المبادرة للحج لمن استطاع، ومعنى الاستطاعة
الشيخ : وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صوم رمضان ) ، والله عزوجل يقول كما تعلمون (( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ )) فمن الواجب على كل مسلم استطاع الحج إلى بيت الله الحرام أن يبادر إلى الحج خشية أن يفجأه الموت كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره قال ( من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة )،يعني يجب على الإنسان أن يغتنم فرصة شبابه وقوته وغناه وتمكنه من كل الأسباب التي توفرت لديه فصار بذلك ممن وجب عليه الحج واستطاع إليه سبيلا وإلا فالإنسان يكون اليوم سليما وإذا به يصبح مريضاً فيعتذر ويقول أنا ما أستطيع الحج ، فأين كنت في حالة صحتك ، ولذلك جاء في الحديث ( اغتنم خمسا قبل خمس ) وذكر فيها ( شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك ) فيجب على المسلم أن يتذكر هذه الحقيقة التي يشاهدها في كل الناس فالسليم يمرض ويومئذ كانت الوسيلة في الحج إلى بيت الله الحرام من الأماكن البعيدة إنما هي الدابة فلذلك قال عليه السلام ( قد يمرض المريض وتضل الدابة ) ، وخص الإبل فهي من طبيعتها الضلال والشرود ، فلذلك فقد يكون الإنسان مالكاً لبعير قد أعدّه ليحج عليه وإذا به يفاجأ بأن هذا البعير قد ضل وشرد ...وقد يحصله بعد فوات الفرصة وبعد فوات تمكنه من الحج إلى بيت الله الحرام في تلك السنة ،لذلك فَمِنْ تَذَكُّر المسلم بالموت أن يندفع إلى القيام بما وجب عليه قبل أن يفجأه الموت ، ونحن الآن في موسم الحج فمن كان منكم لم يحج حجة الإسلام بعد ووجد في نفسه الإستطاعة
بمعناها الواسع، الاستطاعة في بدنه في صحته الاستطاعة في ماله الاستطاعة في كل شيء يحيط به فقد يكون مثلا موظفا عند الدولة فلا تسمح له الدولة أن يحج فيقول أن أحج في السنة الآتية ، وهنا نقول لهذا الموظف يجب أن تتعاطى كل الأسباب لكي لا تتأخر عن المبادرة بالحج إلى بيت الله الحرام بحجة أن - والله - رئيسي لم يسمح لي . أنا أعلم كثيراً من الطرق يسلكها بعض الناس لإتيان لما هو أقل وجوباً من الحج إلى بيت الله الحرام وينجحون في ذلك، فتعاطي كل الأسباب الممكنة لمثل هذا الموظف فضلاً عن غيره من مبادرة إلى الحج أولى فأولى .
تذكير للحاج ووعظه قبل حجه وبعده
أنواع مناسك الحج: وهل يجوز الإفراد في الحج، وهل العمرة واجبة في الحج؟
دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة : هذا النص يعني أن المسلم لا يجوز أن يحج حجة بغير عمرة لأن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة ، يعني ربنا عز وجل جعل العمرة في الحج من الحج ، وهذا النص يشعر بأن العمرة في الحج جزء لا يتجزأ، يعني يشعر بأن العمرة ركن من أركان الحج ، ولولا أنني لا أعلم أن أحداً ذهب إلى هذا ولذلك لو أعلم أن أحداً تمسك بظاهر هذه الدلالة بهذه البلاد لقلت بها لكن لا أحد سبقني بهذا التصنيف فنقول بأن العمرة واجبة ، هذا النص أقل ما يفيد وجوب العمرة في الحج لأنها صارت جزءا من هذه العبادة فقد يكون هذا الجزء ركنا من أركان العبادة وقد يكون فرضا غير ركن فهذا محتمل فأقل ما يقال أن العمرة في الحج فرض من فروض الحج لكن لا نستطيع أن نقول بأن العمرة في الحج ركن من أركان الحج بمعنى إذا ترك العمرة في الحج بطل حجه ،لا نستطيع أن نقول هذا لأننا لا نعلم أحدا سبقنا إلى ذلك ، لكن سبقنا كثير وكثير من كبار العلماء من الصحابة وغيرهم إلى القول بوجوب العمرة في الحج ، لذلك ينبغي على كل من أراد الحج في هذه السنة أو في السنين الآتية أن يعتمر بين يدي الحج في أشهر الحج لتكون حجته كما قال عليه الصلاة والسلام( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) ، ولا فرق بين أن يكون هذا الحاج يحج لنفسه أو يحج عن غيره فقد سمعنا مرارا في كل سنة تقريبا أن بعض المشايخ الذين أفادوا أن يحجوا حجة بدل ، يحجون حجة إفراد وجعلوها نظاما بحيث قام في أذهان بعض الناس ممن لا علم عندهم وممن لا يتمكنون من الاستيضاح من الذين يلقنونهم هذه المسائل صار عرفاً عندهم أن حجة الإنسان عن نفسه شيء وحجته عن غيره شيء آخر، فهو يحج عن نفسه حج التمتع أما عن الغير حجة بدل يحج حجة مفرد، هذا التفصيل لا أصل له في الشريعة .
ما هو النسك الأفضل في الحج ؟ وبيان خطأ من يحج عن غيره بالحج فقط ويعتمر هو عن نفسه
وبعض الحنابلة يجعلون هذه الأفضلية من الواجبات التي لا يجوز التهاون بها ، وهؤلاء الذين اختلفوا كل منهم ما ذهب إليه يتبناه لنفسه سواء حج عن نفسه أو عن غيره ، لكن الحقيقة أن الذين يذهبون اليوم يحجون حج بدل يرمون من وراء جعل الحجة هذه حجة بدل حجة إفراد إلى أمر من أمرين يختلف تعلق أحد الأمرين بهذا الحاج يختلف اختلاف نية هذا الحاج ، فإذا أحسنّا الظن به وهو إنما يقصد أن يحج حجة بدل ليخفف من نفقات هذه الحجة عن الذي أنابه أو كلفه بأن يحج حجة بدل ، هذا إذا حسنّا الظن به ، أما إذا أسأنا الظن وهذا خلاف الأصل فمجال الخوض واسع هو يريد أن يقضي حجة البدل بأقل الثمن ليستفيد مما زاد مما أعطي له لتكاليف هذه الحجة ، أما أن يكون هناك في الشرع تفريط بين من يحج عن نفسه وبين أن يحج عن غيره فهذا لا أصل له .
