سؤال عن صحة ومعنى حديث ( أنا أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث و قد بعثت آخر الزمان لئلا تطلع الأمم على فضائل أمتي ......)؟
وقد تأوّل بعض الناس مثل هذا الحديث بأن المقصود بالخلق الخلق المعنوي فنقول بهذا المعنى يخرج الحديث عن النكارة الظاهرة ولكن هذا أيضًا يحتاج إلى إثبات كون الرسول عليه السلام خُلِق من حيث المعنى قبل الأنبياء جميعًا هذا أمر غيبي يحتاج إلى إثبات، وليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا قوله عليه الصلاة والسلام الثابت عنه ( كنت نبيّا وأدم بين الروح والجسد ) ، وفي روايةٍ ( كُتبت نبيًا ) ، هذا معنى صحيح أي إن الله عز وجل كتب نُبوّة الرسول عليه الصلاة والسلام قبل تمام خلق أدم عليه الصلاة والسلام.
( كنت نبيًا وأدم بين الروح والجسد ) ، هذا هو لفظ الحديث الصحيح المروي في مسند الإمام أحمد وغيره من كتب السنّة المعروفة، وقد اشتهر الحديث عند الصوفية بلفظ ( كنت نبيّا ولا ماء ولا طين ) ، لا أدم ولا ماء ولا طين، الحديث بهذا اللفظ من الأحاديث الموضوعة المعروف وضعها عند العلماء، فإذًا ( كنت نبيًا ) ، وفي اللفظ الأخر ( كُتبت نبيًّا وأدم بين الروح والجسد ) ، فهذا صحيح، أما أنه كان أول الأنبياء في الخلق وأخرهم في البعث فهذا حديث ضعيف، أما تمام الحديث وهو ( وقد بعثت أخر الزمان لئلا تتطلع على فضائح أمتي ) ، فهذا لا أعرفه حديثًا وأظنه تعليلاً من بعض الشرّاح أو المعلّقين على الحديث الضعيف.
1 - سؤال عن صحة ومعنى حديث ( أنا أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث و قد بعثت آخر الزمان لئلا تطلع الأمم على فضائل أمتي ......)؟ أستمع حفظ
هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول خلق الله من البشر وهل صحيح ما يقال في الرسول صلى الله عليه وسلم " لو أبصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد فما حكم النشيد بهذه الكلمات ؟
أما السؤال الأول فالجواب ليس صحيحًا أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو أوّل ما خلق الله من البشر، لأنه هذا من الأمور الغيبيّة التي لا يجوز للمسلم أن يتحدّث فيها بالظن لأن الله عز وجل يقول في كتابه (( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِن الْحَقِّ شَيْئًا )) [النجم: 28]، ورسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يقول ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) ، فإذا قال إنسانٌ ما إن الله عز وجل أول ما خلق، خلق ما بنقول شخص محمد وإنما كما يزعمون خلق نور محمد صلى الله عليه وأله وسلم، فنحن نقول قال الله تبارك وتعالى (( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )) [الكهف: 51]، فمن أين علم هذا الزاعم الراجم بالغيب أن الرسول عليه السلام أول ما خلق الله خلق نوره، فسيقول الحديث المشهور ( يا جابر أول ما خلق الله نور نبيك ) ، فنقول هذا حديث ليس له أصل في أمهات الكتب الستة المشهورة ولا الستين المعروفة عند أهل الحديث ولا غيرها مما يبلغ المئات من الكتب، فهذا الحديث ليس له أصل إلا في أذهان الجهال من الذين اتخذوا مديح النبي صلى الله عليه وأله وسلم بالحق وبالباطل مهنةً يعيشون من ورائها.
فلا يجوز عند كثير من العلماء، لا يجوز إثبات عقيدة بحديث صحيح، فإنهم يشترطون هؤلاء العلماء يشترطون لإثبات العقيدة أن يكون الحديث متواترا لا يكفي أن يكون صحيحًا فقط، يعني ولو كان له طريقين أو ثلاثة، لابد إنه يكون جاء من عشرين طريق يعني عشرين صحابي حتى تثبت العقيدة بذلك الحديث، فنحن وإن كنا لا نتبنّى هذا الرأي لأننا لا نفرّق بين ما جاءنا عن الرسول عليه السلام من عقيدة وما جاءنا عنه من حكم، فكل ذلك يجب اتباعه والاستسلام له، ولكننا نُذكِّر بأن كثيرًا من العلماء اشترطوا أو لمّا اشترطوا التواتر في الحديث الذي يُراد إثبات العقيدة به، ما قالوا ما اشترطوا ذلك إلا حرصاً أن يعتقد المسلم ما قد يكون وهِم فيه بعض الرواة.
فمع الأسف نجد جماهير الناس اليوم يعتقدون عقائد قامت على أحاديث ضعيفة بل وأحاديث موضوعة كهذا الحديث ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) ، لذلك فلا يجوز للمسلم أن يعتقد مثل هذه العقيدة لعدم ورودها في شيءٍ من الأحاديث الصحيحة.
أما البيت المذكور فلا شك أنه ضلال لا يجوز إنشاده فضلاً عن مدح الرسول عليه السلام به، لأن مدحك للرجل بالباطل هو طعنٌ في الواقع فيه سواء شاء هذا المنشد أو أبى، لأنك إذا مدحت إنسانا بما ليس فيه فكأنك تعني أنه هذا ليس فيه من الممادح الحقيقة القائمة فيه حتى نمدحه بها لذلك نحن نختلق من عند أنفسنا أشياء نمدحه بها ورسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ليس كذلك، فقد اصطفاه الله عز وجل لنبوّته ورسالته وخلّقه بالأخلاق الكاملة فقال (( وإنك لعلي خلق عظيم )) ، فليس هو عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى أن يُمدح بمثل هذه الأباطيل لاسيما وفي السنّة الصحيحة قسمٌ منها متواتر وقسم دون ذلك وكله صحيح ما يمكن للمسلم أن يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام بكل ذلك.
