افتتاح الشيخ بخطبة الحاجة
مواصلة الشيخ في شرح درس الترغيب والترهيب والتعليق على قول المصنف "الترغيب في الخوف وفضله "
فهؤلاء رسل الله صلى الله عليهم و سلم قد وصفهم الله تبارك و تعالى بأنهم يبلغون رسالة الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلا الله ، كذلك وصف الله العلماء بقوله (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) و جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في قصة الرهط و غيرهم أنه قال ( أما إني أخشاكم لله و أتقاكم لله ) هذا في البشر و هناك وصف من الله تبارك و تعالى لخلق من خلقه اصطفاهم على كثير من عباده ألا و هم الملائكة المقربون وصفهم ربنا عز و جل بقوله (( يخافون ربهم من فوقهم )) هؤلاء الملائكة الموصوفون في القرآن الكريم بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون مع ذلك هم موصوفون أيضا بأنهم (( يخافون ربهم من فوقهم )) فإذا كان الأمر هكذا ما بين الملائكة و الرسل و العلماء فكل هؤلاء و هؤلاء و هؤلاء يخشون الله تبارك و تعالى و كما ذكرت آنفا كلما كان أتقى كان أخشى كما قال عليه السلام ( أما إني أخشاكم لله و أتقاكم لله ) لذلك فمن العبث ومن الكلام الباطل المعسول أن ينقل عن بعض المتصوفة سواء كانوا نساء أو رجالا أن أحدهم كان يقول في مناجاته لربه تبارك و تعالى " ما عبدتك طمعا في جنّتك ولا خوفا من نارك ... " إلى آخر الخرافة المزعومة ، لا يتصور من إنسان عرف الله حق معرفته أن لا يخشى من ربه تبارك و تعالى كما ذكرنا كلما كان مقربا إلى الله كلما كان أخوف من الله و أخشى لله عز و جل و ما المقصود من مثل هذه الخرافة الصوفية إلا أن يحمل الناس أن يعيشوا هكذا ليس هناك خوف منهم لله يحملهم على تقواه ولا أيضا عندهم رغبة فيما عند الله يطمعهم أيضا في أن يزدادوا أيضا تقى من الله فهذا الفصل ستسمعون فيه أحاديث كثيرة فيه بيان أن المؤمن من طبيعته أن يخشى الله و أن هذه الخشية تكون سبب مغفرته لذنوبه و أمانه من عذاب ربه عز و جل حتى و لو حصلت منه هذه الخشية في لحظة من حياته بينما كانت حياته كلها يحياها و يعيشها في بعد من الله تبارك و تعالى .
2 - مواصلة الشيخ في شرح درس الترغيب والترهيب والتعليق على قول المصنف "الترغيب في الخوف وفضله " أستمع حفظ
شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكرهم إلى أن قال ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رواه البخاري ومسلم وتقدم بتمامه
هذا الحديث حديث معروف الصحة و مخرج في الصحيحين و كان تقدّم معنا في موطن واحد أو أكثر منه كتاب الزكاة لأن فيه جملة ( ورجل تصدّق بيمينه فأخفاها ... ) إلخ فهناك ساق المصنف هذا الحديث بتمامه و الآن اقتبس منه هذه الجملة التي يترجم بها لهذا الباب الذي ذكرناه ذلك أن من أولئك السّبعة ( رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) و رجل أيضا ( ورجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال إني أخاف الله ) وذاك الذي ذكر الله خاليا ففاضت عيناه إنما بكى خوفا من الله وهذا الرجل الذي دعته المرأة الجميلة ذات المنصب لما دعته قال ( إني أخاف الله ) فخوفه من الله عز و جل عصمه و خوف ذاك من الله عز و جل حينما ذكره فبكى خشية منه جعل كلا منهما من أولئك السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظلّه .
3 - شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكرهم إلى أن قال ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رواه البخاري ومسلم وتقدم بتمامه أستمع حفظ
إشارة الشيخ إلى أن الحديث الثاني ضعيف
شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ثلاثة فيمن كان قبلكم يرتادون لأهلهم فأصابتهم السماء فلجؤوا إلى جبل فوقعت عليهم صخرة فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله فادعوا الله بأوثق أعمالكم ....."
