افتتاح الشيخ بخطبة الحاجة وبيان فضلها، وخطر الابتداع في دين الله ومعنى قول الرسول صلى الله عليها وسلم فيها:" كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ".
الشيخ : ... ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجلا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ويصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبعد : فكلمتي في هذه الليلة أن أتحدث عن بعض النصوص الثابتة في السنة وبعض الآثار المروية عن أول هذه الأمة يعتبرها بعض الناس ممن لا علم عندهم بكتاب الله ولا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين . تلك النصوص يعتبرونها شبهات ترد عليهم في أذهانهم على بعض النصوص القاطعة الدلالة في الكتاب والسنة أن كل بدعة ضلالة هذه الكلية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث واحد ويكفينا في ذلك هذه الخطبة التي قدمناها بين يدي هذه الكلمة اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان علمها أصحابه ليقدموها بين يدي خطبهم وتعليماتهم ومواعظهم وسماها علماء الفقه بخطبة الحاجة وفيها تلك الجملة المباركة ألا وهي قوله عليه الصلاة والسلام ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر على مسامع الناس هذه القاعدة الكلية بمناسبات شتى من أهمها خطبة يوم الجمعة فقد كان عليه الصلاة والسلام يفتتح خطبة الجمعة و وغيرها بهذه الخطبة التي عرفتم أن اسمها خطبة الحاجة كان عليه الصلاة والسلام يكررها ويلقيها بين يدي خطبه عليه السلام ومع ذلك إلا تذكيرا منه لأمته المباشرين لكلامه والسامعين لأحاديثه اقتداء ثم الذين يأتون من بعده عليه الصلاة والسلام ولم يسمعوا منه كلامه مباشرة ولكن نقله الخلف عمن السلف وبالأسانيد الصحيحية المعروفة عند أئمة السنة لقد كان عليه الصلاة والسلام يكرر في خطبه كما ذكرنا هذه الجملة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) التي هي في دلالاتها وعموم شمولها لكل بدعة حدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه عليه الصلاة والسلام إياها بالضلالة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، ثم جاءت الأحاديث بعد ذلك تترى يؤيد بعضها بعضا ويأخذ بعضها برقاب بعض كلها تدندن حول هذه الكلية ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) .
الشيخ : غير أن حديثا واحدا منها في الوقت الذي دل على ما دلت عليه هذه الجملة ( كل بدعة ضلالة ) قد لفت النظر إلى أن البدعة المقصودة في مثل هذه القاعدة المحمدية إنما هي البدعة في الدين فقال عليه الصلاة وأفضل التسليم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وهو من أحاديث الشيخين في صحيحيهما ( من أحدث في أمرنا هذا ... ) تقييد وبيان للبدعة الضلالة وهي التي تكون في العبادة في الدين أما البدعة التي لا علاقة لها بالدين فتلك لها أحكام أخرى ولا نقول إنها مباحة فقد تكون مباحة مشيا على الأصل المعروف عند الفقهاء ألا وهو قولهم " الأصل في الأشياء الإباحة " ولكن قد يكون هذا الشيء من أمور الدنيا يؤدي في كثير من الأحيان إلى ما هو محرم في الإسلام فهذا له شأن آخر وليس له علاقة بالبدعة التي يراد بها زيادة التقرب إلى الله تبارك وتعالى .
الشيخ : جاءت هذه الأحاديث كما رأيتموها عامة مطلقة لكل بدعة شاملة لكل بدعة في الدين ومع ذلك فقد وجد قديما وحديثا من يدعي أن هذه الأحاديث هي في تعبير علماء الأصول من العام المخصوص ويعنون بهذا أن قوله عليه الصلاة والسلام في عديد من الأحاديث ( كل بدعة ضلالة ) يعنون ليس كل بدعة ضلالة وإنما البدعة تنقسم إلى أقسام خمسة زعموا ففيها البدعة المشروعة والمستحبة والتي يمكن للمسلم أن يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى هكذا يقولون ولا نشك بسبب اطلاعنا على هذا الخلاف الذي ورثناه ممن قبلنا في هذه المسألة الهامة جدا أنهم قد يلجؤون للاستدلال على ما ذهبوا إليه من التخصيص المذكور ببعض النصوص الثابتة في السنة وقد يكون فيها شيء من الآثار الواردة عن بعض الصحابة ولذلك فأردت أن أبحث في هذه الليلة تلك الشبهات وأجيب عليها لكي يكون المسلم المؤمن بمنة الله عز وجل على عباده بإكماله شريعته في قوله (( اليوم أكلمت لكم يدنكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) فأكمل الله عز وجل وأتم الدين وذلك أكبر نعمة على المسلمين لو كان أكثرهم يعلمون .
