ما نرى هذا، نرى حملها على ظاهرها ايش؟ اللائق بالله.
ولهذا لو قال لك قائل: استوى الله على العرش علا عليه كما يعلو أحدنا على الكرسي ؟ قل لا يعني يالا تلمسونها بخفة يعني، أو بقوة؟ لا بقوة ولا بخفة؟ بقوة، لا، لا كما يستوي الإنسان على الكرسي، لأنك لو فسرت هذا التفسير لفسرتها على الوجه الذي لا يليق بالله، لأن الله تعالى قال في كتابه : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )). أواضح يا جماعة؟ طيب، إذن " وجوب إجرائها على ظاهرها " حملها على الحقيقة ايش؟ اللائقة بالله لا المماثلة للمخلوق.
2 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب و السنة في ذلك على ظاهرها , وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عزوجل . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ونتبرأ من طريقة المحرفين لها الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله .
نتبرأ من هذا الطريق، نتبرأ بقلوبنا وألسنتنا وسلوكنا من طريق هؤلاء الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله.
ولنجعل المثال واحدا حتى لا يتشتت الفكر.
قال الله تعالى : (( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش )) قلنا: استوى على العرش يعني: علا عليه.
طيب، كعلو الإنسان على السرير؟ لا، لأن هذا لا يليق بالله، علا عليه علوا يليق بجلاله عز وجل.
طيب، قال قائل : استوى على العرش يعني استولى عليه، هؤلاء نتبرأ من طريقهم، نتبرأ ونرى أنهم على ضلال، لماذا؟ لأنهم صرفوا ذلك إلى غير ما أراد الله بها ورسوله، صرفوها إلى غير ما أراد الله به ورسوله.
فإذا قال قائل: ما دليلكم على أن الله تعالى أراد بقوله : (( استوى على العرش )) أي: علا عليه، ألا يجوز أن يكون مراد الله استولى عليه؟
الجواب : لا، لا يجوز، لأنه لو جاز ذلك لكان الله تعالى لم يجعل القرآن تبيانا، ولم يجعله فرقانا، إذ أن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين، واللسان العربي المبين يقتضي أن معنى قوله : (( استوى على العرش )) يعني: علا عليه لا غير.
فالذين قالوا استولى عليه صرفوه إلى غير ما أراد الله، نشهد بذلك شهادة عند الله عز وجل، أنهم صرفوه إلى غير ما أراد الله، ونشهد أن الله لم يرد بقوله (( استوى )) ايش؟ استولى.
فإذا قال قائل : هذه شهادة عظيمة، كيف تجزم بها؟
قلت : أجزم بها بأمر الله عز وجل : (( إنا جعلنا قرآنا عربيا )) (( اتبعوا ما أنزل إليكم )) فأمرنا الله عز وجل أن نتبع القرآن على ما نزل باللغة العربية، وهو نزل باللغة العربية بإيش؟ على أن استوى بمعنى ايش؟ بمعنى علا. فأنا أشهد على الله أنه أراد بقوله : (( استوى على العرش )) أي: علا عليه، أشهد على الله بذلك، لأنه أمرني بذلك، أمرني أن أتبع ما أنزل إلي بمقتضى اللسان العربي.
انتبهوا يا إخواني، لا يهولنكم أن يقول قائل : كيف تشهد هذه الشهادة؟ هذه شهادة عظيمة؟
أقول : نعم، أشهد على الله بأمر الله،لأن الله قال : (( اتبعوا ما أنزل إليكم )) هذا الذي أنزل إلينا، أنزل إلينا (( بلسان عربي مبين ))، وهذا معنى استوى علا باللسان العربي المبين.
فنحن نتبرأ من طريق الذين حرفوا الكلم عن مواضعه وصرفوا المعنى إلى غير ما أراد الله ورسوله.
مثل من؟ الأشاعرة، المعتزلة، الجهمية، ومن سلك سبيلهم. كل هؤلاء محرفون للكلم عن مواضعه واقعون فيما وقعت فيه الأمم من قبلنا. طيب.
3 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ونتبرأ من طريقة المحرفين لها الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن طريقة المعطلين لها الذين عطلوها عن مدلولها الذي أراده الله و رسوله .
