هل يعد الغشيان عند سماع القرآن من الكرمات التي حصلت لبعض التابعين ولم تحصل للصحابة وهل هذا يدل على الأفضلية ؟
السائل : يرد بارك الله فيكم عن بعض التابعين حين يسمع القرآن يغشى عليه أو ربما مات، ولا نجد ذلك في بعض الصحابة، فهل هذا يستلزم الفضل؟
الشيخ : لا، هذا يقتضي أن هذا ناقص، هذا الذي يموت ويغمى عليه ناقص، لأن هذا يدل على ضعف قلبه، وعدم تحمله لما ورد عليه من الموعظة. ونحن نعلم علم اليقين أنهم ليسوا أشد تعظيما وهيبة من الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لا يصل إلى هذا الحد، يبكي عليه الصلاة السلام لكن لا يصل إلى هذا الحد. كان عمر بن الخطاب سمع قارئا يقرأ أو هو يقرأ (( إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع )) فمرض أياما، وصار الناس يعودونه، لكن لا يعني هذا أنه أفضل من أبي بكر أو من الرسول عليه الصلاة والسلام. هذا يدل على ضعف القلب وعدم التحمل، مثل ما ذكر لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن فلانا من الناس كان إذا مات ولده فجعل يتبسم ويضحك، وكأن هذا السائل يقول إن هذه الحال أعلى من حال الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جعل يبكي ويقول القلب يحزن والعين تندمع، فقال شيخ الإسلام رحمه الله : " هذا يدل على ضعف هذا الرجل وعدم تحمل قلبه " لأنه لم يستطع أن يوفق بين الصبر الجميل وتحمل هذه المصيبة، بل جعل يضحك كأنه يريد أن يطرد الشيء بهذا الضحك والسرور، وهو سرور ظاهري، فهذا يدل على نقصه.
يوجد في الصوفية، نعم، ما يسمى بالفناء الفناء عن شهود السِوى، لأن الفناء ذكروا أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الفناء عن إرادة السِّوى، والفناء عن شهود السوى، والفناء عن وجود السوى، السوى يعني سوى الله.
الفناء عن إرادة السوى هذا فناء يحمد عليه الإنسان لأنه يعني الإخلاص، أنك لا تريد إلا الل، لكن الصوفية يسمونه فناء، ونحن لا نسميه فناء، نسميه إخلاصا.
الفناء عن شهود السوى أن الإنسان إذا دخل في العبادة ما يشعر بشيء سوى الله، حتى إنه ينشغل بالله عن العبادة، لا يدري هل هو في عبادة أو لا، لأنه استغرق قلبه بايش؟ استغرق قلبه مع الله، ولا يدري هو يصلي ولا يقضي حاجته في الخلاء، ولا يبيع ويشري ما يدري، غاب. هذا ايش؟ فناء عن ايش؟ شهود السوى، حتى إن بعضهم يصل إلى حال الغشي يغشى عليه ويغيب مرة، وبعضهم يسقط ميتا، وبعضهم يلحقه هوس يبدأ يناكز: أنا الله أنا الله أنا الله، نعم، ما في الجبة إلا الله، خيمتي منصوبة على جهنم، سبحان الله! تنصب خيمتك على جهنم يا مجنون. لكن هذا يصل بهم الحال إلى هذا، لأنهم يستغرقون مرة في ايش؟ في المعبود عن العبادة، وفي المذكور عن الذكر.
أما والعياذ بالله القسم الثالث الفناء عن وجود السوى، فيقول: لا يوجد إلا الله، كل شيء هو الله، حتى زوجته هي الله، موطوؤته هي الله، كل شيء هو الله، والعياذ بالله، ولهذا قال ابن القيم :
" يا أمة معبودها موطوؤها *** تبا لهذا الهوى والأذهان "
فالحاصل يا إخواني أنه كون الإنسان يغمى عليه أو يموت عند ذكر المواعظ هذا لا يدل على كمال، بل يدل على نقص. أليس النبي عليه الصلاة والسلام يسمع بكاء الصبي وهو يصلي ولا لا؟
الطالب : بلى.
الشيخ : ويفهم، فيوجز في صلاته، يحمل ابنته أمامة بن زينب وهو يصلي، يأتيه الحسن والحسين يركبه الحسن وهو ساجد ويطيل السجود، هل هو شاعر بهؤلاء؟ أو إنه منغمر في العبادة؟ يشعر بهؤلاء وهو أكمل.
