بيان حجية الحديث في المعاملات والعقائد و الآداب وغيرها من أبواب الدين.
الشيخ : إذا كان السائل في الحقيقة أحسن التعبير عن الشبهة ، ولذلك أنا أتكلم في حدود ما قرأته وما سمعته ، مادام أن السائل يقول إنهم يشكون في بعض الأحاديث فإذًا هو جعل ولو على سبيل الحكاية عن غيره جعل الأحاديث عند هذا البعض قسمين قسم مشكوك في صحته عندهم، وقسم غير مشكوك في صحته عندهم ، تُرى ما الذي جعلهم لا يشكون في القسم الأول، ثم ما الذي حملهم على أن يشكوا في القسم الآخر ؟ فإن كان الحامل لهم على عدم الشك في القسم الأول، هو علم الحديث بأصوله و جرحه و تعديله فنحن حينذاك نتحاكم إلى هذا العلم في القسم الثاني الذي شكّوا فيه ، وإن كان إنما اعتقدوا بصحة القسم الأول هكذا اعتباطًا دون استناد إلى علم له وزنه وله قدره وله خدمته الطويلة المديدة، فلا فرق عندنا في اعتقادهم بصحة مثل هذه الأحاديث التي صححوها بأهوائهم ليس بعلم الحديث ، وبين تلك الأحاديث التي ردوها لأنهم أيضًا إنما ردوها اتباعًا لأهوائهم، فإذًا البعض هذا إما أن يعتقد معنا بحجية الحديث مطلقًا كما سمعتم في المحاضرة في الأحكام وفي العقائد، وإما أن يلتحق بطائفة من الطائفتين الأوليين، القرآنيين زعموا الذين يصرحون بإنكار الحديث مطلقًا وبأن الدين الإسلام زعموا إنما هو القرآن فقط، وإما أن يلتحقوا بالفئة الثانية وهي أخت الأولى وهم الطائفة القادنية مع الفارق اللفظي والسياسي الذي تلجأ إليه هذه الطائفة دون الأولى كما سمعتم، فهم يقولون نأخذ بالكتاب والسنة، والسنة المعيار في معرفة صحيحها من سقيمها هو ما وافق الكتاب فهو صحيح وما لم يوافقه فهو غير صحيح إذًا هدموا علم الحديث من أوله إلى آخره وأريد أن أُذكّر هنا بهذه المناسبة بأمر هام جدًا، هناك أمور تتعلق بالشريعة وتتعلق بحياة الرسول وحياة الصحابة، بل وحياة كل أمة ، تدخل في قسم يمكن أن يقال عنها ليست موافقة للكتاب ولا مخالفة للكتاب هذا القسم ما السبيل إلى معرفته أكان أم لم يكن ؟ القرآن لم يتعرض له لا سلبًا ولا إيجابًا، لا نفيًا ولا إثباتًا، مثلًا مثل بسيط جدًا رسول الله عاش ثلاثًا وستين سنة هل هذا الحديث موافق للقرآن ؟ قولوا معي الموافقة تعرفون أنه ينبغي أن يكون المعنى موجود في القرآن، ليس يقال في مثل هذا الحديث أنه موافق للقرآن كذلك لا يقال إنه مخالف للقرآن لما ذكرته آنفًا أن القرآن لم يتعرض لهذه الجزئية إطلاقًا، وهكذا عشرات الأحاديث بل مئات وألوف الأحاديث تتعلق في صلب الشريعة عقيدة وأحكامًا لا يمكن أن يقال فيها إنها توافق القرآن ولا أنها تخالف القرآن ولذلك المسلم المتفقه في الكتاب وفي السنة الصحيحة يجد نفسه مضطرًا إلى أن يؤمن بأن هناك شيئًا آخر سوى القرآن ويكفي بعض الآيات التي سمعتموها في المحاضرة والأحاديث حتى لا نعود إلى التكرار إذًا ما هو السبيل لمعرفة هذا الشيء الآخر الذي يشعر به كل باحث، يعني الآن سيرة الرسول عليه السلام من أين نأخذها، تفاصيل الغزوات والسرايا وما شابه ذلك من أين تؤخذ ؟ القرآن أولًا لم يتعرض إلا لبعض الغزوات ثم تعرّض حينما تعرض لها بشيء من الإيجاز الكثير، وهناك في الغزوات شرعت أحكام كثيرة تتعلق بالنفل وبالمغانم وبنحو ذلك، من أين تُعرف هذه الأمور كلها وهو من طريق السنة ؟ ما السبيل إلى التعرف على هذه السنة ؟ ليس عندنا طريق بإجماع المسلمين إلا طريق علماء الحديث . حينذاك نقول لهذا السائل ، نسأل كل شاكٍ في أي حديث ما الذي حملك على الشك ؟ فإن كان الشك نابع من عدم إيمانه بالحديث أصلًا فقد سمعتم الرد عليه بما لا رد عليه ، وإن كان الشك من كل إنسان في أي حديثٍ نابعًا لجهله بعلم الحديث فالجواب كالفقه تمامًا (( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ))، وإن كان الشك حاصل لأنه ما هضم المعنى الذي تضمّنه الحديث نظرًا لثقافته، نظرًا لجهالته، نظرًا نظرًا إلى آخر ما هنالك من أمور أخرى كالعواطف والبيئة وتأثيراتها وما شابه ذلك فحينئذٍ نقول لكل سؤال جواب، أي كل حديث يشك فيه أي إنسان فنحن مستعدون بفضل الله أن نبحث معه حتى نقضي على مشكلته، وفي كثير من الأحيان يكون الحديث مما يقال في لغة العامة هذا الميت لا يستحق هذا العزاء، يعني يكون حديثًا ضعيفًا أو موضوعًا فحينئذٍ نريحه ونريح أنفسنا معه، لكن في كثير من الأحيان يكون الحديث صحيحًا لكن هذا الحديث الصحيح يجب أن يُفهم أيضًا فهمًا أيضاً صحيحًا كالنص القرآني تمامًا وهنا سؤال أريد أن أجيب عنه في طريقي، يعني في الإجابة عن هذا السؤال الأول، سؤال آخر أنه يسأل السائل أنه في بعض الأحاديث التي العلماء اختلفوا فيها أو أنه ما أحاط الناس بها فنحن نجيب القرآن مع أنه محفوظ من حيث الرواية بين الدفتين، لكن يقع فيه أحيانًا اختلاف في فهم بعض النصوص، فالفهم الصحيح نقطع أنه موجود في هذه الأمة، هذا الفهم الصحيح ليس ضائعًا لكن ليس موجودًا مع كل إنسان حتى العلماء فضلًا عن غيرهم، الفهم الصحيح لآية ما مما اختلف فيه الناس هو لابد أنه موجود في طائفة من هذه الأمة وليس ضروريًا أن يكون محفوظًا معروفًا عند كل فردٍ من أفراد هذه الأمة في كل زمان مضى أو يأتي كذلك الأحاديث هكذا، فالأحاديث التي نطق بها الرسول عليه الصلاة و السلام هي محفوظة أيضًا عند الأمة لكن ليس عند كل فردٍ من أفراد الأمة .
بيان أهمية فهم الأحاديث النبوية فهما موافقا لفهم السلف.
الشيخ : أعود لأقول كما أنه يجب أن تُفهم الآية فهمًا صحيحًا كذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تُفهم فهمًا صحيحًا وحينذاك يطيح الإشكال ويظهر في الحديث المعنى الصحيح والجلال مثلًا جاء في سؤال السائل هناك في التسجيل عن حديث السحر، توهم هو أن حديث السحر له علاقة ببعض أحاديث الآحاد، ولا علاقة له إطلاقًا لأن بحثنا كان العقيدة، يعني الأمر الغيبي الذي أخبر الله به مما كان ومما سيكون إذا جاءت في أحاديث آحاد صحيح يجري التصديق به والإيمان به، أما قضية سحر الرسول عليه الصلاة والسلام فهذه قضية تاريخية مثل جرح الرسول عليه السلام جُرح في غزوة أحد ولّا لا ؟ جُرِح، وهذا معروف في السيرة هذا له علاقة بالعقيدة؟ ما له علاقة بالعقيدة فالذين يفرقون بين حديث الآحاد وحديث التواتر في العقيدة لا يفرقون في حديث يتعلق في شخص الرسول جُرح ولّا ما جُرح ؟ مجرد أنه صح حديث في ذلك أخذوا به كذلك حديث سحر الرسول ليس له علاقة بحديث الآحاد المتعلق بالعقيدة ، أريد أن أقول حديث سحر الرسول يسيء فهمه كثير من الناس فيداخله الإشكال بطبيعة الحال وحينئذٍ لا يجوز لهذا الإنسان أن يستسلم لشبهته أو إشكاله، بل عليه أن يحقق دائمًا وأبدًا قول ربه في كتابه (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) .
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر لم يتأثر في قلبه وفكره بل كان ذلك في بدنه فقط كما أنه يمرض .
الشيخ : لا أريد الآن أن أدخل في حديث السحر، لأني تكلمت عنه أكثر من مرة لكن أقول باختصار هو حديث يتعلق بجسد الرسول وأنه أصابه الوهن وأصابه الضعف في جسده، ليس في عقله وليس في فكره أبدًا، ولذلك فكونه ضعف ومرض هذا ليس فيه إشكال، لكن الإشكال أن نتصور أن الرسول عليه السلام غاب عن رشده أيامًا بل شهورًا فهو يتكلم ولا يدري ولا يعي ولا يفهم هذا مستحيل بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام، لكن أنه يمرض فنعم، وهذا الذي تضمنه حديث سحر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
الرد على من يشك في الأحاديث النبوية بدعوى أن الحديث لم يجمع في حياته عليه الصلاة والسلام.
