رجل مسافر فمر على قرية وهم يصلون العشاء فدخل معهم بنية المغرب فهل يصح ذلك وكذلك رجل من أهل القرية جاء ليصلي معم بنية المغرب وهم في صلاة العشاء فما حكم صلاة كل من الرجلين ؟
الشيخ : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، الحقيقة أنه لا يوجد لدينا نص بالنسبة لهذه المسألة التي جاء السؤال عنها وإنما تؤخذ بطريق شيء من الاستنباط والاجتهاد ، فنحن نقول أنه من الثابت في السنة أن اختلاف النية نية المقتدي عن نية الإمام لا تؤثر في صحة الصلاة وصحة القدوة فهناك مثلا صلاة معاذ بن جبل العشاء الآخرة وراء النبي صلى الله عليه وسلم ثم صلاته إيّاها إماما بقومه وكما جاء في صحيح البخاري أنها تكون له نافلة ولمن وراءه فريضة . كما أن هناك بعض الأحاديث الصحيحة التي جاءت في كيفية من كيفيات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه صلاة الخوف فمن ذلك أنه كان يصلي ركعتين بالطائفة الأولى ثم يسلّم بهم فينطلق هؤلاء إلى مصاف الطائفة الأخرى لتأتي وتصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين فتكون بطبيعة الحال الركعتان الأوليان بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم هي الفريضة والركعتان الأخريان بالجماعة الأخرى إنما هي نافلة ، وهكذا ربما توجد أمثلة أخرى لا أستحضرها الآن ، كذلك لا بد أن نذكر هنا حادثة ذلك الأعرابي الذي كان يعمل بالنواضح في أثناء النهار ويأتي مساء ليصلي خلف معاذ رضي الله عنه ، فلما اقتدى به ذات يوم صلاة العشاء الآخرة وسمعه وقد ابتدأ بسورة البقرة فظن أو ألقي في نفسه أن هذه القراءة ستكون طويلة وطويلة جدا بالنسبة إليه ولذلك قطع الصلاة من خلف معاذ وصلى لوحده .
فإذا نظرنا إلى هذه النصوص حينئذ نستطيع أن نقول بأن صلاة هذا المسافر أو ذاك المقيم الذي اقتدى بالإمام وهو يصلي صلاة العشاء ويتوهم كل منهما أنه إنما يصلي صلاة المغرب فيتبين له إنما كان يصلي صلاة العشاء فهو في هذه الحالة إذا أدرك الإمام في أول ركعة فحينما ينهض الإمام إلى الركعة الرابعة كل منهما ينوي الانفصال ويقطع القدوة بالإمام ليجلس في التشهد الأخير على رأس الثلاث بالنسبة إليه ويسلم ثم ينهض ويقتدي بالإمام ما أدرك من صلاة العشاء له هذا ما يبدو لي في الجواب عن هذا السؤال .
السائل : الرجل المسافر يعلم أن ذلك الإمام يصلي العشاء وهو أخّر المغرب فدخل مع الجماعة يدخل معهم بنية المغرب ؟
الشيخ : طبعاً ، لا يجوز تأخير صلاة المغرب عن صلاة العشاء وإنما يقتدي به ثم ينوي المفارقة كما قلت آنفا حينما ينهض الإمام إلى الركعة الرابعة .
السائل : بعض العلماء قال يدخل معهم بنية النافلة يصلي معهم العشاء نافلة له ثم يصلي المغرب ثم العشاء ، فما صحة هذا القول ؟
الشيخ : هذا الذي قدمت له قدمت ما قدمت من أدلة ولأبين أن اختلاف نية المقتدي عن نية الإمام لا تضر في صحة الصلاة فإذا كان هو يصلي المغرب والإمام يصلي العشاء فأولى أن تكون هذه الصلاة صحيحة من أن تكون صلاة المفترضين وراء المتنفل صحيحة ، كل ما في الأمر أنه يحتاج إلى واسطة في الموضوع وهو أن ينوي المفارقة .
السائل : جزاك الله خيرا .
الشيخ : وإياك .
1 - رجل مسافر فمر على قرية وهم يصلون العشاء فدخل معهم بنية المغرب فهل يصح ذلك وكذلك رجل من أهل القرية جاء ليصلي معم بنية المغرب وهم في صلاة العشاء فما حكم صلاة كل من الرجلين ؟ أستمع حفظ
هل صح حديث "إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم"؟
الشيخ : هذا الحديث من حيث إسناده لم يصح وهو من حصة كتابَيَّ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة والكتاب الآخر ضعيف الجامع الصغير ، وفي ظني وهذا طبعا رأيي الشخصي ويشجعني عليه بعد الاستناد إلى علم الحديث هو معرفة بعض الإسناد هذا الحديث فأتشجع حينذاك لأقول في ظني أن أحد رواة هذا الحديث وهِم فانقلب عليه الحديث المعروف صحته في البخاري ومسلم في القصة المتعلقة بالعرنيين وهي قصة معروفة عند جميع طلاب العلم حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يخرجوا خارج المدينة وأن يشربوا من ألبان الإبل ويتداووا بأبوالها ، وفعلا صحّوا وبعد أن صحّوا اغتروا بقوتهم فقتلوا الراعي وتعرفون تمام القصة ، فيبدو أن أحد رواة هذا الحديث الضعيف توهم من هذا الحديث أو استنبط من هذا الحديث أنه فعلا أبوال الإبل شفاء فحصل منه هذا المتن فهو على كل حال ضعيف لا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما من كان مستدلا فإنما يستدل بقصة العرنيين .
ما قولكم في مسألة دوران الأرض ؟
الشيخ : نحن الحقيقة لا نشك في أن قضية دوران الأرض حقيقة علمية لا تقبل جدلا ، في الوقت الذي نعتقد أنه ليس من وظيفة الشرع عموما والقرآن خصوصا أن يتحدث عن علم الفلك ودقائق علم الفلك وإنما هذه تدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة تأبير النخل حينما قال لهم ( إنما هو ظن ظننته فإذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فأتوا منه ما استطعتم وما أمرتكم بشيء من أمور دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم ) .
فهذه القضايا ليس من المفروض أن يتحدث عنها الرسول عليه السلام وإن تحدث هو في حديثه أو ربنا عز وجل في كتابه فإنما لبالغة أو لآية أو لمعجزة أو نحو ذلك ، ولذلك فنستطيع أن نقول أنه لا يوجد في الكتاب ولا في السنة ما ينافي هذه الحقيقة العلمية المعروفة اليوم والتي تقول أن الأرض كروية وأنها تدور بقدرة الله عز وجل في هذا الفضاء الواسع ، بل يمكن للمسلم أن يجد ما يشعر إن لم نقل ما ينص على أن الأرض كالشمس وكالقمر من حيث أنه كلها في هذا الفراغ كما قال عز وجل ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) ، لا سيما إذا استحضرنا أن قبل هذا التعميم الإلهي بلفظة (( وكُلٌّ )) تعني الكواكب الثلاثة حيث ابتدأ بالأرض فقال (( وَآَيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ )) ثم قال (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيم لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ))، فلفظة (( كُلٌّ )) تشمل الآية الأولى الأرض ثم الشمس ثم القمر ثم قال تعالى (( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) هذا ظاهر من سياق الآيات وهي بلا شك آيات في ملك الله عز وجل باهرة ، أقول هذا مع العلم بأن العلماء في التفسير أعادوا اسم كل إلى أقرب مذكور وهو الشمس والقمر لكن ليس هناك ما يمنع أبدا من أن نوسّع معنى الكل فيشمل الأرض التي ذكرت قبل الشمس وقبل القمر ، هذا أقوله فإن صح فبها ونعمت وإن لم يصح فأقل ما يقال أنه لا يوجد في القرآن كما قلت آنفا ولا في السنة ما ينفي هذه الحقيقة العلمية ، أما ما يقال أو ما يستدل به من الآيات كجعل الله عز وجل الجبال رواسي أَنْ تَمِيدَ بِهم وكـ (( الأرض بعد ذلك دحاها ))ونحو ذلك من الآيات فهي في الحقيقة لا تنهض لإبطال هذه الحقيقة العلمية الكونية من جهة بل لعل بعضها تكون حجة على المستدلين بها ، فجعل الله عز وجل للجبال كالأوتاد تشبيها بالأوتاد فهذا نص صريح بأن ذلك لا يمنع تحركها مطلقا وإنما يمنع تحرك الأرض تحركا اضطرابيا بحيث لا يتمكن الساكنون عليها من التمتع بما فيها بل من الحياة عليها ، ذلك لأننا نعلم أن الرواسي بالنسبة للسفن لا تمنع حركتها مطلقا لكنها تمنع أن تفلت هكذا في خضم البحر فتضربها الأمواج يمينا ويسارا ثم يكون مصيرها الغرق ، كذلك الأوتاد التي تضرب للخيل ونحو ذلك من الدواب فهي لا تمنع أبدا أن تتحرك تحركا في مدى محدود أراد ذاك الحيوان الواتد إن صح التعبير وهو الذي ضرب الوتد بالحيوان .
