تتمة شرح الحديث : قوله عليه الصلاة والسلام:( .....تدع الناس من شرك)
إذن إن لم تستطع أن تعمل بعض العمل لتكسب به مالاً فتتصدق به فلا أقل أن تعين فقيراً ذا عيال على حاجته ببدنه أو تصنع معروفاً لأخرق بمهنته ، فالسائل يتتبع الرسول عليه السلام في أسئلته مرحلة مَرحلة حتى يستفيد ، ففي الأول سأله عن أفضل الرقاب فتبين له أن أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها، معناه أن يكون عنده عبد له ثمن فيتصدق به فهو لا يستطيع لأنه يحتاج إلا مال ليشتري مثل هذا العبد ويتصدق به فأحاله إلى أن يعين بعض المحتاجين بإعانتهم ببدنه قال أفرأيت إن ضعفت ، أي لا أنا بالذي يستطيع أن يتصدق بالمال ولا أنا بالذي يستطيع أن يعين ببدنه وبقوته قال ( تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدقها على نفسك ) . فأنت إذن فأنت إذا لم تتتفق أن تعمل ... لأنك لا تملك الثمن ولم تستطع أن تعين فقيراً ببدنه أو آخر بمهنته فعلى الأقل تبتعد عن الشر وخلّص الناس من شرّك فهذا الابتعاد عن الشر هو صدقة تتصدق بها على نفسك ، وهذا في الواقع منتهى الفضل الإلهي على عباده المؤمنين حيث جعل ابتعاد المسلم عن الشر صدقة منه تعود على نفسه .
شرح الحديث الثاني : قال عليه الصلاة والسلام (على كل مسلم صدقة.......)
شرح قول البخاري في الأدب المفرد: باب ليس المؤمن بالطعان وتحته الحديث (عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ما سمعت عبد الله بن عمر لاعنا أحدا ...... وفيه حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: لاينبغي للمؤمن أن يكون لعانا)
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فهو تابعي ابن صحابي ابن صحابي، عبد الله بن عمر بن الخطاب كلاهما صحابيان فسالم يروي عن ما يتعلق بأبيه أو بالأحرى عما يتعلق بأبيه وعن خلقه ونظافة لسانه فيقول ما سمعت عبد الله لاعنا أحدا قط في حياته كلها إلا إنسانا واحداً ، مرة واحدة أخطأ سبقه لسانه فلعنه ، وفي بعض الروايات خارج كتاب البخاري بالإسناد السابق لأن هذا الذي لعنه كان خادماً له أي رقيقاً عبداً مملوكاً فيظهر أنه أرسله في حاجة ضرورية فأبطأ فيها فغضب عليه غضباً شديداً ولم يتمالك نفسه إلا أن يلعنه ، ولو كان الأمر بالتمنّي لتمنّيت أن تكون هناك ، تلك الرواية التي رواها الإمام البيهقي في كتابه شعب الإيمان تمنّيت أن تكون هذه الرواية صحيحة لكن في سندها انقطاع ، لماذا ؟ لأنها تفسر بأنه لم يكرر لفظة لعن ، بدل لعنه الله جاءت رواية فقال لع ... ثم انتبه وأمسك وهذه هي التي في سندها انقطاع والرواية الصحيحة الصريحة بأنه لم يلعن في حياته أحداً إلا إنساناً واحداً مرة وقد فسرت الرواية الأخرى كما ذكرنا آنفاً أن سبب اللعن كان منصبّاً على خادم عبد له ولكن في رواية صحيحة ما يدل على أن مثل هذا الصحابي الجليل إذا أخطأ فإنه يراجع نفسه سريعاً عملاً ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تقول ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) . ماذا فعل عبد الله بن عمر ؟ بعد أن تذكّر أنه فعل أمراً لا يليق بالمسلم بادر فأعتق ذلك العبد لوجه الله عز وجل فكانت هذه كالكفارة وأيّة كفارة لمثل هذا الخطأ اللفظي .
بعد أن يروي سالم هذه الحادثة عن أبيه عبد الله بن عمر وأنه لم يلعن إنساناً إلا مرة واحدة كما شرحنا يقول أن عبد الله بن عمر كان يروي عن الرسول عليه السلام أنه كان يقول ( لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً ) ، يعني لا يجوز للمسلم أن يمرن ويعوّد لسانه على لعن شيء ما سواء كان هذا الشيء الذي يلعنه إنساناً أو حيواناً أو جماداً ذلك لأن كل ذلك من خلق الله تبارك وتعالى ، ومعنى اللعن كما أظن هو إبعاد الملعون عن رحمة الله عزوجل أي الدعاء عليه بأن يبعده الله عز وجل عن رحمته إبعاداً كلياً تاماً ، ولا يستحق مثل هذا اللعن أو مثل هذا الدعاء إلا من كان كافراً بالله تبارك وتعالى ،
3 - شرح قول البخاري في الأدب المفرد: باب ليس المؤمن بالطعان وتحته الحديث (عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ما سمعت عبد الله بن عمر لاعنا أحدا ...... وفيه حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: لاينبغي للمؤمن أن يكون لعانا) أستمع حفظ
كلام الشيخ على مسألة لعن الكافر
كلام الشيخ على مسألة لعن المسلم المعين ممن ارتكب أمرا يستحق اللعن عليه
الباغي الظالم وفيه أن بعض الصحابة استعملوا لفظة اللعن في ذلك الجائر الظالم وأقرهم الرسول عليه الصلاة والسلام على ذلك والواقع أنه كانت نتيجة هذا الأسلوب في سب ولعن الظالم أن ارتدع عن ظلمه.