الشيخ : أما كون غير واثقين ببعض الأحاديث، وأنا علّقت على كلمة في بعض، ليش واثقين ببعض وما واثقين ببعض مادام الإشكال عم بيقولوا إن الحديث إنما جُمع بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، إذًا لازم ما يصير عندهم ثقة في حديثٍ ما إطلاقًا، ويكفيكم برهانًا على خطأ بل ضلال هذا الزعم أو عدم الثقة أنه حينذاك لا يبقى بين أيدي المسلمين شيء يصلهم بتاريخهم الأمجد الزاهر مطلقًا، لأن أي إنسان إذا طرّق إشكالًا وشبهات كثيرة على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي أُمر به أن يُبين كتاب ربه (( وأنزلنا إليك الذكر لتُبين للناس )) أنت يا رسول الله لتبين بكلامك للناس ما نزّل إليهم، إذا شكوا في هذا البيان أي في حديث الرسول عليه السلام فإذًا سوف يتسرب الشك من باب أولى في كل تاريخ الرسول، في كل حياة الصحابة، في كل الحروب، في كل التاريخ، لا يبقَ لدينا شيء إطلاقا . مع العلم أن أهل العلم بالتاريخ الإسلامي من الكفار من المستشرقين ويكفي شهادة من العدو شو بيقولوا ؟ " والفضل ما شهدت به الأعداء " فهؤلاء يقولون لا يوجد على وجه الأرض تاريخ أصح من تاريخ المسلمين تاريخ المسلمين لا يوجد أصح مثله فما بالكم بتاريخ الرسول عليه السلام وسيرته بصورة خاصة وهي تشمل أول ما تشمل بيانه عليه الصلاة والسلام للقرآن الكريم، فإذًا هذا الشك معناه كما قلت سابقًا أن يرجع هؤلاء الشاكون إلى الطائفة الأولى أو الثانية، أما أن يعتقدوا لا، أنا يقولوا لا نحن نعتقد الحديث وضرورة الحديث وأنه لا يمكن الاستغناء عنه، وإلا جاء الناس بأديان جديدة باسم الإسلام حينئذٍ نلفت نظره إلى شيء سبق وأُلمح إليه تلميحًا بسيطًا وهو طريق معرفة الحديث، هو علماء الحديث ، الشيء الثاني ليس صحيحًا ما يُشاع ويذاع في غير ما مناسبة في محاضرات وفي كتابات في مجلات مختلفة، وذلك من وساوس المبشرين وأعداء الإسلام والدين، أن هذا الحديث لم يُكتب ولم يُجمع إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بنحو قرن ونصف. هذا ليس صحيحًا إطلاقًا، وذلك لأحاديث صحيحة معروفة لدينا بالأحاديث التي نُحرّم بها ونحلل أن الحديث كان يُكتب في عهد الرسول عليه السلام وأنه أحيانًا هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة خطبة يلقيها على مسامع الناس فهناك مثلًا حديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال " كان عبد الله بن عمرو بن العاص أكثر مني حديثًا كان يكتب ولا أكتب " انظروا هذا النص صحابي حضر الرسول عليه السلام وزامل صاحبه عبد الله بن عمرو بن العاص في مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتلقي العلم والحديث عنه يقول هو فيما كان يظنه وكان ظنه خطئًا في الواقع كما دل الاستقراء التام فيما بعد، كان يظن أن عبد الله بن عمرو أكثر حديثًا منه، يُعلل فيقول " إنه كان يكتب ولا أكتب " إذًا ابن عمرو كان يكتب الحديث في عهد الرسول عليه السلام، ولذلك ظن أبو هريرة أنه أكثر حديثًا منه، وعندنا من أحاديثه المحفوظة بالأسانيد الصحيحة ما يؤكد قول أبي هريرة بأن ابن عمرو كان يكتب الحديث، فهناك حديث في مسند أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو هذا نفسه أنه جلس مجلسًا فيه طائفة من المشركين فقالوا كيف تكتبون عن نبيكم كل ما يتكلم به في حالة الرضا والغضب فهو إنسان بشر فكأن هذا شبهة دخلت في قلبه فسارع بها إلى نبيه يطلب منه إزالتها وحكى له قول المشركين السابق فقال له عليه الصلاة والسلام وسمعتم هذا الحديث في التسجيل ( اكتب فو الذي نفس محمدٍ بيده ما يخرج منه إلا حق ) إذًا الرسول يقول له ( اكتب ) كل ما سمعت مني حديثًا فاكتبه إذًا هو كان يكتب الحديث، هذا حديث ثاني وحديث ثالث عنه أيضًا نفسه وذاته أنه كان حول الرسول عليه السلام جالسًا قال نكتب الحديث عنه فسأله سائل قال يا رسول الله أقسطنطينية نفتحها أولًا أم رومية ؟ قال ( بل قسطنطينية ) فهذا ما بيهمني هذه البشارة العظيمة وهذه يجب أن تحفظوها جيدًا حتى تعرفوا أن المستقبل للإسلام ولكن هذا يحتاج إلى عمل للإسلام وفهم الإسلام فهمًا صحيحًا وإنما الشاهد منه بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب الحديث عنه سأله سائل، ولذلك فهناك حتى اليوم صحيفة تُعرف عند المحدثين بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وجده هو عبد الله بن عمرو العاص هذا، صحيفة يعني توارثها الأبناء عن الآباء عن الجد كتابة وهناك صحف أخرى معروفة في كتب المصطلح وعلم الحديث فحسبنا هذا مثالًا لدحض هذه الشبهة التي تقول إن الحديث لم يُبدأ بجمعه في عهد الرسول عليه السلام .
بيان أن الأحاديث النبوية لها أسانيد بخلاف التوراة والإنجيل فليس لأهلها أسانيد ولو حتى مكذوبة .