ونحن نرى في سوريا في بعض البساتين التي تزرع فيها بعض الحشائش التي هي طعام للخيل وللبقر ونحو ذلك من الحيوانات يسمّى عندنا في بلاد الشام بالفصّة وربما يسمى عندكم بالبرسيم ... فهذا يزرع فيأتي الفلاح حينما ينبت فيضرب وتدا لفرسه أو لبقرته فتجد هذه البقرة تأكل من هذا البرسيم المقدار الذي يريده صاحبها فهي تتحرك لكن لا تتحرك كيف تشاء كحركة الفوضى كما لو أطلق لها الزمام وإنما تتحرك حركة نظامية ولذلك تجد قد شكلت دائرة ، الفصة أو البرسيم الذي أكلته فأصبحت الأرض جرداء من الخضار وما حولها الخضار به لا يزال قائما ، فتشبيه رب العالمين تبارك وتعالى للجبال بالنسبة للأرض كالمراسي بالنسبة للسفينة والأوتاد بالنسبة للحيوانات هذه أيضا بالنسبة للأرض ، كل ذلك لا ينفي عن الأرض الحركة المنظمة بقدرة الله تبارك وتعالى ، لذلك قلت أن هذه الآيات أو بعضها على الأقل هي أقرب إلى الدلالة على أن الأرض تتحرك أقل ما يقال وأنها ليست ثابتة جامدة كما يتوهم كثير من الناس .
فخلاصة القول لا يوجد في الشرع أبدا ما ينفي كروية الأرض ، ثم كروية الأرض أصبحت اليوم حقيقة علمية ملموسة لمس اليد ، يعني يتهم الإنسان في عقله وعلى الأقل في علمه فيما إذا جحد هذه الحقيقة لأنك اليوم تستطيع أن ترفع السماعة وتتصل مع صديق لك صادق وتقول له ماذا عندكم اليوم نهار أم ليل سيقول لك عندنا ليل في الوقت الذي يؤذن عندنا مثلا لأذان المغرب يؤذن عندهم لصلاة الفجر أو يكون قد طلعت الشمس وهذا لا يمكن تصوره أبدا إلا كما يقول العلم بالتجربة أن هذا ينتج بسبب أن الأرض تدور حول الشمس دائرة كاملة ينتج من ورائها الليل والنهار، ثم أدق من ذلك حصول الفصول الأربعة بسبب ابتعاد الأرض عن الشمس واقترابها وهذا له تفصيله في علم الفلك وعلم الجغرافيا لسنا في صدده ، لكن الشاهد أنه لا يمكن أن تحصل هذه الأمور الواضحة إلا والأرض أولا كروية وإذا سلبت كرويتها فلا يمكن أن يقال بأنها ثابتة لأن البشر يسكنون هذه الأرض في كل جوانبها كما يقال اليوم في القطب الشمالي في القطب الجنوبي فلو كانت هي كروية وثابتة كيف يثبت من كانوا في أسفل القطب الجنوبي مثلا بل ومن كان في طرفيها لكنها لما كانت تدور بقدرة الله العجيبة الدوران الذي لا يجعل حياة المستوطنين والساكنين عليها مضطربة فهذا أمر في غاية الإعجاز الدالة على عظمة وقدرة الله تبارك وتعالى .
وأنا أريد أن أذكّر بشيء يقرّب هذا الشيء البعيد الذي لا يدخل في أذهان بعض الناس ، وأنا في ألبانيا كنت أجيرا في دكان خالي كان حلّاقا ، فكان يأتيه زبون مثلا فيطلب له فنجان قهوة ، يأتي أجير القهوجي وفي يده صحن ... صينية مثل هذه الصواني أكبر منها قليلا لكن هذه لها حاملة يعني يمكن أن نصورها هكذا هنا يضع إصبعه ويمشي أولا يلهوا ويتسلى ويعمل فيها هكذا ... والفنجان على الصحن الصغير كما هي العادة لا يتحرك من مكانه ، هذا مصغّر جداً جدا ليفهم الإنسان كيف تدور الأرض ولا يضطرب البشر عليها والبشر بشر كما قال تعالى و (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )) فإذا كان هذا الفنجان وهو موضوع في الصينية والذي يحركه هو إنسان جاهل غشيم قدرته ومداركه محدودة ومع ذلك ربنا عز وجل أعطاه شيء من العقل وشيء من القدرة بحيث أنه يدير هذه الصينية وعليها الفنجان وهو فوق صحن صغير فلا يقطر منه قطرة ، هذا كنا نراه ونحن صغار، فالله عز وجل ماذا نقول " وليس يصح في الأذهان شيء فاحتاج إلى دليل " فالله عزوجل على كل شيء قدير .
إذن القضية لا تحتاج إلا إلى شيء من العلم والإدراك الصحيح مع وجود الإيمان الكامل طبعا بعظمة وقدرة الله التي لا يمكن أن يتصورها إنسان .
السائل : جزاكم الله خيرا .
الشيخ : وإياكم .
ما هو أصل الصيغة المختصرة في الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم الواردة في كتب الحديث والشائعة على ألسنة الناس وهي قولهم "صلى الله عليه وسلم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة و غيرها "اللهم صل على محمد ......"الحديث؟
الشيخ : هذا السؤال في اعتقادي سؤال هام ، وفي الجواب عنه تبينُ حقيقة طالما غفل عنها كثير من الناس حتى بعض الخاصة منهم ، هذه الحقيقة هي التي نقولها دائما وأبدا أن المسلم لا يكتفي أن تكون دعوته قاصرة على التمسك بالكتاب والسنة فقط بل لا بد من أن يضيف إلى ذلك على منهج السلف الصالح ، الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح .
والسبب الذي يحملنا على أن نقول بضرورة التمسك بهذه الإضافة أو هذه الضميمة " على منهج السلف الصالح " أمور منها النقلي والعقلي ، أما النقل فتعلمون قول تعالى (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) فربنا عز وجل بطبيعة الحال لم يقل ويتبع غير سبيل المؤمنين عبثا وإنما لحكمة بالغة لأنه لو قال ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى إلى آخره لكان هناك مجال أن يقول كل ضال منحرف عن الكتاب والسنة بالمفهوم الصحيح الذي فارق الرسول عليه السلام عليه الأمة أن يقول هذا الذي فهمته أنا من الآية ومن الحديث ،لكن لكي لا يكون هذا الفهم فوضى لا قاعدة ولا ضابطة له قال تعالى (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ )) ليبين للناس أنه لا يكفي بل لا يجوز أن يستقل كل مسلم بأن يفهم الكتاب والسنة كما يبدو له بل عليه أن يفهمهما كما فهمهما سلفنا الصالح ، ولذلك فالمراد هنا (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ )) المراد بالمؤمنين هنا هم سلفنا الصالح الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الشهادة التي امتازوا بها على من بعدهم في الحديث الصحيح المتواتر( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )، هذا من جهة هذه الآية الكريمة ثم تأتي السنة كما هي عادتها دائما وأبدا مع القرآن بيانا وتوضيحا فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الفرق الثلاث والسبعين المعروفة لما سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم كلها في النار إلا واحدة من هي قال ( هي التي تكون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) ، ومثل ذلك حديث العرباض بن سارية الذي أوله وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت لها العيون إلى آخر الحديث قال صلى الله عليه وسلم ( ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... ) إلى آخر الحديث ، فهذا الحديث وذاك يبينان لنا بوضوح أننا لا يمكننا أن نستغني عن فهم ما كان عليه سلفنا الصالح وبخاصة منهم الصحابة رضي الله عنهم لأنهم كانوا أقرب منّا إليه صلى الله عليه وسلم فهما وعلما ومشاهدة ورؤية وتطبيقا وكل شيء من هذا القبيل ، لذلك فنحن علينا كما نتلقى ألفاظ الشريعة قرآنا وحديثا من هؤلاء السلف كذلك يجب أن نتلقى معاني هذه النصوص من الكتاب والسنة ، وليس فقط أن يقول أحدنا اليوم بعد أربعة عشر قرنا والله هذا فهمي ، خاصة في الأحكام وبصورة أخص في العقائد التي جرى عليها عمل سواءٌ كان عمل قلبي إيماني أو عمل بدني جوارحي ، فهذه الأمور لا شك أنهم فهموها على الصواب فكل من جاء من بعدهم برأي يخالف ما كانوا عليه من عقيدة أو ما كانوا عليه من أحكام شرعية فلا شك أنه مخالف لسبل المؤمنين فيكون داخلا في عموم قوله تعالى السابق (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) ، إذا عُرفت هذه القاعدة الهامّة تبينت لنا مطالع الجواب على هذا السؤال .
نحن نعلم يقينا أن الصحابة الذين نقلوا إلينا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم التابعين ثم أتباعهم وهم كما ذكرنا القرون المشهود لهم بالخيرية أنه إذا رووا حديثا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وابتدءوها بقولهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال قائل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا أو يقول كذا نعلم يقينا أن أحدهم ما كان يقول قال رسول الله اللهم صلّ عليه اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد أو صلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صليت إلى آخر الصلاة الإبراهيمية يقينا ما كانوا يقولون هكذا ، لذلك نحن لا نقول بأن موضع تطبيق النص القرآني الذي جاء في السؤال وأن عمومه يقتضي أن تكون الصلاة بهذه الصيغة التي يعلّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، هذا له بحث سابق أن النص العام الذي لم يجر به العمل لا يجوز نحن أن نعمل بجزء من أجزائه الذي لم يجر به العمل وإنما ما علمناه أنه طُبق طبقناه وما علمنا أنه ترك من أجزاءه تركناه ، وهذا هو الإتباع أن نفعل ما فعلوا وأن نترك ما تركوا .
إذن هنا قد يأتي سؤال ماذا نقول نقولُ كما في كتب الحديث الذين عُنوا من أئمة الحديث الأولين بالتدقيق في رواية الأحاديث حتى في الحرف الواحد لا نتصور أبدا أحد شيئين لا نتصور أن الصحابي كان يقول قال رسول الله من قال لصاحبه يوم الجمعة ، كان رسول الله يفعل كذا وكذا ،أي لا يصلي عليه ، هذا الأمر لا نتصوره .الأمر الثاني الذي لا نتصوره أن يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عفوا تغلب العادة ، كان رسول الله فيقف هنا ويقول اللهم صلّ على محمد فهذا أيضا لا نتصور أنه وقع ، لماذا ؟ وهذا له صلة بالبحث السابق أمس القريب لأنه لو وقع لنقل إلينا لأن الدّواعي تتوفر لنقل هذا الأمر الهام ، كلما ذكر الصحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث له من قوله صلى الله عليه وسلم أو من فعله ، وقف وصلى عليه كما علمهم لو أن هذا وقع حتى لو مرة واحدة لتوفرت الدواعي لنقله فكيف فأكثر الأحاديث بالألوف المؤلفة ولم يوجد في حديث واحد أن أحدهم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة التامة الكاملة . من هنا أنا أتوصل لأقول أن هذا النص العام القرآني لا يراد عمومه وإنما هذا خاص بالصلاة ، ويؤيد ذلك رواية رواها الحاكم وربما الإمام أحمد في المسند أنه لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه هذا موجود في الصحيح لكن التتمة موضع الشاهد هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا فقال قولوا اللهم صلّ على محمد ، إذن هذه الصلاة مكانها الصلاة وليس خارج الصلاة وبهذا ينتهي الجواب عن سؤالك .
السائل : بارك الله فيك .
الشيخ : وفيكم .
4 - ما هو أصل الصيغة المختصرة في الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم الواردة في كتب الحديث والشائعة على ألسنة الناس وهي قولهم "صلى الله عليه وسلم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة و غيرها "اللهم صل على محمد ......"الحديث؟ أستمع حفظ
قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح على جزئيات الحديث العام التي لم يتناولها التخصيص بصحة العمل بها والقاعدة الأصولية تقول عدم النقل لا يدل على نقل العدم فكيف يجاب على هذا الإيراد وجزاكم الله خيرا ؟
الشيخ : ألمحنا إلى الجواب في الجواب السابق لكن لا بد من زيادة إيضاح لهذا السؤال الآن .
نحن نقول إن العبارة التي أشار السائل إليها من أقوال أهل العلم وهي التي تقول عدم العلم بالشيء لا يستوجب العلم بعدمه ، هذا الكلام صحيح لكن هذا له علاقة في الجزئيات التي قد تخفى على عامة الناس ، أي وأنها ليست من الأمور التي تتوفر الدواعي لنقلها كالمثال السابق والأمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جداً، ولذلك نحن نقول لا بد من التفريق بين شيء ظاهر معلن وبين شيء ليس بظاهر ومعلن يمكن أن يكون الرسول عليه السلام أو بعض أصحابه الكرام فعل ذلك ولكن لم يطّلع عليه أحد لأنه لم يكن أمرا معلنا كما نمثل عادة ببعض الأمثلة مثل صلاة العيدين مثلا لا يشرع لها الأذان وإنما يشرع لها الصلاة جامعة ، لكن بقية الصلوات التي تُسن أو تجب على خلاف الفقهاء في ذلك وإنما هي في الغالب عند جماهير العلماء تعتبر من السنن التي من السنة تجميع الناس فيها ولكن ليس لها أذان ، فلو قال قائل أخذا بالعموم (( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )) قال يا أخي ما المانع أن نؤذّن بصلاة من هذه الصلوات التي نعلم أنه لم يرد فيها نص في الأذان لكن أيضا كما يقول المبتدعة في بدعهم كلها هل عندك نهي في هذه البدعة ، ليس عندنا نهي ، كما يقولون مثلا الصلاة على الرسول بعد الأذان فيقولون إنها بدعة حسنة ، لمّا نحن ننكر عليهم يقولون هل يوجد نهي عنها ؟
السائل : تقصد الجهر بها بعد الأذان .