تلك القصة خلاصتها أن رجلاً جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يشكو جاره فأمره عليه السلام بالصبر فصبر ثم ... صبره فعاد شاكياً له إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهكذا ، فلما علم الرسول عليه الصلاة والسلام بأن هذا الجار مظلوم ومضرور قال له الرسول عليه الصلاة والسلام ( إلق متاعك واجعله على قارعة الطريق ) ففعل ولا شك أن هذا الإلقاء ... وليلفت أنظارهم ويستدعيهم أن يتساءلون مالك يا فلان فما يكون منه إلا أن يقول فلان جاري ظلمني فما يكون منهم إلا أن يقولوا قاتله الله لعنه الله والجار يسمع بأذنه فما كان منه إلا أن بادر إلى النبي عليه الصلاة والسلام تائباً يرغب في أن يعيد جاره متاعه إلى بيته . فمثل هذه الحادثة تدلنا على أن لعن الظالم بعينه تأديباً له جائز لكن هذا يكون بهذا القصد ولهذا الغرض فلا يزال حديث هذا الباب حكمه كاملاً في الشريعة لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً ، يعني دائماً لفظة اللعن يجب ألا تخرج من فمه ونحو ذلك طبعا كل الألفاظ البذيئة والكريهة .
كلام الشيخ على مسألة سب الدين وخطورتها وتتمة شرحه لهذا الباب
السائلة : ... ز
الشيخ : ... في اللعن استعمال لفظ لا يليق شرعا أتبعه المصنف بحديث آخر نقرأه عادة لأن إسناده ضعيف ... لكن في الواقع أن هذا الحديث الآتي بعده وهو بلفظ ( إن الله لا يحب الفاحش المتفحش ولا الصياح في الأسواق ) بهذا السياق ... إسناده ضعيف لكن الجملة الأولى منه صحيحة ( ن الله لا يحب الفاحش المتفحش ... ) أكثر من حديث واحد صحيح فلذلك الحديث السابق فيه تعليم المسلم أن يحافظ على لسانه أن يصدر منه لعن أما الحديث الذي بعده فهو أشمل وأعم حيث قال عليه السلام ( إن الله لا يحب الفاحش المتفحش ) يعني هذا يشمل كل كلام غير لائق استعماله ، اللفظ الفاحش سواء كان ... أو ما شابه ذلك أو أي شيء لا يجوز في الإسلام فهذا أمر لا يحب الله تبارك وتعالى صاحبه وإنما يبغضه !
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم( الفاحش المتفحش...)
الشيخ : الفاحش الذي يفحش في كلامه والمتفحش هو نفسه ولكن يتكلف ذلك ويكثر منه ... ويجعله ديدنه وعادته هذا سؤال طيب .
[مجلس آخر] شرح الشيخ للحديث الثالث من الباب وهو حديث عائشة رضي الله عنها أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم....)
في هذا الحديث آداب إسلامية بعضها يتعلق بالمسلم بخلقه وبعضها يتعلق بالمسلم من حيث علاقته مع الكافر ، حينما يسلم الكافر عليه سلاماً محرّفاً عمّا وُضع له وبالتعبير الشامي سلام ملغوم ، هكذا قال أولئك اليهود حينما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ، الظاهر أنهم جاءوا وهو في بيت عائشة فسلّموا سلاماً كما ألمحنا لوّوا به ألسنتهم وأوهموا الرسول صلى الله عليه و سلم ومن عنده بأنهم يسلّمون عليه السلام الشرعي لكنهم في الحقيقة قلبوا السلام إلى الدعاء على الرسول صلى الله عليه و سلم بلغتهم حيث قالوا السام ، ومعنى السام هو الموت كما جاء في بعض الأحاديث ( في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السّام ) وهو الموت ، فاليهود من خبثهم ومكرهم لوّوا ألسنتهم بالسلام فقالوا السّام عليكم وما كان ذلك ليخفى على النبي صلى الله عليه و سلم وهو سيّد الأسياد النبهاء ولذلك فهو لم يجب بالجواب على كلامهم الخبيث إلا أن قال لهم وعليكم ، أما السيدة عائشة فلم تصبر لمكرهم وخبثهم وظهر ذلك بشدة في ردها عليهم لما سمعتم من قولها وعليكم ، هي تنبهت وأجابت بمثل جواب الرسول صلى الله عليه و سلم ولكنها زادت وقالت ولعنكم الله وغضب الله عليكم .
فالرسول صلى الله عليه و سلم لم يعجبه جوابها والسبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين أحدهما يتعلق بمبدأ إسلامي والآخر يتعلق بها بشخصها ونفسها ، فأما الأول المبدأ الإسلامي فهو قوله تبارك وتعالى (( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )) فإذا كانت اليهود قالوا السام عليكم فنحن نقول وعليكم ولا نزيد بالرد عليهم شدة فنقول كما قالت السيدة عائشة ولعنكم الله وغضب عليكم ، هذا هو الأمر الأول وهذا المبدأ معروف في الإسلام أنه لا يجوز الزيادة على القود وعلى الأخذ بالثأر وإنما بالمثل فقط ، فقال صلى الله عليه وسلم لها مؤدباً ( مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والشدة والعنف والفحش في الكلام ) فقالت ألم تسمع ما قالوا فقال صلى الله عليه و سلم ( أولم تسمعي ما قلت ) ، يعني كأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منها أن تكون أكيس مما هي عليه ، هو يقول لها لقد سمعت مثلما سمعت ورددت مثلما رددت وكما قلت وعليكم قلت أنا وعليكم فلماذا الزيادة منك على ما أنا رددت به ، لذلك أمرها بالرفق ونهاها عن العنف والفحش في الكلام الذي لا يجوز أن يجري على اللسان ، قال أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم مثلاً بمثل قالوا السام عليكم فقلت وعليكم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ ، إذا دعا اليهود على النبي صلى الله عليه و سلم بدعاء جائر ظالم ضار فذلك مما لا يستجاب عند الله عز وجل على الرسول صلى الله عليه و سلم أما العكس فنعم إذا دعا الرسول صلى الله عليه و سلم عليهم استجيب دعاءه عند ربه تبارك وتعالى .