أما أن يأتي إلى مثل هذا المديح الباطل فهذا غلوّ في الدين والله عز وجل قد حذّرنا بتحذيره أهل الكتاب من الغلو في الدين، فقال (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ )) [النساء: 171]، وقال عليه الصلاة والسلام مُوجِّهًا نفس هذا المعنى إلينا نحن معشر المسلمين مباشرةً وذلك حينما كان قريبًا من منى وأمر عبد الله بن عباس أن يلتقط له حصيات وأشار أن تكون حصيات صغيرة قدر حبّة الحنطة، وقال ( مثل هذه وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من قبلكم غلوهم في دينهم ) ، فهذا الغلو في الدين لا يجوز مطلقًا وبخاصةٍ ما كان منه متعلقًا بالعقيدة وبالأمور الغيبية، كمثل هذا الزعم الذي زعمه هذا المنشد.
لو أبصر الشيطان طلعة نوره *** في وجه أدم كان أول من سجد.
هذه يعني من كلام شاعر الذين يتبعهم الغاوون.
إذًا مثل هذا الإنشاد لا يجوز قطعًا لأن الكلام والنطق والتلفّظ به لا يجوز لأنه باطل، ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين من أن ينصاعوا في مدح الرسول عليه السلام ولو في حدود الواقع، خشية أن يجرّهم ذلك إلى مثل هذا الكلام الباطل وقال عليه الصلاة والسلام ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) ، لا تطروني أي لا تمدحوني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، وبهذه المناسبة يجب التذكير بأنه ليس معنى هذا الحديث كما يذكر بعض الشرّاح لا تطروني يعني لا تبالغوا في مدحي، لا وإنما لا تمدحوني مطلقًا لأنه ليس بحاجة إلى أن يمدح، وذلك لأن النصارى إنما ضلوا ووصلوا إلى أن جعلوا عيسى ابن الله بسبب أنهم فتحوا لأنفسهم باب مدح عيسى عليه الصلاة والسلام، وكلنا يعلم أن معظم النار من مستصغر الشرر، فالشيطان من كيده لبني الإنسان لا يفجؤه بالموبقات وبالعظائم من الأمور لأن ذلك مما ينبّه عدوّه الإنسان فلا يتورّط مع إبليس، وإنما يأتيه خطوة خطوة، فسدّا للذريعة قال عليه الصلاة والسلام ( لا تطروني ) ، لا تمدحوني مطلقًا ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد ) فيكفيني أن تقولوا عبد الله ورسوله، ومن الدليل على هذا الذي قلته أن هذا الحديث أورده علماء الحديث ومنهم الإمام الترمذي في كتابه "الشمائل النبوية" أورده تحت باب "تواضع النبي صلى الله عليه وأله وسلم" فلو كان الإمام الترمذي يفهم هذا الحديث ( لا تطروني ) ، يعني لا تبالغوا في مدحي لم يتصل هذا المعنى مع الباب أي لم يكن الحديث مترجِمًا للباب، لأن هذا لا يدل على التواضع هذا واجب على أي إنسان أن يقول للناس لا تمدحوني بالباطل، هذا ليس تواضعًا لكن التواضع هو إذا فُهِم الحديث على ظاهره، لا تمدحوني مطلقًا هذا هو التواضع، لماذا يا رسول الله وأنت أهل لأن تمدح؟ لأن فتح هذا الباب قد يؤدي بكم إلى الوقوع في مثل ما وقع فيه النصارى من الإشراك وهذا في الواقع مُشاهد اليوم بين المسلمين وهذا هو بيت الشعر أمامكم الأن من أبيات كثيرة وكثيرة من قصيدة البوصيري وغيره.
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم.
هذا مدح لكن هذا كفر لأن الرسول عليه السلام يسمع الجارية في زمنه وهي تقول.
وفينا نبيٌّ يعلم ما في غدٍ.
فقال ( (( لا يعلم الغيب إلا الله )) دعي هذا ) ، فكيف لو سمع الرسول عليه السلام قول البوصيري "ومن علومك علم اللوح والقلم" لا شك هذا ضلال لا يرضاه الرسول عليه السلام لأنه مخالف للكتاب والسنّة وإجماع الأمة.
إذًا فقطع دابر هذه المبالغات هو أن لا يفتح المسلم باب المديح خاصة بالأناشيد هذه ويكتفي بقراءة ما ثبت في السيرة من أخلاق الرسول عليه السلام ومن معجزاته وأدابه التي بها فتح هذه القلوب التي كانت قلوبًا عُميا.
(انقطع الصوت).
2 - هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول خلق الله من البشر وهل صحيح ما يقال في الرسول صلى الله عليه وسلم " لو أبصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد فما حكم النشيد بهذه الكلمات ؟ أستمع حفظ
الكلام على حقوق النبي صلى الله عليه و سلم مع ذكر بعض الأحاديث التي فيها آداب معاملته صلى الله عليه وسلم.
ماذا يقصد الرسول صلى الله عليه وأله وسلم بقوله ( قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ) ؟ يعني الرسول عليه السلام بقوله ( قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ) ، أي لما قالوا للرسول عليه السلام أنت سيدنا قال لهم عليه الصلاة والسلام ( السيد الله ) ، يعني السيد الحقيقي هو الله ولما قالوا له أنت أفضلنا وأنت أعظمنا قولًا أو أفضلنا فضلاً قال لهم عليه الصلاة والسلام ( قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ) ، أي لا تفتحوا على أنفسكم باب الانحراف عن الصراط المستقيم بالغلو في مدح الرسول صلى الله عليه وأله وسلم وتعظيمه فيجرّكم الشيطان إلى الطرق المنحرفة عن الصراط المستقيم، كما قاله عليه الصلاة والسلام ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) ، كذلك يشير الرسول عليه السلام بقوله ( ولا يستجرينكم الشيطان ) ، إلى الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود قال ( كنا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وأله وسلم فخطّ على الأرض خطًا مستقيمًا ثم خط من حوله خطوطًا قصيرة ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وهو يمدّ أصبعه على الخط المستقيم (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) [الأنعام: 153]، المبالغة في مدح الأنبياء والصالحين هي من الطرق التي يجر الشيطان المبالغين في المدح إلى طرق خطيرة ويُخرجهم بها عن الصراط المستقيم الذي هو طريق واحد ليس له ثانٍ، هذا هو المقصود من قوله عليه السلام ( ولا يستجرينكم الشيطان ) ، وبعبارة أصولية إن الرسول عليه السلام بهذه الجملة بقوله ( لا يستجرينكم الشيطان ) ، وضع باب سد الذريعة فهو ينهى عن المبالغة في المدح خشية أن يؤدي إلى ما لا يجوز من الكلام كما فعل النصارى.