نعود إلى الحديث و نتفقّه في بعض فقراته و نشرح ما قد يغمض منها ( خرج ثلاثة ممن كان قبلكم ) يعني من أهل الكتاب ( يرتادون لأهلهم فأصابتهم السماء ) هذا من أسلوب العرب أن يطلق في السماء على اعتبار أنها موضع المطر أو المطر فأصابتهم السماء يعني أصابهم المطر على حد قول الشاعر : " إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرْضِ قَوْمٍ " ... ساعة و إنما المقصود هنا بالسماء هنا المطر " إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرْضِ قَوْمٍ *** رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا " ( فأصابتهم السماء ) أي المطر ( فلجؤوا إلى جبل ) أي إلى غار في جبل هذا من الإختصار الذي جاء في هذا الحديث و بيانه في حديث بن عمر المشار إليه و المتقدّم في أول الكتاب ( فلجؤوا إلى جبل فوقعت عليهم صخرة ) أي فسدّت عليهم الغار كما في ذاك الحديث ( فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ) يعني بسبب نزول الأمطار لو فقدهم أهلهم لم يستطيعوا أن يتتبعوا أثرهم لأن الأثر انمحى بسبب الأمطار و السيول فكأن هذا البعض أي أحدهم يقول إننا انقطعنا عن الدنيا فلا أحد يعرف أين صرنا ( عفا الأثر و وقع الحجر ) أي الصخرة التي سدّت عليهم الغار ( و لا يعلم بمكانكم إلا الله فادعوا الله بأوثق أعمالكم ) و لا يعلم بمكانكم هنا إلا الله و أنا مريت عليها و ما انتبهت لها و هكذا يقع من القارئ أو المصحّح الذي يقرأ من ذهنه ( و لا يعلم بمكانكم إلا الله فادعوا الله بأوثق أعمالكم ) هذا كما كنا شرحنا هناك يومئذ فيه شرعية التوسّل بالعمل الصالح ( ادعوا الله بأوثق أعمالكم ) هناك يقول بن عمر عن الرسول عليه الصلاة و السلام ( انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها ) على وزان قول الله تبارك و تعالى في القرآن (( و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) ففي هذا الحديث حديث أبي هريرة زائد حديث بن عمر نصّ على شرعية توسّل العبد إلى الله تبارك و تعالى بعمل صالح له .
و كما تعلمون جميعا إن شاء الله لا يكون العمل صالحا إلا بشرطين اثنين ، الشرط الأول أن يكون خالصا لله عز و جلّ فلو أن مسلما قام و صلى في الليل و الناس نيام و صام وهو لا يقصد بذلك وجه الله و إنما أن يقال عنه أنه متعبّد زاهد صالح كان عمله هباء منثورا لأنه لم يخلص فيه لله عز و جلّ هذا هو الشرط الأول و الشرط الثاني أن يكون العمل الذي أخلص فيه لله عزّ و جلّ مشروعا و لا يكون مشروعا إلا إذا كان قد ورد في الكتاب و السّنّة وهذا له أدلة كثيرة ومن الأدلة الجامعة للشرطين قول الله عز و جلّ (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا )) (( فليعمل عملا صالحا )) أي على الكتاب و السّنّة (( و لا يشرك بعبادة ربه أحدا )) أي لا يقصد بهذا العمل غير وجه الله عز و جل و إلا قد يكون أشرك فيه مع الله وحينئذ يردّ عليه بل و يضرب به وجهه
5 - شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ثلاثة فيمن كان قبلكم يرتادون لأهلهم فأصابتهم السماء فلجؤوا إلى جبل فوقعت عليهم صخرة فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله فادعوا الله بأوثق أعمالكم ....." أستمع حفظ
تتمة شرح "......فادعوا الله بأوثق أعمالكم فقال أحدهم اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي امرأة تعجبني فطلبتها فأبت علي فجعلت لها جعلا فلما قربت نفسها تركتها فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما فإذا أتيتهما وهما نائمان قمت حتى يستيقظا فإذا استيقظا شربا فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر وقال الثالث اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا يوما فعمل لي نصف النهار فأعطيته أجرا فسخطه ولم يأخذه فوفرتها عليه حتى صار من ذلك المال ثم جاء يطلب أجره فقلت خذ هذا كله ولو شئت لم أعطيه إلا أجره الأول فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال الحجر وخرجوا يتماشون رواه ابن حبان في صحيحه ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر بنحوه وتقدم