فإذن نأخذ من هذا الحديث أمرين اثنين : الأول أن المسلم يجب أن يكون لطيفاً يجب سهلاً سمحاً وألا يكون شديداً حتى مع الكفار في الحياة الاجتماعية يعني حالة كونهم يعيشون ذميين تحت النظام الإسلامي ففي هذه الحالة لا يجوز للمسلم أن يستعمل القسوة والشدة مع اليهود والنصارى ، أما إذا وقعت الواقعة وأقيمت الحرب بين المسلمين والكافرين فهناك يجب على المسلم أن يكون شديداً عليهم وهذا مما وصف الله عز وجل عباده المؤمنين بقوله (( أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )) وبعض المسلمين يخلطون فيتوهمون أن هذه الشدة التي ذكرها الله عز وجل في الآية المذكورة (( أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )) يجب أن تكون هذه الشدة بين المسلم والكافر حتى في العلاقات الاجتماعية ؟ هذا خطأ ، الكافر إذا عاش تحت راية الإسلام وحكم الإسلام فيجب أن يعامل بكل الآداب الإسلامية التي أذن الله بها ، وأعني ما أقول حينما أقول الآداب الإسلامية التي أذن الله بها وإلا فلا يجوز للمسلم التسوية في معاملة المسلم للناس لا يجوز له التسوية في هذه المعاملة بين المسلم والكافر في كل شيء ، مثلاً في الوقت الذي نسمع في هذا الحديث هذا التعليم الكريم أن الكافر إذا ألقى سلاماً على المسلم ولوى فيه لسانه ألا نزيد في الشدة عليه فنقول وعليكم ولكنه من ناحية أخرى قال ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتموهم فاضطرّوهم إلى أضيق الطرق ) ، فلا يجوز للمسلم إذا لقي اليهودي أو النصراني أي الذمّيين لا يجوز إذا ما لقيه أن يبادرهم بالسلام ، ونقصد بالسلام السلام الإسلامي الذي هو بنص الحديث الصحيح حيث قال صلى الله عليه وسلم ( السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم ) .
هذا السلام لا يجوز أن يبادر به المسلم الكافر الذمي وإنما إن كان لا بد أن يبتدئه هو يقول له كما يقول بعضهم لبعض صباح الخير مساء الخير من هذا الكلام الذي ليس خاصاً بشريعة الإسلام ، أما هذا السلام الإسلامي فقد سمعتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تبدؤوا اليهود ... بالسلام فإذا لقيتموهم فاضطرّوهم إلى أضيق الطرق ).
أقول آسفاً الشطر الثاني من هذا الحديث لا يمكن تطبيقه اليوم لأن النظام ليس نظاماً إسلامياً ولأنك إذا أردت أن تضطر غير المسلم إلى أضيق الطريق فقد نصبت الخلاف والعداء بينك وبين الحكام وهذا ما لا قبل للمسلم اليوم مع الأسف الشديد ، أما الأمر الأول السلام فلا أحد يستطيع أن يتدخل بينك وبين شريعتك المتعلقة بشخصك فإذا ما بادءته بالسلام لا يقول لك أحد لمَ لم تبادئه بالسلام ولا سيما بهذا السلام الشرعي .
ثم نقول في هذا الحديث تعليم لنا ألا نكون شديدين في معاملة أهل الذمة لكن هذه الشدة يجب أن يحكمها الإسلام فلا يقال مثلاً ما دام هؤلاء أهل ذمة وما دام يجوز أن نحسن إليهم وإلى آخره فإذاً نبادئهم بالسلام ؟ لا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، وعلى العكس أيضاً ما دام أن الله قال في الآية السابقة (( أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )) إذاً نعاملهم بشدة فإذا تعاملنا معهم بالبيع والشراء غششناهم ومكرنا بهم ؟ كلا هذا لا يجوز لأن الله عز وجل يحب المقسطين أي المحسنين في معاملتهم للناس جميعاً سواءٌ من كان منهم مسلماً أو كافراً . إذن الآية أشداء على الكفار يعني كفار الحرب الذين يسمّون حربيين .
الفائدة الثانية التي يمكن أن نستفيدها من هذا الحديث إنما هو أمر هام جداً يتعلق بالمسلمين جميعاً سواءً من كان منهم ذكراً أو أنثى ألا وهو تقويم الخلق وتحسينه وألا يكون المسلم شديداً عنيفاً في معاملته لأهل الذمة من الكفار فضلاً عن معاملته لإخوانه المسلمين فضلاً عن معاملته لأهل القربى والصلة من أهله وأقاربه ، وصدق الله العظيم إذ يقول (( بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) .
8 - [مجلس آخر] شرح الشيخ للحديث الثالث من الباب وهو حديث عائشة رضي الله عنها أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم....) أستمع حفظ
[ مجلس آخر] تتمة كلام الشيخ على الحديث السابق وبيانه لبعض الضوابط المتعلقة بمعاملة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم.
قد يفهم بعض الناس من هذا الحديث وما في معناه أن رد السلام على الذمي ينبغي أن يكون وعليكم فقط ، فهل الأمر كذلك أم في المسألة تفصيل ؟
إذا نظرنا إلى حديث آخر ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( إن اليهود إذا سلم أجدهم فإنما يقول أحدهم السام عليكم فقولوا وعليكم ) .