حتى عمر بن الخطاب يقول: ( كنت أجهز جيشي وأنا في الصلاة ). يجمع بين الصلاة والجهاد، فلا يغرنك مثل ما يعني.
القارئ : " فقد صدر عن تأويل اجتهدوا فيه، فمن كان منهم مصيبا كان له أجران، ومن كان منهم مخطئا فله أجر واحد وخطؤه مغفور له.
ونرى أنه يجب أن نكف عن مساوئهم فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم لقوله تعالى فيهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".
الشيخ : لا ما حاجة.
القارئ : بدون.
الشيخ : من دون، لأن هذه عند القراءةـ، أما عند الاستشهاد.
القارئ : ولا بسملة؟
الشيخ : ولا بسملة ولا شيء.
القارئ : لقوله تعالى : (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ))، وقوله تعالى فينا : (( و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم )).
1 - هل يعد الغشيان عند سماع القرآن من الكرمات التي حصلت لبعض التابعين ولم تحصل للصحابة وهل هذا يدل على الأفضلية ؟ أستمع حفظ
المناقشة.
قال المؤلف في جملة معتقد أهل السنة والجماعة: إننا نؤمن بأن هذه الأمة أكرم الأمم على الله وأفضل الأمم، واستدل لذلك، فما هو الدليل؟ أنت؟ آي.
الطالب : أنا؟
الشيخ : لا، الي وراك، ما هو الدليل؟ ما حضرت؟ أجب؟ إن كنت أخرس فبالإشارة.
الطالب : يمكن ما انتبه.
الشيخ : الي وراك يا أخي. الي وراك. أنت. أي نعم. ها. الي عليه طاقية فقط. ها يلا، ما هو الدليل على أن هذه الأمة خير الأمم؟
الطالب : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )).
الشيخ : طيب. كيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى لبني إسرائيل : (( فضلناهم على العالمين ))؟
الطالب : ... .
الشيخ : نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : ومن سبقهم. بنو إسرائيل فضلوا على عالم زمانهم ومن سبقهم، كذا؟ طيب.
من خير هذه الأمة؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا، قصدي في القرون؟
الطالب: ... .
الشيخ : لا يا أخي، أنا أقول من خير هذه الأمة؟
الطالب : أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
الشيخ : لا، في القرون؟
الطالب : ... .
الشيخ : هاه؟
الطالب : القرن الذي رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ : الصحابة الصحابة، ثم؟ التابعون، ثم تابعوهم.
طيب. ما هو الدليل على هذا؟
الطالب : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ).
الشيخ : ( خير الناس قرني ثم الذين؟ ) ( ثم الذين يلونهم ). طيب. هل يلزم من هذه المفاضلة بين القرون أن يكون كل واحد من من قرن أفضل من كل واحد من قرن، أو المراد الجنس؟
الطالب : المراد الجنس.
الشيخ : المراد الجنس، يعني: قد يكون في تابعي التابعين من هو أفضل من بعض التابعين صح؟ أي نعم، وكذلك أيضا قد يكون من التابعين من هو أفضل من بعض الصحابة في العلم ونفع الأمة، وإن كانت الصحبة لا يمكن أن يعادلها شيء، لأنها لا تكون إلا للصحابة فقط. طيب.
قال المصنف رحمه الله تعالى : و بأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله عزوجل .
نؤمن بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) وهذه بشرى سارة لهذه الأمة أنه لن يعدم الحق منها جميعا، بل لا بد أن يكون فيها من هو على الحق ظاهر، بمعنى أنه يبين الحق ويوضحه، ولا يلزم من ذلك أن يكون منتصرا، بل هو منصور، ولكنه ليس بمنتصر، بمعنى أنه قد يكون ليس عنده القدرة على الجهاد إلا أنه معصوم من أن يقضى عليه. والواقع شاهد بذلك والحمد لله، فإن الأمة الإسلامية لم تزل فيها طائفة منصورة على الحق إلى الآن وإلى أن يأتي أمر الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر وخبره صلى الله عليه وسلم صادق لا يمكن أن يتخلف.
وقوله، فهذه الأمة أو الطائفة هم أهل السنة والجماعة، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية : " أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة ". وأما من قال: إن المراد بذلك من جاهد فهذا ليس بلازم، الجهاد قد يقوم سوقه عند القدرة والقوة، وقد لا يقوم عند العجز، لقوله تعالى : (( فاتقوا الله ما استطعتم )).