الشيخ : ومع ذلك فنحن نقول هب أن الحديث لم يُجمع مطلقًا في عهد الرسول عليه السلام ماذا يضر ذلك أن يتأخر الجمع إلى قرن ونصف ما دام هذا القرن ونصف كم واسطة فيه ؟ صحابي واحد، التابعي اثنين، تابع التابعي الثالث بس، وهؤلاء الرواة لهم أجلّ وأنصع تاريخ يمكن أن يوجد لأتباع نبيٍ مضى في القرون السابقة، لا يوجد مثيل لهؤلاء أبدا، وحسبكم يعني تفاوتًا وكما قال الشعر: " وحسبكم هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بما فيه ينضح " أن تعرفوا الفرق بين الحديث وليس القرآن، بين حديث الرسول عليه السلام وبين التوراة والإنجيل، إنه لا يوجد لديهم إسناد ولو مكذوب موضوع يصل العالم بالإنجيل وبالتوراة إلى من أُنزل عليه الإنجيل ومن أُنزل عليه التوراة .الإنجيل كُتب بعد رفع عيسى عليه السلام بمائة سنة أو أكثر لا أذكر الآن بالضبط، فهذا معروف معترف به عندهم، ولذلك تعددت الأناجيل إلى أكثر من سبعين أو قريبة من ثمانين وحتى عقدوا مجلس هناك في القسطنطينية قديمًا فاختاروا هذه الأربعة أناجيل لتقليل شدة الخلاف الموجود بين هذه الأناجيل وهي كتابهم المقدس، نحن حديثنا مروي بالأسانيد الصحيحة من المؤلفين الموثوق المعروف ترجمة حياتهم، نعرف ترجمة حياة البخاري ومسلم ما لا يعرف اليهود والنصارى من ترجمة عيسى وموسى فضلًا عن غيرهم من الأنبياء والرسل، وهذا كله مصداق لقول الله عز وجل (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))، لكن السائل الذي أشرت إليه سابقًا ذكر هذه الآية وأشكل عليه الأمر أن يكون الحديث محفوظًا فقد أجبت أن الحديث محفوظ في مجموع الأمة كما أن القرآن المقصود به معناه، ومعناه محفوظٌ في مجموع الأمة وليس من الضروري أن كل واحد من الحاضرين الآن يفهم مثل الآية (( مدهامتان )) شو معناها؟ فإذا فاتك هذا المعنى ليس ما معناها أنها فاتت على الأمة كلها، كذلك إذا ما عرفت حديث من الأحاديث هل هو صحيح وضعيف مو معناه أنه ضاع الحديث على الأمة كلها وبالأولى والأحرى أنه ليس معناه أن الحديث الذي أشكل عليك هو مشكل على كل الأمة وإنما من عدم اعتنائك بطلب العلم الشرعي وعدم حضورك لمجالس العلم، لذلك مجرد أن يطرق سمعك حديث يُشكل عليك وقد يكون غير صحيح فأنت لا تعرف الصحيح من الضعيف ولو كان صحيحًا فلا تستطيع أن تفهم معناه الصحيح . ختامًا أقول لا إشكال على السنة فهي والحمد لله محفوظة ويكفي أن هناك كتب معروفة بعضها جمعت الصحيح وبعضها جمعت الصحيح والحسن والضعيف، وبعضها جمعت الضعيفة والموضوعة بصورة خاصة، كل ذلك تسهيلًا للأمة أن يكونوا على بينة من دينهم ولعل في هذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين ... سبحانه وتعالى أفسد من ذاك الذي يعوذ ويحرك لسانه بالذكر هذه للشعر وقد يثاب هذا وقد لا يثاب حسب نوع ذكره بلفظه إن كان موافقًا لسنة نبيه أو مخالفا لها، وإنما الذكر الأكبر أن يذكر المسلم ربه في أوامره وفي نواهيه كما قلنا، ومن أوامره كما سمعتم ( إذا صلّى أحدكم فليدنو إلى سترته لا يقطع الشيطان عليه صلاة ) هذه ذكرى بين يدي الدرس والذكرى تنفع المؤمنين .
شرح قول المصنف في كتاب الترغيب و الترهيب " وعن معاذ رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أوصني قال ( اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية ).
رواه الطبراني بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين أبي سلمة ومعاذ.