إذا نظرنا إلى هذا الحديث نجده قد تضمّن حكماً معللاً بعلة ألا وهي ( إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليكم ) ، هذا يبين ردنا عليهم هذا اللفظ المختصر ( وعليكم ) إنما محله وموضعه حينما يلوي لسانه بالسلام حينما يقول السام عليكم فقد تفهم منه السلام الشرعي وقد تفهم منه السلام اليهودي ، أما إذا كان سلامه صريحاً واضحاً بيناً جلياً كما يفعله بعض النصارى اليوم مثلاً الذين خالطوا المسلمين وعاشروهم وتلقّفوا منهم سلامهم فيقول السلام عليكم واضحة ، فإذا سلم أحدهم فهل نقول وعليكم أم نقول كما قالوا وعليكم السلام ؟
إذا نظرنا أولاً إلى نص القرآن الكريم (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )) على الأقل ونظرنا ثانيا إلى الحديث الذي ذكرته آنفاً : فإنما يقول أحدهم السام عليكم فقولوا وعليكم ، نأخذ من الآية ومن هذا الحديث أنه إذا كان سلام الذمي صريحاً واضحاً رددناه عليه كذلك صريحاً بيّناً ، أما إذا كان سلاماً ملغوماً كما قلنا حينئذٍ ... وننبّهه إلى أننا لسنا مغفلين فنقول له وعليكم ، فقد يقول لماذا أنا قلت السلام عليكم فنقول له لقد رددنا عليك سواء قلت حقيقة السلام عليكم أو قلتها ملغومة هذا الذي أحببت أن ذكره بمناسبة حديث الدرس السابق .
9 - [ مجلس آخر] تتمة كلام الشيخ على الحديث السابق وبيانه لبعض الضوابط المتعلقة بمعاملة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم. أستمع حفظ
شرح حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا :( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذي)
هذا الحديث ليس بحاجة إلى شيء من التعليق أوالبيان فهو بيّنٌ بنفسه .
( ليس المؤمن بالطعّان ) هذه صيغة مبالغة للذي يطعن في الناس بغير حق ، علما بأن هذه الخصلة من أقبح الخصال وأفحش الأخلاق التي يُذم بها المسلم ويستحق الدخول في النار ولو كان ما تخلّق به من هذا الخلق السيئ وهو الطعن في الناس أقل من القليل وذلك لأن الرسول صلى الله عليه و سلم قال في الحديث الصحيح : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) الحديث طويل وذكرناه أكثر من مرة بتمامه فيه أن الصحابة سألوه أن أحدهم يحب أن ترى عليه ثياب حسنة وآخر نعال حسنة والثالث ثوب يعين قماش حسن فسألوه هل هذا من الكبر كان الجواب في كل ذلك لا لا ( إن الله جميل يحب الجمال ) قالوا إذا فما الكبر قال ( الكبر بطر الحق و غمط الناس ) .
بطر الحق هو رد الحق بعد ظهوره ، وغمط الناس هو الطعن فيهم بغير حق ، فمن كان فيه خصلة من خصال هذا الكبر الذي فسّره الرسول صلى الله عليه و سلم بأنه رد الحق بعد ظهوره أو الطعن في المسلم بغير حق فهو لا يدخل الجنة ، لذلك فهذه الخصلة التي برّأ الرسول صلى الله عليه و سلم منها المؤمن من أفحش الخصال المذكورة في هذه السياق وهو الطعن فقال صلى الله عليه و سلم ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ) لغيره ) أيضا بدون سبب وقد فصلنا القول في درس مضى عن اللعن فيما يجوز وفيما لا يجوز .
ثم قال ( ولا الفاحش ولا البذيّ ) ، الفاحش والبذيّ تقريباً بمعنى واحد وهو بذاءة اللسان والفحش في الكلام .
شرح حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا)
معلوم أن ذي الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه فهو ينافق ويداهن فهو كما يقال كالماء يتلون بلون كل إناء فهو مع هؤلاء على بطلهم وعلى ضلالهم يتظاهر معهم وهو مع أولئك على هداهم وصلاحهم فلا تعرفه هل هو من هؤلاء فعلاً أم من أولئك هذا ذو الوجهين يقول صلى الله عليه و سلم لا يليق أن يكون أميناً عند الناس ، والأمين هنا بالمعنى الأوسع لا ينبغي أن يكون أميناً على أخلاق الناس لا ينبغي أن يكون أميناً على أموال الناس لا ينبغي بالأولى والأحرى أن يكون أميناً على عقائدهم ودينهم لأنه لا دين له ولا خلاق له لأنه يقابل كل قوم بما يرضيهم به وهذا معناه هو المنافق ، المنافق وهو الذي يأتي المسلمين فيقول إنّا معكم فإذا انقلبوا إلى أصحابهم قالوا إنّا كنّا مستهزئين .
إذن فالرسول صلى الله عليه و سلم حين يقول ( لا ينبغي ) معناه لا يجوز ومعنى لا يجوز أي يحرم ، (( ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً )) ، فليس ما ينبغي يعني الأولى كما قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس لا وإنما ما ينبغي يعني يحرم أشد التحريم ، فهنا ما ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا أي يحرم ولا يجوز .
11 - شرح حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا) أستمع حفظ
حديث ابن مسعود الصحيح الإسناد والكلام عليه إسناديا
شرح حديث ابن مسعود الموقوف عليه: (ألأم أخلاق المؤمن الفحش)
الحكم على آخر الحديث في هذا الباب وأنه ضعيف
شرح باب اللعان وتحته حديث ابي الدرداء مرفوعا:(إن اللعانين لا يكونون يوم القيامة ......)
الشيخ : ثم روى البخاري بإسناد صحيح عن أبى الدرداء قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( إن اللعانين لا يكونون يوم القيامة شهداء ولا شفعاء ) .