وقوله : ( حتى يأتي أمر الله ) ما المراد بالأمر؟ أمر الله تعالى بأن يقضى على كل مؤمن، لأنه في آخر الزمان تهب ريح تقبض نفس كل مؤمن حتى لا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة.
3 - قال المصنف رحمه الله تعالى : و بأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله عزوجل . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن فقد صدر عن تأويل اجتهدوا فيه , فمن كان منهم مصيبا كان له أجران , ومن كان منهم مخطئا فله أجر واحد , وخطؤه مغفور له .
من قرأ تاريخ الصحابة رضي الله عنهم وجد فيه ما يحزنه من القتال بينهم والفتن، سواء كان مع عائشة والزبير ومن قابلهما، أو كان مع معاوية وعلي بن أبي طالب.
لكن نعلم أن ذلك صدر عن تأويل، وما صدر عن تأويل واجتهاد فإنه إن أصاب فاعله الحق فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.
ولا يمنع من هذا أن نقول أولاهم بالحق كذا وكذا فما في مانع، فمثلا القتال الجاري بين معاوية رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه القتال الجاري بينهما لا شك أن الأقرب إلى الحق فيه هو علي بن أبي طالب، لأن الرسول قال لعمار: ( ويل عمار تقتله الفئة الباغية ) وقد قتله أصحاب معاوية.
لكن مع ذلك لا يجوز أن نضمر لهم بغضا ولا كراهة، بل نقول: ما صدر منهم فهو صادر عن تأويل واجتهاد، وهم بين صاحب سعي مشكور أو اجتهاد مغفور، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر.
4 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن فقد صدر عن تأويل اجتهدوا فيه , فمن كان منهم مصيبا كان له أجران , ومن كان منهم مخطئا فله أجر واحد , وخطؤه مغفور له . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ونرى أنه يجب أن نكف عن مساوئهم , فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل , و أن نطهر قلوبنا من الغل و الحقد على أحد منهم , لقوله تعالى : << لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولآئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا و كلا وعد الله الحسنى >> [ الحديد : 10 ] , وقوله تعالى فينا : << و الذين جآءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنآ إنك رءوف رحيم >> [ الحشر : 10 ] .
وأما أن ننشر المساوئ بين الناس، ونقول: فلان فعل كذا، وفلان فعل كذا، فلا شك أنه محرم، لأنه إذا كان هذا حراما بالنسبة لغيرهم فكيف بالنسبة لهم.
والطعن في الصحابة ليس أمرا هينا، الطعن في الصحابة في الواقع يتضمن الطعن في الشريعة، والطعن في الرسول، والطعن في جانب الله عز وجل، ليس طعنا فيهم فقط.
الطعن فيهم في الحقيقة طعن في أربع جهات:
أولا : الطعن فيهم، وهو واضح.
الثاني : وهو طعن في الشريعة، لأنهم هم الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم الذي نقلوا الشريعة إلينا، فإذا طعنا فيهم صارت الشريعة مشكوكا في صحتها وعزوها للرسول صلى الله عليه وسلم.
والثالث : أنه طعن في الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك أن من كان أصحابه على جانب من الفسق والفجور فإن ذلك قدح في مقامه. إذا كان العرف بين الناس الآن أن الرجل الشريف إذا كان أصحابه ومن حوله قد طعنوا بالفسق والفجور وغيرها، فلا شك أن هذا قدح فيه، وإن لم يكن مثلهم في الفجور والفسق، لكن كان الإنسان الشريف أن يصطحب أناسا شرفاء، أما أن يصطحب أناسا على جانب من الفسوق والفجور فهذا لا شك أنه عيب فيه، وإن لم يكن هو على شاكلتهم من الفجور وغيرها.
الجهة الرابعة : جانب الرب عز وجل، فإنه طعن في حكمته أن يهيئ لهذا الرسول الكريم الذي هو أفضل الخلق عند الله عز وجل أناسا ايش؟ فجرة كفارا فساقا، كما يقوله الرافضة في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا نفرا قليلا ومن كان من آل البيت.
