افتتاح الشيخ بخطبة الحاجة
تتمة الشيخ درس الترغيب والترهيب وتذكيره بآخر ما أخذه في الدرس السابق
شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال "كان رجلان من بليٍ حي من قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الأخر سنة قال طلحة ابن عبيد الله فأريت الجنة فرأيت المأخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك .........)
كذلك هنا جملة سقطت إما من المؤلف وإما من الناسخ أو الطابع وهي فأريت الجنة فتصبح العبارة قال طلحة بن عبيد الله فأريت الجنة فرأيت المؤخر منهما .
يعني رأى في المنام أنه دخل الجنة أو رأى الجنة ورأى فيها هذا الرجل الذي تأخر في الوفاة عن الشهيد فقال أدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك فأصبحت فذكرت للنبي صلى الله عليه و سلم هكذا أيضا هنا العبارة وصوابها كما في مصدر الحديث فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكَذاوكذا ركعة صلاة سنة ) .رواه أحمد بإسناد حسن ورواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه البيهقي، كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه وزاد ابن ماجة وابن حبان في آخره ( فما بينهما أبعد ما بين السماء والأرض ) .
هذا الحديث في الواقع شرح تاريخي واقعي لذاك الحديث الصحيح ( خيركم من طال عمره وحسن عمله )، فهذان رجلان أسلما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما مات في سبيل الله شهيدا وعاش الآخر من بعده سنة كاملة ، فرأى طلحة ابن عبيد الله وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة كما هو معروف، رأى في المنام الجنة ورأى فيها ذلك الرجل المتأخر وفاة والذي لم يمت استشهاداً رآه قد دخل الجنة أي قبل ذلك الذي مات شهيداً ، فالواقع أنه كما قال هو تعجبت من ذلك لأن المفروض أن الشهيد هو الأسبق دخولاً ، فتعجبه مما رآه بخلاف ما كان يظنه حيث رأى المتأخر في الوفاة بدون استشهاد سبق الذي مات شهيداً في الدخول إلى الجنة ... .
3 - شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال "كان رجلان من بليٍ حي من قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الأخر سنة قال طلحة ابن عبيد الله فأريت الجنة فرأيت المأخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك .........) أستمع حفظ
تتمة شرح ".......فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة ألاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سنة " رواه أحمد بإسناد حسن وغيره .
حياتهم أشد الاضطراب مصداقاً لقول الله عزوجل (( و فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى )) فمعيشة الضنك ليست في شغف العيش كما يتوهم كثير من قاصري العقل والفكر وناقصي الدين ، وإنما الضنك يأتي ولو كان صاحبه يعيش في أهنأ حياة مادية .
الإسلام في مثل هذه الأحاديث يطمئن المسلم أن حياته الطويلة هي خيٌر له ما دام أنه يحسن عملا ولو كانت حياته من الناحية المادية ضنكاً فستنقلب هذه الحياة بالنسبة إليه يوم القيامة حياة رفاهية على عكس حياة الكفار في هذه البلاد فهم يعيشون الآن في رفاهية ولكنهم في الآخرة كما سمعتم في الآية السابقة (( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى )) إلى آخر الآية .
4 - تتمة شرح ".......فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة ألاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سنة " رواه أحمد بإسناد حسن وغيره . أستمع حفظ
شرح حديث عبد الله بن شداد أن نفرا من بني عذرة ثلاثة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يكفيهم قال طلحة أنا قال فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا فخرج فيه أحدهم فاستشهد ثم بعث بعثا فخرج فيه آخر فاستشهد ثم مات الثالث على فراشه قال طلحة فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة فرأيت الميت على فراشه أمامهم ورأيت الذي استشهد أخيرا يليه ورأيت أولهم آخرهم قال فداخلني من ذلك فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال وما أنكرت من ذلك ليس أحد أفضل عند الله عز وجل من مؤمن يعمر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله رواه أحمد وأبو يعلى ورواتهما رواة الصحيح وفي أوله عند أحمد إرسال كما مر ووصله أبو يعلى بذكر طلحة فيه
قال المؤلف : وعن عبد الله بن شداد أن نفرا من بني عذرة ثلاثة أتوا النبي صلى الله عليه و سلم فأسلموا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يكفيهم قال طلحة - هو الذي سبق ذكره في الحديث الأول ابن عبيد الله - أنا قال فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله عليه و سلم بعثا فخرج فيه أحدهم فاستشهد - يمكن يكون هذا هو رجل المذكور في الحديث السابق وهو أقرب ويمكن أن يكون رجلا آخر - ثم بعث بعثا فخرج فيه آخر فاستشهد ثم مات الثالث على فراشه ، قال طلحة فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة فرأيت الميت على فراشه أمامهم ورأيت الذي استشهد أخيرا يليه ورأيت أولهم آخرهم قال فداخلني من ذلك فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ( وما أنكرت من ذلك ليس أحد أفضل عند الله عز وجل من مؤمن يُعَمّر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله ) . رواه أحمد وأبو يعلى ورواتهما رواة الصحيح وفي أوله عند أحمد إرسال كما مر ووصله أبو يعلى بذكر طلحة فيه .