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و َخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )، أما بعد فيقول المصنف رحمه الله في الحديث الثامن عشر وعن معاذ قال " قلت يا رسول الله أوصني " قال ( اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة ، السر بالسر والعلانية بالعلانية ) رواه الطبراني بسندٍ جيد إلا أن فيه انقطاعًا بين أبي سلمة ومعاذ هذا الحديث لا ينافي رمزنا له بالحسن، ما ذكره المصنف رحمه الله من الانقطاع في إسناده لأننا نعني أنه حسنٌ بغيره كالحديث السابق في الدرس الماضي من حديث ابن عمر . هنا يطلب معاذ رضي الله عنه من نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوصيه فكان من وصيته إياه قوله عليه السلام ( اعبد الله كأنك تراه )، وهذا غاية المنزلة التي يستطيع العبد أن يذكر الله عز وجل وأن يراقبه، أن يذكر الله ويراقبه بحيث أنه دائمًا يلاحظ أنه يُرى، لأن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهذا الحديث أو هذه القطعة من هذا الحديث هو مشهور بإسناد أصح من هذا في الحديث الثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وفي صحيح مسلم وحده من حديث ابن عمر ذاك الحديث المعروف بحديث جبريل عليه السلام حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سورة رجل لا يعرفه أحد من الصحابة مع أنه ليس عليه آثار السفر فإنه عليه ثياب بيض وليس بأشعث ولا أغبر ولكنهم قالوا لا يعرفه أيضًا منا أحد فقد جمع أوصافًا غريبة متناقضة، لأنه لو كان غريبًا لظهرت عليه آثار السفر من القتار والغبار والشعثة ونحو ذلك، ولو كان مقيمًا لعرفه الصحابة فهو رجل غريب . الشاهد أن في الحديث وهو حديث طويل ذكرناه أكثر من مرة لمّا سأله عليه الصلاة والسلام عن الإحسان قال ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) هذه المرتبة العليا من مراتب عبادة المسلم لربه عز وجل، ففي ذاك الحديث السؤال الأول من ذاك أنه رجل غريب وهو جبريل كما ذكرنا بناءًا على آخر الحديث ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإسلام هو العمل بالإسلام ظاهرًا، ولكن هذا الإسلام لا يفيد صاحبه إلا إذا اقترن معه الإيمان، وحينما أقول أنا وغيري لا يفيد صاحبه إلا إذا اقترن بالإيمان فنعني الإفادة في الآخرة، أي أن ينجو بإسلامه الذي اقترن به الإيمان فهو لا يستفيد بالإسلام إلا مقرونا بالإيمان، لكن لو لم يقترن بالإيمان فهل يفيد صاحبه إسلامه شيئًا ؟ الجواب في الدنيا قد يفيده، وهذا النوع يعتبر في لغة الشرع منافقًا، لأنه يُظهر الإسلام ولكنه يبطن الكفر لأنه لم يقترن مع إسلامه إيمانه، فماذا يستفيد ؟ أن ينجو بنفسه وماله كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المتواتر ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم ) إذًا هذا الذي استفادوه، إذا لم يقترن مع إسلامهم الإيمان ( فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله ) يا ترى قالوها بألسنتهم ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم أم قالوها مؤمنين بها في قلوبهم ؟ حسابهم في ذلك عند الله، لكنهم ماداموا أنهم قد نطقوا بكلمة التوحيد ترتب عليهم الحكم ، نقول في الحديث بقوله ( فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله ) فالمرتبة الأولى في الدين هو الإسلام، وقد تفيد صاحبه في الدنيا ولا تفيده في الآخرة، أما الذي يستفيد من إسلامه في الآخرة فهو إذا اقترن معه المرتبة الثانية كما ذُكر في حديث جبريل حين قال له ( ما الإيمان ؟ قال الإيمان أن تؤمن بالله ... ) إلى آخره، ثم جاءت المرتبة الثالثة وليس بعدها مرتبة وهي مرتبة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) لا يمكن فيما يبدو من نصوص السنة لا يمكن للإنسان أن يرى ربه في هذه الدنيا الفانية، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال الطويل أنه لمّا وصفه لأمته وذلك من نصحه عليه السلام لأمته كان من وصفه إياه أن قال ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) ثم قال عليه السلام ( وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ). فقد ذكر أوصافًا للدجال لكي يتيقن المسلم إذا ما ابتلي بخروجه في زمنه أن هذا هو دجال وليس هو الإله المعبود بحق فإن الله كامل الأوصاف كلها وهذا أعور، فهذه علامة، وعلامة أخرى أنتم ترونه، وأن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت لذلك قال عليه السلام في بيان مرتبة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه ) لأنك لن تراه في الدنيا، وكلنا يعلم أن موسى عليه الصلاة والسلام وهو كليم الرحمن لمّا طلب من ربه عز وجل أن يراه قال (( لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني )) ولم يثبت حتى للنبي صلى الله عليه وسلم رؤيته لربه بعينه وهذه مسألة وإن كانت خلافية بين علماء التوحيد وعلماء الكلام فقد ذكر جمهورهم أن العقيدة لا تثبت إلا بنصٍ قطعي الثبوت قطعي الدلالة ونحن لا نجد النص الظني سواءً كان ثبوتًا أو دلالة يُثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة أُسري به أو في غير تلك الليلة، ولذلك فلا يمكن للإنسان إذًا أن يرى ربه حتى يموت كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الحديث ( وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) تكلم العلماء في قاعدة أصولية وهي هل يدخل المتكلم في الخطاب الذي يوجهه إلى أمته أو إلى غيره، فهو عليه الصلاة والسلام يقول ( إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) تُرى هو داخلٌ في هذا الخطاب أم لا ؟ في المسألة خلاف بين علماء الأصول ونحن نقطع بأنه عليه الصلاة والسلام على الأقل داخل في هذا الخطاب بالذات، لأنه قد سُئل كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر " هلّا رأيت ربك ؟ " قال ( نورٌ أنّى أراه ) أي هناك حجاب، وكما جاء في حديث أبي موسى في صحيح مسلم ( حجابه النور ) فهو عليه الصلاة والسلام يشير في حديث أبي ذر السابق جوابًا عن سؤال السائل " هل رأيت ربك ؟ " قال ( نور أنّى أراه ) هناك نور يحجب ربنا عن أن يراه أحدٌ منا إذًا ( إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) يشمل أيضًا الرسول صلى الله عليه وسلم لا بدلالة هذا الحديث نفسه من الخلاف السابق ذكره، وإنما بدلالة حديث أبي ذر وغيره . إذ كان الأمر كذلك وهو أن أحدنا لا يرى ربه في هذه الدنيا فهو يجب أن يعبده مراقبًا ومتيقنًا أن ربه يراه ، فإذا كنت أنت لا تراه فهذا لا يحملك ما دمت مؤمنًا بأن الله يرى كل شيء و ... بكل شيء فلا يحملك أنك لا تراه على أن تعصيه وأن تخالفه في أوامره ونواهيه فإنه إن لم تكن تراه فإنه تبارك وتعالى يراك يقينًا. هذه المرتبة هي مرتبة الإحسان وهي كما سمعتم أعلى مراتب الإسلام والإيمان .