وإذا كان كذلك وجب علينا أن نكف عن مساوئهم، وأن لا نظهرها للناس، حتى لو فرضنا أن إنسانا يقرأ في البداية والنهاية، وأتى على وقعة الجمل أو صفين أو غيرها، مما يخدش كرامة الصحابة عند العامة الذين لا يفهمون فالواجب ايش؟ أن لا تقرأ، الواجب أن لا تقرأ، أما إذا كنا نريد أن نقرأها على طلبة العلم لنمحص ما فيها، لأنه دخلها الزغل والكذب، فإنه لا بأس، بل قد يجب. لكن بالنسبة للعامة لا تقرأ عليهم مثل هذا. كذلك يجب أن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم، حتى لو كنا نرى أنه أخطأ فإنه لا يجوز لنا أن نحمل حقدا أو غلا عليهم، بل نقول عفا الله عنه، وإذا كان الذين انصرفوا في أحد قال الله تبارك وتعالى فيهم : (( ولقد عفا عنكم )) مع أنه عز وجل قال : (( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )) فبين عز وجل أن منهم من كان يقاتل للدنيا ومع هذا قال : (( ولقد عفا عنكم )) فكيف نحن لا نعفو عما حصل منهم؟! بمعنى أن لا نحمل حقدا ولا غلا على أحد منهم وإن كنا نرى أنه خطأ وأن قبيله هو الصواب هو المصيب.
" لقوله تعالى : (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى )) ".
(( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل )) المراد بالفتح هنا صلح الحدييية لا فتح مكة (( أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا )) والدليل على أنه صلح الحديبية ما جرى بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام لخالد : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين الأولين، بخلاف خالد بن الوليد فإنه أسلم بعد ذلك. طيب.
(( أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا )) من بعد ولا من بعدِ؟ ليش مضمومة ومن حرف جر؟ نقول: هي هنا مبنية وليست معربة. طيب.
يقول: (( و كلا وعد الله الحسنى )) سبحان الله! القرآن الكريم لما ذكر فضل من أنفق من قبل الفتح وقاتل فإنه قد يذهب القلب إلى التنقص في حق المفضل عليهم، فقال : (( وكلا وعد الله الحسنى )) وإن اختلفوا في الفضل.
وهذه طريقة القرآن أنه تعالى إذا ذكر مفضلا ومفضلا عليه ذكر المنقبة العامة للجميع. قال الله تعالى : (( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان )) قد يبدر إلى الذهن التنقص من حق داوود فقال عز وجل دفعا لهذا : (( وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن )) ذكر منقبة خاصة له في مقابل قوله : (( ففهمناها سليمان )) طيب.
وقال تعالى - نعم - : (( و كلا وعد الله الحسنى )) الحسنى هل هي وصف لموصوف معين أو المراد الوعدة الحسنى؟ نعم؟ إذا قلنا الحسنى هي الجنة وأنها وصف مختص بها، قلنا: المعنى وكلا وعد الله الجنة كما قال تعالى : (( للذين الحسنى وزيادة )) وإذا قلنا إنها وصف للشيء الأحسن فإننا لا نرى أن شيئا أحسن من الجنة.
" وقول الله فينا : (( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم )). شف سؤال المغفرة (( اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا )) لا الذين سبقونا ولا الذين كانوا في عصرنا، فسؤال المغفرة قالوا لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، والغل قال : (( لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا )) ولم يقل: للذين سبقونا بالإيمان، لأنهم سألوا أن لا يكون في قلوبهم غل لا للسابقين ولا _ يا صالح _ ولا للاحقين. طيب.
هذه الآية معطوفة على آيتين سابقتين، حيث ذكر الله تعالى الفيء (( للمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك الصادقون * والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حرجا مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )) ". وقد قال مالك رحمه الله : " إن الرافضة لا حقَّ لهم في الفيء " لماذا؟ لأنه لا يمكن أن تنطق ألسنتهم بهذا القول، لا يمكن أن يقولوا (( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )) بل إنهم يشتمونهم ويلعنونهم وقلوبهم ممتلئة غلا وحقدا على الذين سبقوهم بالإيمان، ولهذا قال مالك : " إنهم لا حظ لهم في الفيء ". طيب.
(( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم )).
5 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ونرى أنه يجب أن نكف عن مساوئهم , فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل , و أن نطهر قلوبنا من الغل و الحقد على أحد منهم , لقوله تعالى : << لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولآئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا و كلا وعد الله الحسنى >> [ الحديد : 10 ] , وقوله تعالى فينا : << و الذين جآءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنآ إنك رءوف رحيم >> [ الحشر : 10 ] . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : فصل : ونؤمن باليوم الآخر , وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده حين يبعث الناس أحياء للبقاء , إما في دار النعيم , و إما في دار العذاب الأليم .
وهذا أحد أركان الإيمان الستة ( الإيمان أن تؤمن بالله وملاكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ). إذن هذا هو الركن الخامس.