هذا طريق آخر غير الأول، الأول في الحقيقة تضمن التعطيل والتحريف، لأن الذي يقول: استوى استولى على العرش، عطل النص عن معناه الذي أراد الله، وأثبت له معنى جديدا من كيسه. أنتم معي يا إخوان؟
الطريق الثاني : عطلوا النص عن مراد الله، ولكن لم يثبتوا له معنى.
وهذا طريق من يسمون بالمفوضة أهل التجهيل، الذين إذا قيل لهم ما معنى قوله : (( استوى على العرش ))؟ قالوا: لا نثبت له معنى، الله أعلم، يا جماعة أثبتوا معنى، قالوا ما نثبت.
هؤلاء عطلوا النصوص عن ايش؟ عما أراد الله بها، أراد الله أن يثبت استواء على العرش، وهؤلاء قالوا ايش؟ ما نعلم، ايش يعملون ؟ نحن نقرأ القرآن ولكن لا نفسره. نقول: أنتم معطلة عطلتم النص عما أراد الله به. أفهتم يا جماعة؟ طيب، في طريق ثالث.
4 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن طريقة المعطلين لها الذين عطلوها عن مدلولها الذي أراده الله و رسوله . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن طريقة الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل أو تكلفوا لمدلولها التكييف .
هذا طريق ثالث، هؤلاء غلوا في الإثبات، هؤلاء غلوا في الإثبات، أثبتوا لله ما أثبته لنفسه، لكن غلوا، والغلو معناه الزيادة، ومنه غلي القدر، لأنه إذا غلى ايش؟ ارتفع.
هؤلاء غلوا في الإثبات، قالوا: نثبت أن الله استوى على العرش حقيقة، وأن معنى الاستواء كما يستوي أحدنا على الكرسي. هؤلاء ايش هم؟ ممثلة غلوا في الإثبات، وقالوا: لله يد، ويده كأيدينا، غلوا في الإثبات، هل نحن نتبرأ من هذه الطريق؟ نعم، نتبرأ من هذه الطريق، لأن فيها غلوا.
فصرنا نتبرأ من ثلاث طرق:
الطريق الأول : طريق المحرفين الذين أثبتوا لها معنى لا يريده الله ورسوله.
الثاني : طريق المعطلة الذين عطلوها عن المعنى المراد، لكن لم يذكروا معنى آخر، وهؤلاء هم المفوضة.
والثالث : طريق من؟ طريق الغالين في الإثبات الذين أثبتوها مع التمثيل.
نتبرأ من هذه الطرق الثلاث كلها.
فإذا قال قائل: لماذا لا نسلك الطريق الوسط من الطرق الثلاث وهي: السكوت؟
نقول: هذا حرام، لأن السكوت يعني التعطيل، والله عز وجل يقول : (( ليدبروا آياته )).
وهذا السكوت يقول شيخ الإسلام رحمه الله : " إنه شر أقوال أهل البدع والإلحاد " وبعض الناس يظنه خيرا وهو شر. والعجب أن بعض الناس المطلعين الذين نحسن الظن بهم يظن أن هذا مذهب السنة مذهب أهل السنة ومذهب السلف، وهي طريقة ايش؟ التفويض وعدم الخوض، وأن نقول لا نعلم.
ولهذا حكي عنهم العبارة الكاذبة المتناقضة الباطلة، وهي قولهم: طريق السلف أسلم وطريق الخلف أعلم وأحكم.
هذه عبارة كاذبة باطلة متناقضة، لأن حقيقة الأمر أن طريق السلف أسلم وأعلم وأحكم. نعم.
5 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن طريقة الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل أو تكلفوا لمدلولها التكييف . أستمع حفظ
هل ما سكت عنه الشارع من الصفات نسكت عنه ؟
الشيخ : لا، نقول: ننظر، لأنه إذا دل على معنى لا يليق بالله فقد تكلم عنه الشارع، ونفاه الله عن نفسه.
السائل : شيخ هذه المسألة شيخ الإسلام في المجموع نقل الإجماع على إثبات صفة السكوت.
الشيخ : كيف؟
السائل : شيخ الإسلام.
الشيخ : نعم.
السائل : في المجموع ينقل صفة الإجماع على إثبات السكوت كصفة لله.