بيان أن مرتبة الإحسان في الإسلام قد فهمها بعض الناس فهما خاطئا كما تفعله بعض طرق الصوفية بما يسمى الرابطة ( أن يربط المريد قلبه بقلب شيخه).
الشيخ : ولذلك فمن الخطأ الفاحش أن تُنقل هذه المرتبة العالية الخاصة بين العبد و ربه ( أن يعبد الله كأنه يراه ) ، أن تُجعل لعبدٍ من البشر بأي تأويلٍ وبأي تبريرٍ يحاول بعض الناس أن يُبرروا أن يراقب العبد في أثناء ذكره لربه عبدًا من عباده زعموا أن هذا العبد الذي ينبغي أن يراقبه العبد نفسه هو من الواصلين إلى الله فهو بدوره يوصل هذا العبد الذي يراقبه في ذكره، وهذا ما يسمى في بعض الطرق المشهورة الرابطة، أن يربط المريد قلبه بقلب شيخه الذي لا يراه ولا يعلم به إطلاقًا هل هو ذاكرٌ أم غافل، ثم هذا الذاكر نفسه لا يدر ي عن حال شيخه شيئًا أيضًا هل هو ذاكر أم غافل ؟ وهكذا تصبح القضية مع مخالفتها للشريعة الإسلامية مخالفة جذرية تصبح قضية غير منطقية إطلاقًا ، لأن الذي ينبغي أن يراقبه الإنسان إنما يكون المُراقَب معتقدًا فيه أنه يعلم هذا الذي يراقبه يعلم حاجته و دعاؤه و طلبه ونحو ذلك من النقاط المشروعة فكيف يُعقل أن يراقب العاجز العاجز والجاهل الجاهل والغافل الغافل ! ما هذا إلا كما قال بعض الصوفية أنفسهم ولكن من القدامى ولم يكن من المحدثين استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة السجين بالسجين . هم بده يخلصه، فهو في السجن، فهذا العبد الذي يُراقَب هو مثل هذا المراقب، كلاهما في حاجة إلى أن يتوجها إلى الله تبارك وتعالى وأن يراقباه مراقبة حقيقية. فمن المؤسف أن تُصرف هذه المنزلة العليا من منازل الإسلام والإيمان، ألا وهي مرتبة الإحسان من العبد أن يواجه ويراقب ربه إلى هذا العبد أن يراقب شيخًا له . هذا من الانحراف المؤسف الذي أصاب بعض المسلمين اليوم .
مواصلة الشيخ شرح الحديث.(......واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر ).
الشيخ : ففي هذا الحديث وفي حديث جبريل ونحو ذلك من الأحاديث نقضٌ في هذه المراقبة المبتدعة وتأسيس للمراقبة الشرعية وهي أن يراقب العبد ربه فقط لا غير وأن يراقبه بهذه الحالة كأن هذا العبد المُراقِب يرى الله بعينه، ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) هذه موعظة من مواعظ النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه معاذ بن جبل ، ومن ذلك قال ( واعدد نفسك في الموتى ) ، سبق نحو هذه العبارة في حديث ابن عمر ( وعد نفسك في أصحاب القبور ) أو كما قال ، ثم زاد في حديث معاذ ( واذكر الله عند كل حجرٍ وعند كل شجر ) هذا معناه الاستمرار ، استمرار العبد في ذكر الله عز وجل وهذا واضح ، ( عند كل حجر وعند كل شجر ) وهذا يعني ألا يغفل الإنسان عن ذِكر ربه أولًا ، هذا يعني أولًا ألا يغفل الإنسان عن ذكر ربه عز وجل في كل أحواله سواء كان جالسًا أو منطلقًا يمشي ، وشيئًا آخر أنّ ذِكر الله عز وجل المأمور في السنة ومنها هذا الحديث أن تذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر معنى هذا أن ذكر العبد لربه لا يحتاج إلى مراسيم وإلى طقوس وإلى مجالس وحلقات ذِكر تسمى ونحو ذلك أيضًا مما أُدخل في الإسلام، لأنه يقول لك ( اذكر الله عند كل حجر وشجر ) يعني اذكر الله يعني اعمل لي مجلس ذكر وصلاة على الرسول عند كل حجر وشجر ؟ لا، هو يعني لا تتقيد بجلوس معين حتى ولو أن تستقبل القبلة قد يبدو لبعض الناس أن ذكر الله كالصلاة، لازم نستقل له الآداب بل الواجبات التي يقوم بها الذي يريد الصلاة ؟ الجواب لا . لم يأتِ في السنة فضلًا عن القرآن أي شرط للذكر ، شرط ، أي شرط للذكر كيف وربنا عز وجل يقول في وصف نوع من عباده المصطفين الأخيار يصفهم بقوله (( الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم )) فإذا جلست أنت جلسة تأخذ بها راحة لجسمك فذكرت الله في هذه الحالة فلا ضير عليك شرعًا إطلاقًا وإن كان لا يروق مثل هذا لبعض الذين يستحسنون أحكامًا في الدين بدون إذنٍ من رب العالمين ، (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) فالله عز وجل يصف كما قلت نخبة من عباده المصطفين الأخيار مش عامة الناس (( الذين يذكرون قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم )) أي يذكرون الله حين يكونون قائمين ويذكرون الله حين يكونون قاعدين، ويذكرون الله حين يكونون مضطجعين، فلا يلزمنا ربنا عز وجل أن نتمسك بصفة من هذه الصفات الثلاثة وإنما كما يتيسر لك وكأن هذا الحديث أو هذه الفقرة من هذا الحديث مقتبسة من هذه الآية ( اذكروا الله عند كل حجر وعند كل شجر )، لست مكلفًا أن تتخذ هيئات ومن ذلك إعلان خاص، كأنما يجتمع المسلمون لصلاة الاستسقاء أو لصلاة الكسوف، هذه العبادات التي شرعها الإسلام على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام ومع الأسف الشديد أصبحت نسيًا منسيًا، ومن أسباب ذلك: أن الناس أحلوا محلها وأقاموا مقامها عبادات اخترعوها هم لأنفسهم، فهل سمعتم أحدًا منهم أعلم في بضع سنين صلاة استسقاء، صلاة خسوف أو كسوف ؟ أبدًا . أما الصلاة التي يستطيعها المسلم بينه وبين ربه في أي وقتٍ بدا له أو تيسر له هذه تُعقد لها مجالس خاصة وذلك ليس من السنة في شيء، وأنا حين أقول هذا أعرف أن ناسًا سينقمون ويستنكرون فنجابههم سلفًا بسنة أصحاب الرسول عليه السلام وخطتهم في إنكارهم لمحدثات الأمور ولو كانت هذه المحدثات حسنة في زعم الجمهور كما يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة "
بيان أن الذكر توقيفي والاستدلال على ذلك بقصة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
الشيخ : نجابههم بقصة ابن مسعود مع أصحاب مجالس الذكر ، المجالس الخاصة ، فقد جاء في سنن الدارمي بإسناد صحيح أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أتى صباح يومٍ دار عبد الله بن مسعود فوجد طائفة من الناس بانتظاره فقال لهم أخرج أبو عبد الرحمن ؟ يعني ابن مسعود قالوا لا. فجلس ينتظره، فلمّا خرج قال يا أبا عبد الرحمن لقد دخلت المسجد آنفًا فرأيت فيه ناسًا حلقة من حلقة وأمام كل رجل منهم حصى يعد به التسبيح والتكبير والتحميد وفي وسط كل حلقة رجل يقول لمن حوله سبحوا كذا، احمدوا كذا،كبروا كذا قال ابن مسعود أهل أنكرت عليهم ؟ قال لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم و ضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم شيء . ثم عاد إلى داره وخرج متلثمًا لا يُعرف حتى دخل المسجد و رأى ما وصف له من التحلق والذكر المعدود بعدد لم يُشرع ، لمّا تبين الأمر كشف عن وجهه اللثام وقال ويحكم ما هذا الذي تصنعون أنا عبد الله بن مسعود صحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي تصنعون ؟ قالوا والله يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التسبيح والتكبير والتحميد قال عدوا سيئاتكم وأنا الضامن لكم ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم ما أسرع هلكتكم هذه ثيابه صلى الله عليه وسلم لم تبل وهذه آنيته لم تُكسر، والذي نفس محمدٍ بيده أإنكم لأهدى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أو إنكم متمسكون بذَنَب ضلالة ، ما قال متمسكون بضلالة فحسب وإنما بذَنب ضلالة قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير وهذا جواب جماهير المبتدعة خاصة التابعين منهم، أما المتبوعون فالغالب عليهم أنهم يعرفون وينحرفون لمآرب كثيرة الله أعلم بما في نفوسهم . أما التابعون فجمهورهم يتبعون رؤساءهم بالنوايا الحسنة، يصورون لهم أن هذا ذِكر وأنه ذِكر مشروع فيتبعونهم على ذلك تمامًا كما قال القوم لابن مسعود والله ما أردنا إلا الخير لكن الجواب القاطع للظهور قول ابن مسعود " وكم من مريد للخير لا يصيبه " أي لا يكفي أن يكون قصد أحدكم الخير وإنما يجب أن يقترن مع هذا القصد الخيّر، أن يكون الطريق أيضًا الذي يسلكه فيه طلب الخير خيرًا في نفسه ولا يكون كذلك أبدًا إلا إذا كان هو طريق الرسول عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل في القرآن (( وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) فهذا الطريق إذا سلكه القاصد للخير فهو في خير يقينًا، أما إذا سلك طريقًا آخر وهو يقصد الخير فلا يصيب هذا الخير إطلاقًا، وهذا من معاني قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )، ومن مقاصد قوله الآخر ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ ) ، لذلك قال ابن مسعود " وكم من مريد للخير لا يصيبه " لأنكم تقصدون الخير بخلاف طريق محمد عليه السلام إذًا لن تصيبوا هذا الخير . ثم ضرب لهم على ذلك مثلًا حديثًا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ) أي لا يصل إلى قلوبهم، إنما لقلقة لسان وتجارة من تلاوة القرآن كما هو الواقع في آخر الزمان، ( لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) إلى هنا تنتهي قصة ابن مسعود مع أصحاب المجالس المبتدعة، لكن العبرة في تمام القصة التي يرويها مشاهدها قال فلقد رأينا أولئك الأقوام ، أي أصحاب حلقات الذكر غير المشروع رأيناهم يقاتلوننا يوم النهروان أي إن أصحاب حلقات الذكر صاروا من الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طاب فقاتلهم علي رضي الله عنه واستأصل شأفتهم إلا أفرادًا قليلين منهم فلم تفدهم مجالسهم شيئًا وذلك لأنهم خالفوا في ذلك السنة، وهذا شاهد لقول العلماء " الصغائر بريد الكبائر "، وأنا أقتبس من قولهم هذا فأقول البدعة الصغيرة بريد للبدعة الكبيرة هذا هو شاهد يطابق ما أقول تمامًا . حلقات مبتدعة، يذكرون الله بصورة غير مشروعة أوصلتهم إلى البدعة الكبرى وهي الخروج على أمير المؤمنين وقِتالهم إياه .