اليوم الآخر يقول المؤلف: " هو يوم القيامة "، ثم بين وجه وصفه بالآخرة، فقال: " وهو الذي لا يوم بعده ". آخر مرحلة، لأن الإنسان له مراحل:
المرحاة الأولى: في بطن أمه. والثانية: في الدنيا. والثالثة: في البرزخ. والرابعة: يوم القيامة. فهي المرحلة الأخيرة.
ولهذا يغلط من يقول في الميت إنه نقل إلى مثواه الأخير، فإن هذا لو كان الإنسان يعتقده تماما لكان كافرا، لأن من قال إن المثوى الأخير هي القبور، فقد أنكر البعث ويكون كافرا، ومع الأسف أن هذه الكلمة شائعة بين الناس، كثيرا ما نسمع في الصحف وغير الصحف: انتقل إلى مثواه الأخير، وهذا غلط، المثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار.
نؤمن باليوم الآخر لأن الله تعالى ذكره في الكتاب، وذكره النبي في السنة، وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين الإيمان به واليوم الآخر، يعني: يفرد الإيمان به واليوم الآخر، لأن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يوجب للإنسان أن يسارع إلى الخير وأن يبتعد عن الشرّ، لأنه يعلم أن الجزاء الكامل سيكون يوم القيامة. طيب. اليوم الآخر، يقول: " حين يبعث الناس أحياء للبقاء، إما في دار النعيم وإما في دار العذاب الأليم ".
يبعث الناس للبقاء أزلا؟ نعم؟ أزلا ولا أبدا؟
الطالب : أبدا.
الشيخ : أبدا، لأنه مستقبل، يعني يبعثون للبقاء أبدا إلى ما لا نهاية له. طيب.
قال: " فنؤمن بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، دليل ذلك قوله تعالى : (( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون )). والله أعلم ".
6 - قال المصنف رحمه الله تعالى : فصل : ونؤمن باليوم الآخر , وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده حين يبعث الناس أحياء للبقاء , إما في دار النعيم , و إما في دار العذاب الأليم . أستمع حفظ
ما هي ضوابط الرد على المخالف ؟
الشيخ : نعم.
السائل : شيخ جزاك الله خيرا، ألا يؤخذ من قوله تعالى : (( وكلا وعد الله الحسنى )) والآية التي ذكرتم (( ففهمناها سليمان )).
الشيخ : نعم.
السائل : الإنصاف مع الرجل إذا نصح أو رد عليه بأن تذكر حسناته قبل أن تذكر سيئاته؟
الشيخ : لا، هذا بارك الله فيك فيه تفصيل، أما إذا كنا نريد أن نرد قولا خطأ فلا حاجة أن نذكر محاسن الرجل، لأنك لو رددت عليه ثم أثنيت عليه ضعف مقام الرد. وأما إذا كنا نريد أن نقوم الرجل، فهذا لا بد أن نذكر محاسنه ومساوئه.
ولهذا تجدون مثلا كتب الرجال يذكرون المساوئ والمحاسن، لأنهم يريدون أن يقوم الرجل، وتجدون في كتب الردود لا يذكرون محاسن الرجل، يذكرون السيئة التي يريدون أن يردوا عليه فيها. فالمسألة تحتاج إلى تفصيل من أراد الرد وبيان الخطأ فليس من المناسب إطلاقا أن يذكر للرجل محاسنه، لأن هذا يضعف مقام الرد. وأما إذا كان يريد أن يقوم الرجل مثل أن يسأل ما تقول في فلان؟ أقول فلان فيه كذا وكذا له محاسن وله مساوئ. نعم.
من قال إن علم الجرح والتعديل يجب أن يطبق على الصحابة هل يعد مبتدعا ؟
الشيخ : ايش؟
السائل : من طعن في الصحابة.
الشيخ : نعم.
السائل : وقال لا بد أن يشملهم علم الجرح والتعديل.
الشيخ : لا بد ايش؟
السائل : أن يشملهم علم الجرح والتعديل.
الشيخ : نعم.
السائل : فهل يعد مبتدعا يا شيخ؟
الشيخ : لا، هذا مبتدع لا شك، هذا مبتدع، لأنه ليس هذا طريقة السلف. السلف كلهم مجمعون وأعني بهم الأئمة على أن الصحابة عدول، وأن جهالتهم لا تضر. وأما أنه وقع من بعضهم شيء فهذا لا شك أنه وقع من بعضم أشياء، وقع فيهم شرب الخمر، وقع فيهم السرقة، وقع فيهم الزنا، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : ومع ذلك هم على الاستقامة.