في هذا الحديث الصحيح بيان أن الذين يكثرون اللعن ، اللعّانون هم الذين يكثرون اللعن هم الذين جعلوا لعن الناس وغير الناس كالبهائم والجمادات ونحو ذلك فهو يحرمون يوم القيامة أن يكونوا شهداء على الناس بما عملوا وأن يكونوا شفعاء أيضاً لأحبابهم وأصدقائهم .
15 - شرح باب اللعان وتحته حديث ابي الدرداء مرفوعا:(إن اللعانين لا يكونون يوم القيامة ......) أستمع حفظ
فوائد من حديث أبي الدرداء
أولاً : أن صيغة اللعّانين صيغة مبالغة وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان أحياناً قد يلعن شيئاً وهو غير مستحق للّعن وقد يكون من الصديقين ومن الشهداء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى في هذا الحديث عن اللّعانين وهم الذين يبالغون ويكثرون من اللعن أن يكونوا شهداء وشفعاء ، وتفيد هذه الصيغة أنه لا ينافي أن يكون المسلم مؤمناً كامل الإيمان وصدّيقاً وشهيداً لا ينافي ذلك أن يقع منه بعض الهفوات من اللعن أحياناً ، فالمبالغة في اللعن هي التي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذين يتصفون بهذه المبالغة لا يليق بهم أن يكونوا شهداء ولا شفعاء يوم القيامة .
ومن تلك الفوائد : إثبات الشفاعة في هذا الحديث لغير الرسل والأنبياء وهذه منقبة يشارك فيها هؤلاء المؤمنون الصادقون الذين من صفاتهم أنهم لا يكثرون اللعن أنهم يشاركون الأنبياء في الشفاعة للناس يوم القيامة وهذه منقبة عظيمة كما هو ظاهر وواضح .
ومن ذلك أننا إذا لاحظنا صيغة المبالغة اللعانين كذلك قلنا أنه لا ينافي أن يصدر من أحدهم اللعن أحياناً بغير حق وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل الناس قد كان يصدر منه أحياناً شيءٌ من ذلك ولكن الله تبارك وتعالى لكي يتم عليه نعمته وأجره وثوابه قد ألهمه أن يدعو ربه فيقول ( اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا ) . هذا فيه إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تغلب عليه صفة البشرية أحياناً فيصدر منه ما لا يليق بمقام النبوّة والرسالة ولذلك دعا ربه عز وجل أن يجعل ما قد يصدر منه من وضع اللعنة في غير محلها خطأً أو غضباً أن يقلب اللعنة التي توجهت منه إلى رجل ما إلى رحمة وزكاة لهذا الرجل ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع له شيء من ذلك فالصّديقون الذين مرتبتهم دون شك دون مرتبة النبوة والرسالة أحق أن يقع منهم شيء من ذلك ولكن لا يليق بهم أن يكثروا من ذلك فلأمر ما جاءت الصيغة جاءت بالمبالغة : ( إن اللعانين لا يكونون يوم القيامة شهداء ولا شفعاء ) ،
شرح الحديث الثاني من هذا الباب وهو حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا ينبغي للصديق أن يكون لعانا) وهو صحيح.
أيضاً هنا خصّ بالذكر الصدّيق وذكر أنه لا يجوز له أن يكون لعّاناً : يعني مكثراً للّعن ، فالمقصود هنا بالصدّيق أعم من أن يكون المقصود به هو أبو بكر رضي الله عنه الذي عُرف بهذا اللقب وذلك حينما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وإلى السموات العلى ثم حدّث الناس بذلك فكذّبه كثيرون وجاء بعضهم يريد أن يوقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين صاحبه في الغار فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا : يا أبا بكر هل لك في صاحبك ؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ورجع في ليلته ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا لنصدقه على خبر السماء ، ومن يومها سمّي أبو بكر الصدّيق صدّيقاً رضي الله عنه ، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ( لا ينبغي للصديق ) هو أعم من أن يكون مقصوداً به أبو بكر وإن كان أول من يدخل في ذلك أبو بكر نفسه في ... وجه الرسول عليه السلام لأبي بكر نفسه.
إذن هذا الحديث يؤكد الحديث الذي قبله من حيث أنه لا يجوز لمن كان في مقام الصديقية أن يغلب عليه استعمال لفظة اللعن لعن الناس أو الدواب أو غير ذلك ، ولا شك ولا ريب أن المقصود بهذا التنبيه للصديقين ألا يكونوا لعانين إنما ذلك إذا كانت اللعنة في غير حقها ، أما إذا لعن الرجل من يستحق اللعن لا سيما إذا كان هو في ذلك متبعاً لنص في الشرع فحينذاك لا يدخل في النهي ، المقصود من تنبيه الصديقين أن يكونوا لعانين أي بغير حق كالغيبة والنميمة ونحو ذلك ، أما إذا كان ذلك في سبيل الإصلاح أو التحذير أو ... الذين يستحقون اللعن عند الله عز وجل فكل ذلك لا يدخل في هذا الباب .
نضرب مثلاً واقعياً جاء في الحديث الصحيح ( صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس و نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ألعنوهن فإنهن ملعونات لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ، و إن ريحها لتوجد من مسيرة كذا و كذا ) ، وجاء في حديث آخر صحيح وإن ريحها لتوجد من مسيرة مائة عام .
فهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : هذه المتبرجة الكاسية العارية إذا رأيتموهن فالعنوهنّ فإنهن ملعونات ، فمن فعل ذلك لا يكون قد خالف هذا الحديث لأن المقصود من الحديث هو إكثار اللعن بغير حق .
17 - شرح الحديث الثاني من هذا الباب وهو حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا ينبغي للصديق أن يكون لعانا) وهو صحيح. أستمع حفظ
شرح الحديث الموقوف أثر حذيفة قال : (ما تلاعن قوم قط إلا حق عليهم اللعنة). وهو صحيح.