الجواب عن الشبهة الأولى لمن يقسم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من سن في الإسلام سنة حسنة فلها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " ؟
الشيخ : من هذه النصوص التي تشكل على بعض الناس والبعض الآخر يركن إليها ويعتمد عليها في ضرب تلك القاعدة التي لا تقبل التخصيص والتقييد مطلقا ( كل بدعة ضلالة ) قالوا ليس كل بدعة ضلالة وإنما هناك بدعة حسنة واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من سن في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) . فسروا هذا الحديث بخلاف ما رمى إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من المعنى الذي لا يختلف مطلقا مع تلك القاعدة الإسلامية ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، قالوا في تفسير هذا الحديث معنى من سن في الإسلام سنة حسنة من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة فهذا التفسير تفسير باطل لا نشك في ذلك قدر أنملة ذلك لأنه يصطدم مع سبب ورود الحديث والمناسبة التي ذكرها عليه الصلاة والسلام فيها بحيث أنه إذا سمع السامع للحديث والمناسبة تبين له بطلان ذلك التفسير بطلانا جليا تلك المناسبة هي جاءت مع الحديث في صحيح الإمام مسلم ومسند الإمام أحمد وغيرهما من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال " كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاءه أعراب مجتابوا النمار متقلدوا السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمعر وجهه " أي تغيرت ملامح وجهه حزنا وأسفا على فقر هؤلاءالأعراب و قال عليه الصلاة والسلام فيم خبطهم في ذلك المكان (( يا أيها الذين أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )) ثم قال عليه الصلاة و السلام حاضا وتأكيدا لذلك الأمر القرآني قال عليه السلام ( تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره وبصاع شعيره ) تصدق معناه هنا ليتصدق كل من منكم بما تيسر من هذه الأمور المذكورة في كلامه عليه الصلاة والسلام فانطلق رجل من الذين كانوا في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام هذا ليعود إليه صلى الله عليه وآله وسلم وفي طرف ثوبه ما تيسر له من طعام أو دراهم و دنانير فلما رأى ذلك سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان فيهم أبو بكر وعمر كما في رواية للإمام الطبراني في معجمه الكبير قام كل من هؤلاء ليعود أيضا بما تيسر لكل منهم من صدقة فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمثال الجبال من الطعام والدراهم والدنانير فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهلل وجهه كأنه مذهبة أي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنور وجهه بعد أن استجاب له أصحابه وجاء كل منهم بما تيسر من الصدقة فرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الاستجابة وكان فرحه أكثر وأكثر بالنسبة للرجل الأول الذي فتح الطريق إلى هذه السنة ألا وهي الصدقة فقال عليه الصلاة والسلام بهذه المناسبة ( من سن في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ... ) إلى آخر الحديث فإذا ما عدنا إلى تفسير الخلف لهذا النص النبوي ( من سن في الإسلام حسنة ... ) بقولهم أي من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة وهذا كما قلنا آنفا جليا تناقض وتباين وهذا التفسير مع هذه الواقعة وهذه المناسبة وهذا فيما أظن لا يخفى على أحد من الحاضرين مهما كانت سويته وثقافته لأنه لا يشك أحد أن الحادثة لم يكن فيها شيء من البدع المحدثات لم يكن معروفا قبل هذه الحادثة لأنه لم يقع فيها إلا الصدقة فكيف يصح أن يقال لمناسبة هذه الصدقة في تفسير قول الرسول عليه السلام ( من سن في الإسلام حسنة ... ) أنه يعني من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ! أين هذه البدعة في هذا المجلس النبوي وهو قد قام فيه يخطب الصحابة ويذكرهم بكلام الله وبكلامه هو عليه الصلاة والسلام يذكرهم بالصدقة على هؤلاء الأقوام بالآية السابقة وبقوله حضا لهم ( تصدق رجل بدرهمه ... ) فاجتمع الناس على الصدقة كل ما في الأمر أن الرجل الأول هو الذي ذكر الحاضرين بهذه الصدقة بعمله حينما انطلق قبل غيره فجاء بما تيسر له كما سمعتم ثم تتابع أصحاب الرسول عليه السلام على هذه الصدقة فمن البدهي بمكان أنه لم يقع في هذا المجلس شيء من المحدثات وليكن محدثا لغة لم يقع شيء من ذلك فإذا تفسير أولئك الناس لهذا الحديث بما يدعمون به انحرافهم عن تلك القاعدة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هو خطأ آخر ، الخطأ الأول الانحراف عن هذه القاعدة والخطأ الآخر تأويلهم للحديث تأويلا ينقض القاعدة وهذا التأويل هو خطأ وافتراء ولو أن هذا الافتراء غير مقصود فهذا شيء آخر إنما هو افتراء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما يقول قائلهم من سن في الإسلام أي من ابتدع في الإسلام فأروني بربكم أين هذه البدعة في هذه الحادثة المباركة ولم يقع فيها إلا الصدقة التي حضهم الرسول عليه السلام عليها كما قلنا بالكتاب وفي السنة . وأنا أقول لو أن رجلا أعجميا ولا أذهب بعيدا لو أن رجلا مثلي ألباني الأصل أعجمي تعرب وتعرف على اللغة العربية لو أن مثل هذا فسر الحديث السابق بما يفسره هؤلاء العرب سلالة وجبلة أي ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) أي من ابتدع إلى آخر قولهم لكان من أجهل الناس بهذه الواقعة لأنه لا يجد في الحادثة كما ذكرنا بدعة بالمعنى الذي هم يفسرون الحديث به فكيف ينسب مثل هذا التفسير إذا كانت نسبته إلى رجل أعجمي مثلي مثلا كيف ينسب مثل هذا التأويل والتفسير إلى أفصح من نطق بالضاد إلى من نزل عليه القرآن الكريم بلغة العرب لا شك أن هذه زلة لو أنها وقفت عند اللغة العربية لهان الأمر بعض الشيء ولكن هذه الزلة أودت بصاحبها إلى تأويل قاعدة مطلقة أكدها الرسول عليه السلام بمناسبات شتى تلك قوله عليه السلام (كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار ) هذا أولا .