هذه الأنواع الثلاثة لا نستطيع نحن أن نفرض على الناس رأياً معيناً ، ولكن للذي تبين لنا من دراسة الكتاب والسنة هو أن حج التمتع أفضل الأنواع بلا شك ولا ريب بل هو واجب من الواجبات المتعلقة بمناسك الحج ، ولذلك نذكّر أن من حج عن غيره فكما لو حج عن نفسه يجب أن يجعل حجته حجة تمتع .
على كل حال .
تنبيه على حجة البدل وأن الناس يتجرون بها ويحصلون أموالا وراءها [مسألة النيابة في العبادات]
فإذن حجة البدل هذه أليس لها أصل مطلقا ، قد يبدو هذا من كلامنا السابق ولكن نريد أن نضيّق دائرة حجة البدل في حدود النصوص التي جاءت بهذه الحجة لكن أردت أن نذكّر: بالقاعدة لا يصلي أحد عن أحد ولا يحج أحد عن أحد إلا ما جاء به النص ، فلننظر في أي نوع أو في أي جنس من الناس جاءت حجة البدل وأنها تشرع عنه .
5 - تنبيه على حجة البدل وأن الناس يتجرون بها ويحصلون أموالا وراءها [مسألة النيابة في العبادات] أستمع حفظ
شرح حديث ابن عباس قال: جاءت امرأة من خثعم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن فريضة الحج على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: نعم
هذا الحديث لا يجوز فهمه فهما مطلقا عن القيد الذي جاء في ضمن السؤال وعلى أساسه جاء الجواب ، فقد سمعتم أن المرأة تصف حال أبيها بصفات أولها أنه شيخ كبير فانٍ ولازم ذلك كما قالت لا يثبت على الرحل يعني لا يستطيع أن يركب الناقة وأن يتابع طريقه إلى بيت الله الحرام لأنه يميل فيقع على الأرض فيموت .
وقد أدركته فريضة الله الحج أي فرض الحج يوم فرض وهو شيخ كبير لا يثبت على الرحل لأن فريضة الحج كانت في آخر حياته عليه الصلاة والسلام على ما هو أرجح الأقوال ولذلك تأخرت حجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر سنة من حياته ، فلا يقاس ولا يلحق به رجل يدركه الحج وهو في عز شبابه ويجد المال والفراغ والنشاط ولا يعوقه عن المبادرة للحج شيء إطلاقا سوى اشتغاله بتجارته ببيعه وشراءه بأهله وأولاده ونحو ذلك من متاع الحياة الدنيا فليس له عذر في تأخير الحج ثم يموت كهلا بل شيخا ولم يحج حجة الإسلام مطلقا ولا عذر له كما ذكرنا وقد يكون من أولئك الناس الذين حجوا إلى أوربا إلى بلاد الكفر والضلال مرارا وتكرارا في سبيل تجارته وفي سبيل توسيع أمواله ثم يموت ويكون قد خلّص أموال كثيرة وكل ولد من أولاده صار غنيا بسببه من بعد وفاته وقد ورثوا ماله فيخرجون ألفين أو ثلاثة ألاف ليرة بكل سهولة كما لو أخرج الفقير درهما هذه حجة بدل عن أبينا لا يستفيد أحد شيئا من هذه الحجة مطلقا لا من الذي حج حجّ البدل ولا الذي حج عنه وهو الوالد المتوفى آثما فاسقا إن لم يمت كافرا لأن الله عزوجل أشار في الآية السابقة الذكر بقوله (( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ )) ، هذا الذي لم يحج ممكن أن نتصوره أنه لم يعرض عن الحج كفرا بالحج كفرا قلبيا اعتقاديا ، يمكن أن نتصور هذا كما يتصور مثله في تارك الصلاة ويمكن والعياذ بالله أن يكون منكرا للحج ، وأنا أعرف بعض الأشخاص من الشباب المسلم حج ثم ندم على حجته فهذا لا شك في كفره وارتداده عن دينه ، لأنه وجد هناك مظاهر فسّرها كما يفسرها الكتاب المستشرقون أعداء الدين بأنها مظاهر وثنية كتقبيل الحجر الأسود مثلا ، ورأى هناك تقصير المسلمين بسبب جهلهم وبسبب عدم تربيتهم من تجمّع القاذورات والأوساخ والذباب إلى آخره ، فرجع والعياذ بالله وهو نادم على ما حج إليه من بيت الله الحرام .
فهذا الذي مات غنيا ولم يحج حجة الإسلام ، ممكن أن نتصوره ليس كافرا بالحج ولكن متساهلا فيه فإذا ما حج غيره عنه فماذا تفيده هذه الحجة وهو مات كما قلنا فاسقا والحج كالصلاة إنما المقصود بها أولا ابتلاء من الله لعباده كما قال (( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )) والمقصود تزكية نفس القائم بطاعة الله فهذا مات ولم تتزك نفسه بالحج لأنه لم يحج ولم تتزكَّ نفسه ولو حج الناس جميعا عنه لأنه (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ )) إذن حجة البدل في هذه الصورة لا تشرع مطلقا فلا يجوز للحاج أن يأخذ كلفة الحجة إذا ما عرف أنه يحج عن هذه النوعية من الناس الذين وجب عليهم الحج واستطاعوه ولم يقوموا به انشغالا منهم بالدنيا .
المرأة الخثعمية وصفت أباها بأوصاف ... لا تُمكّن هذا الأب أن يحج ، فمن كان بهذه المثابة فيمكن أن يحج عنه ، هذه صورة من صور حجة البدل المشروعة .
صورة ثانية : النوعية نفسها إنسان لم يحج حتى أشرف على الموت لمرض ألّم به فندم على تقصيره فكلف إنسانا أن يحج عنه وأعطاه النفقة فهذا يحج عنه لأنه مستدرك لآخر حياته ما فاته فهو لا يزال في دائرة التكليف وليس كذلك بعد الموت كما قال عليه الصلاة والسلام ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) فهذا الذي أوصى أن يحج عنه يُحج عنه وهذا نوع من حجة البدل المشروعة .