6 - تتمة شرح "......فادعوا الله بأوثق أعمالكم فقال أحدهم اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي امرأة تعجبني فطلبتها فأبت علي فجعلت لها جعلا فلما قربت نفسها تركتها فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر وقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما فإذا أتيتهما وهما نائمان قمت حتى يستيقظا فإذا استيقظا شربا فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر وقال الثالث اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا يوما فعمل لي نصف النهار فأعطيته أجرا فسخطه ولم يأخذه فوفرتها عليه حتى صار من ذلك المال ثم جاء يطلب أجره فقلت خذ هذا كله ولو شئت لم أعطيه إلا أجره الأول فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال الحجر وخرجوا يتماشون رواه ابن حبان في صحيحه ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر بنحوه وتقدم أستمع حفظ
شرح الحديث الرابع من باب الترغيب في الخوف وفضله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر أن يجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له رواه البخاري ومسلم ورواه مالك والنسائي ونحوه
هذا الحديث من الغرائب يتضمّن من غرائب الحوادث التي كانت تقع في الزمن السابق ما قبل الرسول صلى الله عليه و سلم فكان يقع فيه من الغرائب و العجائب التي إما هو لم يعد يقع مثلها بعد الرسول صلى الله عليه و سلم لحكمة أرادها الله و إما أنه قد يقع شيء منها و لكن لا يبلغنا خبرها لأنه ليس لنا هناك من يستقصي هذه الأخبار إلا الخالق لأصحابها و أصحاب العلاقات بها ثم هو يوحي بها إلى نبينا المعصوم عليه الصلاة و السلام ثم هو يبلّغها أمّته موعظة و ذكرى من أجل ذلك أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم ( بلغوا عنّي و لو آية و حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار ) و الشاهد هو الفقرة الوسطى في هذا الحديث ألا وهي قوله عليه الصلاة و السلام ( وحدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج ) و إن من خير ما يحدّث به أحدنا اليوم عن نبي إسرائيل هو ما حدّثنا به رسول الله صلى الله عليه و سلّم ممّا صحت الأسانيد في ذلك عنه عليه الصلاة و السلام ... فهذا الحديث كما سمعتم فيه عجيبة من تلك العجائب فالرسول صلى الله عليه و آله وسلّم يقول ( كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت ) في الرواية الأخرى ( لم يعمل خيرا قط ) في هذه الرواية الأولى استمر في إسرافه على نفسه أي ظلمه لها حتى حضره الموت أي لم يكن من أولئك الذين يقضون شطرا من حياتهم في الإسراف ، في الفسق ، في ثم قبيل وفاتهم يرجعون إلى الله تبارك و تعالى و يتوبون إليه هذا الإنسان لم يكن كذلك و إنما استمر في إسرافه وفي ظلمه لنفسه ومعصيته لربه حتى حضره الموت لكنه لم يكن من أولئك الناس المغرورين الذين يسيؤون العمل ثم يرجون من الله تبارك و تعالى المغفرة هكذا الكثير من المسلمين اليوم مع الأسف الشديد يتواكلون على مغفرة الله عز و جلّ و لا يتعاطون من الأعمال الصالحات ما بها يستحقون مغفرة الله تبارك و تعالى هذا الرجل كان معترفا بتقصيره و بجنايته على نفسه ومع ذلك فيبدو من هذه القصّة العجيبة بأنه كان إيمانه لا يزال حيّا في قلبه و كان لا يزال فيه شيء استحق به أن ينال مغفرة الله تبارك و تعالى مع أنه سلك سبيلا ربما لم يسلكه أحد قبله و لا أحد بعده ذلك أنه أوصى بهذه الوصية الجائرة حيث قال عليه الصلاة و السلام ( لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ) ولم يقنع بهذا فقال اطحنوني تصورا منه أن الحرق قد لا يأتي على عظامه كلّها فيبقى هناك شيء قائم من هذه العظام فتأكيدا لما خيّل له من وسيلة للنجاة من عذاب الله عز و جلّ قال لهم اطحنوني يعني باعتبار ما كان كان إنسانا سويا فمات فأمرهم بأن يحرّقوه بالنار ثم أكّد لهم ذلك بأن يطحنوه ثم يأخذوا الحاصل من ذلك الحرق و الطحن وهو أن يصبح رميما قال ( ثم ذروني في الريح ) و في رواية أخرى فيها توضيح كما سمعتم و سيأتي أيضا أنه أمر بأن يذرّوا أو يذروا روايتان نصف الرماد هذا في الريح ونصفه في البحر مبالغة أيضا في أن يضيع على الله عزّ و جلّ في زعمه الضال قال ( ثم ذروني في الريح ) لماذا أوصى بهذه الوصية الجائرة الغريبة ؟ حلف و بيّن فقال ( فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ) أي من المسرفين على أنفسهم ( فلما مات فعل به ) و هنا يظهر نوع من الطاعة من الأولاد للآباء طاعة متناهية ولكن يظهر أنه لم يكن عندهم إما لم يكن عندهم في شرعهم أن مثل هذه الوصيّة هي وصية جائرة لا يجوز الإيصاء بها و إذا ما أوصى بها جائر كهذا فلا يجوز الموصى له أن ينفّذها لأنها مخالفة لشريعة الله عز و جل فتنفيذ هؤلاء الأبناء لوصية أبيهم هذا يحمل على وجه من وجهين الأول أنه ربما لم يكن في شرعهم أن هذا لا يجوز و الوجه الآخر أنه إذا كان ذلك في شرعهم فهؤلاء لم يكونوا على علم بذلك ولذلك بادروا فنفّذوا وصية أبيهم هذه قال عليه الصلاة و السلام في تمام الحديث ( فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك ) بعد ما تفرّقت ذرات هذا الإنسان المحرّق بالنار و الذر في الريح و في البحر قال لكل من البحر و الأرض اجمعي ذرات فلان و قال لها كوني فلانا فكانت بشرا سويا فقال تبارك و تعالى مخاطبا لهذا الإنسان بعد أن أعاده كما كان ( ما حملك على ما صنعت ؟ قال خشيتك يا رب ) أو قال ( مخافتك فغفر له ) و في رواية أن رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال ( قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ) انتقل الخطاب إلى الغيبة ( ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر أن يجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له ) في هذا الحديث مثل رائع و عظيم جدّا كتفسير لبعض النصوص من الكتاب و السّنّة كقوله تعالى (( و رحمتي وسعت كلّ شيء )) و كقوله عليه الصلاة و السلام في صحيح البخاري ( سبقت رحمتي غضبي ) مثل هذا الإنسان إذا ما سئل أي عالم في الدنيا عالما حقيقيا عن إنسان أوصى بمثل هذه الوصية و نفّذت فيه هل يكون مسلما أم كافرا ؟ لابد أن يكون الجواب هو كافر و الحجة واضحة بينة ذلك لأن هذا الإنسان في هذه الوصية يذكّرنا بذاك الذي ذكره الله عز و جل في القرآن مشيرا إليه بقوله (( و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة )) إلى آخر الآية فهذا الإنسان كأنه لا يؤمن ، كأنه من هذا الجنس الذي قال من يحيي العظام و هي رميم مع ذلك نجد أن الله عز و جلّ قد غفر لهذا الإنسان فإذا سئل عالم عن مثل هذا الإنسان يوصي بمثل هذه الوصية لا يسعه إلا أن يحكم عليه أنه كافر كفرا يخلّد صاحبه في النار أبدا لا يخرج منها و إذ الأمر كذلك فكيف يمكن أن نتلقى هذا الحديث بالقبول و ظاهره يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة لأنه منصوص هذا المعلوم في القرآن الكريم حين قال رب العالمين (( إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) فهذه الآية صريحة الدلالة أي بتعبير علماء الأصول هي قطعية الثبوت قطعية الدلالة و دلالتها أن الله عزّ و جلّ يمكن أن يغفر أي ذنب مهما كان عظيما إلا الشرك بالله تبارك و تعالى فإن الله لا يغفره (( إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))
7 - شرح الحديث الرابع من باب الترغيب في الخوف وفضله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر أن يجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له رواه البخاري ومسلم ورواه مالك والنسائي ونحوه أستمع حفظ
بيان الجمع بين قوله تعالى" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وحديث أبي هريرة "كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني....." الحديث .