كما مر فيه من الغموض لأنه لم يمر شيء صراحة من الإرسال الذي يشير إليه لكن هذا في الواقع يظهر لمن عرف تراجم رواة الحديث لأن هذا الحديث ابتدأه من عند عبد الله بن شداد أن نفراً من بني عذرة ، فإذا عرفنا أن عبد الله بن شداد وهو ابن الهاد تابعي ظهر الإرسال في الحديث لأنه قال أن نفراً من بني عذرة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن شداد ما دام أنه تابعي فهو إذن لم يدرك الحادثة أو القصة ، ومن هنا كان الحديث مرسلا فحينما قال المصنف رحمه الله في تخريجه وفي أوله عند أحمد إرسال يشير إلى هذه الناحية أي كأنه يقول وعبد الله بن شداد تابعي فهو لم يدرك القصة فالحديث مرسل لذلك فهو يستدرك فيقول بعد قوله كما مر ووصله أبو يعلى بذكر طلحة فيه ، فهذه القصة كما قلنا يحتمل أن تكون هي السابقة إلا أنها فيها شيء من التفصيل ويمكن أن تكون قصة أخرى والأول هو الأقرب ففيه كيف أن المسلم كلما تأخر كلما كان أأجر له وأكثر ثواباً بدليل أن الشهيد الذي استشهد بعد الأول كان متقدماً على الأول ، وهذا الثالث الذي لم يستشهد كان متقدماً على الاثنين الشهيدين ، ولذلك فحياة المسلم مهما طالت حياته ما دام أنه يعيش في دائرة الإسلام ويجاهد نفسه وهواها فكلما طالت حياته كلما كان ذلك خيراً له ، ونسأل الله عز وجل أن يطيل أعمارنا وأن يحسن أعمالنا وفي هذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين .
5 - شرح حديث عبد الله بن شداد أن نفرا من بني عذرة ثلاثة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يكفيهم قال طلحة أنا قال فكانوا عند طلحة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا فخرج فيه أحدهم فاستشهد ثم بعث بعثا فخرج فيه آخر فاستشهد ثم مات الثالث على فراشه قال طلحة فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة فرأيت الميت على فراشه أمامهم ورأيت الذي استشهد أخيرا يليه ورأيت أولهم آخرهم قال فداخلني من ذلك فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال وما أنكرت من ذلك ليس أحد أفضل عند الله عز وجل من مؤمن يعمر في الإسلام لتسبيحه وتكبيره وتهليله رواه أحمد وأبو يعلى ورواتهما رواة الصحيح وفي أوله عند أحمد إرسال كما مر ووصله أبو يعلى بذكر طلحة فيه أستمع حفظ
شرح حديث أم الفضل رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى الموت فقال يا عباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب من إساءتك خير لك لا تتمن الموت
هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث التي سبق بعضها في الدرس السابق وفيها حض المسلم على ألا يتمنى الموت لمصيبة أو ضرر ألمّ به وإنما يتمنى من الله عز وجل أن يحيا حياة طيبة مباركة لما سبق من أحاديث كثيرة ومن أجمعها قوله عليه الصلاة والسلام ( خيركم من طال عمره وحسن عمله ) ، فإذا طال عمر الإنسان وهو مسلم ويعمل عملاً صالحاً فمن الخسارة له أن يتمنى من الله عز وجل أن يميته عاجلاً ، لذلك لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمه العباس وهو في حالة مرض مؤلم شديد فيما يبدو حمله على أن فقد صبره وتمنى الموت من ربه تبارك وتعالى فوعظه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( يا عباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتمنَّ الموت ) فإن تمنيك الموت يكون في حالة من حالتين إما أن تكون محسناً فتنقضي حسناتك بانقضاء حياتك فيكون تمنيك للموت ليس من صالحك لا تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك ، وهذا واضح وعلى العكس من ذلك إن كنت مسيئاً فأن تؤخر تستعتب أي تطلب العتبى ، والعتبى من الله عز وجل بأن تتوب إليه وتدارك ما فاتك من العمل الصالح فهو خير لك أيضاً أن تؤخر تستعتب من إساءتك تتوب منها إلا الله وترجع إليه وتطلب منه الرضا خير لك . إذن أن يعيش المسلم حياة طويلة لا يستعجل الأمر ولا يطلب الموت حتى ولو كان مسيئاً في عمله لأنه يجد فرصة يستدرك في الحياة الباقية له ما فاته من التوبة النصوح العاجلة .