الشيخ : نعم، هذا ما سكت الله عنه، إذا دلت الكلمة على معنى ناقص، هل سكت الله عنه؟ ما سكت، يعني: كلامنا هذا مجرد تفصيل يعني، وإلا حتى عبارتنا في كتبنا نقول هكذا، السكوت عما سكت عنه، لكن نقول أحيانا تأتي كلمة بلفظها ما جاءت في القرآن والسنة لا نفيا ولا إثباتا، لكن تتضمن معنى فاسدا حينئذ نقول : هذا لم يسكت الله عنه في الواقع، بل نفاه عنه بقوله : (( ولله المثل الأعلى )) فإنه يدل على أن ما ليس كذلك فليس لله، عرفت؟ فيكون هذا مجرد تفصيل لهذا الشيء.
هل السكوت صفة لله تعالى ؟
الشيخ : نعم.
السائل : ... صفة السكوت ونسلم على الوجه ... .
الشيخ : كيف يعني شلون؟
السائل : صفة السكوت هي من صفة الله عز وجل.
الشيخ : لا لا لا، سكوت الله يعني السكوت الموصوف بالله؟
السائل : نعم.
الشيخ : لا لا، أنا ظننت أنك تقول ما أثبته الله أثبتناه وما نفاه نفيناه وما لم يثبته ولم ينفه سكتنا عنه. ظننت أن هذا مرادك.
السائل : ... سألتك سؤال ثاني.
الشيخ : سؤال جديد، السكوت نقول: إن الله فعال لما يريد فإن شاء تكلم وإن شاء سكت. هذا معناه. نعم.
ما وجه قول شيخ الإسلام أن مذهب التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ؟
الشيخ : نعم.
السائل : طريقهم يحتوي على أمر واحد يا شيخ.
الشيخ : ايش؟
السائل : طريقهم يقول طريق المفوضة احتوى أمر واحد وهو السكوت. أما طريق المحرفة فقد احتوى أمرين وهو التعطيل ثم التحريف.
الشيخ : إي.
السائل : أما المفوضة احتوى طريقهم على أمر واحد.
الشيخ : نعم.
السائل : وهو التعطيل فقط.
الشيخ : نعم.
السائل : فكيف تكون طريقهم شر من طريق المحرفة؟
الشيخ : نعم، لأن طريق المفوضة قدح في القرآن، قدح في القرآن، إذ أنه يقتضي أن القرآن أتى بكلام لا فائدة منه، مجرد لفظ. وقدح في الرسل أيضا، لأنهم يتكلمون أي الرسل بكلام لا يفهمون معناه. رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ) ولا يعرف معنى ينزل، ويقول: إن الله يقول كذا وكذا وهو لا يعرف معناه، فهو قدح في الرسل وقدح في المرسل به، وقدح في المرسِل أيضا.
و لهذا يقول: إن أقوال أهل التفويض فتحت باب الفلسفة والمناطقة والباطنية، لأن الباطنية يقولون: نحن نعلم من كتاب الله ما لا تعلمونه أنتم، أنتم جهال ونحن أصحاب العلم، فمن أجل هذه اللوازم الباطلة صار من شر أقوال أهل البدع والإلحاد نعم.
السائل : أنا يا شيخ؟
الشيخ : أي نعم.
كيف نرد على أهل التفويض ؟
الشيخ : هذا هو مذهب أهل التفويض.
السائل : أي نعم.
الشيخ : نقول: قولك هذا من شر أقوال أهل البدع، لأن الله أنزل القرآن باللفظ والمعنى، وأمرنا بتدبره، كيف نتدبر شيئا لا يمكن الوصول إلى معناه؟! نعم.
ما معنى قولكم نسكت عما سكت عنه الشارع ؟
الشيخ : ايش؟
السائل : الصفة التي لم يرد بها الكتاب ولا السنة.
الشيخ : نعم.
السائل : قلنا إن دلت على معنى باطل نفيناه.
الشيخ : نعم.
السائل : لأنها ... الكتاب، وإن لم تدل على معنى باطل سكتنا.
الشيخ : نعم.
السائل : هل هذا معنى قولنا اللفظ الذي لم يثبت ننفي اللفظ ونستفصل في المعنى؟
الشيخ : لا لا، هذا غير، أحيانا يكون اللفظ نفسه مرفوض، حتى اللفظ مرفوض، يأتي مثلا عبارة يوصف الله بها وهي لا تليق بجلاله لا لفظا ولا تفصيلا، فنرفضها.