ذكر أوجه بطلان تفسير قوله: " من سن في الإسلام " بالابتداع.
الشيخ : أعني أن تخصيص هذا الحديث بهذا التفسير خطأ بل هو باطل لأكثر من وجه الأول هو مباينة هذا التفسير للحادثة كما شرحنا السبب الثاني وهو مهم جدا فأرجوا من طلاب العلم خاصة أن يتنبهوا لهذا لكي يتمكنوا من هداية الشاردين الضالين عن فهم الحديث الأول بالمعنى العام الذي أراده الرسول عليه الصلاة و السلام فنقول لهؤلاء الشاردين إننا نسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في هذا الحديث ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) وفي الفقرة الثانية يقول ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة ) نسأل هل هناك خلاف بين المسلمين اليوم أن كون الشيء حسنا أو كونه سيئا لا سبيل إلى معرفته إلا بطريق الكتاب والسنة أي بوحي السماء وبمعنى آخر ليس الشيء الحسن والشيء السيء هو الذي يستحسنه عقول الناس أو لا يستحسنه عقول الناس خلافا لما كان عليه المعتزلة قديما وجرى بسبب انحرافهم خلاف شديد بينهم وبين أهل السنة فإن المعتزلة كانوا يقولون وأصبحت هذه قاعدة في علم الكلام بالتحسين والتقبيح العقليين . المعتزلة يقولون الحسن ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العقل وجاءت مناقشات كبيرة بين أهل السنة والمعتزلة في هذا ولا شك أن الفلج والنصر إنما كان لأهل السنة على أولئك ولا أرى نفسي بحاجة إلى أن ... أهل السنة هنا ما دمنا نحن أولا جميعا ننتمي إلى أهل السنة وليس فينا معتزلة يقولون بقول المتقدمين منهم أن الحسن ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العقل ما دام أنه ليس فينا من يقول بالتحسين والتقبيح العقليين نعود إليهم لنفهم الحديث في هاتين الصفتين سنة حسن سنة سئية . من أين نعرف أن الشيء الفلاني هو سنة حسنة أو شيء آخر هو سنة سيئة الجواب بداهة إنما هو كتاب وإنما هو سنة . إذا نقول للمبتدعة الذين وسعوا دائرة العبادات في الإسلام بسبب انحرافهم عن تلك القاعدة العظيمة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) نقول ها هنا فأي بدعة زعمتم أنها حسنة قلنا لكم (( هاتوا برهانكم إن منتم صادقين )) فإن عجزوا فلا شك أنهم عاجزون كل العجز أن يأتوا بدليل من الكتاب والسنة يحسن لهم بدعة من تلك العبادات وكذلك إذا قالوا الأمر الفلاني سنة سيئة فلا بد أيضا من أن يأتي هذا المدعي بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة على أن تلك السنة سنة سيئة .