نرجو البيان بالتفصيل حكم استعمال كلمة سيّد مثلاً، سيدنا محمد صلى الله عليه وأله وسلم وذلك بالنسبة للحديث السيد الله؟
الجواب ( السيد الله ) هو حديث بلا شك حديث صحيح، وكذلك هناك أحاديث صحيحة أطلَق فيها الرسول عليه السلام السيادة لنفسه بحق فهو قال في صحيح مسلم ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) ، أتدرون مما ذاك؟ ثم ذكر حديث الشفاعة وهو حديث طويل جدًا، كذلك قال عليه الصلاة والسلام ( أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، أدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ) ، فالسيادة سيادتان سيادةٌ لا تليق إلا لله عز وجل، فهي التي عناها الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الأول حينما قال ( السيد الله ) ، السيادة المطلقة هي التي عناها الرسول عليه السلام في قوله ( السيد الله ) ، والمناسبة التي ذُكِر هذا الحديث فيها تؤيّد ذلك، فقد جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له أنت سيدنا وابن سيدنا وأنت كذا وكذا ذكروا أيضا أوصاف أخرى، فقال في الحديث هذا ( السيد الله ) ، وفي حديث أخر قال لهم ( قولوا قولكم هذا أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ) ، أيضًا نفهم من مجموع الروايتين أن قوله عليه السلام ( السيد الله ) ، هو تنبيه إلى أن السيادة الحقيقة إنما هي لله عز وجل، فخشِيَ عليه الصلاة والسلام من مبالغتهم في وصفه أن يؤدي بهم ذلك الوصف إلى الإشراك للرسول عليه السلام مع الله ولو في اللفظ، لأنه من الفقه في التوحيد الذي يخفى على كثير من أهل العلم فضلا عن غيرهم أن الشرك له أقسام كثيرة والذي عُمِل الأن هو التفصيل الأتي، شركٌ اعتقادي وشركٌ لفظي، فهنا نهى الرسول عليه السلام أولئك وقال لهم ( السيد الله ) ، خشِيَ أن يقعوا في الشرك اللفظي يعني أن يقولوا لفظًا ممكن أن يُطلق على الرسول عليه السلام لكن المعنى الحقيقي له إنما هو لله تبارك وتعالى، فبيانًا لهذه الحقيقة قال ( السيد الله ) ، وبيانًا للسيادة اللائقة به عليه الصلاة والسلام التي هي طبعًا بين وبيه وبين وكرر ملايين بين سيادة الله الحقيقية هي هذه السيادة التي قال عنها ( أنا سيد الناس يوم القيامة أنا سيد ولد أدم ) ، فإذا بناءً على هذا التفصيل، إذا قال المسلم في بعض الأحيان قال سيدنا رسول الله وهو إنما يعني السيادة اللائقة به كنبي مصطفى مخلوق، فهذا جائز بلا شك لأنه سيد حقًا، لكن إذا قال سيّدنا وضمّن هذه اللفظة معنى فوق مستوى البشر فحين ذاك يقال له السيد الله، السيادة الحقيقة هي لله عز وجل.
ونجد أن الصحابة رضي الله عنهم نادرًا ما كانوا يستعملون لفظة السيادة هذه، ذلك لأن الغالب عليهم يقولون قال رسول الله قال رسول الله وإنما جاء في حديث موقوف في سنن ابن ماجة على ابن مسعود أنه ذكر الرسول عليه السلام بلفظ سيد المرسلين، ومع ذلك ففي السند ضعفٌ، فإذا قال المسلم أحيانًا قال سيدنا رسول الله من باب بيان أن للرسول عليه السلام هذه السيادة على جميع البشر كما سمعتم أنفًا فهذا حقٌ لكن الغالب أن يقول قال رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام كما جرى عليه السلف الصالح إلا في العبادات، في الأوراد والأذكار التي جاءتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمًا منه لنا فلا يجوز أن نُدخل لفظة سيّد في ورد من تلك الأوراد.
ذلك لأن التعليم النبوي للمسلمين ليس فيه نقصٌ حتى يأتي أحدنا فيستدرك هذا النقص عليه، فالله عز وجل حينما أنزل قوله (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) [الأحزاب: 56]، قالوا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال عليه الصلاة والسلام ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى أل محمد كما صليت على إبراهيم ) إلى أخره، لم يقل لهم قولوا "اللهم صل على سيدنا"، وهنا أذكر وهما شائعا للتنبيه على خطئه، يقول بعضهم ومع الأسف من أهل العلم، إيش معنى الرسول بيأمر الناس يقولوا قولوا سيدنا، هو رسول الله متواضع ولا يليق بتواضعه أن يأمر الناس أن يسوّدوه وأن يقول قولوا "اللهم صل على سيدنا"، هذه غفلة تشبه غفلة المستبيحين للتصوير الفوتوغرافي بحجة إنه الرسول شو بيعرفوا أنه يصير فيما بعد نسوا أنه هذا الكلام ( كل مصوّر في النار ) ، ليس من عنده وإنما هو من الله ونسوا أيضًا هؤلاء أن قول الرسول ( قولوا اللهم صل على محمد ) ليس من عنده، إنما هو من وحي السماء، فالله هو الذي أمر الناس أمر سيد الناس أن يأمر الصحابة أصالة وسائر الناس تبعًا بأن يقولوا اللهم صلي على محمد، فلو أن الله عز وجل أراد أن يُشرّع للناس تسييد الرسول في الصلاة الإبراهيمية لكان أمر الرسول أن يقول للناس قولوا اللهم صل على سيدنا محمد، ونُقرِّب هذا تُرى لمّا علُمنا الرسول عليه السلام التحيات وقال إذا جلس أحدكم في التشهّد فليقل التحيات لله، هذا تعظيم لنفسه وإلا تعظيم لربه؟ لاشك أنه تعظيم لربه فهل يجوز لنا أن نقول "التحيات لله تعالى"، "التحيات لله عز وجل" هذا كله تعظيم لله عز وجل، لا يجوز لم؟ لأنه هذا التعليم كامل أولًا ثم هو من الله الذي أمرنا أنه نعظّمه ونبجّله بهذه الألفاظ، " التحيات لله والصلوات والطيبات " ، فلو أراد الله زيادة التبجيل له لزاد هذه الألفاظ وعلّمناها الرسول عليه السلام، فهذا كهذا، فكما أنه لا يجوز للمصلي أن يقول "التحيات لله تبارك وتعالى والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وتحياته وسلاماته" وإلى أخره، كذلك لا يجوز أن يقول "اللهم صل على سيدنا محمد" إلى أخره.