الطالب : انتهى انتهى الوقت يا شيخ.
القارئ : وسلم.
الشيخ : اللهم صل وسلم عليه
القارئ : " هو حق لا يناقض بعضه بعضا، لقوله تعالى : (( أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضا، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو بينهما تناقض فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه فليتب إلى الله تعالى ولينزَع ".
الشيخ : ولينزِع.
القارئ : " ولينزِعْ عن غيه. ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو بينهما فذلك إما لقلة علمه، أو قصور فهمه، أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم، وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق. فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه، وليكف عن توهمه، وليقل كما يقول الراسخون في العلم : (( آمنا به كل من عند ربنا )) وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف ".
المناقشة .
سبق لنا أن أهل السنة والجماعة يتبرؤون من ثلاثة طرق. نعم. مسعود؟
الطالب : طريق المعطلة.
الشيخ : لا، الأول؟
الطالب : طريق الممثلة.
الشيخ : الأول؟ ما بقي إلا واحد. الله يهديك يا مسعود. أنا أتعجب منك أنك من القادرين على الحرص والاجتهاد والذين عندهم ذكاء.، ومع ذلك تهمل هذا الإهمال تأتي بلا كتاب الآن وين كتابك؟
الطالب : ... .
الشيخ : ألم أقل لكم أمس الي ما عنده شيء يقدم اسمه لحجاج. طيب.
الطالب : المحرفين.
الشيخ : أي نعم.
الطالب : المحرفين والمعطلة.
الشيخ : المحرفين من هم؟
الطالب : الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.
الشيخ : ويش معنى يحرفون عن مواضعه؟
الطالب : يتـأولون.
الشيخ : ويش معنى يتأولون؟ الرسول دعا لابن عباس أن الله يعلمه الله التأويل، والتأويل غير مذموم.
الطالب : يحرفونه على حسب أهوائهم.
طالب آخر: يحرفونه إلى غير ما أراد الله ورسوله.
الشيخ : أحسنت. يحرفون الكلم عن مواضعه، أي: يصرفونه إلى غير ما أراد الله ورسوله. مثلا يقولون في قوله تعالى : (( وجاء ربك )) أي: جاء أمر ربك. طيب هذا واحد، ومن طريق آخر.
الطالب : المعطلة.
الشيخ : المعطلة، ايش المعطلة من هم؟
الطالب : الذين ... الذي أراد الله ورسوله.
الشيخ : أحسنت. الذين عطلوا عن مدلولها الذي أراد الله ورسوله، من هؤلاء؟ نعم. أي نعم، أنت أنت جاره. أنت يا أخي، أنت.
الطالب : ... .
الشيخ : لا، نعم؟
الطالب : المفوضة.
الشيخ : المفوضة. ما طريقهم؟
الطالب : أبطلوها وتوقفوا فيها.
الشيخ : يعني لا يتكلمون في المعنى إطلاقا، يقرؤون الألفاظ ولا يتكلمون في المعنى. طيب، الثالث؟
الطالب : الممثلة.
الشيخ : أي، طريق الغالين في الإثبات، الذين.
الطالب : غلوا في الإثبات.
الشيخ : في الإثبات فأثبتوها على وجه يماثل طيب. المخلوق. هل الواجب علينا اتباع ظاهر النصوص فيما يتعلق بصفات الله، أو أن نحملها على خلاف ظاهرها؟
الطالب : الواجب أن تحمل على ظاهرها.
الشيخ : طيب. الدليل؟
الطالب : قول الله عز وجل.
الشيخ : ترى ذكرنا الدليل مركبا من دليلين في الواقع.
الطالب : أننا طبعا أمرنا باتباع ما أنزل الله عز وجل.
الشيخ : نعم، أننا أمرنا باتباع ما أنزل الله، فقال تعالى : (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربك )). طيب.
الطالب : والثاني.
الشيخ : الي على الباب؟
الطالب : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا )).
الشيخ : (( لعلكم تعقلون )) (( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) فأفادت الآية أننا نعقل هذا الكتاب على مقتضى ها يا إيهاب؟
الطالب : على مقتضى اللغة العربية.
الشيخ : على مقتضى اللغة العربية، وهذا معنى قولنا: يجب إجراؤها على ظاهرها.