6 - شرح حديث ابن عباس قال: جاءت امرأة من خثعم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن فريضة الحج على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: نعم أستمع حفظ
شرح حديث ابن عباس أن النبي سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال: من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة
7 - شرح حديث ابن عباس أن النبي سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال: من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة أستمع حفظ
بيان من يحج عنه وما الذي يجب على الذي يحج بدلا
فإذن وهذا هو بيت القصيد من هذه الكلمة دائرة حج البدل دائرة ضيقة جدا فأرجو أن لا يتورط بعض إخواننا فيغره حجه إلى بيت الله الحرام وإلى الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فيعتبر ذلك عذرا ليحج حجة البدل عن أي إنسان كان ، لا يجوز هذا وإنما يستوضح فإن وجد المحجوج عنه من أحد الصنفين السابقين فهذه غنيمة أرسلها الله تبارك وتعالى إليه فليغتنمها ، أما غير ذلك فلا يجوز أن يحج عنه لأنه لا يحج أحد عن أحد إلا ما دل عليه الدليل وقد عرفنا أنهما نوعان اثنان .
ثم يحج عنه كما يحج عن نفسه لا يتساهل فيلاحظ مثلا هذه الحجة ماهي عن نفسي فخليني نأدي له الحجة بأقل ما يصح به الحج ، بماذا يصح الحج ؟ مثلا حج الإفراد أي لا يأتي له بعمرة فيكون قد نقص في الواجب وخالف الحديث السابق دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، ثم إنه لم يؤد حق الثمن الذي قبضه عن حجته .
الفرق بين حج التمتع وحج القران وبيان أيهما أفضل
إذا لم يستطع الإنسان الحج وتوفي وهو غير مستطيع فهل استطاعة ابنه توجب على الابن أن يحج عن أبيه ؟
10 - إذا لم يستطع الإنسان الحج وتوفي وهو غير مستطيع فهل استطاعة ابنه توجب على الابن أن يحج عن أبيه ؟ أستمع حفظ
هل يمكن للإنسان أن يحج عن جده أو جدته ؟
ما رأيكم في حج المدين ؟
الشيخ : إذا كان يقصد في هذه الحالة ما هو ظاهر من السؤال في حالة مطالبة صاحب البيت بالبيت من هذا المستأجر له وهو مستعصٍ بذلك عليه فيحج ؟ فنقول لا، سلّم البيت أو أرضه ، إذا كان ليس لك مكان كما تقول تسكن فيه على أنه هذا القول فيه مجال واسع للمناقشة لأن كثيرا من الناس اليوم يقولون ليس باستطاعتنا لكن الواقع عند المحاصصة والمناقشة باستطاعته مثلا أن يستأجر بيتا وهو غني لكنه ينتظر البيت الذي يبنونه له ويمكن يكون هذا البناء ثمنه غير شرعي كما يشعر بذلك نفس السؤال لأن الجمعيات السكنية هذه ليست قائمة على أحكام شرعية فيها تعامل بالربا ونحو ذلك ، المهم يجب على السائل أن يبادر إلى تسليم البيت إلى صاحبه بأي طريق ، وآخر شيء أن يرضيه ولو بالمال فإذا أرضاه فعليه أن يبادر إلى الحج .
ما معنى قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " وما هي الإستطاعة وكيف تكون ؟
الشيخ : إن من لطف الله عز وجل بعباده وحكمته في تشريعه أنه يأتي بألفاظ لا يحددها لأن الحكمة تقتضي تركها بغير تحديد ذلك لاختلاف الاستطاعة من إنسان إلى آخر ، وقد قال البعض : تقييد الإستطاعة بأنه من ملك الزاد والراحلة بل زعم ذلك بعضهم حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك مما لا يصح رفعه إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، لذلك فالإستطاعة تبقى على إطلاقها فكل إنسان يعرف نفسه إن كان مستطيعا أو لا ، ونحن هنا قد يبلغ عددنا قريبا من مائة شخص كل منا واحد استطاعته ليس كاستطاعة الآخر ، فمن الذي يستطيع أن يقول أن الإستطاعة كذا وكذا، لا إنما هذا كقوله عليه الصلاة والسلام ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) فمن الذي يحكم لك أو عليك لأنك لمرض ألمّ بك لا تستطيع أن تصلي قائما أو تستطيع أن تصلي قائما لا أحد سوى أنت بعد الله عز وجل فأنت الذي تحكم بالاستطاعة أو بنفيها ، كذلك الاستطاعة المشروعة في آية الحج (( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )) ، أما الحديث الذي يقول " من ملك زادا وراحلة ثم لم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا " فهذا حديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو حديث ضعيف مرفوعا ، وإنما صح من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو موقوف على عمر ، ومع ذلك فلا أحد من الفقهاء يستطيع أن يطبق قول عمر هذا الصحيح عنه رواية على إطلاقه ( من ملك زادا وراحلة ) طيب هو ملك الزاد والراحلة لكن بمجرد أن يركب الراحلة يسقط عنها فهذا وجد الاستطاعة التي هي شرط من شروط وجوب الحج ، ومما يدل على هذا حديث البخاري عن الفضل بن عباس لما سألته الخثعمية قالت إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الرحل أفأحج عنه قال ( حجي عنه )، مادام أنه لا يثبت على الرحل حجي عنه لأنه غير
مستطيع . إذن هذه الكلمة كلمة عمر لا يمكن أن تفسر هكذا كما جاءت إلا ... أخرى بها تتحقق الاستطاعة المشروطة في الآية .
13 - ما معنى قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " وما هي الإستطاعة وكيف تكون ؟ أستمع حفظ
هل فرض الحج على التراخي أو على الفور ؟ [الكلام على ضالة الإبل والغنم]
للعلماء في الجواب على هذا السؤال قولان معروفان منهم ومنهم فمنهم من يقول بالتراخي ومنهم من يقول بالفورية ، وهذا القول الثاني هو الذي لا ينبغي أن يقال سواه ذلك لأن عمر الإنسان لا يعرفه إلا الله عز وجل فهو غيب من جملة الغيوب فما يدريه أن يفاجأ بالمرض الذي يصبح لازما له ومزمنا فلا يستطيع الحج فيموت يوم يموت وهو عاص لأنه استطاع الحج في سنة من سنين حياته ثم لم يحج ، لذلك ولو من باب الإحتياط على الإنسان أن يغتنم فرصة صحته وشبابه وماله ويسر الطريق وسهولته فيحج فورا لا يسوّف ولا يؤجّل ، وتأكيدا لهذا المعنى يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة ... ) قديما كانوا يحجون على جمالهم ، المرض معروف في كل زمان لكنهم كانوا يحجون على جمالهم ، فالرسول عليه السلام يريد أن يلفت النظر إلى أولئك المسلمين إلى أنهم قد يتعرضون إلى من عادتهم أن يتعرضوا لمثله وهو ضياع الضالة .