والسر في هذا أن الأذكار توقيفيّة، أي تعاليم من الله للرسول والرسول بدوره للأمة، لذلك لا يجوز أن نقول أنه الرسول تواضعًا منه لم يقل قولوا "اللهم صل على سيدنا"، لأننا نقول إن كان الله أوحى إليه بلفظة سيدنا فما كان لرسول الله أن يكتم وحي السماء بحجّة تواضعًا، وإن كان الله لم يوحي إليه بذلك فأحرى وأحرى أن لا يجوز لنا أن نزيد شيئًا لم يوحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من السماء.
فهذا جواب السيادة بالنسبة للرسول عليه السلام، فله سيادته اللائقة التي فُضِّل بها على الناس جميعًا ولكن نقول أحيانًا سيدنا رسول الله تحقيقًا لهذه السيادة ولكن لا نزيد هذه اللفظة في الأوراد التي علمناها الرسول عليه الصلاة والسلام.
3 - الكلام على حقوق النبي صلى الله عليه و سلم مع ذكر بعض الأحاديث التي فيها آداب معاملته صلى الله عليه وسلم. أستمع حفظ
هل تحدث رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام حقا وما الدليل على ذلك ؟
ونحو ذلك من الصفات فمن رأى الرسول بأوصافه المطابقة للشمائل النبوية فقد رأه حقًا وإلا فلا.
من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فهل يكون رأه على حقيقته وما يدريه أنه صلى الله عليه وأله وسلم؟ وما يدريه أنه هو حيث لم يره في حياته؟
الجواب أنه بعد أن يثبت أنه رأى الرسول عليه السلام في المنام يعني ما يكون هو في منام وموهوم وإنما هو على بصيرة فيما يقول فلا شك أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام.
وسؤال السائل ما يدريه وهو ما رأى الرسول في حياته؟
الجواب أنه ليس كل من ادعى أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام يقال رأى الرسول في المنام حقًا وإنما إذا كانت الأوصاف التي رأها في المنام على الشخص الذي يدّعي أنه الرسول مطابقًة لما ورد في كتب الحديث في شمائل الرسول حينئذٍ نقول رؤياه حق، أما إذا رأى في الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم بأوصاف وشمائل تخالف الشمائل النبوية فحينئذٍ يكون لم يرى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأظن أنه السؤال مستشكل السائل أنه يسمع أنه كل من رأى الرسول عليه السلام في المنام فقد رأه حقًا، الجواب لا، وإنما فيها تفصيل، من رأه مطابقًا لأوصافه وشمائله فقد رأه وإلا فلا، وعلى هذا التفصيل يجب أن نفهم قول الرسول عليه السلام ( من رأني في المنام فقد رأني حقًا فإن الشيطان لا يتمثّل بي ) ، إذا قال فإن الشيطان لا يتمثّل بي وبعدين الرائي بتسأله وتقول له من فضلك صف لنا الرسول عليه السلام، مثلاً إيش لون كانت لحيته؟ بيقل لك بيضاء مثل القطن، ما رأى الرسول عليه السلام لأنه الرسول ما شاب، وجاء في صحيح البخاري وغيره أنه كان في لحيته عشر شعرات إحدى عشر شعرة شايبة وبس، فلما بيقول الرائي أنا شفته شايب بالمرة نعرف يقينًا أنه ما رأى الرسول عليه السلام، لأنه شو فائدة قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث ( فإن الشيطان لا يتمثل بي ) ، هل هذا الشيطان الذي أرى الرائي في المنام نفسه أنه الرسول صلى الله عليه وسلم وشايب، هو الرسول شايب، إذًا ما تشبه بالرسول عليه السلام، كذلك مثلا احكي لنا أيش لون شفته؟ ماشي؟ قاعد؟ جالس؟ إلى أخره، لا شفته ماشي، شلون ماشي؟ والله ماشي هيك له حدبة مثلا يعني، هذا ما هو هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليه؟ لأنه من شمائله وأوصافه أنه كان إذا مشى فكأنما ينصب من صبب عليه الصلاة والسلام، كان قويًا وكان يسبق أقوى الرجال إلى أخره، فإذا كان الرائي وصف أوصاف الرسول عليه السلام التي رأها في شخصه في المنام فطابقت أوصاف الرسول عليه السلام التي رأها أصحابه الكرام، فبتكون رؤية حق وإلا فلا.
لازم بقى نستحضر نحن حالة من ثلاثة حالات للرائي أي رائي ادعى بأنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام فإما أن يستطيع أن يصف، يعني يكون في ذهنه أوصاف الرسول عليه السلام أو في ذهنه أنه هو فعلاً شاف الرسول عليه السلام وبيستطيع أن يصف صفاته عليه الصلاة والسلام أو ليس في ذهنه، كثير من الناس وأنا منهم أرى رؤيا أي رؤيا الصبح تتبخر من ذهني وكأني ما رأيت شيء، شفت والله بس شلون ضايعة القضية عليّ تمامًا، هاي … الرائي للرسول عليه السلام هو له حالة من حالتين، وإحدى الحالتين تاخذ الحالتين، له حالة من حالتين.
الحالة الأولى إما أنه يستطيع أن يصف أو لا يستطيع أن يصف، لأنه نسيان أو هو ما شاف في الحقيقة الصورة واضحة، مثلاً قيل له في المنام هذا الشخص اللي ماشي أمامك هو الرسول عليه السلام أو واقف قدامك، إيه ما شاف وجهه، ما راح يستطيع أن يصف مثلا يعني، فإذا كان لا يستطيع أن يصف ما نقدر نقل له صدقت أو أخطأت، الله أعلم هذه الحالة الأولى.