ما تلاعن أي تسابب فسب بعضهم بعضاً باللعن بغير حق إلا استحقوا بذلك لعنة الله تبارك وتعالى ، وهذا يؤكد أن الذي يتنزه منه الصدّيقون والشهداء هو اللعن بغير حق .
شرح باب من لعن عبده فأعتقه وتحته حديث عائشة أن أبا بكر لعن بعض رقيقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( ألعانون وصديقون، ألعانون وصديقون، ألعانون وصديقون، كلا ورب الكعبة،......ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أعود)
19 - شرح باب من لعن عبده فأعتقه وتحته حديث عائشة أن أبا بكر لعن بعض رقيقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( ألعانون وصديقون، ألعانون وصديقون، ألعانون وصديقون، كلا ورب الكعبة،......ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أعود) أستمع حفظ
ما حكم لعن الشيطان؟
الشيخ : ... أنا عارف ... السؤال لأن الرسول عليه السلام يقول في بعض أحاديثه ( ألا سألوا حينما جهلوا فإنما شفاء العي السؤال ) يا بنتي لعن الشيطان من حيث استحقاقه يجوز لأنه ملعون مطرود من لكن جاء في بعض الأحاديث أن الشيطان إذا أدخل الإنسان في ورطة وأغضبه فيلعن الإنسان الشيطان فيغتر الشيطان ويقوا أنا فعلت به كذا وكذا ، فحتى المسلم لا يفتح الطريق لفرح الشيطان لإضراره بالإنسان ما ينبغي أن يلعن الشيطان وإنما يستعيذ بالله عز وجل من شر الشيطان الرجيم يعني ... الله عز وجل أكره أن يسجد لآدم فاستكبر وقال (( أأسجد لمن خلقت طينا )) .. قال له تعالى (( فإن لك لعنتي إلى يوم الدين )) فملعون فعلا لكن ما دام أن الله لعنه ... فنحن إذا قلنا لعنة الله على الشيطان ... والعكس أدخلنا الفرح والسرور على ... الشيطان وأفهمناها من واقعنا أنا نحن نتأثر منه فالرسول عليه السلام أدبنا وأحسن تأديبنا وعلمنا وأحسن تعليمنا وقال اللي وقع عادة في شيء من ذلك ... فإنما يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
شرح الباب التاسع والأربعين بعد المائة وهو باب لعن الكافر وتحته حديث واحد صحيح عن أبي هريرة قيل يا رسول الله ادعوا الله على المشركين.....)
ترجم المصنف رحمه الله لهذا الحديث بترجمة ليس فيها بيان حكم لعن الكافر لأنه قال باب لعن الكافر لم يقل باب جواز لعن الكافر أو باب عدم جواز لعن الكافر وذلك لأن المسألة أولاً مختلف فيها وثانياً لأن الأصل كما سبق في درس مضى أن المسلم ينبغي ألا يعوّد لسانه أن يلعن غيره حتى ولو كان ... وفي ظني أن هذا الحديث كان من آثار تأديب رب العالمين لنبيّه الكريم فقد جاء في الصحيحين من حديث أنس وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم كان أرسل مرة سرية فيها نخبة من أفاضل الصحابة فلما أتوا قبيلة من القبائل أمّنوهم ثم غدروا بهم فقتلوا منهم سبعين صحابياً من أفاضل أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم ومن قرّائهم وحفّاظ القرآن الكريم ، فلما بلغ خبرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حزن حزناً شديداً حتى قال أنس بن مالك ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم واجدا على شيء أي حزن على شيء وجد على أولئك الصحابة، ولقد كان حزن النبي صلى الله عليه و سلم لسببين : أولاً أنهم كانوا كما ذكرنا من عبّاد الصحابة ومن قرّائهم والثاني أنهم قُتلوا غدراً ولم يقتلوا وهم يلاقون وجه العدو وجهاً لوجه وإنما غدر بهم أولئك الكفار فلذلك وجد النبي صلى الله عليه و سلم وحزن حزناً شديداً فكان يدعو عليهم ويلعنهم في كل صلاة من الصلوات الخمس حتى نزل قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم ذهبت الآية عن ذهني وإنما هؤلاء الذين تدعو عليهم ليس عليك هداهم ولكن الله عز وجل قد يهديهم هذا معنى الآية ولعلي قد أذكرها فيما بعد .
ثم اقتضت حكمة الله تبارك وتعالى أن النبي صلى الله عليه و سلم بعد أن قنت على أولئك الأقوام شهراً كاملاً وأنزل عليه تلك الآية وإذا بالقوم يرجعون مسلمين فظهر السر في نزول الآية على النبي صلى الله عليه و سلم كأن الله عز وجل لا يريد من رسوله صلى الله عليه و سلم أن يضل يدعو عليهم ويلعنهم ، فكانت النتيجة أن أولئك الأقوام التي كان الرسول صلى الله عليه و سلم يلعنهم عادوا مسلمين ، فهنا السر يكمن في أنه لا يستحب على الأقل أن يلعن المسلم كافراً بعينه لاحتمال أن يعود مسلماً واحتمال آخر أن يصير إسلامه خيراً من الذي ورث إسلامه عن آبائه وأجداده ، فالظاهر والله أعلم أن هذا الحديث كان من بعد ما أدّب الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه و سلم بذلك الأدب حيث نهاه أن يستمر في لعن الكفار فحينما طلب منه صلى الله عليه و سلم أن يلعن الكفار كان جوابه في هذا الحديث لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ، فهو صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث يريد أن يقرن القول مع العمل والعمل مع القول فكما أن دعوته صلى الله عليه وسلم رحمة كما قال عزوجل (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) أي بدعوته بشريعته كذلك هو يريد أن يكون رحيماً مع الناس حتى في لفظه فهو لا يلعن حتى المشركين الذين يعادون الله ورسوله فهو لا يلعنهم أولاً لأن اللعن ليس فيه كبير فائدة وثانياً لما ذكرناه سابقاً أنه من المحتمل أن يعود هؤلاء الكفار مسلمين ، وكلنا يعلم أن كل الصحابة الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه و سلم كانوا كفاراً كانوا مشركين ومنهم من عاداه صلى الله عليه و سلم أشد العداء كعمر بن الخطاب مثلاً مع ذلك صار فيما بعد من أكبر الناس وأقواهم إيماناً بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فلو أن الرسول صلى الله عليه و سلم جعل ديدنه لعن الكفار ولعن المشركين الذين كانوا يعادونه لظهر التنافس في النهاية هؤلاء الذين يلعنهم وإذا بهم يصبحون مسلمين مؤمنين .