والعجب أن المعطلة والمحرفة يقولون: إن ظاهرها التمثيل، فيجب أن تصرف عن ظاهرها، لأن التمثيل ممتنع.
فهل تعتقدون هذا صحيحا أن ظاهر الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة ظاهرها التمثيل، ها؟
الطالب : طبعا لا.
الشيخ : لا، لأن الله تعالى لم يذكر صفة مطلقة حتى نقول تشترك فيها الموصوفات. ذكر صفة مضافة لله، والصفة تتبع الموصوف. فإذا قيل يد الإنسان لم يفهم أحد إلا اليد الإنسانية. وإذا قيل يد جمل هل يفهمها كيد الإنسان ؟ لا، فالصفات التي أضافها الله أضافها إلى نفسه، ما ذكر صفة مطلقة حتى نقول تشترك فيها جميع الموصوفات، لكنه ذكرها صفة مقيدة. وعلى هذا فلن يكون ظاهرها التمثيل.
طيب، إذا قلنا نحملها على ظاهرها وجب أن نضيف: حقيقتها اللائقة بالله عز وجل. طيب.
قال المصنف رحمه الله تعالى : ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضا , لقوله تعالى : << أفلا يتدبرون القرءان و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا >> [ النساء : 82 ] , و لأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضا , وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
لا شك (( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول )) بماذا؟ (( بالحق من ربكم )). ومن أصول الدين أن نشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، فكذلك ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.
فهو " حق لا يناقض بعضه بعضا ".
والمناقضة هي النسبة بين شيئين لا يجتمعان ولا يرتفعان. هذه المناقضة، النسبة بين شيئين ايش؟ لا يجتمعان ولا يرتفعان.
هذا هو الأصل إذا قسمنا الكلام إلى أربعة أقسام: تناقض، وتباين، وتضاد، وتماثل. وهذه النسب الأربع.
التناقض هي النسبة بين شيئين لا يجتمعان ولا يرتفعان. والتضاد النسبة بين شيئين لا يجتمعان ويرتفعان، هذا التضاد. والتباين النسبة بين شيئين مفترقين لا يمكن اجتماعهما.
والتماثل النسبة بين شيئين متساويين.
فنضرب أمثلة.
حركة وسكون، النسبة بينهما؟
الطالب : تضاد.
الشيخ : حركة وسكون؟
الطالب : تضاد.
الشيخ : تضاد؟ اه؟ التناقض، لأنهما لا يجتمعان ولا يرتفعان، معنى لا يجتمعان أي: لا يكون الشيء ساكنا متحركا أبدا في آن واحد، ولا يرتفعان لأنه لا بد أن يكون الشيء ايش؟ إما متحركا وإما ساكنا.
طيب، الوجود والعدم النسبة بينهما ؟
الطالب : تضاد.
الشيخ : التضاد؟ التناقض، لأن الشيء إما موجود وإما معدوم لا بد، فهما لا يجتمعان أي لا يمكن أن يكون الشيء معدوما موجودا في آن واحد، ولا يرتفعان إذ لا بد أن يكون الشيء إما موجودا وإما معدوما. أليس كذلك؟
السواد والبياض؟
الطالب : تضاد.
الشيخ : فكروا يا جماعة، تضاد؟ لأنهما لا يجتمعان، كذا؟ لا يجتمعان، ما يمكن يكون الشيء أسود أبيض في آن واحد، ويرتفعان يمكن أن يرتفعا فيكون الشيء أحمر مثلا. إذن النسبة بينهما التضاد.
التباين: حجر وإنسان، حجر وإنسان هذان متباينان بينونة كاملة. لا يمكن أن يجتمعا فيكون الإنسان حجرا والحجر إنسانا، وذاتهما تباين إحداهما الأخرى.
بشر وإنسان النسبة بينهما التماثل تمام.