الحالة الثانية يستطيع أن يصف لأنه رأه فعلاً هوني بقى بيجيء التفصيل السابق، يستطيع أن يصف فوصف وطابقت أوصافه عليه السلام ما هو معروف في كتب الحديث والسنّة فهي رؤيا حق ( فإنه رأني حقًا فإن الشيطان لا يتمثل بي ) ، وإذا أعطاه أوصاف مخالفة فكما علمتم ليست هي الرؤيا التي عناها الرسول عليه السلام.
كيف رأى النبي أهل الجنة و أهل النار قبل أن تقوم الساعة ؟
الجواب هذا كما يقول الصوفي تمامًا كشف، لكن هذا كشف صحيح وخاص بالأنبياء والرسل، أما مثل هذا الكشف فلن يناله غير الرسول عليه السلام من بعده، هذا تمثيل مثّل الرسول عليه الصلاة والسلام ما سيكون عليه أهل الجنة وأهل النار وقد رأى ذلك في مناسبات شتى منها في قصة كسوف الشمس، حين صلى الرسول صلاة الكسوف رأوه يتقدّم هكذا كأنه يريد أن يقبض شيء، ثم رئِيَ يتقهقر حتى تقهقرت الصفوف من خلفه، فتداخل بعضها في بعض، بعد الصلاة سألوه فقال عليه الصلاة والسلام ( عُرِضت عليّ الجنة في جداركم هذا أو جدار مسجدكم هذا، فرأيت نعيمها ورأيت عنبها فهممت أن ألتقط منها ) ، بعدين تذكّر فيما يبدو هذا ليس في الحديث ( أنها محرّمة إلا لمن دخلها، ثم عرضت النار فرأى لهيبها وأحسّ بحرارتها فتقهقر عليه الصلاة والسلام ) ، هذا تمثيل من رب العالمين، القدير القادر على كل شيء للرسول عليه السلام ما سيكون عليه أهل الجنة في نعيمهم وأهل النار في جحيمهم.
لماذا تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وهومتوفر زوجات عنده في ذلك الوقت وهل هناك سبب شرعي عن تفسير عدم إعتاق الرسول صلى الله عليه وسلم لها ؟
هذا السؤال يتضمن في الواقع سؤالين السؤال الأول لماذا تزوج الرسول عليه السلام مارية القبطية مع توفّر زوجات عنده في ذلك الوقت؟
أقول بكل صراحة لا أدري لماذا تزوّجها وإنما أدري يقينًا أنه فعل ما أباح الله له، فقد أباح له أن يتزوّج من ما شاء من النساء، أما لماذا تزوّج المرأة الفلانية بالذات فما أدري ما هو السر، لكن يدري أيضًا يقينًا أنه تزوّجها لصالحها لا للإضرار بها ول … لا ل … وإلى غير ذلك من ال ... التي لا يمكن الإحاطة بها، فلبعض الكتّاب الإسلاميين كتابات لا بأس فيها في تعليل أو فلسفة تزوج الرسول عليه السلام بنساء كثيرات ويُبيِّنون ويُعلِّلون كل واحدة لماذا تزوجها، هذه أم سلمة مثلا تزوّجها لأن زوجها مات عنها وخلّف لها صبية صغارًا فتزوّجها ليكون وليّا على هذه الأولاد وأن يقوم بتربيتهم وإنشائهم والإنفاق عليهم ونحو ذلك، وهذه السيدة عائشة تزوجها لأنها بنت صاحبه في الغار، وهذه حفصة إلى أخره، فيجدون لكل زوجة أسباب وجيهة تزوّجها الرسول عليه السلام لأجلها، لكن الأمر أوسع من ذلك بحيث لا يستطيع الإنسان أن يُحيط بالأفكار وبالحكم التي من أجلها تزوج الرسول عليه السلام بمن تزوج به منهن من النساء.
أما الشطر الثاني من السؤال وهو قال هل هناك سبب شرعي لعدم إعتاق الرسول صلى الله عليه وسلم لها، وتزوُّجِها كأن السائل يقول لماذا رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم لم يفعل بمارية القبطية كما فعل بزوجته صفية؟ فصفية من الثابت أنه عليه السلام أعتقها وجعل عتقها صداقها وهذا في صحيح البخاري ومسلم.
السائل يقول هل هناك سبب يُوضّح ويُبيّن لماذا لم يعاملها معاملته عليه السلام لصفية، لماذا لم يعتقها ويجعل عتقها صداقها؟
أقول أيضًا لا أدري ولكن من الأسباب الواضحة أن في ذلك بيانًا لجواز التزوّج بالعبدة التي ليست بحرة، وأنه لا يجب على الحر أن يَعتق العبدة وأن يتزوّجها وأنما ذلك من فضائل الأعمال، فقد جمع الرسول صلوات الله وسلامه عليه حينما تزوّج صفية وجعل عتقها صداقها وحينما تزوّج مارية القبطية على بقائها في رقها قد جمع الرسول صلوات الله وسلامه عليه في هذين المثلين بين بيان ما هو الأفضل وبين بيان ما هو أمر جائز، هذا الذي يبدو لي في الإجابة على هذا السؤال العاشر.