( لا تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب من إساءتك خير لك لا تتمن الموت ) .
الحديث الثاني وهو في المعنى كالأول مع فوائد أخرى حيث قال وهو حديث تسعة وأربعين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب ) . رواه البخاري واللفظ له ومسلم .
وفي رواية لمسلم ( لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه وإنه إذا مات انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ) .
اللفظ الأول الذي هو للإمام البخاري يلتقي تماماً مع حديث أم الفضل رضي الله عنها .
وهنا ملاحظة من الناحية العربية : في الحديث الأول ( لا تتمن الموت ) نهي مباشر موجه إلى عمه العباس ، أما الحديث الثاني فيقول ( لا يتمنى ) فهو نفي بمعنى النهي واللفظ مختلف ( لا يتمنى ) ( ولا يتمن ) اللفظ يختلف بين أن يكون نهيا وبين أن يكون نفياً فيكون النفي بمعنى النهي ، هذه رواية البخاري ( لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد وإما مسيئاً فلعله يستعتب ) ، أما لفظ الإمام مسلم فهو ( لا يتمنى أحكم الموت ولا يدعو به )، فهنا في لفظ مسلم لفظة زائدة هي تنبيه إلى أمرٍ يقع فيه كثير من الناس لأن تمني الموت هو دون أن يدعو الإنسان على نفسه بالموت ، فالرسول صلى الله عليه وسلم هنا ينهى عن شيئين اثنين : عن التمني للموت وعن ما هو أكثر من ذلك وهو أن يدعو الإنسان على نفسه بالهلاك ، ولا شك أنه يدخل في هذا النهي لا يدعو على نفسه بالموت أن يدعو أيضا بالموت على من يحبه من ولده وزوجه وأهله ، ولا يجوز أيضاً للمسلم أن يدعو ليس فقط على نفسه بالموت بل على من يرضاه أيضاً له صاحباً أو زوجاً أو ولداً لأن من مبادئ الإسلام قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) . فما نهاك عنه ربك أو نبيك فيجب أيضاً ألا ترضى به لغيرك ممن يشاركك في إيمانك لا سيما إذا كان بينك وبينه مودة أو صلة رحم .
( لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به ) ، فينبغي أن نلاحظ أن هناك عادة خاصة من بعض النساء لهن عبارة كأنها معتادة بينهن فتدعو على نفسها بالموت لأتفه الأسباب فذلك مما لا ينبغي للمسلم أن يعوّد لسانه على ذلك بل عليه أن يهذّبه وأن يبتعد عن كل ما فيه مخالفة للشرع ولو كانت المخالفة مخالفة لفظية فقد يقول قائل إن هذا الذي يدعو على نفسه أو على غيره بالموت كلمة تقال وهو لا يعني ما يقول ، لو افترضنا أن الأمر كذلك فذلك لا ينجيه عن الوقوع في مخالفته لنهي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( ولا يدعو به من قبل أن يأتيه ) .
هنا ملاحظة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يدعو به من قبل أن يأتيه )، فيه إشعار قد لا يشعر بحقيقته بعض الناس ألا وهو أن الإنسان قد يمرض مرض الموت ويشعر به يصير عنده حساسية خاصة ، يكون عنده حساسية خاصة ، وهناك عوامل كثيرة وكثيرة جداً بأن الرجل الذي يحضره مرض الموت يشعر بأنه مرض الموت ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فلا يدعو به من قبل أن يأتيه ) ، أما إذا جاءه وعلم ذلك فخير له أن يستريح مما يحيط بالموت من ضيق أو من شدة والناس في ذلك يختلفون أشد الاختلاف .