الجواب عن الشبهة الثانية لمن يقسم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة بقول عمر بن الخطاب: نعمة البدعة هذه - يعني جمع الناس في التراويح -
الشيخ : وهنا لبسط وشرح هذه القضية لأنه قد يرد إشكال من بعض من قد يكون على شيء من العلم والاطلاع في هذ المجال من مبسطات الكتب نحن نعتقد أن كل شيء أحدث في الدين يراد زيادة التقرب به إلى الله هو كله ضلالة ولا استثناء في ذلك ولكن قد يشكل هذا على بعض الناس بحوادث وقعت في عهد السلف فيظنون أن هذه الحوادث تنافي هذه الكلية والواقع أنه لا منافاة في ذلك مطلقا لها ولذلك فإني أذكر أول ما أذكر أثرا صحيحا أخرجه الإمام البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم خرج في العشر الأخير من رمضان في آخر رمضان من حياته المباركة فصلى في المسجد في زاوية من زوايا المسجد وفرشوا له هناك حصيرا فلما رآه بعض الصحابة يصلي اقتدى خلفه و عهدهم به عليه الصلاة والسلام أنه يحي الليل في بيته حيث لا يراه أحد إلا في تلك الليلة فلما رأوه يصلي في المسجد فاقتدى به من كان حاضرا وفي النهار انتشر الخبر فتجمع الناس في الليل فخرج الرسول عليه السلام وصلى كما فعل في الليلة الأولى صلاة القيام والركعات المعروفة في كل حياته عليه السلام أنها إحدى عشر ركعة فتجمع الناس في الليلة الثانية أكثر من تجمعهم في الليلة الأولى وهكذا في الليلة الثالثة غض المسجد وامتلأ بالمصلين ثم اجتمعوا في الليلة الرابعة وانتظروا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ليخرج إليهم كما فعل في الليالي الثلاث وإذا بهم لا يفاجؤون بخروجه عليه السلام إلا مغضبا بعد أن حصب بعض الصحابة بابه توهما منهم أنه عليه السلام قد أخذه النوم وما كان به عليه الصلاة والسلام النوم وإنما كان يقظانا وكان لم يخرج عن خطة شرعية ولذلك لما أطل عليهم رأوه مغضبا وقال لهم ( يا أيها الناس إنه لم يخف عليّ مكانكم هذا وإني عمدا تركت ذلك إني خشيت أن تكتب عليكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بعد هذا الرمضان ولم يدرك رمضان التالي لأنه مات كما تعلمون في ربيع الأول في رمضان الثاني والثالث وإلى ما شاء الله من الرمضانات كثيرة استمر أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم يصلون قيام رمضان في المسجد النبوي زرافات ووحدانا إلى أن جاءت خلافة عمر رضي الله عنه وخرج كعادته يتحسس أحوال الناس في المساجد وفي الطرقات دخل المسجد فوقع نظره على ما كان يراه من قبل متفرقين هنا وهنا فقال وهذا من إلهامات الله عز وجل للفاروق رضي الله عنه قال" لو أنا جمعنا هؤلاء وراء إمام واحد " ثم بدا له فيما بعد أن يجمعهم وراء إمام فصلى بهم بل أمر أبيّ بن كعب أن يصلي بهم جماعة واحدة إحدى عشرة ركعة ثم خرج عمر رضي الله عنه في الليلة الثانية أو التي بعدها فلما رآهم هكذا مجتمعين وراء إمام واحد أعجبه ذلك فقال " نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل " فيتشبت بعض الواهين بقول عمر هذا " نعمت البدعة هذه " أنه يوجد إذا في الإسلام بدعة ليس لها أصل فيما مضى من زمن الرسول عليه السلام وحياته . أجاب عن ذلك المحققون من أهل العلم كالإمام الشاطبي في كتابه العظيم الإعتصام الذي ننصح كل طالب علم يريد أن يكون على بينة من هذه القاعدة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) وأن يتعرف على الشبهات التي يوردها المخالفون والجواب العلمي القوي عليها ننصح كل من يريد هذا أن يقتني هذا الكتاب العظيم الإعتصام للإمام الشاطبي في علم يتفقه حقيقة في ... رحمه الله في كتابه العظيم أيضا وهو المعروف باسم " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " فتعرض بمناسبة هذا العنوان العظيم أن الكفار من دأبهم الابتداع في الدين كما قال رب العالمين بالنسبة لرهبانية النصارى (( رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم )) فتعرض ابن تيمية للبدعة في الدين وفصّل القول في ذلك تفصيلا رائعا وكان مما تكلم هو والإمام الشاطبي أن قالوا أن عمر رضي الله عنه في قوله هذا لا يعني البدعة التي أرادها الرسول في القاعدة ( كل بدعة ضلالة ) أي كل بدعة في الدين ضلالة لا يريد عمر هذا المعنى بالذات لم ؟ لأن عمر رضي الله عنه إنما جمع الصحابة على سنة وليس على بدعة والحقيقة أن هذا الأثر يلتقي مع الحديث الأول من سن التقاء تاما من حيث أن الناس الذين أساؤوا فهم الحديث أساؤوا أيضا فهم الأثر وأن الذين أحسنوا فهم الحديث أحسنوا أيضا فهم الأثر وما خرجوا عن المناسبة التي قيل فيها الحديث والمناسبة التي قيل فيها ذاك الأثر ذكرنا آنفا أن في الحديث الصحيح أن الرسول عليه السلام أحيا قيام رمضان جماعة في ثلاث ليال ! فإذا هل يقال في شيء فعله الرسول صلوات الله وسلامه عليه إنه بدعة حاشا لمن هو دون عمر بمراحل أن يتوهم أن قيام الرسول عليه السلام في تلك الليال لا يرفع صبغة أو طبيعة البدعية عن هذه العبادة بل يجزم بأن القيام هذا هو سنة سنها الرسول صلوات الله وسلامه عليه بعمله في هذه الليالي الثلاث فإذا لا يمكن يستحيل أن يعني عمر أن صلاة الصحابة التراويح جماعة بدعة لا أصل لها في الشريعة وهذا أصلها من فعله عليه الصلاة والسلام وأكثر من ذلك إن صلاة القيام في رمضان ثبتت سنيتها بشيء زائد على فعل النبي صلى الله عليه وسلم إياها ذلك أنه جاء في سنن أبي داود مسند الإمام أحمد وغيرهما بالسند القوي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من صلى العشاء في رمضان ثم قام قيام الليل مع الإمام كتب الله له في تلك الليلة قيام الليل كله " في هذا الحديث فائدة هامة جدا بالنسبة لهذ الموضوع الذي نحن في صدده أي أن هذا الحديث شرع للمسلمين من بعد الرسول عليه السلام أن يجتمعوا في صلاة القيام في رمضان لأنه جعل شريعة أبدية إلى يوم القيامة أن من صلى صلاة الليل في رمضان كتب له كأنما قام الليل كله هذا فإذا ضممنا هذا الحديث القولي إلى ذاك الحديث الفعلي ثبت لدينا يقينا أن صلاة التراويح جماعة مستحيل أن يقول عمر بن الخطاب إنها بدعة بالمعنى الذي يريده هؤلاء المتأولة لأثر عمر هذا أي لم يقل هذه العبادة لم تكن ثم حدثت من بعد ولذلك سماها عمر وأثنى عليها بقوله السابق الذكر هذا باطل .