سافرنا مرة إلى مكة بطريق البر وكنا نجد بعض الإبل وبعض الجمال تسير لوحدها في الصحراء فنسأل فنجاب بأن هذه قد تعود إلى أصحابها بعد شهور طبعا وقد لا تعود . وبالمناسبة من أجل ذلك فرّق الرسول عليه الصلاة والسلام بين ضالة الإبل وضالة الغنم ، فإذا ما وجد الإنسان ضالة من الغنم في الصحراء ليس معها راع وليس هناك حشيش أو كلأ أو نحو ذلك مما يحفظ حياة هذا الحيوان فهل يجوز له أن يلتقطها ؟ سئل الرسول هذا السؤال ، ولعله سئل عن ضالة الإبل ففرّق في الجواب بين ضالة الغنم وبين ضالة الإبل وقال بالنسبة لضالة الغنم ( هي لك أو لأخيك أو للذئب ) ... معنى هذا الكلام الأسلوب الحكيم إما أن يعلن عنها سنة كما هو المعروف فإن خرج صاحبها كان أحق بها وأهلها وإلا فهي لك .
أما الجواب عن ضالة الإبل فقال ( مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ) ، يعني مثلاً في بعض الغزوات لما اضطر المجاهدون المسلمون الأولون إلى الله فما وصلوا إليه من منابعه فاضطروا أن يذبحوا الإبل ليأخذوا الماء المدّخر في كروشها الضخمة ، فالرسول عليه السلام يلفت نظر السائل إلى أن الناقة ليست كالغنم فالناقة معها حذاؤها فتسرع فلا يستطيع الذئب أن يسطو عليها ومعها ماءها أيضا في كرشها فهي تستطيع أن تعيش على العطش أيام وأيام طويلة .
الشاهد فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول لهؤلاء العرب ( من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض و تضل الضالة ... ) لذلك يجب الحج فورا لهذا الحديث ولما ذكرناه مما يعرض على الإنسان من الحالات التي تحول بينه وبين الحج ولقول الله تبارك وتعالى (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ))، سارعوا إلى مغفرة ، هنا المضاف محذوف، سارعوا إلى أعمال تنالون بها مغفرة الله عز وجل ، هذا يفيد الفورية إلى مغفرة الله عز وجل فيما فرض الله عز وجل والحج مثلا .
ما هو النصاب الذي لا يعذر صاحبه عن ترك الحج، وإذا كان عنده مال وهو غير متزوج فهل الأفضل له تقديم الحج أو الزواج ؟
الشيخ : ما فيه نصاب هنا بالنسبة للذي يجب عليه الحج وإنما كما بحثنا في الدرس الماضي ربنا عز وجل ربط فرضية الحج بالإستطاعة (( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )) فالذي يستطيع الحج هذا هو النصاب إذا صح التعبير ، أما النصاب العلمي قليل من المال ، وهنا تختلف القضية إذا كان الإنسان اليوم مثلا الوسائل الميسّرة اليوم والتي إذا توفر وسيلة من هذه الوسائل للمكلف وجب عليه الحج إما بالسيارة وإما بالطائرة وكان قبل سنين الباخرة واليوم لا يوجد من يأتي بالباخرة فبقي لدينا السيارة والطائرة فالسيارة فيما يبدو السفر عليها أرخص قليلا من الطائرة فالذي باستطاعته أن يركب السيارة يوم أو يوم ونصف ذهابا وكذلك إيابا ويتحمّل ذلك وعنده نحو ألف ليرة سوري هذا معناه على حد تعبير السائل ملك النصاب ووجب عليه الحج وليس ضروريا أن يفكر أنه لازم يكون معه مال احتياطي حتى يتصدق به هناك على الفقراء والمساكين ، لا ابدأ بنفسك ثم بمن تعول إبدأ بنفسك وخلّصها من هذا الواجب فحج وأدِّ الفريضة ، إذا كان عندك أموال زائدة فبها لكن لا تؤخر الحج لأنه ليس عندك أموال زائدة بل اضبط حساباتك حتى تجد سيارة ذهابا وإيابا مع بعض الرسوم المعروفة وومعك زايد مائتين ورقة و كنت رجلا قنوعا وتعيش هناك حياة وسط تمشي حالك وتؤدي الفريضة وترجع إلى بلدك وكل مما كنت تأكل واشرب مما كنت تشرب من الأشياء الرخيصة.
إذن (( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )) وهذا يختلف من شخص لآخر إنسان يعيش حياة صعبة يستطيع أن يسافر بكل سهولة ويأكل من أبسط الأمور هناك يأكل الخبز هناك لا يجده هنا خبز قمح خالص يشتريه بأغلى الأثمان، أو يعيش حياة رفيعة فيها رفاهية وفيه كذا هذا يحتاج إلى نفقات أكثر من ذلك . إذن ليس هناك حدود كل إنسان في حدود حياته الخاصية . أما أيهما يقدم إذا كان عنده مال محدود هل يقدم الزواج أم الحج ؟ الجواب هذا أيضا يختلف اختلاف الأشخاص ، إذا كان هناك شاب عنده نزعة الشباب وعنده توقان الزواج فهذا يقال له تزوج هنا بالحلال أحسن من أن تتزوج في طريقك إلى بيت الله الحرام بالحرام . إنسان آخر ليس لديه هذه الحرارة إما طبيعة أو فكريا وإما إلى آخره وهو يعلم من نفسه أنه إذا حج يحج كما قال عليه السلام ( من حج لله فلم يرفث و لم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) فهو يتمكن بهذا من الإلتزام بالحدود فعليه أن يبادر إلى الحج لما ذكرنا في الدرس الماضي (من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض و تضل الضالة ... ) .