6 - لماذا تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وهومتوفر زوجات عنده في ذلك الوقت وهل هناك سبب شرعي عن تفسير عدم إعتاق الرسول صلى الله عليه وسلم لها ؟ أستمع حفظ
قال تعالى (( وإن من شيء إلا يسبح بحمده )) و قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما وضع الجريدة على القبرين ( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) كيف نوفق بين قوله تعالى و الحديث؟
السائل أخطأ مرتين، المرة الأولى حينما لم يسق لفظ الأية على صوابها، والمرة الأخرى حينما أدخل في الحديث ما ليس فيه، حيث ذكر السائل قوله يستغفر أو يستغفران، في الحديث يستغفران أي الجريدة، فبالتالي أشكل على السائل الحديث مع الأية لكنه ليس في الحديث إطلاقًا إنه يستغفر أو يُسبّح حتى نتوهّم التعارض بين الأية وبين الحديث، ولكن فيما يبدو لي قام في ذهن السائل المعنى السائد في أذهان عامة الناس، من القصة الصحيحة المروية في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم مر بقبرين فقال ( أما إنهما ليُعذّبان وما يعذّبان في كبير، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الأخر فكان لا يستنزه من البول ) ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم بجريدة من نخيل فشقّها شقين ووضع كل شقٍ على قبر، فقالوا لماذا يا رسول الله؟ قال هذا نص الحديث ( لعل الله أن يُخفّف عنهما العذاب ما دام الغصنان رطبين ) ، فليس في الحديث التسبيح أو عدمه حتى يتعارض مع الحديث، ولكن الناس، عفوا حتى يتعارض مع الأية، ولكن الناس قام في أذهانهم أن سبب تخفيف العذاب على القبرين إنما هو تسبيح الغصنين ماداما رطبين، فأشكل على المعنى الذي هو سائد على أذهان الناس وليس صحيحًا، أشكل على السائل لأن الحديث قيّد التخفيف بمادام الغصنان رطبين، فمفهومه أنهما إذا يبسا لم يعودا يسبحان الله، والله يقول (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )) ، من هنا جاء الإشكال على السائل، لكن الحقيقة أن الحديث لا يعني مطلقًا أن الغصن يُسبِّح، ليس في الحديث ذكر للتسبيح لا تصريحًا ولا تلميحًا، وإنما بعض الناس توهم أن سبب تخفيف العذاب على المقبورين إنما هو الرطوبة القائمة في الغصنين فإذا ذهبت ذهب تخفيف العذاب عن المقبورين، إنما هو الرطوبة القائمة في الغصنين فإذا ذهبت ذهب تخفيف العذاب عنهما، فلا إشكال إذًا الأية على إطلاقها (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )) [الإسراء: 44]، سواء كان حجرًا أو كان شجرًا وسواء كان هذا الشجر رطبًا أو كان يابسًا فالأية على إطلاقها.
أين يرد السؤال؟ ما السر في تخفيف العذاب عن الرجلين المقبورين؟ وما السر في قوله عليه السلام ( ما لم ييبسا ) ؟
الجواب في حديثٍ أخر هذا الحديث الذي سقناه أنفًا هو من حديث ابن عباس في البخاري ومسلم فجاء الحديث في صحيح مسلم وحده من رواية جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم قال في هذه الحادثة أو فيما يُشبهها لما أمر بوضع الغصن وسئل عن السبب قال ( إن الله تبارك وتعالى استجاب أو قبِل شفاعتي في أن يخفّف عنه العذاب مادام الغصن رطبًا ) ، فإذًا سبب تخفيف العذاب هو شفاعة الرسول ودعاؤه للمقبور، والرطوبة ليست سببًا لتخفيف العذاب وإنما علامة لمدة تخفيف العذاب.
هذا معنى الحديث، تخفيف العذاب سببه شفاعة الرسول عليه السلام، ودعاؤه للمقبور، الرطوبة القائمة في الغصن هي علامة ما بقيت على تخفيف العذاب، فإذا ما ذهبت هذه النداوة وهذه الرطوبة وأصبح الغصن يابسًا عاد العذاب إلى المقبور، هذا هو السر والسبب في تخفيف العذاب عن الميت في هذا الحديث وليس السر هو أن الغصن مادام رطبًا يُسبّح الله ومادام يابسًا لا يسبح الله حين ذلك يتعارض هذا مع الأية، ليس في الحديث شيء من ذلك مطلقًا، فالأية على عمومها وعلى إطلاقها كما قال تعالى (( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )) .
(انقطع الصوت).
7 - قال تعالى (( وإن من شيء إلا يسبح بحمده )) و قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما وضع الجريدة على القبرين ( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) كيف نوفق بين قوله تعالى و الحديث؟ أستمع حفظ
حديث قليب بدر وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى إليهم وناداهم بأسماءهم .....) ما معنى الحديث؟
وأنا أرجوا من السائل بصورة خاصة أو السائلة بصورة خاصة والمستمعات بصورة عامة أن ينتبهن لقول عمر لأنه هذا هو بيت القصيد إذا أردنا أن نفهم هذه القصة فهمًا صحيحًا.