لماذا أطلق عمر بن الخطاب عن صلاة التراويح جماعة أنها بدعة وحسنها ؟
الشيخ : لكن نعرف بالاستقراء والمتابعة أن هنا يرد سؤال تقليدي كما يقولون إذا كان عمر لا يعني هذا المعنى المنحرف أن صلاة القيام في رمضان جماعة وراء إمام واحد لا يعني أنها محدثة بعد الرسول عليه السلام لم ذكرنا لفعله وقوله إذا لماذا أطلق على هذه الصلاة أنها بدعة وحسنها نقول لأن ذلك الصلاة تركت مدة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي كما تعلمون نحو سنتين ونصف ثم شطرا من خلافة عمر الله أعلم بمقداره حتى ألهمه الله تبارك وتعالى لإحياء هذه السنة فلسبب انقطاع العمل بهذه السنة لظروف كانت أحاطت بخلافة أبي بكر من أهمها كما تعلمون حروب الردة وتجهيز جيش أسامة ونحو ذلك من الأمور الهامة التي حرص عليها أبو بكر أن يقدمها على كل شيء في سبيل تمكينه القاعدة المتينة للدولة المسلمة ثم جاء عمر ومضى عليه مضى وهذه الصلاة تصلى كما ذكرنا دون هذا الإمام ثم فتح الله عليه وألهمه أن يجمعهم فبسبب هذه الفجوة وهذا الترك للعمل بهذه السنة سماها بدعة أي لغة أي أنها حدثت بعد ذلك الترك أقول هذا المعنى وهذا التفسير كله أولا ليس مني وإنما من كبار العلماء وأنا تابع لهم في هذا وليس تقليدا وإنما اتباعا على بصيرة لأنه لا يستطيع أحدا أبدا أن يجهل عمر فيظن فيه أنه يعتقد أن الصلاة جماعة في قيام رمضان بدعة حدثت بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا أبطلنا الاستدلال بهذا الأثر على أنه هناك بدعة حسنة في الدين كما بيّنا السبب الذي من أجله قال عمر رضي الله عنه " نعمت البدعة هذه " بقي شيء آخر قد يذكره بعضهم .
بيان خطأ من قال: إن تسمية عمر بن الخطاب صلاة التراويح بدعة لأنه جمعهم على ثلاث وعشرين ركعة.
الشيخ : يقولون صدقت في قولك بأن صلاة التراويح إنها سنة من فعله عليه السلام و قوله لكن عمر إنما سماها بدعة لأنه جمعهم وراء إمام واحد في عشرين ركعة زايد ثلاثة في ثلاث وعشرين ركعة مع الوتر فنقول هذا الكلام باطل لا أصل له وإذا شئتم التحقق فارجعوا إلى كتب السنة ذلك لأنه صح في كتاب الإمام مالك الموطأ الذي كان الإمام الشافعي في زمانه يجعله أصح كتاب ألف في السّنة لقد روى فيه بإسناد صحيح جدا أن عمر بن الخطاب لما جمع الناس وراء أبيّ أمر أبيّ أن يصلي بهم إحدى عشرة ركعة وأنا لست الآن بطبيعة الحال في صدد الخوض في هذه الجزئية من صلاة التراويح هل يشرع الزيادة أو لا يشرع هذا له مجال آخر أومناسبة أخرى لكني أريد أن أذكر بأن عمر قال هذه الكلمة وقد أمر أبيّ أن يصلي بالناس السنة الفعلية التي فعلها الرسول عليه السلام طيلة حياته ومنها في الليالي الثلاث إحدى عشرة ركعة وبهذا ينتهي الكلام عن هذا الأثر وكيف أنهم حرفوه وحاولوا أن يستدلوا به على ما ينافي تلك القاعدة الأصولية الإسلامية والتي لم يضعها علماء الفقه الذين قد يمكن أن يقول قائل هذا خطأ وإنما وضعها سيد الناس عليه الصلاة والسلام وثبت ذلك عنه ذلك في العديد من الأحاديث كما ذكرنا .