15 - ما هو النصاب الذي لا يعذر صاحبه عن ترك الحج، وإذا كان عنده مال وهو غير متزوج فهل الأفضل له تقديم الحج أو الزواج ؟ أستمع حفظ
أي كيفيات الحج أفضل التمتع أو القران أو الإفراد ؟
هذا السؤال قد اختلف الفقهاء منذ القديم في إجابتهم عليه، فمن قائل بأن الأفضل هو القران وحُجّته في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حجّ حجّة الوداع قارنا ، وهذا هو الصحيح الثابت الراجح من الروايات المختلفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حجّته أنه كان قارنا ، وهناك من يقول بأنه عليه الصلاة والسلام حج متمتعا ، ومنهم من يقول بأنه حج حجّا مفردا لكن الصحيح أن حجّه كان قارنا ، والذين يذهبون إلى أن الحج المفرد هو الأفضل حجتهم ما جاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام لبّى بالحج ، لكن هذا لا ينافي أنه ضم إلى الحج العمرة وهذا ما جاء صريحا عن بعض الصحابة منهم أنس بن مالك حيث قال أنه كان آخذاً بخطام ناقة النبي عليه الصلاة والسلام حينما أحرم بالحج من ذي الحليفة قال فسمعته يقول لبيك اللهم بعمرة وحجة . فلا نشك تبعا لجماهير علماء أهل الحديث أن حجة النبي عليه الصلاة والسلام كانت قرانا ، ولذلك فلا مجال للمفاضلة بين حجة القران وبين حجة الإفراد لأن حج الإفراد ليس له وجه من التفضيل وأنه لم يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام حج حجا مفردا من جهة ولا ثبت أنه حج على حج الإفراد بقوله عليه السلام من جهة أخرى ، ولذلك فلم يبق مجال للمفاضلة إلا بين القران وبين التمتع .ولا نشك أيضا أن التمتع بالعمرة إلى الحج هو الأفضل بل هو الواجب ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام وإن كانت حجته قرانا كما ذكرنا آنفا فهناك ضميمة اقترنت بحجة النبي عليه الصلاة والسلام فتعرّى عن حجّات الحاجّين في أغلب الأزمان والعصور .
هذه الضميمة هي أنه عليه الصلاة والسلام ساق الهدي معه من ذي الحليفة أي أنه عليه الصلاة والسلام لما أحرم بالقران كان قد ساق الهدي، ولذلك يختلف حكم من حج قارنا وقد ساق الهدي عن حكم من حج قارنا ولم يسق الهدي ، هذا الاختلاف أخذناه من حجة الرسول عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وهي حجة واحدة ، ذلك أنه ثبت من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام لما حج وحج الناس معه بالألوف المؤلفة كانوا على أنواع ثلاثة فمنهم القارن ومنهم المفرد ومنهم المتمتع ، ثم القارن من كان قارنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومفردا كان على قسمين : جمهورهم لم يسوقوا الهدي وإنما نحروا في منى وقليل منهم ساقوا الهدي من ذي الحليفة كما ذكرنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام . وعلى هذا فيمكن أن نقول إن الذين حجوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام منهم من ساق الهدي ومنهم من لم يسق الهدي ، هؤلاء الذين لم يسوقوا الهدي من كان متمتعا فسترون فيما يأتي أن هذا هو الذي ارتضاه الرسول لهم ، و من لم يكن ساق الهدي وكان قرن أو أفرد فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء في أول الأمر وهم ينطلقون من المدينة إلى مكة قال لهم ( من كان منكم لم يسق الهدي وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ) نجد هنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام رغّبهم ولم يعزم عليهم ، رغّبهم أن من كان منهم لم يسق الهدي وكان نوى غير التمتع قال فليجعلها عمرة لكنه قال من أحب . ثم في مرحلة أخرى قرر لهم الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الخط ولكنه لما جاء مكة وطاف حول الكعبة وسعى قال وهم ( من كان لم يسق الهدي فليجعلها عمرة ) من قبل قال من أحب أن يجعلها عمرة فليفعل .أخيرا تقرر حكم الله على لسان نبيه على قوله عليه السلام ( من كان منكم لم يسق الهدي فليجعلها عمرة ) فبادر بعضهم فتحلل ومعنى قول الرسول عليه السلام فليجعلها عمرة يعني فليفسخ نيته السابقة سواء كان حجا مفردا أو حج قران فليفسخ هذه النية وليحولها إلى نية جديدة هي العمرة ولازم ذلك أنه مجرد مجرد أن ينتهي من السعي بين الصفا والمروة يقص شعره أو يحلقه وبذلك تنتهي العمرة فيتحلل منها ويبقى حلالا إلى اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وهو اليوم المسمى بالتروية . وقلت إن بعض أصحاب الرسول عليه السلام بادروا إلى التحلل إلى فسخ الحج إلى عمرة ولكن آخرين منهم ضلوا بإحرامهم فلما بلغ الخبر إلى الرسول عليه السلام غضب ورأته السيدة عائشة فقالت من أغضبك يا رسول الله غضب الله عليه أو قالت جملة نحو هذه فقال ( ما لي لا أغضب وأنا آمر الناس بأمر- أي أمر الفسخ - ثم لا يفعلون )، فخطب فيهم الرسول عليه السلام مرة أخرى فقال ( يا أيها الناس من كان منكم لم يسق الهدي فليتحلل ولولا أني سقت الهدي لأحللت معكم ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ) . حينذاك بادر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فتحللوا جميعا وكما يقول جابر وغيره طفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء يعني تحللوا .