طيب، على كل حال نحن في قولنا " حق لا يناقض بعضه بعضا " نريد بذلك أنه لا يمكن أن يكون القرآن والسنة يدل على شيئين النسبة بينهما التناقض لا يمكن هذا إطلاقا. الدليل قوله تعالى : (( أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) الاستفهام هنا للتوبيخ والإنكار، يعني لماذا لا يتدبرون القرآن؟ لو تدبروا القرآن ما وجدوا فيه اختلافا ولا تناقضا، وهم يقولون: إنما، نعم، إنما يقوله بشر أو إنما يعلمه بشر، لو كان الذي يعمله بشرا لوجد التناقض والاختلاف في القرآن، فليتدبروا القرآن هل فيه تناقض؟ يقول الله عز وجل لا (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) ليس اختلافا سهلا، لأنه لا بد أن يتناقض وأن يختلف.
فإن قال قائل : نجد في القرآن أشياء ظاهرها التعارض والتناقض، فما موقفنا نحو هذا؟
سيأتينا بيان ذلك.
يقول : " ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضا ".
صحيح، يعني: لو أخبر الله بخبر ثم أخبر بما يناقض ذلك الخبر لزم من ذلك ايش؟ أن يكون أحدهما كاذبا، وهذا ينزه عنه كلام الله وكلام رسوله. " وهذا محال في خبر الله ورسوله ".
12 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضا , لقوله تعالى : << أفلا يتدبرون القرءان و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا >> [ النساء : 82 ] , و لأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضا , وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما تناقض فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه , فليتب إلى الله تعالى , ولينزع عن غيه .
الفرق بين قولنا: " في كتاب الله أو في سنة رسوله " وقولنا: " أو بينهما ظاهر ". في كتاب الله يعني: بعضه مع بعض. في سنة رسوله يعني بعضها مع بعضها. بينهما يعني بين الكتاب والسنة.
" إذا ادعى تناقضا فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه فليتب إلى الله ولينزع عن غيه ". صحيح، أي إنسان يقول القرآن متناقض فإنه سيء القصد، نعم، وزائغ القلب، والعياذ بالله، أي إنسان يقول في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيها تناقضا فهو سيء القصد زائغ القلب، لأنه ما أراد بذلك إلا أن يصرف الناس عن كتاب الله وسنة رسوله، فهو سيء القصد وزائغ القلب.
ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى : (( ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) وإلا فمن قلبه صاف لا يمكن أن يدّعي أن في القرآن تناقضا أو في السنة تناقضا أو بينهما تناقضا، طيب.
فإذا قال ذلك وأتى بشيء يلبس به، فقال : إن القرآن يقول: (( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) في هذه الآية أنهم أنكروا أنهم مشركون، أليس كذلك؟ (( إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) أنكروا أنهم كانوا مشركين وأقسموا على ذلك، لكن في آية أخرى يقول : (( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )) يعني: ويومئذ لا يكتمون الله حديثا. فكيف الجمع بين هاتين الآيتين، آية تقول، يقول الله فيها: إنهم ينكرون أن يشركوا، وآية يقول الله فيها: إنهم لا يكتمون الله، ما الجمع؟
نقول : نعم، هذا ظاهرهما التعارض، لكن الجمع ايش؟ الجمع أن نقول : إن لهم حالين، حالا ينكرون فيها الشرك لعلهم يسلمون، وحالا أخرى يقرون، لأنها تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون. وهذا ممكن، لأن يوم القيامة كم مدته؟ خمسون ألف سنة تتغير فيها الأحوال.
يقول أيضا: إن الله يقول: (( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب )) ويقول في آية أخرى: (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس )) فمرة يقول للمتقين ومرة يقول للناس، هذا تناقض.
نقول: ليس فيه تناقض، لماذا؟ لأن قوله : (( هدى للمتقين )) يعني هداية الدلالة والتوفيق والانتفاع، و (( هدى للناس )) هداية الدلالة، القرآن يهدي كل أحد، يبين لكل أحد، لكن من الذي يتنفع به؟ المتقون.
وهكذا كثير من الآيات على هذا الوجه، ويمكن الجمع بينها لكن الذي في قلبه مرض يأتي بهذا للتشكيك.
وقد ألف الشنقيطي رحمه الله صاحب أضواء البيان ألف رسالة سماها " دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب " ذكر فيه ما بلغه علمه من الآيات التي ظاهرها التناقض وجمع بينها، فليرجع إليه فإنه مفيد.