تتمة الكلام حول الفهم الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم:" من سن في الإسلام سنة حسنة " وذكر مثال لها وهو إجلاء عمر بن الخطاب اليهود من خيبر، وهل هذه بدعة حسنة؟
الشيخ : أيضا أريد أن أذكر شيئا آخر يتعلق بفهم ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) كيف أن من ادّعى أن شيئا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه حسن لا بد أن يأتي بالدليل فأنا آتيك الآن بمثال واضح معروف كلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله و سلم فتح قرية خيبر عنوة وصالح اليهود على أن يضلوا فيها ويعملوا في أرضها في نخيلها وفي ... وأن الحاصل من ذلك شطر للرسول عليه السلام وشطر لليهود وكان من جملة ما اشترط عليهم عليه الصلاة والسلام في هذا الصلح مع اليهود أن قال لهم ( نقركم فيها ما نشاء ) توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود في خيبر وهم لا يزالون يمكرون له عليه السلام ويحاولون قتله ولو بدس السم في الدسم كما يقال وكما جاء ذلك في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذراع شاة فهلك من وراء الأكل صحابي أو اثنان أما الرسول عليه السلام فقد لفظها ولكن لم يزل ... حتى وجد ألمها في مرض موته عليه الصلاة والسلام . بقي اليهود في خيبر إلى ما بعد وفاة الرسول وفي خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر ثم بدا لعمر أن يخرجهم من خيبر فأخرجهم وأنذرهم قبل إخراجهم فالآن نقول وهذا باب من الفقه عظيم هل إخراج عمر بن الخطاب لليهود بدعة أو هو سنة حسنة أو هي سنة سيئة الجواب هذه الحادثة أولا ليس لها علاقة بالبدعة الحسنة في عرف المتأخرين بل هي لها علاقة بالسنة الحسنة في عرف سيد المرسلين الذي سمعتم قوله في الحديث السابق قلت متسائلا آنفا عندنا سبيل آخر في الاعتراض على المبتدعة الذين يحسنون بعض البدع محتجين بهذا الحديث نقول لهم أن التحسين والتقبيح العقليين ليس من مذهب أهل السنة وإنما نعرف الحسن والقبح بالشريعة فإن قال قائل هذا أمر حسن نقول له هات الدليل. الآن نحن أتينا بأمر حدث بعد الرسول عليه السلام لا إشكال في ذلك أبدا كذلك إخراج عمر لليهود من خيبر هل هذه بدعة بالمعنى الحادث أم هي سنة حسنة لا شك في الجواب هي سنة حسنة من أين عرفنا أن هذه سنة حسنة ؟ مما ذكرناه آنفا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح اليهود على ما سبق بيانه قال لهم ( نقركم فيها ما نشاء ) نحن المسلمين فجاء عمر فرأى المصلحة في إخراجهم فأخرجهم فنفذ المشيئة التي ذكرها الرسول عليه السلام في شرط من الشروط التي فرضها عليهم إذا عمر هنا لم يبتدع في الإسلام شيئا .
الشيخ : وعلى هذا قولوا كل ما يقال من أمثلة في سبيل الاحتجاج على البدعة الحسنة كقولهم مثلا بجمع القرآن وهذا من عجائب الزمان يقولون جمع القرآن بدعة لكن البدعة أقسام منها فرض ومنها واجب ومنها سنة وإلى آخره . جمع القرآن بدعة هذا من أعجب ما يسمع طالب العلم من بعض أهل العلم أن يسمي القرآن الذي صدر الله عزّ وجل أطول سورة في القرآن بقوله (( ألم *** ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )) ، فهذا الكتاب لا يطلق على سطور مبعثرة وعلى أوراق متفرقة إلا بعد أن يجمع في كتاب يتادوله الناس كما فعل الصحابة قديما وعلى الوسائل البدائية التي كانوا يعرفونها حتى اليوم مهما جد في هذه الوسائل من تقدم فالقول بأن جمع القرآن بدعة هو كما لو قيل إن إخراج عمر لليهود بدعة وهذا وذاك كلام باطل بل هذا من الواجبات لو لم يكن في القرآن مثل هذه الإشارة وغير ذلك من مثل أمر الرسول عليه السلام بكتابة القرآن ومحو الأحاديث التي كتبوها ليضل القرآن محفوظا لوحده لما كان هناك مجال للقول بأنه بدعة في الدين ولو وصفوها بأنها فريضة فكيف وهذا يدخل في قاعدة الفقهاء " ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب " . ومن العجب العجاب مع أهمية جمع القرآن وهنا عبرة عظيمة جدا لما كلف أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب زيد بن ثابت بجمع القرآن أتدرون ما كان موقف زيد بن ثابت