من هنا نأخذ أن حج التمتع هو الواجب على كل حاج إلا من ساق الهدي من الحل فله أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت حجته كذلك وإن كان في قوله الأخير ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ) ما يشعر بأن الأفضل بالنسبة إلينا بعد حجة الرسول عليه السلام ألا نسوق الهدي أيضا ، هذا هو الأفضل لكن إن فعل ذلك فاعل فليس لنا عليه سبيل من الإنكار لأن الرسول عليه السلام فعل ذلك وما أنكره بخلاف حجة الإفراد وبخلاف القران الذي لم يسق معه الهدي فهذا كما سمعتم أمر الرسول عليه السلام بفسخ الحج إلى عمرة وغضب على الذين لم يبادروا إلى طاعة الرسول عليه السلام في فسخهم حجهم إلى العمرة . لهذا نحن نؤكد إفادة وخطابة أن كل من أراد الحج فليجعل حجته متعة ثم عليه بعد ذلك شكرا لله عز وجل أن يقدم هديا ذبيحة إن وجد إلى ذلك سبيلا وإلا صام سبعة أيام حسب ما فصّل ذلك عزوجل في القرآن فقال (( َمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ))، وكثير من الناس الذين يصدق فيهم قول ربنا تبارك وتعالى (( وأحضرت الأنفس الشح )) ، لما كانوا يعلمون أن التمتع يجب عليه الهدي أو صيام عشرة أيام كما سمعتم إذا لم يتوفر له الهدي يفرون من هذا الحكم بحيلة من تلك الحيل الشرعية وهي أنهم يقرنون الحج ثم يقرنون العمرة إلى الحج فبدل أن يتبعوا أمر الرسول عليه السلام بل صريح القرآن أن يأتوا بالعمرة بين يدي الحج فهم يأتون بالعمرة بعد الفراغ من مناسك الحج ليتخلصوا مما أوجب الله عليهم من الهدي أو الصيام .
ثم لا يعلمون ناسا يحتجون لهم بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها حيث جاءت للعمرة بعد الحج وهي مع الرسول صلى الله عليه وسلم فاتخذوا ذلك حجة لهم أن يعتمروا بعد الحج وكأنهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا ، ثم ما من أحدٍ من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة الذين كانوا معه ثم السلف الذين جاءوا من بعدهم ما تفقهوا هذا الفقه فكانوا كلهم يأتون بالعمرة بين يدي الحج ثم يقدمون الهدي أو الصيام إلا هؤلاء الناس المحتالون الذين يأتون بالعمرة بعد الحج فيتخلصون بذلك من هذا الواجب من الهدي أو الصيام ، فيجب أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه من الصحابة الحجاج عشرات الألوف من الصحابة لم يأت أحد منهم بالعمرة بعد الحج إلا السيدة عائشة رضي الله عنها ، وهذا حكم خاص بها لا لأنها عائشة وإنما لأنها كانت حائضا .
ما هي أركان الحج الأساسية التي لا يصح الحج بدونها ؟ [صفة الحج]
الإحرام : الإحرام بالحج مثل الإحرام بالصلاة وهو نية الصلاة وهو أن تقول لبيك اللهم بحجة وعمرة ، ولسنا نريد الآن الدخول في التفاصيل حتى لا نخرج عن صدد الإجابة عن الأسئلة ولكن لا بد من التنبيه أن نية الحج اليوم يجب أن تكون مبتدئة بنية العمرة بين يدي الحج فتقول لبيك اللهم بعمرة لا تقول لبيك اللهم بحجة أو بحج لأنه لا بد من تقديم العمرة بين يدي الحج لأن الرسول عليه السلام قال ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) وشبّك بين أصابعه ، وهذا معناه أن العمرة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحج ، فالذي يريد أن يحج اليوم يبدأ بالعمرة .فإذن الشرط الأول هو النية لكن نية الحج بالنسبة للتمتع الذي نقول لا بد من البدء بعمرة تكون وأنت في مكة ، أما إذا خرجت من بلدك ومررت بميقات من المواقيت المعروفة فميقات نحن الشامين من ذي الحليفة وهناك تلبّي بالعمرة عمرة الحج وأنت في مكة تلبي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة فتقول لبيك اللهم بحجة ، عند الميقات لبيك اللهم بعمرة وأنت في مكة حيث كنت نازلا لبيك اللهم بحجة ثم الطواف حول الكعبة ثم الوقوف في عرفة ، هذه الأركان التي لا بد منها زائد المبيت بمزدلفة بحيث تصلي ثمة صلاة الفجر وهذا ركن على أصح قولي العلماء و طواف الإفاضة ، هذه أركان الحج التي لا بد منها وما سوى ذلك فهي فروض وإن شئت قلت واجبات والمعنى واحد .
متى يبدأ الملبي بالحج والعمرة ومتى ينتهي منها، وما حكمها ؟
التلبية هي من مناسك الحج والعمرة ، ويبدأ الملبّي بالحج أو العمرة من ساعة الإحرام بهما أو بأحدهما يعني من ساعة التلبس بالعمرة أو بالحج ، وهذا له مكان أي التلبس بالعمرة أو بالحج وهذا له مكان يختلف هذا المكان باختلاف البلاد فالشام مثلا مكان إحرامهم هو ذو الحليفة وتسمى بالعامية أبيار علي ، أما العراقيين مكان اسمه ذات عرق والنجديين يلملم والمصريين من رابغ وهكذا ، فمن هذا المكان الذي يحرم منه الحاج أو المعتمر تبدأ التلبية ثم تنتهي عند استلام الحجر الأسود فإذا لمس الحجر الأسود انتهت التلبية ، ثم تستأنف التلبية حينما يبدأ الإنسان الحج بعد أن قضى عمرة الحج ، فيلبّي بالحج في اليوم الثامن ثم يستمر بالتلبية ما بين آونة وأخرى إلى أن يرمي يوم العيد جمرة العقبة فهناك تنتهي التلبية حيث أعمال الحج لم تنته فإذا رمى جمرة العقبة انتهت التلبية أيضا .
هل يشترط الجمع بين التكبير والتلبية ؟
الجواب : لا يشترط الجمع بين التكبير وبين التلبية وإنما هو مخير بين التكبير وبين التلبية ولعل الأحسن التنويع تارة يلبي وتارة يكبر ، والتكبير ليس خاصا عند رمي الجمرة أيضا وإنما في أثناء الرجوع من عرفات جاء في بعض الأحاديث كان منا من يكبر ومنا من يلبي فلا يعترض المكبر على الملبي ولا الملبي على المكبر ، ولكن الذي يريد أن يرمي جمرة العقبة هناك لا بد من التكبير مع كل حصاة عند رمي جمرة العقبة لا بد من التكبير مع كل حصاة ، أما التكبير قبل ذلك فهو بدل التلبية : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كما قال عليه السلام ( أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ... ) ، أو يقول الله أكبر أَلله أكبَر لا إله إلا الله إلى أخره ، أما التكبير عند رمي الجمرة فهو الله أكبر مع كل حصاة .