السائل : شيخ.
الشيخ : نعم.
هل كان سب الصحابة في عهد عائشة رضي الله عنها ؟
الشيخ : ارفع صوتك.
السائل : ثبت في صحيح مسلم أن عائشة قالت : ( أمر أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ).
الشيخ : أمر.
السائل : ( أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم ولعنوهم ).
الشيخ : نعم.
السائل : هل كان سب الصحابة موجودا في عهد عائشة؟
الشيخ : نعم؟
السائل : هل كان سب الصحابة موجودا في عهد عائشة؟
الشيخ : آي. لكن بس لا أظن على سبيل العموم، لا أظنه على سبيل العموم، لأنه في عهد عائشة رضي الله عنها وجد من يسب عثمان رضي الله عنه ويشتمه.
هل اليوم الآخر منفصل عما بعده كـأيام الدنيا؟
الشيخ : نعم.
السائل : شيخ بارك الله فيكم، قوله تعالى : (( واليوم الآخر )) في عدة مواضع، وكذلك قوله عز وجل : (( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )) شيخ هل يوم القيامة شيء منفضل عما بعده؟
الشيخ : كيف؟
السائل : يعني هناك يوم القيامة يوم الحساب.
الشيخ : نعم.
السائل : ثم ما بعده من بقاء المؤمنين في الجنة، أو بقاء الكفار في النار، لذلك سمي يوم.
الشيخ : ما فهمت.
السائل : شيخ قوله تعالى : (( واليوم الآخر )).
الشيخ : نعم.
السائل : هل هو يوم منفصل كأيام الدنيا مثلا.
الشيخ : لا لا، يشمل اليوم الآخر ما بعد قيام الساعة إلى أبد الآبدين.
السائل : طيب و (( خمسين ألف سنة )) ؟
الشيخ : نعم هذا الموقف الذي يكون قبل أن يؤول أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى أهل النار، يعني ما فيه مثلا من حساب والموقف والشدة، المعروف.
هل القرون المفضلة ثلاثة أم اثنان ؟
الشيخ : نعم سعيد.
السائل : شيخ الرسول يقول : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) هل يأخذ من هذا الحديث أن هناك ثلاث قرون؟
الشيخ : أن هناك؟
السائل : ثلاث قرون مفضلة ولا أربعة؟
الشيخ : لا، الثابت ثلاثة، لكن يقول عمران : ( لا أدري هل ذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاث ) لكن الثابت ثلاثة، قرنه واثنان بعده، هذا ثابت ما في إشكال.
هل الرافضة الذين يسبون الصحابة كفار ؟
الشيخ : نعم؟
السائل : هل يكفرون بذلك على الراجح أو لا ؟
الشيخ : مسألة التكفير وعدم التكفير، قد يكون لهم شيء أعظم من سب الصحابة، لأن غلاتهم يقولون إن الكون يدبره أئمتهم، هذا الكون الآن الذي يدبره الله عز وجل يقول: الذي يدبره الأئمة، ويدعون أن من أئمتهم من هو في مرتبة لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل، أعظم من هذا، أعظم من سب الصحابة نعم.
السائل : أحسن الله إليك أنت ذكرت بالأمس كلام شيخ الإسلام أنه كلما ابتعد الناس عن زمن النبوة.
الشيخ : نعم.
السائل : ... .
الشيخ : نعم.
السائل : ... معينة دون عموم الأمة، لكن شيخ أشكل علي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ... الخلافة وزمن نزول عيسى عليه السلام ... .
الشيخ : هذه أشياء أشياء هذه تكون مستثنى، وإلا تعلم الآن أنه في عهد النبوة.
القارئ : " للبقاء إما في دار النعيم، وإما في دار العذاب الأليم. فنؤمن بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية (( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون )) فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة بلا نعال، عراة بلا ثياب، غرلا بلا ختان (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) ".
قال المصنف رحمه الله تعالى : فنؤمن بالبعث , وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية : << ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون >> [ الزمر : 68 ] فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين , حفاة بلا نعال , عراة بلا ثياب , غرلا بلا ختان : << كما بدأنآ أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين >> [ الأنبياء : 104 ] .
قال المؤلف : " ونؤمن باليوم الآخر وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده ". والإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره ). فالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بالبعث.