عمر يقول يا رسول الله إنك لتناجي أجسادا لا أرواح فيها، إيش معنى كلام عمر؟ كأنه يريد أن يقول ولكن لا يجرأ أن يقول إلا بكلام لطيف ولطيف جدًا يقول يا رسول الله نحن تعلّمنا منك أن الأموات لا يسمعون أنت الذي أنزل عليك وبلّغت ما أنزل عليك (( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) [فاطر: 22]، (( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى )) [النمل: 80]، فما بالك يا رسول الله الأن في هذه الساعة تنادي أجساد لا أرواح فيها؟ فهل قال رسول الله لعمر أخطأت، أنا ما قلت لك هذا، أو ما بلغتكم فعلا هذا، بل أقره على ذلك، أقره على قوله إنك لتنادي أجسادا لا أرواح فيها، ولكنه أجابه وأفهمه شيئًا ما كان عمر ليفهمه لولا بيان رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم قال له ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا ) ، كأنه يقول عليه الصلاة والسلام الذي قلته يا عمر هو حق وصواب وفعلاً أنا بلّغتك أن الموتى لا يسمعون ولكن الله تبارك وتعالى أحيا هؤلاء حتى سمعوا النداء وفهموا التبكيت هذا والإنكار، ولو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا نعم إنا وجدنا ما وعدتنا حقًا ولكن ولات حين مندم (( وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ )) [ص: 3]، يقول الرسول ( ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا ) ، لذلك قصة قليب بدر هي تؤكد ما سبق ذكره من أن الموتى لا يسمعون ولكن في الوقت نفسه هذه القصة تعطينا تنبيهًا عظيما وهو أن المسلم لا يجوز أن يجمد على المعتاد من الأمور ومن العادات ومن السنن التي يمكن أن نسميها بالسنن الكونية، أي إذا كان من سنة الله عز وجل أن الموتى لا يسمعون فلا ينبغي أن يضيق عقله عن أن يؤمن بأن الله عز وجل قادرٌ على أن يُسمع الموتى الذين من طبيعتهم أنهم لا يسمعون، هذا هو الفائدة وهو النكتة من قصة قليب بدر، أي إن الله عز وجل قادر على إسماع الموتى الذين عادة لا يسمعون، كما أن الله عز وجل قادرٌ على أن يمكّن للنبي صلى الله عليه وأله وسلم من أن يصعد إلى السماوات العلى حيث لا يستطيع إنسان في الدنيا أن يصعد هذا الصعود لأنه خلاف سنّة الكون فالله عز وجل خلق الإنسان وخلق له قدرات محدودة النطاق فهو يبصر ويسمع ويمشي ويرفع ولكن بنسب محدودة فينظر مسافة مثلا كيلومتر، ما يستطيع ينظر إلى مائة كيلومتر فضلاً إلى أكثر من ذلك، يرفع خمسين كيلو مائة كيلو مائتين كيلو بعد إيش؟ تمارين عديدة، لكن لا يستطيع أن يرفع ألف كيلو مثلاً ذلك لأنه هذه حدود الطاقة البشرية التي طبع الله البشر عليها، ولكن الله عز وجل بقدرته يستطيع أن يُمكِّن إنسانًا أن يرفع ألف كيلو باليد الواحدة لأن الله على كل شيء قدير، وعلى هذا جاءت قاعدة المعجزات، معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء هو من باب خرق العادة أما السنن فلا تُساعد على ذلك، كذلك جماعة قليب بدر من الكفار هم على اعتبارهم أموات لا يسمعون ولكن الله أسمعهم لذلك قالها صريحةً أحد رواة هذا الحديث وهو قتادة حيث قال أحياهم الله له عليه السلام، أي ما سمعوا وهُم موتى وإنما أحياهم الله عز وجل فسمعوا قوله عليه السلام ومناداته إياهم.
إذًا قصة قليب بدر تؤكد أن الموتى لا يسمعون كما قال ربنا تبارك وتعالى، وهنا ملاحظة، ومن الفقه الدقيق لمّا عمر قال يا رسول الله إنك لتنادي أجسادًا لا أرواح فيها وسكت الرسول على ذلك معناه سكوته إقرار، لكن من جهة أخرى أفهم عمر أنه هنا أمر خارق للعادة هو أنه هؤلاء سمعوا مثل ما أنت عم تسمعهم، لكن أنتم أحياء تسمعون بطبيعتكم فهؤلاء أموات لا يسمعون بطبيعتهم ولكن الله أحياهم فسمعوا، فخضع عمر، يشبه هذه القصة تمامًا من حيث إن الرسول أقر الصحابي على ما قال من الإنكار ولكن علّمه ما لم يكن يعلم مثل هذا قصة أبي بكر الصديق حينما دخل ذات يومٍ على النبي صلى الله عليه وأله وسلم وهو مسجّى مغطّى كأنه نائم وعنده جاريتان من الأنصار تغنيان تضربان عليه بدفٍ فلما دخل أبو بكر الصديق قال أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ يُنكر الغناء الصادر من الجارتين في بيت الرسول والرسول صابر فرفع عليه الصلاة والسلام رأسه وقال ( دعهما يا أبا بكر فإن لكل قومٍ عيدًا وهذا عيدنا ) ، هذا تمامًا على وِزان قول عمر ورد الرسول عليه فكما أن الرسول ما أنكر على عمر قوله إنك لتنادي أجسادًا لا أرواح فيها، كذلك لم يُنكر على أبي بكر الصديق قوله مزمار الشيطان في بيت رسول الله، ولكن علّمه ما لم يكن يعلم كأنه قال له عليه الصلاة والسلام، كأنه قال لأبي بكر إن هذا الذي تقوله حق، هذا مزمار الشيطان، الغناء هو مزمار الشيطان، لكن هنا مستثنى، هنا استثناء بمناسبة العيد لذلك قال ( دعهما فإن لكل قومٍ عيدًا وهذا عيدنا ) ، إذا أردنا أن نأخذ فقهًا من مجموع إنكار عمر وتعليم الرسول إياه تطلع النتيجة الأموات لا يسمعون إلا إذا أحياهم الله … كان للنبي فيسمعون، وإذا أردنا أن نأخذ فقهًا من إنكار أبي بكر الصديق وإقرار الرسول لهذا الإنكار مع تعليمه إياه ما لم يكن يعلم من قبل نخرج بالنتيجة الأتية الغناء بالدف مزمار الشيطان إلا في يوم العيد، هذا الاستثناء هو الذي لم يكن يعلمه أبو بكر الصديق من قبل فعلّمه الرسول صلى الله عليه وأله وسلم، إذًا قليب بدر لا تنافي حقيقة أن الموتى لا يسمعون.