بما أنه لا يجوز التلفظ بالنية فكيف يوجه الجهر بالتلبية في الحج لحديث أنس ؟
الحديث إن كانت روايته هكذا فهي مختصرة ، إذا كان كاتب الحديث أولا نقله كما وجده ، وثانيا فهم أنهم كانوا يقولون في التلبية لبيك اللهم بحج أو لبيك اللهم بعمرة حينئذ يرد السؤال لأن هذه تلبية .
هل يجوز الإمتشاط للمحرم ؟
الجواب : في الوقت الذي لا يوجد ما يمنع المحرم بالحج أو بالعمرة من أن يمتشط فهذا الحديث يؤكد البراءة الأصلية فيجيز للمحرم أن يمتشط لأن الفكرة بالنسبة للحاج ليس كما يتوهمها الكثيرون ، فهذا الحديث وهو قوله عليه السلام للسيدة عائشة ( انقضي رأسك وامتشطي ) يؤيد البراءة الأصلية وهو جواز امتشاط المحرم ، وليس المقصود بأن المحرم إذا أحرم للحج وتلبس بمناسك الحج أنه حرم عليه كل شيء . ليس الأمر بهذه التوسعة التي يتوسع فيها الكثير من المؤلفين والمصنفين ولكن الواجب أن نقف عند حدود الشرع ، فمثلا الشارع الحكيم حرّم على المحرم مطلقا ذكرا أو أنثى أن يتطيب في أثناء إحرامه ولكن من السنة أن يتطيب الذي يريد الإحرام بين يدي الإحرام ، يتطيب بالطيب الطيب الذي يفوح رائحته ، فإذا أحرم بالحج أو العمرة شممت منه رائحة طيبة ، فأجاز له الطيب بين يدي الحج وحرّم عليه الطيب في أثناء الحج . إذن القضية ليس فيها هذا الضيق بأبعد معانيه كما يظن البعض مثلا من الصائمين أنه لا يجوز أن يتطيب، فمعناها أن الصائم حبس نفسه عن الطيبات فمن الطيبات أنه يشم الرائحة الطيبة إذن لا يجوز شم الرائحة الطيبة ، هذا الكلام غير صحيح ، فلا يجوز الأكل والشرب ونحو ذلك مما هو منصوص عليه أما أن تتطيب وأنت صائم ما فيه مانع وأن تتسوك وأنت صائم ما فيه مانع ، كذلك المحرم بالحج حُرّم عليه أشياء محدودة فنقف عندها ولا نشدد على الناس أكثر مما جاء به النص ، فالنص منع الرجل من أن يقص أظافره ومن أن يأخذ من شعره من لحيته ، كذلك المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من شعرها إلا بعد أن تتحلل ، لكن هذا المحرّم شيء وكونه امتشط في لحيته وتمشط شعرها وتقع بعض الشعرات فهذا لا يسمى حلق فهذا ليس فيه ما يمنع شرعا أبدا وحديث عائشة كما قلنا يؤيد هذا الأصل . الذي أحرم بالحج لا يجوز له أن يتطيب ولكن بين يدي الإحرام قبل أن يقول لبيك الله بعمرة يجوز له أن يتطيب .
روى البخاري وسعيد بن منصور عن عائشة أنها كانت لا ترى بالتبان بأسا للمحرم فماذا تقصد عائشة بالتبان، وهل يجوز ذلك للمحرم ؟
التُبّان في اللغة العربية هو ما يسمى اليوم بالبنطلون الشورت ، يعني البنطلون الذي ليس له أكمام ، هذا هو التبان ، فالسيدة عائشة لا ترى بأسا للحاج أن يلبس التبان علما أن التبان سروال أو نوع من السروال وقد جاء في الصحيح في البخاري ومسلم أن المحرم لا يجوز له أن يلبس السروال ولا عمامة ولا قميص ، يعني لا يجوز له أن يلبس أي ثوب مفصّل على بدنه ، فهذا طبعا حكم خاص بالرجال دون النساء لأن إحرام المرأة إنما هو في وجهها وفي كفيها فقط أي أن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تشد البرقع على وجهها ولا يجوز لها أن تلبس القفازين - الكفوف - ، هذا إحرامها وهذا من تيسير الله عز وجل على النساء ، أما الرجل فلا يجوز له لبس السراويل ، نجد السيدة عائشة أباحت لبس التبان وهو البنطلون الشورت كما قلنا .
فسّر العلماء قول السيدة عائشة هذا بأن المقصود أنها لا ترى بأسا للمحرم أن يلبس هذا اللباس القصير سترا لعورته إذا كان معرّضا للكشف عنها ، فأجازت السيدة عائشة لمثل هذا النوع من المحرمين أن يلبس التبان من باب درء المفسدة الكبرى بالصغرى ليس إلا ، فلا يؤخذ من كلام السيدة عائشة جواز لبس التبان للمحرم مطلقا وإنما للحاجة .
22 - روى البخاري وسعيد بن منصور عن عائشة أنها كانت لا ترى بالتبان بأسا للمحرم فماذا تقصد عائشة بالتبان، وهل يجوز ذلك للمحرم ؟ أستمع حفظ
ذكرت في تعليقك على كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحرام لا يمنع من التغطية وإنما يمنع من النقاب والبرقع ونحوه فكيف تكون التغطية وكيف يكون البرقع والنقاب ؟
آنفا قلت لا يجوز للمحرمة أن تشد البرقع على وجهها ، أما كيف تحصل التغطية الجائزة فذلك بالسدل تسدل حجابها على وجهها ، لا أن تضعه على رأسها فهذه تغطية جائزة لقول السيدة عائشة رضي الله عنها أنه كنا ونحن محرمات إذا مر بنا ركب من الرجال أسدلنا جلابيبنا على وجوهنا . فلما يمر الرجال فترفع كما كانت ، فإذن الممنوع هو ما يشبه اللباس ، أي شد برقع خاص إما على الجبهة كما هي عادتنا في هذه البلاد أو النقاب كما هي عادة البدو في الكثير من البلاد ، ولجهلهن نجد في الحج نساء بالعشرات إن لم أقل بالمئات وهنّ حاجّات هكذا ، لا يوجد من يعلمهن ، فشد البرقع من هنا أو النقاب من هنا هذا هو الذي لا يجوز للمرأة .