الشيخ : أنا أقصد أنا ما هو أعم من الجهر ، الجهر واضح لدى جميع الناس وربما سمعتموني بعض السائلين سألوني آنفا عن هذه القضية ففرقت بين أن يقول المؤذن اللهم رب هذه الدعوة التامة وبين أن يصلي على الرسول عليه السلام لأن الأمر الأول فيه نص عام من قال حين يسمع النداء ... إلى آخره ، أما الصلاة على الرسول ليس فيها إلا النص الخاص الموجه للسّامعين ، ولذلك بعض المؤلفين في العصر الحاضر من أنصار السّنة يدندنون حول إنكار الجهر وهذا إنكار قاصر لأن إضافة المؤذن ولو سرّاً إلى الأذان الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا هذا لم ينقل ولا يوجد هناك نص عام يشمله بينه وبين ربه تبارك وتعالى ، فلذلك نحن نقول أن هؤلاء المبتدعة في كل بدعهم لا يعدمون أبدا أن يجدوا نصّاً عامّاً يُدخلون تحته بدعتهم ، ولذلك فكان من دقة الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم الإعتصام والذي أنا أنصح طلاب العلم أن يعنوا بدراسته وتفهمه تفهما جيدا لأن حشي علما ، مُلئ علما ، يفرّق بعد أن يعمم قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو واضح كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار يقسم البدعة إلى قسمين بدعة حقيقية وبدعة إضافية ، ويفهم من كلامه أن البدعة الإضافية هي التي ابتليت بها الأمة أكثر وأكثر من ابتلائها بالبدعة الحقيقية ، وهو يعني بالبدعة الحقيقية هي البدعة التي ليس لها أصل مطلقا في الكتاب ولا في السنة وهي في الغالب تكون بدعة اعتقادية ، أما البدعة الإضافية فهي أنه بالنظر إلى جانب من الأدلة تظهر أنها مشروعة وبالنظر إلى جوانب أخرى تظهر أنها غير مشروعة فحينئذ يصح أن يطلق عليها إنها بدعة ضلالة ، ويأتي على ذلك بأمثلة طيبة وموضحة جداً للمسألة منها مثلا الاستغفار بعد الصلاة ، الاستغفار بعد الصلاة سنة لأنه جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا ، يقول لكن الجهر بالاستغفار وبصوت واحد هذا أضيف إلى هذه السنة ، فبهذا الاعتبار ألفقت بالبدعة وليست من السنة ، كذلك مثلا يقول الهيئة الاجتماعية التي تقام بعد الصلوات خاصة بعد العصر وبعد الصبح حيث أن الإمام حين يستقبل المصلين المؤتمين به يلقنهم التسبيح والتحميد والتكبير ثم يدعو ويرفع يديه ثم يؤمّنون على دعائه ، يقول هذا له أصل في السنة لأن التسبيح مأمور به والدعاء بصورة مطلقة أيضاً جاءت بعض الأحاديث بذلك لكن هذا الاجتماع بهذه الكيفية حدث بعد الرسول عليه السلام فهذا الاجتماع إذن بدعة لكن له أصل في الشرع من حيث أن هذه الأوراد والأذكار واردة فيه فيسمّي ذلك بدعة إضافية ، فأنا أقول إذا لم نلاحظ هذه القاعدة وهي أنّ كل نص شرعي من كتاب أو سنة تضمّن أجزاء كثيرة وبعض هذه الأجزاء لم يجر عمل المسلمين عليه فيكون بدعة إذا لم نلاحظ هذا فبارك الله للمبتدعة في بدعهم لأنهم كما قلنا آنفا لا يعدمون نصا عاما يؤيد بدعتهم ، ولهذا فينبغي أن نتسلح بفهم بهذه القاعدة على خصومنا ومخالفينا من المبتدعة لكي نقيم الحجة عليهم ولا تكون حجتهم قائمة علينا . فهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين
خلاصة الجواب هو التفريق بين الأمور الظاهرة التي تتوفر الدواعي لنقلها والأمور التي ليست كذلك .
5 - قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح على جزئيات الحديث العام التي لم يتناولها التخصيص بصحة العمل بها والقاعدة الأصولية تقول عدم النقل لا يدل على نقل العدم فكيف يجاب على هذا الإيراد وجزاكم الله خيرا ؟ أستمع حفظ
يقول ابن الجزري في مقدمته " والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا وهكذا منه إلينا وصلا " ما رأي فضيلتكم في هذا القول وما هو الواجب على المسلم في هذا الباب ؟
" والأخذ بالتجويد حتم لازم *** من لم يجوّد القرآن آثم
لأنه به الإله أنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزلا ***وهكذا منه إلينا وصلا "
ما رأي فضيلتكم في هذا القول وما هو الواجب على المسلم في هذا الباب ؟
الشيخ : الحقيقة أنني لا أجد في نفسي علما للجواب عن هذا السؤال وإنما أقول أن كل علم ينبغي أن يؤخذ من المتخصصين فيه ، والإمام ابن الجزري رحمه الله هو بالإضافة إلى إمامته في علوم القرآن والتجويد فهو من علماء الحديث أيضا فهو يشترك مع ابن كثير في هذه الحيثية حيث جمع بين علوم عديدة كالتفسير والحديث والتاريخ ، فهو إذا قال هذه الكلمة وجب اتباعه عليها باعتبار أن ربنا عزوجل يأمرنا بذلك في عموم قوله عزوجل (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون )) ونحن كما نقول في كثير من المناسبات صحيح نحن نحارب التقليد ونحرّم أن نجعله ديناً يتبع لكن التقليد نقول كما قال الإمام الشافعي في القياس ، القياس مع أنه من الأدلة الشرعية الأربعة فهو كما قال الإمام الشافعي لا يصار إليه إلا عند الضرورة .
... فالتقليد في الوقت الذي نحن نحارب التدين به واتخاذه مذهبا كما عليه عامة المسلمين مع الأسف اليوم لكن في الوقت نفسه نقول إنه كالقياس ، القياس قال فيه الإمام الشافعي ضرورة لا يصار إليه إلا عند الضرورة كذلك التقليد لا يصار إليه عند الضرورة ، فمثلا رجل عالم باللغة العربية لكن ليس عنده فقه ليس عنده علم بالحديث صحة وضعفا فهذا لا بد من أن يقلد الفقهاء ويقلد المحدثين، لكن من كان عنده شيء من الثقافة يكون تقليده أخف ، لأنه عنده شيء من الوعي والثقافة العامة يساعده على أن يتفهم طريقة الاستدلال مثلا بالحديث ، لكن عامة الناس ماذا يفعلون ، عامة الناس يسألون العالم، واجبهم أن يتحروا عنه يكون عالما بالكتاب والسنة هذا واجب لكن إذا قال هذا حرام فعليهم أن يتبعوه إن استطاعوا أن يفهموا من أين جاء التحريم ما أصله من الكتاب من السنة من الاجتهاد لكن ليس كل الناس يستطيعون ذلك فلا بد من التقليد .