موقف عجيب يدلنا على أن السلف الصالح كان موقفه بالنسبة لما قد يظن أن من البدعة في الدين موقف الخائف أن يقع في البدعة بينما اليوم تجد الموقف معكوسا منكوسا تماما أول ما تنكر على الإنسان يقول لك يا أخي شو فيها هذه بدعة حسنة انظروا موقف زيد بن ثابت لما كلفوه بجمع القرآن قال لهم كيف تعلمون شيئا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم - الله أكبر - . إن جمع القرآن الذي فيه حفظ الدين والذي وعد رب العالمين بحفظه في قوله (( إنا نحن نزلنا لاذكر وإنا له لحافظون )) إذا قام الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر بتحقيق وتنفيذ هذا الوعد الإلهي (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) ، يقول زيد بن ثابت وهو من هو في العلم وأنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف أن يكون هذا العمل ابتداعا في الدين فيقول كيف تفعلون شيئا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فما زال بي حتى شرح الله صدري لما شرح الله له صدر أبي بكر وعمر و (( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو أقلى السمع وهو شهيد )) السائل : إخواني بالنسبة للأسئلة التي طرحت قبل للشيخ يعني ... إذا قلت الإخوة أنها ... للشيخ خاصة أن هناك أشرطة في شركة سارية فالأخوة الذين ما سمعوا هذه الأسئلة والجواب عن الشيخ عليها ارجعوا إلى هذه الأشرطة حتى لا يتكرر العلم مرة أخرى ولكن نأتي بالجديد من الأسئلة . سائل آخر : جزاك الله خيرا .
السائل : يقول الأخ السائل هنا ما حكم تقبيل القرآن ؟ الشيخ : هذه مما يدخل في اعتقادنا في عموم الأحاديث السابقة التي منها ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) وكثير من الناس لهم موقف خاص في مثل هذه الجزئية يقولون إيش فيها ما هو إلا إظهار تبجيل وتعظيم لهذا القرآن الكريم ونحن نقول لهم صدقتم ليس فيها إلا التبجيل والتعظيم للقرآن الكريم . ولكن ترى هل هذا التبجيل والتعظيم كان خافيا على الجيل الأول وهم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك أتباعهم وكذلك أتباع التابعين من بعدهم لا شك أن الجواب سيكون كما قال علماء السلف لو كان خيرا لسبقونا إليه هذا شيء والشيء الآخر هل الأصل في تقبيل شيء ما هل الأصل الجواز أم الأصل المنع ؟ هنا لا بد من إيراد الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما ليتذكر من شاء أن يتذكر ويعرف بعد المسلمين اليوم عن سلفهم الصالح وعن فقههم وعن معالجتهم للأمور التي قد تحدث لهم ذاك الحديث هو ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب جاء إلى الحجر الأسود ليقبله فقال " إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك " ومامعنى هذ الكلام من هذا الفاروق ؟ لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل ما قبلتك ، إذا لماذا قبل عمر الحجر الأسود وهو كما جاء في الحديث الصحيح ( الحجر الأسود من الجنة ) هل قبّله بفلسفة صادرة منه ليقول كما يقول القائل بالنسبة لمسألة السائل أن هذا كلام الله ونحن نقبله هل يقول أيضا هذا حجر أثر من آثار الجنة التي وعد بها المتقون فأنا أقبله ولست بحاجة إلى نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم ليتبين لي مشروعية تقبيله أن يعامل هذه المسألة الجزئية كما يريد أن يقول بعض الناس اليوم بالمنطق الذي نحن ندعو إليه اليوم ونسميه بالمنطق السلفي وهو الإخلاص في اتباع الرسول عليه السلام ومن استن بسنته إلى يوم القيامة هكذا كان موقف عمر فيقول " لو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " إذا الأصل في مثل هذا التقبيل أن نجري منه على سنة ماضية لا أن نحكم على الأمور كما أشرنا آنفا أن هذا والله حسن إيش فيه ؟ تذكرون معي موقف زيد بن ثابت كيف كان هذا الموقف اتجاه عرض أبي بكر وعمر عليه جمع القرآن لحفظ القرآن من الضياع كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم المسلمون ما عندهم هذا الفقه في الدين إطلاقا إذا قيل لمقبل القرآن كيف تفعل شيئا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم جابهك بأجوبة عجيبة وعجيبة جدا منها يا أخي شو فيها تعظيم القرآن يا أخي هذا الكلام يعاد عليك الرسول ما يعظم القرآن ؟ يعظم القرآن أو يقولون أنت تنكر علينا تقبيل القرآن وأنت تركب السيارة وتسافر بالطيارة وهذه من البدعة يأتي الرد عليها ما سمعتم أن البدعة في الدين اللي هي ضلالة إنها ما كان منها في الدين أما في الدنيا فكما ألمحنا آنفا أنه قد تكون جائزة وقد تكون محرمة و و إلى آخره وهذا شيء معروف ولا يحتاج إلى مثال فالرجل الذي يركب الطيارة ليسافر إلى بيت الله الحرام للحج أو العمرة لا شك أنه جائز والرجل الذي يركب الطائرة فيسافر إلى الغرب ويحج إليه لا شك أن هذه معصية و هكذا أما الأمور التعبدية التي إذا سئل عنها السائل لماذا تفعل يقول تقرب إلى الله لا سبيل إلى التقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بما شرع الله . وهذا بحث نحن طرقناه أكثر من مرة وخاصة في هذه البلاد ولو مرة فلا نعود فيه لا سيما ونحن في صدد الإجابة عن أسئلة لكني أريد أن أذكر بشيء وهو في اعتقادي مهم جدا لتأسيس ولدعم هذه القاعدة أن كل بدعة ضلالة ما فيه مجال للاستحسان عقلي بتاتا يقول السلف " ما أحدثت بدعة إلا وأميتت سنة " وأنا ألمس الحقيقة لمس اليد بسبب تتبعي لمحدثات الأمور وكيف أنها تخالف ما جاء عن الرسول عليه السلام في كثير من الأحيان انظروا الآن كفكرة عامة إذا كان عندكم بعض أهل العلم والفضل ورأيته استلم القرآن يقرأ إذا كان فعلا من أهل العلم والفضل ما يقبلون القرآن لأنهم يعرفون أن هذه قضية شكلية لا يترتب عليها شيء لكن عامة الناس ليس لهم في عواطفهم ضوابط ... يقول لك ما فيها شيء أنا أقول ما أحدثت بدعة إلا وأميتت سنة مثل هذه البدعة بدعة أخرى عندنا في بلاد الشام قد تكون في بلاد أخرى نرى الناس حتى الفساق منهم اللي لا يزال في قلوبهم بقية من الإيمان إذا سمعوا المؤذن من المسجد قاموا قياما إذا سألتهم إيش هذا القيام قالوا تعظيم لله عز وجل طيب روح للمسجد ما يذهبون يظلون يلعبون بالشدة والنرد والشطرنج ونحو ذلك لكن الذي يعظمون ربنا بهذ القيام من أين جاء هذا القيام جاء طبعا من حديث موضوع هذا له أصل ولعله يأتي التنبيه عليه " إذا سمعتم الأذان فقوموا " هذا الحديث لو كان له أصل فإنما حرف من بعض الضعفاء أوالكذابين فقال بدل قوموا قولوا واختصر الحديث ( إذا سمعتم الأذان فقولوا مثلما يقول المؤذن ثم صلوا عليّ ... ) فانظروا كيف أن الشيطان يزين للإنسان بدعة ويشبه في نفسه انه هو يا أخي مؤمن يعظم شعائر الله والدليل أنه إذا مسك المصحف يقبله وإذا سمع الأذان يقوم له لكن الأول هل يعمل بالقرآن ؟ لا يعمل بالقرآن مثلا قد يصلي لكن هل لا يأكل الحرام هل لا يأكل الربا هل لا يطعم الربا هل لا يشيع بين الناس الوسائل التي يزدادون بها معصية إلى الله هل هل أسئلة لا نهاية لها لذلك نحن نقف فيما شرع الله لنا من طاعات و عبادات ولا نزيد عليها حرفا واحدا لأنه كما قال عليه السلام وذكرت هذا في جلسة سابقة ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) وهذا الشيء تتقرب به إلى الله هات نص عن الرسول عليه السلام ما فيه نص هي بدعة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ولا يشكلنّ على أحد أن هذه المسألة بهذه الدرجة بهذا البساطة مع ذلك هي ضلالة وصاحبها في النار أجاب عن هذه القضية الإمام الشاطبي فقال كل بدعة مهما كانت صغيرة فهي ضلالة لا ينظر في هذا الحكم أنها ضلالة إلى ذات البدعة وإنما ينظر في هذا الحكم إلى المكان الذي وضعت فيه هذه البدعة ما هو هذا المكان شريعة الإسلام التي تمت وكملت فلا مجال لأحد للاستدراك ببدعة صغيرة أو كبيرة من هنا تأتي ضلالة البدعة لا لمجرد إحداث إياها وإنما يعطي معنى الاستدراك على ربنا تبارك وتعالى ونبينا غيره .
هل يجوز الحلف بالقرآن الكريم أو بالدين أو الإسلام، وهل يجوز وضع المصحف على الأرض ؟
السائل : فيه سؤالان السؤال الأول هل يجوز الحلف بالقرآن الكريم و بالدين أو بالإسلام، و وضع القرآن على الأرض ؟ الشيخ : أما الحلف بالقرآن فهو جائز عند أهل السنة الذين يعتقدون بأن القرآن كلام الله ... .