مواصلة الشيخ شرح الحديث.( .....وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية...).
الشيخ : لذلك فيجب أن نقف عند حدود الله وأن لا نتألّى على الله فنشرّع بآرائنا وعقولنا وأهوائنا وعاداتنا شيئًا لم يسنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وعلى العكس من ذلك يُفسح لنا المجال أن نذكر الله كيفما اتفق لنا دون أن نتخذ كيفية أو صورة معينة وأن نلاحظ كما تيسر كما هو قال في هذا الحديث ( واذكر الله عند كل حجرٍ وعند كل شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجانبها حسنة السر بالسر والعلانية ) هذا الحديث هو أيضًا كتفسير لحديثٍ آخر لمعاذ يقول الرسول عليه السلام فيه ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها )، هذا يُفصّل هذا الإطلاق فيقول إذا أخطأت، إذا عصيت ربك علنًا فيجب أن تُتبع ذلك بتوبة وبعمل حسن علنًا، أما إذا ابتليت أن تعمل سرًا فلا تفضح نفسك ولا تعلن خطيئتك وإنما تب إلى الله عز وجل وهي بلا شك حسنة، واعمل أيضًا أعمالًا حسنة سرًا فذلك أبعد من أن تكون قد قاربت الرياء في الإتيان بهذا العمل . أما إذا عملت سيئة علنًا فهنا الجهر بالتوبة عنها فيه ... للنفس وفيه قهر لها وإخضاع، ولذلك تجد كثيرًا من الناس حينما يخطئون علنًا فيأتي إنسان وينصحهم بأنه أخطأ وبأن يعلن خطأه على الناس قل من يفعل ذلك، ومن هنا نعرف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس له نظام محدد معين كما يبدو لبعض الناس الذين تغلب عليهم السياسة في الدعوة في زعمهم فيظنون أن الخطيب مثلًا إذا أخطأ على المنبر فتلا حديثًا أو قرأ حديثًا موضوعًا لا أصل له فقام أحد، وهذا مع الأسف في هذه البلاد غير موجود بينما في مصر يقع منه شيء كثير، والسبب أن البلاد المصرية فيها يعني روح علمية أكثر من هذه البلاد، فنحن نعلم حوادث كثيرة تقع بإنكار بعض الحاضرين على الخطيب حديثًا أو رأيًا أخطأ فيه ... والخطباء ما بين ناس مخلصين وناس غير مخلصين ... إلى آخره . والغلط أن الخطأ إذا وقع علنًا وجب إنكاره علنًا، وإذا وقع سرًا وجب إنكاره سرًا، لأنه في الحالة الأولى كما يروق لبعض الناس كما قلنا آنفًا أن يؤخذ هذا الخطيب بعد خطبته وبعد صلاته جانبًا ويقال له بلغة ناعمة أنه أنت بارك الله فيك خطبتك ما أحلاها وما أنفعها إلى آخره، محاضرة شديدة لحتى يتمكن المسلم يُقدّم نصيحة مختصرة لأخيه المسلم لكن جاء في خطبته حديث فلاني وهذا حديث موضوع . هكذا يقترح البعض، هذا المنكر ممكن أن يفيد الأسلوب هذا من باب المحافظة على قلب هذا المنصوح، لأنه مع الأسف صارت نفوس أكثر المسلمين فرعونية متكبرة لا تقبل النصيحة إلا من شاء الله ، كان يمكن اتخاذ هذا الأسلوب بشرطين اثنين، وأحدهما لا يمكن تحقيقه إطلاقًا، والآخر قد يمكن . الأول: أن يجمع الناس الذين أخطأ عليهم في خطبته، جميعًا في خطبة ثانية أو اجتماع ثاني ويقول: أنا أوردت عليكم في الخطبة السابقة حديث كذا وكذا وهذا حديث تبين أنه موضوع، لا يمكن جمع هؤلاء .