أنا شخصيا أقول كلمة موجزة بالنسبة لهذا السؤال ، أنا أفهم أن الأمة تلقت القرآن بهذه الأحكام التي يعني أجمع القراء جميعا عليها ، مثلا الإخفاء والإظهار والغنة والمد الطبيعي والمد المتصل والمد المنفصل هذه الأشياء تلقتها الأمة بالقبول وليس هناك أي مخالف فلا يجوز لرجل لا علم عنده يقول ما هو الدليل على أن المد الطبيعي يمد حركتين لا أكثر ونحو ذلك ، فنقول هذا تلقي كما تلقينا القرآن تلقينا أيضا تلاوته بهذه الطريقة ، هذا يشبه تماما الفقه فكما أن الفقه قسم كبير منه مرجعه إلى الكتاب والسنة فالمسائل الفقهية أيضا هي على قسمين قسم يوجد عليها دليل من الكتاب والسنة وهما المرجع ... وقسم هي مسائل استنباطية ، فما كانت من هذه الأنواع المستنبطة فالأمر فيها سهل إن كان طالب العلم يستطيع أن يرجح قولا على قول بمرجح من المرجحات المنصوص عليها في كتب أصول الفقه فبها وإلا فبأي قول أخذ فهو إن شاء الله معذور عند الله تبارك وتعالى ، كذلك فيما يتعلق بعلم القراءات والتجويد فهناك مسائل متفق عليها فلا بد من اتباعهم فيها بدون أي نقاش أو جدل، وهناك مسائل مختلف فيها فمن تمكن من الترجيح كما قلنا آنفا في المسائل الفقهية فعل ومن لا فيتبع أيّ قولٍ بدا له ، ومن المسائل المختلف فيها عند القراء هو الوقوف عند رؤوس الآي ولو اتصلت بالآية التي بعدها فمنهم من يقول الوقوف وهذا الذي أتبنّاه ومنهم من يقول لا لعدم اكتمال المعنى كقوله تعالى (( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ )) فالوقوف عند هؤلاء يكون خطأ وإنما ينبغي الوصل .
نحن استطعنا حينما وقفنا على النص ودعمنا في ذلك كثير من علماء القراءة المتقدمين أن الصواب الوقوف على رؤوس الآي ولو كانت الآية متصلة المعنى بالتي بعدها ، فمثل هذا أمكنّا الترجيح أما في غير ذلك فالإنسان كما قلنا آنفا يمشي على قول ويكون معذورا إن شاء الله .
فقول ابن الجزري هذا في هذه الأرجوزة هو قول عالم مختص في علمه فينبغي اتباعه إلا إذا تبين لنا خطأه وهيهات هيهات .
السائل : جزاكم الله خيرا .
الشيخ : وإياك .
6 - يقول ابن الجزري في مقدمته " والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا وهكذا منه إلينا وصلا " ما رأي فضيلتكم في هذا القول وما هو الواجب على المسلم في هذا الباب ؟ أستمع حفظ
ما هو الحكم في دمى الأطفال التي تصنع من القماش المحشو بالقطن وهل يجوز رسم العين والفم على رؤوسها أفتونا في ذلك وجزاكم الله خيرا ؟
الشيخ : الذي أراه والله أعلم أن اتخاذ هذه التماثيل أو الدمى بالنسبة للأطفال الصغار هو أمر جائز في السنة لكن التعمّق في تصويرها وتكميلها كما جاء في السؤال ما أرى ذلك لأني ألاحظ شيئا وهذا من دقيق العلم الذي ينبغي على طلاب العلم أن يلاحظوه :
إن لعب الأطفال هذه ووجودها في الدار مع أنها تماثيل للعلماء فيها قولان: أحدهما أنها لا تجوز إعمالاً للنصوص العامة التي تنهى عن التصوير وعن الإبقاء على الصور في البيوت ، ومنهم من يقول أن هذه الصور مستثناة من النصوص العامة صنعا وقُنية وهذا الذي نحن نتبناه ونراه صوابا إن شاء الله ، لكن لا نشك بأن الشارع الحكيم عندما يستثني حكما من نص عام فلحكمة قد تظهر لبعض الناس وقد تخفى على آخرين ، ونحن نلاحظ أن من الحكمة في إباحة هذه اللعب للأطفال الصغار تمرينا لهم على ما يتعلق بشؤون المنزل مما يسمّى اليوم التدبير المنزلي من الخياطة ونحو ذلك ، أما التعمق في تصوير الآذان والعيون والأنف والفم بالخط فهذا له علاقة بما يسمونه بالفن ، والشارع الحكيم أباح هذا لمصلحة ظاهرة بالنسبة للفتيات الصغيرات كعائشة مثلا ونحوها فليس من مصلحة الفتاة أن تعنى بهذه الدقة بالتصوير ، ولذلك يقولون ما كان على خلاف القياس فعليه لا يقاس ، فنحن لا نستطيع أن نتوسّع هنا إلا بما أفاده النص في لعب السيدة عائشة ولم ينقل أنها كانت لعبا بهذه الدقة من التصوير فيكتفى بصنع هذه التماثيل من الخرق ليس إلا ، وأما القول بأن هذا منسوخ لعموم تلك الأحاديث فهذه في اعتقادي غفلة عن بعض الشروط التي يذكرها علماء الأصول في كتبهم من أنه يشترط في معرفة الناسخ والمنسوخ أن يعرف أولا المتقدم والمتأخر وثانيا وهذا أهم ألا يمكن في الأصل التوفيق بين النصّين فإذا تعذّر حينذاك التوفيق صير إلى النسخ أما ادّعاء أن هذا الحكم الخاص هو منسوخ بالنص العام فهذا لا يقول به علماء الفقه أي أصول الفقه أبداً ، وهذا في الوقع يقع فيه بعض الأفاضل من العلماء الذين ينسخون بعض النصوص الخاصة لمعارضتها لبعض النصوص العامة ، والصواب في ذلك أن يخصص النص العام بالنص الخاص ،وإن كان السلف يطلقون على النص المخصص أنه ناسخ وعلى النص العام أنه منسوخ ولكنهم يعنون أن جزءاً من أجزاءه هو المنسوخ ، وإذا لوحظ الفرق بين اصطلاح السّلف واصطلاح الخلف بين الناسخ والمنسوخ زالت أمام طالب العلم إشكالات كثيرة حينما يجد مثلا السيوطي في كتاب الإتقان في علوم القرآن يذكر بأن هناك ثلاثمائة آية تقريباً منسوخة فإنما يعني هو في الإصطلاح العام السّلفي وهو بالاصطلاح الخاص الخلفي التخصيص كما قلنا ، حينئذ يزول الإشكال ثلاثمائة آية منسوخة ،لا يوجد في القرآن مثل هذا الآيات المنسوخة أبداً لكنهم يعنون مخصصة ، على هذا فأحاديث لُعَب الأطفال التي كانت تصنعها عائشة لنفسها والتي كان بعض الأنصار يصنعونها لأولادهم ليشغلوهم بها عن الإفطار عن الطعام ... في رمضان فهذه تكون لُعب بدائية سطحية جداً فقط لتحقيق هذه المصلحة التي أشرنا إليها آنفا والله أعلم .
السائل : بارك الله فيكم .
الشيخ : وإياك .
7 - ما هو الحكم في دمى الأطفال التي تصنع من القماش المحشو بالقطن وهل يجوز رسم العين والفم على رؤوسها أفتونا في ذلك وجزاكم الله خيرا ؟ أستمع حفظ
ما حجة من ذهب إلى منع البيعتان في بيعة وهي التقسيط وما حجة من ذهب إلى الجواز أفتونا مأجورين ؟
الشيخ : أما حجة من ذهب إلى أخذ الزيادة مقابل بيع التقسيط وليس بيع التقسيط بذاته وإنما يصير السؤال أخذ الزيادة مقابل بيع التقسيط ، أما بيع التقسيط إذا كان بثمن النقد فهذا مستحب وأفضل من بيع النقد لأن البائع التاجر يستفيد من هذه الحالة مادة وثوابا في الآخرة لأنه ثبت في الأحاديث الصحيحة أن قرض درهمين يساوي صدقة درهم يعني ، القرض على النصف من الصدقة فإذا أقرض درهمين فكما لو أنه تصدّق بدرهم مع أن الدرهمين سيعودان إليه ، لذلك فبيع التقسيط هو أمر مفضل في الشرع لكن بشرط أن يكون بثمن النقد وألا يستغل حالة المحتاج الذي لا يستطيع أن يدفع ثمن الحاجة قل ثمنها أو كثر ، ففي هذا تعاون بين المسلمين تعاون بين الأغنياء والفقراء أو المتوسطين مادة ، ولذلك لمّا صار مع الأسف عرفا عاما أن بيع التقسيط يقترن به زيادة في الثمن يأتي السؤال على أنه ما حجة من يمنع أو يحرّم بيع التقسيط فهو لا يعني بيع التقسيط لذاته وإنما للزيادة التي تقترن به عادة . فأقول ما وقفنا عليه من الحجج تنقسم إلى قسمين :
قسم نصوص واضحة في القضية وقسم آخر يستنبط منها المنع من أخذ الزيادة .