أريد أن أقول أنه ليس هذا من الاطلاع على الغيب لأن بعض إخواننا السلفيين الذين يريدون أن يتمسكوا بنصوص الكتاب والسنة تمسكاً تاماً ومن أجل ذلك يحاربون كل ما خالف الكتاب والسنة مما يزعم أنه كرامة أو أنه كشف أو ما شابه ذلك ، فينبغي أن يعلم هؤلاء جميعاً أن هناك أموراً خاصة لا ينبغي المبادرة إلى إنكارها لأنها لا تكون من باب الاطلاع على الغيب حيث لا يعلم الغيب إلا الله وإنما هو من باب التظنن من باب الإلهام وباب الإلهام لم يغلق ولن يغلق إلى أن تقوم الساعة ،لأجل ذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال : ( لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) محدثون أي ملهمون ، وليس هناك خلط بين الإلهام وبين الوحي سوى أن الوحي معصوم عن الخطأ أما الإلهام فليس معصوما عن الخطأ فقد يلهم الإنسان شيئاً ما ثم يتبين له أنه كان واهماً والواقع والحادث يؤكد ... أو يحققه ، هذا من جهة الفرق بين الوحي وبين الإلهام من ناحيتين الناحية الأولى أن الوحي خاص بالأنبياء والرسل وهو أنهم معصومون عن الخطأ ، أما الإلهام فهو أيضاً يتعلق بالصالحين من المؤمنين يتميز عن الوحي أنه قد يقع فيه خطأ ، وفارقٌ آخر هو أن الذي يوحى إليه من الأنبياء والرسل حينما يتحدث بالوحي يتحدث به جازماً يقيناً لأن الشيطان لا يقرب مثل هذا الإنسان المصطفى من الله تبارك وتعالى ، أما الذي يلهم فليس عنده مثل هذا اليقين فقد يغلب على ظنه أنه كما ألهم ولكن ليس عنده تلك العصمة التي أعطيها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فإذا ما حل مرض الموت بإنسانٍ ما فهنا تمني الموت لا بأس به بل هناك حالة أخرى تستثنى من هذا النهي الذي في هذه الأحاديث ( لا يتمنى أحدكم الموت ) ، تلك الحالة هي إذا كثرت الفتن كما جاء في حديث معاذ بن جبل الطويل قال في آخره ( وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) ، فهاهنا يجوز أيضاً
هذا الدعاء للخلاص من شر الفتن ، ويلاحظ إذاً أن النهي عن تمني الموت هو لما نزل به من ضغط من فقرٍ من مرضٍ من نحو ذلك مما ليس فيه فتنة في دينه في عقيدته وإنما فيه تعريض له لشيء من المتاعب والمصاعب فهنا ينبغي على المسلم أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل حتى يثاب من الله تبارك وتعالى فقد جاء في الأحاديث الصحيحة ما من مسلم يصاب بمصيبة شوكة فما فوقها إلا كتب الله له بها حسنة وحطّ عنه بها سيئة ورفع له بها درجة .
فإذن هذا الإنسان لا يحسن به أن يدعو على نفسه بالهلاك بل عليه أن يصبر فقد يكون محسناً فيزداد إحساناً كما سمعتم وقد يكون مسيئاً فتكون أمامه فرصة ليعود إلى الله عز وجل ويسترضيه بأن يتوب إليه ويستغفره .
قال في رواية مسلم ( لا يتمنى أحكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه ) جملة تعليلية ( وإنه إذا مات انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً ) ، إذن هذه الجملة تعلل سبب نهي الرسول عليه السلام أمته أن يدعوا على أنفسهم بالموت أو أن يتمنوه .
الحديث الأخير في هذا الباب وهو صحيح أيضاً قال و عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) : أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
في حديث أنس هذا هذه الفائدة هذه الزيادة وفيها فائدة جديدة لم تذكر في الأحاديث السابقة ألا وهي قوله عليه الصلاة والسلام ( فإن كان ولا بد فاعلاً ) ، يعني وصل به الضجر والملل من الحياة لسبب ما أو أكثر من سبب إلى أنه يتمنى الموت .
إذن فليعدّل موقفه في التمني وليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. وفي هذا خضوع الإنسان المسلم ورضاه لقضاء الله وقدره له فهو لا يدري ما قُدّر له من خير أو شر ، لا يدري في ما إذا عُجّلت وفاته أذلك خيرٌ له أم إذا أخِّرت وفاته فهو يرجع إلى الله عز وجل العليم بكل شيء وبخواتم الأمور فيخاطب ربه عز وجل متضرعاً إليه بقوله فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي .
فنحن نختم درسنا من هذا الكتاب بنفس هذا الدعاء الذي ختم المؤلف هذه الأصول فنقول نظراً لأننا نعيش في زمن فتنة بل وفتن عمّت وطمّت فنقول اللهم أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا .
وموعدنا إن شاء الله في الدرس الآتي الترغيب في الخوف وفضله والحمد لله رب العالمين .