8 - حديث قليب بدر وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى إليهم وناداهم بأسماءهم .....) ما معنى الحديث؟ أستمع حفظ
عن عائشة رضي الله عنها (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كاشفا على فخذه فستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه...) الحديث و في الحديث الآخر عن محمد بن جحش قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال ( يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة) فهل هناك تعارض بين الحدثين؟
السؤال هل هناك تعارض بين الحديثين أو هل يُفهم من الحديث الأول أن الفخذ ليس بعورة لأنه لو كان عورةٌ ما كشفها الرسول صلى الله عليه وأله وسلم؟
الجواب لو لم يكن في الباب الحديث الثاني لكان الحديث الأول بيدل على أنه فخذ الرجل بالنسبة للرجل ليس عورة، ولكن مادام جاء هذا الحديث الثاني وأحاديث في معناها كثيرة تُصرِّح بأن الفخذ عورة فحينذاك لا يؤخذ الحكم من الحديث الأول الذي فيه أن الرسول كشف عن فخذه في حضرة أبو بكر وعمر، وإنما يؤخذ الحكم من الحديث الثاني والسبب أن هناك قاعدة فقهية تقول إذا تعارض حديثان وكان أحدهما من قوله عليه السلام كحديث معمر هذا والأخر من فعله عليه السلام كحديث عائشة، في هذه الحالة يُقدّم القول على الفعل، هذه قاعدة أصولية من تفقّه بها فُتِح عليه فقه كبير جدًا واستطاع التوفيق بين أحاديث كثيرة وهي القول مُقدّمٌ على الفعل عند التعارض، والشاهد في ذلك أن القول الصادر من الرسول عليه السلام الموجه إلى الأمة هو شريعةٌ عامة، أما الفعل الذي يفعله هو فيمكن أن يكون شريعةً عامة حينما لا يوجد مُعارض له، ويمكن أن يكون أمرًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أيضًا عند العلماء قولهم، الدليل إذا طرأ عليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فهذا الفعل أيّ فعل فعله الرسول عليه الصلاة والسلام ممكن أن يكون شريعة عامة ويمكن أن يكون حكمًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام (رد الشيخ السلام)، ويمكن أن يكون هذا الشيء الذي فعله الرسول عليه السلام لعذر، فمادام أن فعل الرسول عليه السلام يحتمل أسبابًا كثيرة تجعل هذا الفعل ليس شريعةً عامة وقد جاء به قوله عليه السلام ما يُخالفه حينذاك القول تَقدّم على الفعل، ولهذا أمثلة كثيرة جدًا مثلاً من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وأله وسلم كان يواصل الصيام، يواصل صوم النهار مع الليل والليل مع النهار والنهار مع الليل هكذا، فرأه أصحابه فواصلوا معه الصيام يعني ما في إفطار مساءً، وإنما أربعة وعشرين ساعة ثمانية وعشرين ساعة وهكذا يتضاعف الرقم، فواصل الصحابة معه حتى ضعفوا ما عاد استطاعوا أنه يتابعوا الوصلا في الصيام، فنهاهم الرسول عليه السلام عن أن يوصلوا في الصيام، فقالوا يا رسول الله إنك لتواصل، فقال عليه الصلاة والسلام ( إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) ، ( إني لست كهيئتكم ) لست كمثلكم يعني عندي طاقة وعندي قدرة ربانية، الله عز وجل يمكّنني بها من مواصلة الصيام والاستمرار فيه وأنتم لستم مثلي فأنتم لا تواصلون.
فهنا نأخذ الحكمة، القاعدة السابقة أن الرسول عليه السلام قد يفعل الفعل وهو خاص به فمادام نهى … عن شيء وهو فعله فنحن ما نفعله لأنه فعله خاص به وقوله شريعة عامة للمسلمين جميعًا، كذلك مثلا من الأمثلة المشهورة عند جميع الناس أن الرسول عليه السلام مات وتحته تسع نسوة بينما جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً في الجاهلية تزوّج تسعة فلما أسلم جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وذكر له ذلك فقال له ( أمسك منهن أربعًا وطلق غيرهن ) ، ما قال له أنت متزوج كذا لأنه بيعرف أنه هو له خصوصيات.
إذًا إذا اختلف القول من الرسول عليه السلام مع فعله فالقول مقدّمٌ على الفعل، فحديث عائشة هنا لا يعارض حديث معمر ( وغط فخذيك فإن الفخذين عروة ) هو المعتمد في هذه المسألة وليس حديث عائشة لأنه فعل من الرسول عليه السلام، هذا يمكن أن يكون قبل تحريم الكشف ويمكن أن يكون خصوصية للرسول صلى الله عليه وأله وسلم.
إذًا الاعتماد على قوله عليه السلام في هذه الحادثة وليس على فعله.
9 - عن عائشة رضي الله عنها (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كاشفا على فخذه فستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه...) الحديث و في الحديث الآخر عن محمد بن جحش قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال ( يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة) فهل هناك تعارض بين الحدثين؟ أستمع حفظ
ما حكم إعطاء من لا يستحق الصدقة ؟
ومن هنا نستطيع أن نقول إن غير الرسول عليه الصلاة والسلام ليس له هذا الحكم، وأعني بهذا أن المسلم أن أحدنا إذا سأله سائل يعني جاء شحاذ وقال له من مال الله، فإذا كان المسؤول يعلم أن هذا السائل لا يحق له السؤال وأنه اتخذ السؤال والشحاذة مهنة فلا ينبغي أن يُعطيَه لأنه في إعطاءه إياه يساعده على ضلاله، يساعده على اتخاذه السؤال والشحاذة مهنة والمساعدة على الباطل باطل والمساعدة على الإثم أثم، كما قال تعالى (( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) [المائدة: 2]، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فلا ... الحكم خصوصية له من دون الناس، يعني ما يؤثر فينا ولا تتأخّر دعوة الإسلام إذا أشاع الناس بالباطل إنه والله فلان بخيل، أما الرسول عليه السلام الذي هو الداعي الأولى للإسلام فقد تتأخّر الدعوة بسبب مثل هذه الإشاعة التي تكون قائمة على امتناع الرسول عليه السلام من إعطاء من لا يستحق الإعطاء، فهذا مثال يساعدنا على فهم هذا العطف في هذا الحديث ورب متخوّض في مال الله ورسوله، هذا المال الذي أعطاه الرسول هو ماله ومع ذلك فقد تصرف هذا السائل في هذا المال تصرّفًا غير مشروع لأنه أخذه بغير حق.
(انقطع الصوت).
ما حكم خلوة الرجل بالمرأة وهل يشمل هذا النبي صلى الله عليه وسلم ؟
لذلك كان اختلاء الرجل بالمرأة نهي الشارع الحكيم عن مثل هذه الخلوة هو من باب سد الذريعة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) ، فالرسول صلى الله عليه وأله وسلم لا ينطبق عليه هذا الحكم لأنه إذا خلى مع امرأةٍ لم يكن الشيطان ثالثهما سواء كان أسلم أو لم يسلم أما على اعتبار أنه أسلم فالقضية واضحة، إنما هناك مسلمون جماعة ليس معهم شيطان وعلى الرواية فأسلم من شره فحكمه حكم المسلم الذي لا يأمره إلا بخير.
فإذًا مثل هذه الخلوة لجماعة في بيت امرأة وهم صالحون وزوجها كما سمعتم في الحديث ذهب ليستعذب الماء فهو سرعان ما سيعود فمثل هذه الظروف ما مانع إطلاقًا لمثل هذا الدخول على المرأة الغريبة.