أما القسم الأول فيحضرني الآن ثلاثة أحاديث .
الحديث الأول هو نهيه عليه السلام عن بيعتين في بيعة كما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث سماك بن حرب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ، قيل لسماك ما بيعتين في بيعة قال أن تقول أبيعك هذا الشيء بكذا وكذا نقدا وبكذا وكذا نسيئة .
والحديث الثاني حديث أبي هريرة في مصنف أبي شيبة وسنن أبي داود من طريقه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) ، ولهذا الحديث شاهد موقوف على ابن مسعود قال صفقتان في صفقة ربا ، رواه ابن أبي شيبة .
والحديث الثالث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يجوز شرط وبيع )
فسّر هذا الحديث إمام المفسّرين للحديث ابن الأثير الجزري في كتابه غريب الحديث والأثر قال هو أن تقول بعتك هذا بكذا نقدا وبكذا وكذا نسيئة ، قال وهو بيعتين في بيعة ، هذا نص ابن الأثير في غريب الحديث على هذا ربما توجد نصوص أخرى لكن بمعنى النهي عن بعتين في بيعة حديث ابن عمر أيضا بهذا المعنى نهى عن بعتين في بيعة في مسند أحمد وغيره الشاهد
بعد أن ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم النهي عن بيعتين في بيعة وتبين لراوي الحديث الأول سماك بن حرب ما هو المقصود في بيعتين في بيعة كما أنه قد فسّره بذلك كثير من علماء السلف منهم سفيان الثوري مثلا .
بعد هذا التبيّن نستطيع أن نقول أن من يفسّر النهي المذكور لحديث بيعتين في بيعة بصورة أن يكون عرض البيعتين في آن واحد ، قد يقال كما جاء في التفسير أبيعك هذه المسجّلة نقداً بمائة دينار أو مائة ريال وبالتقسيط بمائة وعشرة ، يقولون هذا هو المنهي عنه أما لو قال الشاري سلفا هذه بالتقسيط بمائة وعشرة قالوا جاز ، وحجتهم بل شبهتهم في ذلك هو أنهم نظروا للقضية نظرة ظاهرية محضة لأن الحديث يقول أن تقول أبيعك بكذا نقدا وبكذا وكذا نسيئة ، فإذا فصل أحدهما عن الآخر جاز ، أنا أقول هذه ظاهرية مقيتة أيضاً .
وحجة هؤلاء في هذا الفهم الذي اعتبرناه فهماً شكليا ظاهريا شكليا أنهم قالوا أن النهي عن بيعتين في بيعة حينما يعرض الثمنان فيه غرر فيه جهالة لم يدر على أي الثمنين اتفقا ، وهذه حجة واهية جدا لأن الواقع يدل على أنهما يفترقان على ثمن مسمى إما ثمن النقد وإما ثمن التقسيط وذلك واضح جدا وبخاصة على مذهب من يرى جواز بيع المعاطاة ، هذه معروفة في مسألة البيوع والعقود أنه يجب الإيجاب والقبول ، وبعضهم يكتفي ببيع المعاطاة ، يعني أي شيء تريد أن تشتريه يجب أن يجري إيجاب وقبول بين البائع والشاري صراحة ، أما الآخرون ومنهم الأحناف فيكتفون بما يسمى ببيع المعاطاة ، والحقيقة أن هذا المذهب هو الصواب لسببين اثنين : الأول أنه لا يوجد في الكتاب ولا في السنة هذا الشرط شرط الإيجاب والقبول .
والشيء الآخر هو ما يقوله العلماء في غير ما مناسبة لسان الحال أنطق من لسان المقال ، وفيما نحن الآن في صدده أكمل دليل على ما نقول ، حينما يأتي رجل إلى تاجر سيارات مثلا فيقول هذه بكم فيقول له مثلا نقدا بعشرين ألف ريال وتقسيطا بخمس وعشرين ، سيكون الواقع أحد شيئين بعد المشاورة طبعا واستقرار الثمن على شيء معين ، نفرض استقر على ما طلب التاجر ، يعني بعض التجار سعرهم محدد جدا قال عشرين نقدا انتهى لا تنقص عن عشرين بفلس ، خمس وعشرين تقسيطا ما ممكن أقل، فافترضنا أنه انتهى السعران على هذا فالذي سيجري إما أن يعطيه نقداً العشرين ألفا ومقابل ذلك يأخذ السيارة وينطلق ، ما صار لا إيجاب ولا قبول ، وإما أن يقول والله أنا ما عندي فلوس فإذا أمكن أوفّيها لك مع الزمن فاتفقوا على خمس وعشرين ويتفقوا أنه كل شهر أو شهرين يدفع كذا وكذا حسب ما يتفقوا عليه ويكتبوا ... كمبيالة ويوقّع عليها الشاري وانتهى كل شيء ويأخذ السيارة ، ما صار لا إيجاب ولا قبول ، من يقول أنه في الصورة الثانية حصل غرر ؟ ما فيه غرر ما فيه جهالة ، انفصلوا على بينة تامة تماما .
وبهذه المناسبة أقول إن من يقول بوجوب الإيجاب والقبول يحجّر واسعاً على رحمة الله ويبطل عقودا كثيرة جداً اليوم ، فأبسط الصور التي تقع اليوم : تأتي إلى بائع الخضراوات فتسأله بكم الكيلوا بكم ربطة البكدونس ، فيقول مثلاً بقرش فتأخذها وتمشي، أولئك لا يصححون إلا أن تقول قبلت أو رضيت وهكذا ، تركب الباص تخرج القرش تلقيه في الصندوق ولا تتفق مع السائق على سعر ولا أي شيء ، في دول أجنبية أوربا وغيرها مثلا البضائع كلها مسعرة تضع الثمن وتأخذ البضاعة ، الجرائد معروفة أثمانها هناك صندوق تأخذ جريدة وتلقي ثمنها وتمشي ، فأين الإيجاب والقبول هذا فيعطّلون مصالح الناس ، ولذلك كان أصح المذاهب في هذه المسألة أنه يكفي مجرد المعاطاة لأن هذا كما قلنا آنفا لسان الحال أنطق من لسان المقال .
إذن الذين قالوا أن النهي الوارد في الحديث يعني الجمع بين أمرين والعلة كذا نقول هذه العلة أولاً هي غير صحيحة من حيث أن الواقع يشهد أنه لا جهالة في الموضوع ولا غرر على أن هذه العلّة علة اقتباسية اجتهادية، وكل رأي وكل اجتهاد يخالف النص فهو مردود كما قيل وأيضا " إذا جاء الأثر بطل النظر " ، " إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل " ، " لا اجتهاد في مورد النص " وهنا النص في التعليل هو الربا كما جاء في الحديث الثاني ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) فإذن ليست العلة هي الجهالة جهالة الثمن يا ترى هو ثمن النقد أم ثمن التقسيط لأن الحديث يقول العلة هي أخذ الزيادة والزيادة مقابل الدين والصبر على أخيك المسلم. على أنه كما قلنا الواقع كما قلنا يكذب هذه العلة لأنه لا توجد جهالة أبدا ، أي بيع يتم اليوم على طريقة التقسيط لا يقع فيه جهالة مطلقا ، وإذا تبين أن العلة هي الربا يتبين لنا شيء آخر من الحديث الثاني هذا وأريد أن أنبه لأن هذا الحديث يفيدنا فائدة لا نستفيدها من الحديث الأول ، والحديث الأول يفيدنا فائدة لا نستفيدها من الحديث الآخر ، وبجمع النصوص تتجلى الحقيقة وتتضح .