13 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما تناقض فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه , فليتب إلى الله تعالى , ولينزع عن غيه . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما فذلك إما لقلة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر , فليبحث عن العلم , وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق , فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه , وليكف عن توهمه , وليقل كما يقول الراسخون في العلم : << ءامنا به كل من عند ربنا >> [ آل عمران : 7 ] , وليعلم أن الكتاب و السنة لا تناقض فيهما و لا بينهما ولا اختلاف .
" أو قصور فهمه " يعني أن علمه واسع لكنه ايش؟ قاصر الفهم، والناس يختلفون في الفهم اختلافا عظيما. من الناس من يفهم من آية واحدة مثلا عشر مسائل، وآخر لا يفهم منها إلا مسألة واحدة. يختلف الناس اختلافا عظيما في فهم كتاب الله وسنة رسوله.
ولهذا لما قال أبو جحيفة لعلي بن أبي طالب : ( هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله تعالى في كتابه ) إلا فهما. والناس يختلفون اختلافا عظيما في الفهم.
انظر إلى هذا الفهم الدقيق أن أقل الحمل الذي يمكن أن يعيشه الجنين كم؟ ستة أشهر من أين أخذناها؟ ليس في القرآن ولا في السنة، أخذ من آيتين قال الله تعالى : (( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )) كم ثلاثين شهرا؟ سنتان ونصف، وقال : (( وفصاله في عامين )) أسقط عامين من ثلاثين شهرا كم يبقى؟ ستة أشهر. إذن الحمل أقله ستة أشهر، وأمثال هذا كثير.
نعم أيضا قلة علم الثاني قصور الفهم.
ولهذا يذكر أن بعض العلماء، مو بعض العلماء، بعض الحفاظ كان يحفظ كتاب الفروع، الفروع كتاب فقه ألفه محمد بن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكان من أعلم الناس بآراء شيخ الإسلام في الفقه، حتى كان تلميذ شيخ الإسلام ابن القيم يرجع إلى محمد بن مِفلح صاحب الفروع فيما يتعلق بفقه شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله. ألف كتاب الفروع. وكان أحد الطلبة قد حفظ الكتاب من ألفه إلى يائه حفظا تاما كما يحفظ الفاتحة، لكن لا يفهم شيئا، لا يفهم شيئا إطلاقا، فكانوا فكان طلاب العلم يأتون إليه، لأن الكتب في ذلك الوقت قليلة، يقولون: ماذا ذكر صاحب الفروع في الفصل الفلاني مثلا؟ فيسرد عليهم الفصل والباب وكل شيء، حتى كانوا يلقبونه مع الأسف بحمار الفروع حمار الفروع، لأن الحمار يحمل أسفارا ولا يفهم معناها. وكان في الحقيقة لا ينبغي أن يوصف بهذا، ينبغي أن يوصف بحافظ الفروع.
لكن على كل حال أقول لكم: إن الناس بعضهم يكون قاصر الفهم يحفظ ولا يفهم.
يقول : " أو تقصيره في التدبر" . قد يكون الإنسان عنده علم واسع وعنده فهم ثاقب، لكنه لايتدبر ولا يتأمل، وإذا جلس ينظر في القرآن والسنة ليتدبر ضاق صدره، ضاق صدره ثم - يرحمك الله - ثم أغلق الكتاب. وهذا يوجد في كثير من طلبة العلم اليوم، تجده ليس عنده خلق للمراجعة والتدبر، يريد علما يكون مبردا دون أن يتولى طبخه ونضجه.
يقول : " فليبحث عن العلم، وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق ". فعل ذلك واجتهد تدبر، لكن لم يتبين له الأمر، فماذا يصنع؟
يقول : " فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه، وليكف عن توهمه وليقل كما يقول الراسخون في العلم : (( آمنا به كل من عند ربنا )) وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف ". إذا وصل إلى هذا الحد يقف.
ومن ذلك ما يتعلق بصفات الله عز وجل، فإن هذا معرك ضنك وباب ضيق، وكثير من الطلبة اليوم يريدون أن يوسعوا هذا الباب.
14 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما فذلك إما لقلة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر , فليبحث عن العلم , وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق , فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه , وليكف عن توهمه , وليقل كما يقول الراسخون في العلم : << ءامنا به كل من عند ربنا >> [ آل عمران : 7 ] , وليعلم أن الكتاب و السنة لا تناقض فيهما و لا بينهما ولا اختلاف . أستمع حفظ