8 - بيان الجمع بين قوله تعالى" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وحديث أبي هريرة "كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني....." الحديث . أستمع حفظ
شرح حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في ريح عاصف ففعلوا فجمعه الله فقال ما حملك فقال مخافتك فتلقاه برحمته رواه البخاري ومسلم
قال فإنني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ففعلوا فجمعه الله فقال ما حملك ؟ فقال مخافتك فتلقاه برحمته ) رواه البخاري ومسلم أيضا ، يفسّر تلك اللفظة الغريبة فيقول رغسه بفتح الراء و الغين المعجمة بعد سين مهملة رَغَسَهُ قال أبو عبيدة معناه أكثر له منه أي من المال و بارك له فيه .
فهذا الحديث كالحديث السابق و كان من رواية أبي هريرة فيما أذكر أي نعم وهذا مما يدل على أن هذا الحديث مع صحّة إسناده من طريقه الأولى فهو ليس حديثا غريبا فردا بل قد اشترك في روايته جماعة من الصحابة ذكر منهم المؤلف اثنين الأول أبو هريرة و الآخر أبو سعيد هنا و كنا تساءلنا ما الجواب عن هذا الحديث الذي ظاهره أن هذا الموصي بالوصيّة المذكورة وهي وصيّة جائرة ظاهر هذا أن الرجل كفر بالله عزّ و جلّ و شك في قدرته على أن يبعثه ... و أن يحاسبه ذلك الحساب الذي يستحقّه فأوردنا جوابا في الدرس الماضي ولم نرتضه بطبيعة الحال و وعدنا أن نأتي بالجواب الصحيح المقنع إن شاء الله هذا الرجل لما أوصى بهذه الوصية أن يحرق و أن توزّع ذرّات جسده بعد أن احترقت في البحر وفي الهواء ، لاشك أن هذا الفعل يدل على الكفر فكيف أن الله عزّ و جلّ لم يعامله بمقتضى كفره بل غفر له و قد قلنا في الدرس السابق إن الكفر لا يغفر بدليل الآية السابقة (( إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) كيف غفر لهذا ؟ قلنا قد يقول البعض إن الآية تنفي أن يغفر الله الشرك فهذا ما أشرك و إنما كفر فوضّحنا لكم بأنه لا فرق شرعا بين الكفر و الشرك فكل كفر شرك و كل شرك كفر خلاف لما يذهب إليه بعض العلماء قديما و حديثا و على هذا فالآية (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) أي أن يكفر به سواء كان هذا الشرك من الناحية اللغوية شركا فعلا أن يتّخذ مع الله شريكا أو كان كفرا بأن يجحد شيئا مما شرع الله أو أخبر الله به ... ذاك الجواب فما هو الجواب الصحيح ؟ هو ما أجاب به الإمام الخطّابي و الحافظ بن حجر العسقلاني و غيرهما من الشراح و الحفّاظ قالوا " إن هذا الرجل ... "
9 - شرح حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في ريح عاصف ففعلوا فجمعه الله فقال ما حملك فقال مخافتك فتلقاه برحمته رواه البخاري ومسلم أستمع حفظ