الحديث الأول فسّر لنا البيعتين في بيعة فقال أبيعك هذا بكذا نقدا وبكذا وكذا زيادة نسيئة .
الحديث الثاني بيّن لنا أن العلة هي الربا وليس جهالة الثمن كما يقول من يبيحون أخذ الزيادة مقابل التقسيط ، ثم هذا الحديث الثاني يفيدنا فائدة لولاه لفهمنا من الحديث الأول وسواه بطلان هذا العقد لأن الأصل في النواهي هو البطلان لكن الحديث الثاني ما أفادنا البطلان ، بالعكس أفاد الجواز لكنه أبطل الزيادة لأنه قال فله ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ) فإذن البيع نافذ وماشي وثابت ولكن إذا أخذ الزيادة أخذ الربا وإذا أخذ الأقل فهذا حقه والبيع ماشي .
فالحديث الثاني إذن يفيدنا فائدتين هامتين : الأولى أن البيع صحيح بخلاف ما يقتضيه أصل النهي في الحديث الأول ، والفائدة لأخرى أن علة النهي ليست هي الجهالة وإنما هي الربا .
الحديث الثالث يلتقي مع الحديث الأول في النهي لكن يفيدنا أن إمام من أئمة اللغة فسّر النهي فيه وعدم الجواز فيه (لا يجوز بيع وشرط ) أنه هو بيعتان في بيعة ، فيكون هذا الحديث شاهدا للحديثين السابقين .
هذا ما يتعلق بالنوع الأول من الأدلة وهو الأدلة التي تنص على هذه المسألة .
فيه عندنا أدلة استنباطية وهي استقراء لمقاصد الشريعة في أوامرها ونواهيها ، أنا إذا جئت عند تاجر هذه المسجلة وأعرف أن ثمنها نقداً مائة دينار وقلت له أقرضني مائة دينار لوجه الله قال لا أنا رجل هذه الفلوس أعمل فيها وما عندي استعداد لكني أعطيك مائة دينار أو مائة ريال على أن تسلف لي في الوفاء مائة وخمسة ، هذا والحمد لله لا يزال المسلمون مجمعين أنه ربا مكشوف ، لكن لما تأتي إلى هذا التاجر عنده هذه المسجلة ثمنها نقدا بمائة دينار فيقول لك إذا كنت تريد أن تشتري بالتقسيط بمائة وخمسة ، ما الفرق بين الصورتين ؟ يجيبوننا بالنص العام (( وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )) طيب أحل الله البيع فهل يا ترى مطلق البيع أم البيع المشروع الجائز ، لاشك أنه لا أحدا يستطيع أن يفسّر الآية هذه على إطلاقها وشمولها، أحل الله البيع يعني كل بيع ، لا بد من تقييد كل بيع مشروع كل بيع لم ينه عنه الشارع ، مثلا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر فمثلا باع صاحب الأغنام الصوف لتاجر الصوف فهذا اسمه بيع غرر فإذا نهينا قال يا أخي أحل الله البيع وحرّم الربا فنحن بعنا واشترينا فنقول له هذا بيع نهى الشارع عنه بلسان نبيه فلا يدخل تحت عموم قوله تعالى (( وأحل الله البيع )) ، فإذا قالوا أن الفرق بين الصورة الأولى والصورة الأخرى لماذا يا أخي أولا بيع فنقول لهم أولا بيع منهي عنه فقد نهى عن بيعتين في بيعة ، ثانيا هنا فيه استغلال حاجة الشاري كما تستغل في الحالة الأولى حاجة المدين ، ففي الحالة الأولى قلت لا ، حرام أنا لا آكل ربا مثلا إذا كان رجلا صالحا ما يأكل الربا ، لكن الآن أنت ماذا تأكل ؟ تأكل تجارة تجارة بمائة أما مقابل الصدقة على أخيك المسلم بمائة وخمسة ، فهذه مثل هذه سوى أنه هنا يوجد وسيط المبيع هذا ، فهذه أمور شكلية لا يعتبرها الشارع الحكيم أبدا في المعاملات لأننا علمنا من نصوص ونصوص كثيرة جدا ومن أهمها المبدأ والقاعدة التي قعّدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( إنما الأعمال بالنيات ) ، فنحن نعلم مثلا أن نكاح التحليل باطل مع وجود الشروط الظاهرة من موافقة الزوجين من موافقة ولي الزوجة من وجود الشهود لكن مع وجود هذه الشكليات التي لا يمكن أن يصح عقد نكاح إلا بها لكن هنا الشارع الحكيم اعتبرها لاغية لا قيمة لها واعتبر هذا النكاح باطلا ، فإذن هذه الشكليات ينبغي أن لا نغتر بها ما دام الغاية استحلال ما حرّم الله ، فهنا واضح في الصورة الأولى قلنا لا أنا لا آخذ هذه الخمسة لأنها مقابل الدين ، وهذه الخمسة مقابل ماذا مقابل البيع ؟ لا لأن مقابل البيع مائة ،و ربما يكون أضعف خمسة هناك أو عشرة ما يهمنا هناك فهذا حلال أما الزيادة على بيع النقد فهو ليس مقابل البيع يقينا والتجار يعرفون هذا أكثر منّا أن هذه الزيادة ليست مقابل البيع وإنما مقابل الصبر في الوفاء على أخيك المسلم ، فإذن كون وجدت هذه الوسيلة فهذه الوسيلة أبدا لا تغير حكم هذه الزيادة التي سمّاها الرسول عليه السلام بأنها ربا ، أما الذين يقولون بإباحة هذا فليس لهم حجة إلا ما ذكرنا أنه بيع وأن النهي الوارد في الأحاديث السابقة إما أن يحملوه كما ذكرنا أن النهي لعلة الجهالة ولكننا أبطلنا هذه العلة الإقتباسية الإجتهادية بالعلة المنصوص عليه في الحديث النبوي أولا ، وأن الواقع يدل أنه ليس هناك جهالة في الثمن ثانيا فيما يجري اليوم من بيوع التقسيط هذا ما عندي في هذه المسألة .
السائل : جزاك الله خيرا .
الشيخ : وإياك .
8 - ما حجة من ذهب إلى منع البيعتان في بيعة وهي التقسيط وما حجة من ذهب إلى الجواز أفتونا مأجورين ؟ أستمع حفظ
هل المحسن اسم من أسماء الله فقد شاع عندنا في بلاد الحجاز اسم عبد المحسن أفتونا في هذا مأجورين ؟
الشيخ : لا نعلم فيما جاء في الكتاب والسنة أن من أسمائه تبارك وتعالى المحسن ، حتى ولا في الحديث الذي رواه الترمذي في سننه الذي أوله : ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) ثم عدّها، فهذه الزيادة في عدّ الأسماء اتفق تقريبا علماء الحديث على أنها غير ثابتة ، ما بين قائل بأن الراوي أخطأ ومنهم من قال أنها مدرجة وليست من أصل الحديث ، وعلى كل حال فتسمية الأسماء لما في هذا الحديث في سنن الترمذي ومصنف الحاكم وغيره لا يصح عن الرسول عليه السلام ، حتى هذه الأحاديث المسرودة في رواية الترمذي وغيره لم يأت فيها اسم المحسن ، فهو كاسم السّتار الذي يتسمّى به بعض الناس عندنا في سورية يسموّن عبد الستار كثيرا حتى أحد المفتين عندنا اسمه عبد الستار ، فالشاهد أنه لمّا كانت أسماء الله عز وجل باتفاق العلماء توقيفية وليست اشتقاقية وما دام أنه لم يثبت في الكتاب ولا في السنة أن من أسمائه تبارك وتعالى المحسن فينبغي ألا يتسمّى المتسمّي بهذا الاسم بل عليه من ابتلي به أن يبادر إلى تغييره إن كان سهلا وأنا أعرف أن هذا صعب بالنسبة لبعض النظم القائمة اليوم في بعض البلاد الإسلامية فهو يتطلب شيئا من الكذب بأن هذا سُجِّل خطأً واسمه الحقيقي ينبغي أن يأتي بشاهدين ... في سوريا ما أدري كيف الوضع في البلاد الأخرى ، لكن الشاهد أن من تيسّر له تغيير ما لم يثبت أنه من أسماء الله عز وجل عليه أن يبادر إلى التغيير وإلا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
السائل : جزاك الله خيرا .