" وهو إحياء الله الأموات إحياء الله الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية ". هذا هو البعث، يخرج الناس من قبورهم أحياء بعد أن ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية. إسرافيل ملك من الملائكة، وهو أحد الملائكة الثلاثة الذين يذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح صلاة الليل، حين يقول في استفتاح صلاة الليل: ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ) إلخ. وإنما ذكر هؤلاء الثلاثة لأن كل واحد منهم موكل بما فيه حياة: جبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة القلوب، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه حياة الأبدان يوم القيامة، وميكائيل موكل بالقطر والنبات الذي به حياة الأرض.
يقول : " حين ينفح إسرافيل في الصور النفخة الثانية ".
أفاد المؤلف أنه ليس فيه إلا نفختان: نفخة فيها الفزع ثم الصعق، ونفخة ثانية فيها البعث والإحياء. قال الله تعالى : (( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون )).
وعلى هذا فيكون قول الله تعالى في سورة النمل : (( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين )) المراد بها النفخة التي بها الصعق، فيفزع الناس لهول ما سمعوا من الصوت العظيم ثم يموتون إلا من شاء الله.
وقوله : (( ثم نفخ فيه أخرى )) أفادت الآية الكريمة أن بين النفختين مهلة، لأن ثم للترتيب وايش؟ والمهلة التراخي، فما هي؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن بينهما، فيما رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن بينهما أربعين ) فسألوه: أربعين يوما أو سنة أو شهرا ؟كلما قال شيئا قال : ( أبيت أبيت ) يعني أنني لا أخبركم بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعين ) وسكت. فالله أعلم بذلك.
" فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة بلا نعال عراة بلا ثياب غرلا بلا ختان ". دليل ذلك قوله تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )). وإذا نظرت إلى أول بدء الخلق وجدت أن الإنسان يخرج من بطن أمه حافيا عاريا أغرل. فهم يحشرون بلا نعال وعراة بلا ثياب وغرلا غير مختونين بمعنى أن الله يرد إليهم ما أخذ في حياتهم مما فيه حياة. طيب.
والإنسان الذي أخذت كليته؟ نعم؟ ترد إليه، ترد إليه، لكن قد يقول قائل: إنها لا ترد لأنها أخذت بغير شرع بخلاف جلدة الختان فإنها مأخوذة بأمر الله ورسوله، ولكن ظاهر الآية ((كما بدأنا أول خلق نعيده )) أن الإنسان يعاد بجميع أجزائه حتى من قطعت يده أو قطعت رجله أو تفرقت أجزاؤه فلا بد أن يعاد كما خلق.
فإن قال قائل : كيف يتحملون أن يبقوا خمسين ألف سنة على هذه الحال؟ وكيف يمكن أن يكون الرجال والنساء في مكان واحد وهم عراة؟
قلنا أما الجواب عن الأول: فإن أحوال الأبدان يوم القيامة ليست كأحوالها في الدنيا، يعطيها الله تعالى من القوة والصبر والتحمل ما لا يكون، ولهذا تدنو الشمس منهم مقدار ميل ولا يحترقون، بينما الشمس لو تنزل عن مسارها في الدنيا مقدار شعرة واحدة أحرقت الأرض كلها بمن عليها.
وأما كون الرجال والنساء في مكان واحد فقد أجاب عنه النبي عليه الصلاة والسلام بأن الإنسان مشغول عن هذا الأمر، وأن الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك، قال الله تعالى : (( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) سبحان الله! أعاننا الله وإياكم على هذا.
وقوله تعالى : (( وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) أكد الله ذلك بأمرين، بأنه وعد واجب على الله، لم يقل وعدا منا، قال (( وعدا علينا )) وأكد ذلك أنه قادر عليه بقوله : (( إنا كنا فاعلين )) بينما الكفار يقولون : (( من يحيي العظام وهي رميم )) فقال الله : (( وعدا علينا )) ثابت واجب علينا.
(( إنا كنا فاعلين )) ولله تعالى أن يوجب على نفسه ما شاء، أما نحن فلا نوجب على الله شيئا، وإنما نؤمن بأن على الله أشياء واجبة أوجبها هو بنفسه، قال تعالى : (( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب )) طيب. وقال تعالى : (( كتب ربكم على نفسه ليجمعنكم إلى يوم القيامة لاريب فيه )) أوجب.
وهنا قال : (( وعدا علينا )) أوجب الله هذا الوعد عليه وهو أصدق القائلين وأوفى الواعدين (( إنا كنا فاعلين )) أكد هذا الفعل حيث أتى به مؤكدا بإنّ، وأتى به باسم الفاعل (( فاعلين )) ولم يقل إنا كنا نفعل، لتحقق وقوعه وأنه لا بد منه.