فالسبب حسن أدب الرسول صلى الله عليه و سلم مع الناس ألا يستعمل لفظة اللعن حتى مع الذين يستحقون اللعن من الكفار ، وهنا نقول كما قال رب العالمين (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا )) ذلك لأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم يشير لنا في هذا الحديث ألا نلعن الكفار والمشركين فأولى وأولى ألا نلعن المسلم ولو كان عاصياً وهذا كما نقول فيما مضى من الدرس معناه وضع قاعدة وأدب للمسلم ينهجه ويمشي عليه لكن أحياناً كما ذكرنا قد يغضب الإنسان وتفلت من لسانه كلمة مثل اللعن وما شابه ذلك فهذا لا أحد يعفى منه ولكن الرجل الكامل كما قال صلى الله عليه وسلم ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) فإذا ما وقع أحد من الناس في مثل هذه الهفوة بأن يلعن من لا يستحق اللعن كما سمعن من حصل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث لعن غلاما عبدا له فما كان منه إلا أن أعتق رقيقا له أو بعض رقيقه ، إذن يجب أن نعوّد أنفسنا ألا نتكلم إلا بخير كما قال صلى الله عليه وسلم ( فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) .
21 - شرح الباب التاسع والأربعين بعد المائة وهو باب لعن الكافر وتحته حديث واحد صحيح عن أبي هريرة قيل يا رسول الله ادعوا الله على المشركين.....) أستمع حفظ
شرح باب النمام وتحته حديث همام قال كنا مع حذيفة فقيل له إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يدخل الجنة نمام)
حذيفة بن اليمان من مشاهير أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وكان له خصوصية لم يشاركه فيها أحد غيره ذلك أنه كان صاحب سر النبي صلى الله عليه و سلم وذلك أنه كان عنده أسماء المنافقين الذين لا يعلمهم أحد من البشر إلا النبي صلى الله عليه و سلم ثم حذيفة صاحب سر النبي صلى الله عليه و سلم فكان يعلم أسماء هؤلاء المنافقين ، ولذلك كان عمر مع فضله ومع أنه كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه ( ما سلكت فجّاً إلا سلك الشيطان فجّاً غير فجّك ) ومع هذا كان عمر يأتي إلى حذيفة فيناشده ويسأله هل أنا مذكور في أسماء أولئك المنافقين فيبشره بأنه لا ، هذا حذيفة قيل له إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان ، هذه الجملة جملة عربية ولكن طرأ عليها اصطلاح في علم الحديث ، فهي من الناحية العربية يرفع الحديث إلى عثمان معناه ينم ، والنميمة أظن لا أحد يجهل معناها لكن القتّات المذكور في الحديث يفسر بتفسير أدق بقليل من النّمّام .
نقول : يرفع الحديث يعني ينم ومعنى ينم أنه يكون يسمع الحديث بين الناس يكون جالساً فيسمع من واحد يسب آخر أو يطعن فيه بحق أو بباطل فما يكون من هذا النّمّام إلا أن ينقل هذا الكلام إلى الذي طُعن فيه بقصد الإيقاع بين الطّاعن وبين المطعون فيه ، فهذا الرجل كان يرفع الحديث إلى عثمان بمعنى كان يجلس مع الناس فيسمع ماذا يتحدث الناس عن عثمان ، ... وقد كان في زمن عثمان فتن كثيرة جداً وكان عاقبة ذلك مع الأسف الشديد أن ثارت طائفة من الناس عليه وقتلوه في بيته وهو يتلو كتاب الله ! ، فلا شك أن كل فتنة حينما تعظم تكون المقدمات تقدمتها قبل ذلك كما يقال " وما معظم النار من مستصغر الشرر " ، ففي هذا الجو في زمن عثمان بن عفان كان هناك رجل يجلس في مجلس فيسمع ماذا يتكلم فلان ضد عثمان فيسارع فيقول لعثمان فلان يقول فيك كذا وكذا ، يريد أن يغري عثمان بهذا الإنسان الذي تكلم فيه ، هذه هي النميمة ، ولما قيل لحذيفة بن اليمان أن هناك رجل يرفع الحديث يعني ينقل الحديث إلى عثمان على طريق الإفساد والنميمة هذا هو المعنى اللغوي لكن المعنى الاصطلاحي يرفع الحديث اختصار قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فهناك فرق بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ، يرفع الحديث ينم إلى عثمان يرفع الحديث إي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فإذا جاءت مثل هذه العبارة يرفع الحديث ولا يوجد سياق وسباق يشعرنا بأن هناك نميمة فمعنى يرفع الحديث أي يوصله إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، أما هنا فواضح جداً أن المقصود يرفع الحديث إلى عثمان أي ينقل الكلام الذي سمعه من الطاعن في عثمان إلى عثمان بقصد إغراء عثمان عليه والإفساد بينهما ، فكان جواب حذيفة أن قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا يدخل الجنة قتات ) .