23 - ذكرت في تعليقك على كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم أن الإحرام لا يمنع من التغطية وإنما يمنع من النقاب والبرقع ونحوه فكيف تكون التغطية وكيف يكون البرقع والنقاب ؟ أستمع حفظ
هل يجوز قتل المحرم للنمل ؟
الشيخ : ... إلا في حالة واحدة من هنا يؤخذ من لفظة ( العقور ) إذا كان النمل بصورة مؤذية جدا للحاج جاز ، أما بصورة عامدة لا يجوز قتل النمل حتى في حالة غير الإحرام إلا إذا كان يؤذي ، كل شيء مؤذي مما لم يأت النص بإباحة قتله لا يجوز مباشرة قتله فورا إلا بعد أن نعجز عن صرفه بالطرق السلمية يعني كالعدو ادفعه بالتي هي أحسن كالعدو الصائل تدفعه بالتي هي أحسن فإذا ما استطعت إلا بقتله تقتله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، أما رأسا نقتله فلا يجوز . هناك حديث في صحيح مسلم لازم نسمعكن إياه ! عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت في النار قال فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة ).
وفي رواية ( أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ؟) أمة من الأمم تسبّح الله أنكر الله على النبي مع أنه مقروص من النملة ملدوغ منها أنكر الله عليه أنه على الأقل يقتل واحدة التي آذتك آذها أما كل بلد النملة كل شيء بحسبها لأن النمل له قرى فكل شيء بحسبه فيحكون عن النمل في بلاد السودان أن هناك حجم كبير جدا وله بيوت منظمة أسوة بالنحل ، المهم أن الله عز وجل بيّن لنا في هذا الحديث على لسان الرسول عليه السلام في صحيح مسلم أن السبب في عدم جواز قتل النمل هو أنه أمة من الأمم أمم أمثالكم (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )) ، إذن لا يجوز أن نقتل إلا المؤذي ،ومتى حينما لا نستطيع أن نخلص من شره ما فيه عندنا طريقة نخلص بها من شر هذا المؤذي نقتله ونقتل المعتدي الباغي لا أكثر .
هل يجوز للمحرم أن يخطب أو يعقد على المرأة ؟
نعم ذلك حرام ، ما دام لا يزال في الإحرام فلا يجوز الخطبة فضلا عن العقد ، وهذا فيه حديث صحيح صريح في صحيح مسلم .
ما حكم من أصاب ثوبه من طيب الكعبة وهو محرم ؟
هل يجوز شرب الأشربة المعطرة للمحرم كماء الزهر مثلا ؟
هل يجوز للمحرم أن يدهن رأسه بغير الطيب الزيتي مثلا ؟
يجوز مادام أنه لا طيب فيه .
هل على المحرم الذي قتل صيدا ناسيا أو جاهلا بالتحريم فدية ؟
الجواب لا علم عندي الآن .
ما هي الفدية لمن قتل أو اصطاد صيدا وهو محرم ؟
الجواب هنا فيه تفصيل ، الصيد الذي اصطاده يحكم رجلان عدلان بنوعية الفدية التي تجب عليه فإن اصطاد غزالا مثلا فقد يوجبون عليه كبشا ، وإن اصطاد مثلا حمام يوجبون عليه شيئا قريبا منه ، هذا له تفاصيل في كتب الحديث والفقه ، والأصل في ذلك تحكيم عدلين مسلمين عالمين في ذلك .
هل تحريم قطع الشجر للمحرم يقتصر على ما ينبته الله من غير صنيع الأدمي أو يشمل الإثنين وكيف يكون الجزاء ؟
العلة هنا ليس كون النبات من إنبات الله أو من زرع الإنسان وإنما العلة أن يكون النبات في أرض الحرم فسواء كان من خلق الله عز وجل دون واسطة بشر أو بواسطة بشر فلا يجوز قتل الشجر مطلقا من هذا النوع أو من ذاك .
31 - هل تحريم قطع الشجر للمحرم يقتصر على ما ينبته الله من غير صنيع الأدمي أو يشمل الإثنين وكيف يكون الجزاء ؟ أستمع حفظ
هل يشترط الطهارة في الطواف ؟
هذه مسألة خلافية والراجح أنه لا بد من الطهارة أولاً بدليل حديث عائشة السابق ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي ) . ثانياً : قوله عليه الصلاة والسلام ( الطواف بالبيت صلاة ولكن الله تبارك وتعالى أحل لكم فيه الكلام فلا تكثروا من الكلام ) وإنما قال ( الطواف بالبيت صلاة ) فهذا التشبيه يقتضي إيجاب الطهارة فيكون هذا الحديث مدعما لحديث عائشة وحديث عائشة مدعما له من حيث أن كلا منهما يوجب الطهارة للطواف حول الكعبة .
ما معنى قوله تعالى: " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ?
هذه الآية استشكلها عروة السابق الذكر ابن الزبير ابن أخت السيدة عائشة قال ذات يوم للسيدة عائشة ما أرى إلا أن الرجل إذا حج وما طاف بالبيت ولا سعى بين الصفا والمروة قال ما أرى إلا أن حجه صحيح فقالت له خالته عائشة ولم ذلك فتلا هذه الآية ، فشبهته هي (( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )) ، هو فهم كما يفهم كل إنسان أولًا ليس عنده الأسلوب العربي وثانياً ما يعرف المناسبة التي نزلت من أجلها هذه الآية (( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )) ، يعني ما عليه أنه يطوف فمفهوم هذا أنه أيضا ليس عليه شيء ألا يطوف، ... قالت له السيدة عائشة قالت لو كان الأمر كما تقول لكانت الآية (( فلا جناح عليه ألا يطوف بهما )) بينما الآية تقول (( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )) ، مش (( أن لا يطوف )) وأيضا بهذا المقدار لا يفهم المراد ولكن بينت السيدة عائشة القضية بيانا شافيا فقالت وأفادت ما خلاصته أن هذه الآية نزلت بعدما الصحابة آمنوا وأسلموا وعرفوا الإسلام فصاروا يبتعدوا عن جاهليتهم السابقة كانوا قبل الإسلام .