13 - قال المصنف رحمه الله تعالى : فنؤمن بالبعث , وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية : << ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون >> [ الزمر : 68 ] فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين , حفاة بلا نعال , عراة بلا ثياب , غرلا بلا ختان : << كما بدأنآ أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين >> [ الأنبياء : 104 ] . أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله تعالى : ونؤمن بصحائف الأعمال تعطى باليمين أو من وراء الظهور بالشمال : << فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * و أما من أوتي كتابه ورآء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا >> [ الإنشقاق : 7 _ 12 ] ,<< وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم حسيبا >> [ الإسراء : 13 _ 14 ] .
صحائف الأعمال التي كتبت بها الأعمال، والأعمال تكتب، كل شيء يكتب، قال الله تعالى : (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) وقال الظالمون : (( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا )).
هذه الكتب يوم القيامة تنشر، تفتح للإنسان (( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك )) يكتب فيها كل شيء قال الله تعالى : (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )). وقال تعالى : (( أم لا يحسبون أنا لا نسمع سرهم و نجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )).
يقول: " الصحائف تعطى باليمين " قال الله تعالى : (( فأما من أوتي كتابه بيمينه )) وتعطى من وراء الظهور بالشمال، قال الله تعالى : (( وأما من أوتي كتابه بشماله )) (( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره )).
وفهمنا من كلام المؤلف أنه لا تنافي بين ذكر الشمال ووراء الظهر، وأن الإنسان يعطى كتابه بالشمال ولكن تلوى يده حتى تكون من وراء الظهر. كما أنه جعل كتاب الله وراء ظهره في الدنيا جعل الله كتاب عمله وراء ظهره في الآخرة خزيا وعارا، قال الله تعالى : (( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا )). كيف الحساب اليسير؟ الحساب اليسير أن الله عز وجل يخلو بعبده المؤمن، ليس عنده أحد، ويقرره بذنوبه، يقول فعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا حتى يقرّ، حتى إذا ظنّ أنه هلك قال الله تعالى : ( إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ). لو أننا فكرنا بالذنوب التي نعملها دون أن يطلع عليها الناس لوجدناها عظيمة كثيرة، ولكن بستر الله عز وجل ومنه وكرمه سترها علينا. يوم القيامة يقرر الله العبد بذلك، يقول فعلت كذا وفعلت كذا ويقر، ولا يمكن أن ينكر، فيقول الله تعالى ممتنا عليه : ( سترتها عليك في الدينا ) وهذه نعمة سابقة ( وأنا أغفرها لك اليوم ) وهذه نعمة لاحقة. ولهذا قال : (( فسوف يحاسب حسابا يسيرا )). أما لو نوقش الإنسان الحساب، لو نوقش لهلك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من نوقش الحساب عذب ).
يقول : (( وينقلب إلى أهل مسرورا )) أهله أين هم؟ أهله في الجنة، لأن له أهلين في الجنة، ينقلب مسرورا. وظاهر الآية الكريمة أنه من حين أن يكون كذلك يظهر عليه السرور، ربما يكون الناس في غم وهم لكن هو مسرور.
وعلم من هذه الآية الكريمة أن الحساب يقع بعد أن يعطى الإنسان كتابه. وهذا هو الترتيب العقلي يعطى الإنسان كشف الحساب ثم بعد ذلك إذا تأمله وراجعه ايش؟ يحاسب عليه ويناقش. فإتيان الكتاب يكون قبل الحساب.
(( و أما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا )) يعني يدعو بالثبور والعياذ بالله، وا ثبوراه وا عاراه واخزياه وما أشبه ذلك. (( ويصلى سعيرا )).
قال : (( وكل إنسان )) آية ثانية (( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )). قال بعض السلف : " والله لقد أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك " يخرج له يوم القيامة كتاب منشور مفتوح لا يكلفه فتحه ويقال له: (( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )). وهذا هو غاية العدل والإنصاف أنه هو بنفسه يحاسب نفسه بناء على ايش؟ على ما في كتابه.
14 - قال المصنف رحمه الله تعالى : ونؤمن بصحائف الأعمال تعطى باليمين أو من وراء الظهور بالشمال : << فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * و أما من أوتي كتابه ورآء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا >> [ الإنشقاق : 7 _ 12 ] ,<< وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم حسيبا >> [ الإسراء : 13 _ 14 ] . أستمع حفظ