من المشهور تفسير القتّات بالنمّام وهذا معناه لا يدخل الجنة نمّام ولكن بعض العلماء ذكر تفصيلاً للنميمة وحمل على وجه من الوجوه ذاك التفصيل هذا اللفظ القتّات :
إذا كان الرجل يجلس في المجلس بين الناس علناً فيسمع فلان ماذا يقول عن فلان ثم ينقل فهذا هو النمّام ، أما الذي لا يجلس مع الناس إما يتنصت من وراء حجب ... كالجاسوس والناس لا يعرفون أن هناك من يتجسس عليهم فيسمع كلمة فيها طعن في شخص فسرعان ما ينقلها إلى ذلك الشخص المطعون فيه بقصد الإفساد ، هذا معنى القتّات ، فإذن القتّات نمّام ولا شك ولكن ليس كل نمّام قتّات ، يعني من ناحية علم الأصول هناك عموم وخصوص كذلك في اللغة كل قتّات نمّام لكن ليس كل نمّام قتّات لأن القتّات الذي يسمع الحديث من وراء جدر وينقل الحديث إلى المطعون فيه بقصد الإفساد فالتقى في هذه النقطة معه النّمام الذي يكون في مجلس وينقل الكلام بقصد الإفساد لكن الفرق بين القتّات وبين النّمام أن النّمام يكون جالساً لا يتجسس أما القتّات فيتجسس وينقل الكلام ، ونستطيع أن نلخص أن القتّات يجمع بين مصيبتبن أو إثمين إثم التجسس وقد قال تعالى (( وَلَا تَجَسَّسُوا )) وجاء في ذلك أحاديث كثيرة ثم زيادة على ذلك ينقل الكلام الذي سمعه من بعض الجالسين في المجلس إلى المطعون فيه بقصد الإفساد بينهما ، هذا معنى القتّات فكل قتّات نمّام وليس كل نمّام قتّات كيف يصير، كل إنسان حيوان ولكن ليس كل حيوان إنسان معروف هذا في اللغة والاصطلاح، كل إنسان حيوان لأن الحيوان اسم جنس يدخل فيه الإنسان الناطق والحيوان الصامت فيتميز بها الإنسان عن الحيوان ، فإذا قلت الإنسان حيوان صدقت لكن لا تستطيع أن تقول كل حيوان إنسان ، وكذلك إذا قلت القتّات نمّام لأنه ينقل الكلام كالنّمام لكن ليس كل نمّام قتّات لأن القتّات ينقل الكلام من وراء حجب .
أخيراً بقي في الحديث نقطة هامة لكن أظن تكفي الإشارة إليها لكثرة ما مر من التعليق على مثلها : ( لا يدخل الجنة قتّات ) ، هل معنى هذا أن القتّات أو النّمام أو الديّوث أو أي إنسان قيل فيه في الأحاديث ( لا يدخل الجنة )، هل معنى ذلك أن النميمة صاحبها كافر حرام عليه دخول الجنة ؟ هكذا يقول الحديث ( لا يدخل الجنة قتّات ) ، ولكن يجب ألا نفهم الحديث لوحده وإنما مضموماً إليه كل النصوص من الكتاب والسنة التي تساعدنا على فهم الحديث فهماً صحيحاً .
لو نحن فهمنا الحديث على ظاهره ( لا يدخل الجنة قتّات ) يعني حرّمت عليه الجنة مثل الكافر ، تعارض هذا الفهم مع نصوص الكتاب والسنة من أشهرها وأقواها دلالة قوله عز وجل (( إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) فكيف لا يدخل الجنة قتّات وربنا يقول يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، لهذه الآية ونصوص كثيرة كما أشرت إليها فسّر العلماء مثل هذا النص بعدة تفاسير :
أولاً : لا يدخل الجنة قتّات أي لا يدخل الجنة مطلقاً من يستحل النميمة هذه يستحلها بقلبه لأن الإستحلال للمعصية بالقلب هو كفر ... ، وحينئذٍ يبقى الحديث على ظاهره لا يدخل الجنة مطلقاً لأنه باستحلاله هذا المعصية استحلالاً قلبياً صار كافراً ... هذا المعنى الأول .
المعنى الثاني لا يدخل الجنة مع الأولين يعني لا يدخل الجنة بدون حساب وعذاب ، ومفهوم هذا أنه يدخل الجنة لكن بعد زمن .
وأخيرا الوجه الثالث لا يدخل الجنة إلا بعد أن يأخذ نصيبه من العذاب لقاء معصيته سواء كان نميمة أو كان زنى أو كان دياثة أو كان أي شيء مما جاء فيه إخبار النص ، لا يدخل الجنة ديوث جاء في بعض الأحاديث ، فمن قيل فيه مثل هذا القول يكون هذا الوجه الثالث من تأويل الحديث يطبق فيه لا يدخل الجنة إلا بعد أن يأخذ نصيبه من العذاب إلا أن يغفر الله له للآية السابقة .
22 - شرح باب النمام وتحته حديث همام قال كنا مع حذيفة فقيل له إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يدخل الجنة نمام) أستمع حفظ
شرح حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا:( ألا أخبركم بخياركم فقال : الذين إذا رؤوا...... وقال ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى قال هم المشاءون بالنميمة) وهو صحيح لغيره.
هذا الحديث من الأحاديث الجامعة لهذه الفضائل في كلمات قليلة وهو كما ذكرنا حديث صحيح لغيره ومعنى هذا في علم المصطلح أنه بهذا السند الذي في هذا الكتاب فهو ضعيف وعلته أنه من رواية شهر بن حوشب وهو الراوي لهذا الحديث عن أسماء بنت يزيد لأن شهر شهر بن حوشب ليس متهم بصدقه وإنما هو متهم في حفظه فإذا جاء ما يشهد له تقوّى به ، لذلك ... .