9 - هل المحسن اسم من أسماء الله فقد شاع عندنا في بلاد الحجاز اسم عبد المحسن أفتونا في هذا مأجورين ؟ أستمع حفظ
استدل العظيم الآبادي صاحب عون المعبود بحديث عائشة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه استدل به على ثبوت التبرك بآثار الصالحين و التلذذ بها واستعمال سواك الغير فهل لفضيلتكم تعليق على ذلك وفقكم الله للصواب وجزاكم الله خيرا ؟.
الشيخ : قبل الجواب عن هذا السؤال أقول نحن لا نشك أن الصحابة كانوا يتبرّكون ببعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم كعرقه وشعره وسواكه ، في هذا أحاديث كثيرة جدا لا يمكن لأشد الناس تعصبا إلا أن يؤمن بها وأن يقر بلوازمها من التبرّك فهذه حقيقة نؤمن بها ولكن هذا الحديث بصورة خاصة لا يمكن حشره ولا يمكن الاستدلال به على التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم بسبب أن هذا بين زوجين اثنين بين الزوج وزوجته ، ويقع مثل هذا وأكثر من هذا بين الزوجين كما هو معلوم فلا ينقل ذلك إلى طرف آخر بحيث يصح أن يقال أنه يجوز مثلاً بامرأة أخرى غريبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن تتبرك بباقي لعاب النبي صلى الله عليه وسلم في سواكه فمعروف أن الزوج قد يمص شفتي الزوجة وقد يمص لسانها فهذه قضايا لها علاقة بالزوجين فقط فلا يمكن تعديتها إلى الآخرين ، فهذا النص يبقى خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وزوجته وفيما أشرنا إليه من نصوص أخرى غنية وكفاية عن الاستدلال بهذا الحديث وحشره في زمرتها .
والتبرّك بالرسول صلى الله عليه وسلم ثابت أظن كنت تحدثت عن هذا في رسالة التوسل أنواعه وأحكامه في الرد على هذا الدكتور البوطي حيث زعم أن التبرّك ببوله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من التوسل به ، فأنا قررت أن التبرك بآثار الرسول التي ذكرنا آنفا إلى بعضها شيء والتوسل بها إلى الله شيء آخر ، ثم انتقلت إلى مسألة مهمة جدا بالنسبة إلى المسلمين الذين جاءوا بعد الصحابة أن هذا التبرك ينبغي أن نجعله قاصرا على الصحابة فقط لأنهم كانوا يعرفون التوحيد ويعرفون الوقوف عند الحدود التي حددها الشارع بنحو قول نبيه صلى الله عليه وسلم ( لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها ) ونحو قوله ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ) أما الذين جاءوا من بعدهم فهم وقعوا في الإفراط في هذه القضية حتى وصل الأمر إلى الاستغاثة والوقوع في الشرك الأكبر، لهذا نحن نقول أنا شخصيا لو كنت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لفعلت ما فعل أصحابه من التبرك به صلى الله عليه وسلم لكن لا أرى فتح هذا بالنسبة للمتأخرين سداً للذريعة وهي قاعدة عظيمة في الشريعة هذا ما عندي .
السائل : إذا لو وجدنا مثلا الآن بعض آثار الرسول عليه السلام وهذا قد يكون مستحيلا أيضا لا يجوز لنا التبرك بها ؟
الشيخ : أي نعم من باب سد الذريعة .
10 - استدل العظيم الآبادي صاحب عون المعبود بحديث عائشة "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه استدل به على ثبوت التبرك بآثار الصالحين و التلذذ بها واستعمال سواك الغير فهل لفضيلتكم تعليق على ذلك وفقكم الله للصواب وجزاكم الله خيرا ؟. أستمع حفظ
جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الفطرة خمس ...فذكر قص الشارب وجاء من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب فدعا بسواك وشفرة فقص شارب الرجل على عرض السواك وجاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حفوا الشوارب وأعفوا اللحى وجاء عن أنس مثله وزاد "ولا تشبهوا باليهود "وجاء من حديث أبي هريرة "جزوا الشوارب وأعفوا اللحى " فما هو الجمع الصحيح بين هذه الألفاظ المختلفة وكيف ينجلي الإشكال عن معنى حديث أنس إذا كنا نرى اليوم اليهود قد أعفوا شواربهم وأرخوا لحاهم أفتونا في ذلك وفقكم الله ؟
الشيخ : الجواب واضح بالرجوع إلى قاعدة أعتبرها أيضا من القواعد الفقهية العامة وهي تفسير النصوص القولية بالآثار الفعلية ، تفسير النصوص القولية باالأحاديث الفعلية ، ذلك لأن بعض النصوص الشرعية كهذه تحتمل أكثر من معنى فيأتي الشارع ملهماً لرسولنا صلى الله عليه وسلم أن يبين هذه النصوص القولية بفعله ، ... فالأحاديث القولية تفسّرها الأحاديث الفعلية وهذا من معاني قوله تعالى (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) وبيانه عليه السلام في غالب الأحيان يكون بالفعل وإن كان أحيانا يكون بالقول لكن يكون بالقول المحدد الذي لا يحتمل وجوهاً من التأويل ، من هذا القبيل مثلا قوله عليه السلام ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا ) فحدد ما يجوز أن تقطع اليد به بينما الآية مطلقة (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )) ، فسواءٌ سرق ربع دينار أو ثمن دينار أو قرشاً أو فلسا لغةً اسمه سارق ، فلولا هذا الحديث لوجب إعمال الآية على إطلاقها وشمولها ، لكن أكثر بيان الرسول عليه السلام كان الملاحظ يكون بفعله حتى في هذه الآية والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، اليد هذه كلها يد لكن تارة تطلق اليد ويراد الكف وتارة تطلق اليد ويراد الذراع وتارة يراد العضد مع الذراع ، وهكذا ، فمن أين تقطع اليد لا يوجد عندنا بيان من قوله عليه السلام لكن لدينا بيان من فعله عند الرسغ ، وهكذا كثير من الأحكام الشرعية ، فالأحاديث القولية تأتي مجملة أو مطلقة أو عامة فتأتي السنّة لتوضح ذلك .
هذه الأقوال التي جاءت في الأحاديث أحفوا الشارب أو إحفاء الشاربين ومن الأمر بِجَزّ الشارب ونحو ذلك ، نجد أيضا هناك حديث آخر ... .
11 - جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الفطرة خمس ...فذكر قص الشارب وجاء من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب فدعا بسواك وشفرة فقص شارب الرجل على عرض السواك وجاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حفوا الشوارب وأعفوا اللحى وجاء عن أنس مثله وزاد "ولا تشبهوا باليهود "وجاء من حديث أبي هريرة "جزوا الشوارب وأعفوا اللحى " فما هو الجمع الصحيح بين هذه الألفاظ المختلفة وكيف ينجلي الإشكال عن معنى حديث أنس إذا كنا نرى اليوم اليهود قد أعفوا شواربهم وأرخوا لحاهم أفتونا في ذلك وفقكم الله ؟ أستمع حفظ