الشيخ : إن الحمدلله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ))(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))(( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أما بعد فإن خير الكلام كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله تعالى عليه و آله و سلم وشر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .
شروع الشيخ في شرح باب جديد من الترغيب والترهيب وهو باب الترهيب من تصوير الحيوانات في البيوت وغيرها .
الشيخ : و الآن عندنا فصل جديد و هي من الفصول التي تعالج أمرا طالما خالطه الناس اليوم و ابتلوا به و ازداد البلاء حينما اضطر كثير من العلماء أن يتأولوا بعض هذه الأحاديث الآتية ليفسّحوا للناس فيما اضطروا أو فيما تسامحوا فيه من مواقعة التصوير المحرم فيقول المصنف رحمه الله " الترهيب من تصوير الحيوانات و الطيور في البيوت و غيرها "
شرح حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) أخرجاه .
الشيخ : أولا عن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال ( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) رواه البخاري و مسلم هذا الحديث يحرم التصوير و يبين أنه من كبار المعاصي لأن الرسول عليه السلام يصرح بأن هؤلاء الذين يصنعون و يصورون هذه الصور يعذبون يوم القيامة تعذيبا أقول من باب التوضيح يكاد يكون أبديا لأنهم يعذبون حين يقال لهم أحيوا ما خلقتم فإن استطاعوا إحياء ما خلقوا انتهى العذاب و لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا كما سيأتي في بعض الأحاديث الآتية و يجب أن نلاحظ هنا أن في الحديث اسم إشارة ( إن الذين يصنعون هذه الصور )
بيان الشيخ لحقيقة الصور المذكورة في الحديث المشار إليها فيه وذلك من خلال بقية الأحاديث .
الشيخ : فترى ماهي الصور التي أشار الرسول عليه الصلاة و السلام باسم الإشارة هذا ( إن الذين يصنعون هذه الصور ) الوقوف عند هذا الاسم و محاولة فهمه فهما صحيحا يزيل إشكالا و اضطرابا كثيرا عن بعض الناس من الراغبين في معرفة الحقائق الفقهية حينما يسمعون بعض المؤلفين اليوم و الكتاب يحملون كل الأحاديث المحرمة للتصوير على تصوير المجسم أي على نحت الأصنام هكذا يتأولون الأحاديث المحرمة للتصوير فهنا حينما قال الرسول عليه السلام ( إن الذين يصنعون هذه الصور ) ترى ما هي هذه الصور أهي كما قال هؤلاء الأصنام ؟ أنا أقول هذا أبعد ما يكون من مقصود الرسول عليه الصلاة و السلام في هذا الحديث و بخصوص اسم الإشارة هذا لماذا ؟ لأن الرسول عليه السلام قال هذه الأحاديث في المدينة حيث لم يبق للتماثيل و للأصنام بقية تذكر مطلقا بعد أن نصر الله عز و جل نبيّه بفتح مكة و حطّم الأصنام التي كانت موضوعة على ظهر الكعبة فانطمس الشرك و آثاره بالكلية و لكن بقيت بقايا من الصور التي قد تكون يوما ما سببا لعودة الشرك إلى قوته التي كانت قبل بعثة الرسول عليه الصلاة و السلام فأنا أستبعد جدا أن يعني الرسول عليه السلام باسم الإشارة هذا الأصنام التي قضى عليها و حطمها فالأقرب أنه يعني صورا كانت لا تزال منبثة و لا يزال المسلمون يقتنونها في بيوتهم في قصورهم في خيامهم في في إلى آخره فهو إذن عليه الصلاة و السلام حين قال ( الذين يصنعون هذه الصور ) يشير إلى صور قائمة و منبثة بين الناس و يؤكد هذا المعنى أن حديث عائشة رضي الله عنها الآتي في بعض رواياته و ألفاظه أن الرسول عليه السلام حينما دخل عليها و رأى القرام الستارة و عليها الصور قال ( إن أشد الناس عذابا هؤلاء المصورون ) فهو يشير إلى هؤلاء الذين يصورون الصور على الستائر و لا الأصنام لأن الأصنام لم تكن في بيت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها فإذن قوله ( إن الذين يصنعون هذه الصور ) ليس يعني الصور المجسمة مباشرة و إنما يعني الصور غير المجسمة و يسميها الفقهاء التي لا ظل لها فإذا حرم الرسول عليه الصلاة و السلام هذه الصور غير المجسمة أو التي لا ظل لها فمن باب أولى حينئذ يحرم الأصنام و التماثيل فمن باب التحذير من تعاطي هذه الصور صنعا و اقتناء يقول الرسول عليه السلام في هذا الحديث و يبين ما هي عقوبة الذين يصورون هذه الصور فيقول ( يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم و لا يستطيعون إحياءهم ) فهو كناية عن استمرارهم في العذاب إلى ما شاء الله و استمرارهم في العذاب يختلف باختلاف واقع الإيمان في قلبهم فمن مات منهم مؤمنا فسينجيه إيمانه يوما ما من أن يستمر في تعذيبه في النار ، و من مات مستحلا لما حرم الله فقد عرفتم من البيان السابق أنه كافر و أنه يخلد في النار إلى أبد الآبدين هذا الحديث الأول و هو من حديث عمر مما رواه البخاري و مسلم .
شرح الحديث الثاني حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل...........)
الشيخ : الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها قالت ( قدم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من سفر و قد سترت سهوة لي بقرام ) السهوة الطاقة في الحائط بقرام الستارة ( فيه تماثيل ) أي فيه صور و هنا فائدة لغوية بالنسبة لبعدنا اليوم عن اللغة العربية أو لسيطرة بعض الاصطلاحات فنحن اليوم نفهم من لفظة تمثال أو تماثيل الأصنام فهذا تمثال المالكي مثلا نحن ما نقول هذه صورة هي صورة بلا شك كما أنه الصور التي نقتنيها على الورق هي أيضا في لغة العرب تماثيل و الشاهد على ذلك هو هذا الحديث فالرسول عليه الصلاة و السلام حينما دخل على السيدة عائشة في هذه القصة فرأى رآها وقد علقت قراما ستارة عليها تماثيل التماثيل توضع على الجدر و لا توضع على الأستار لكن اللغة واسعة فإن قلت صورة فممكن تكون صورة بمعنى الصنم أو صورة ليس لها ظل كذلك إن قلت تمثال فهو بمعنى صورة قد يكون مجسم و قد يكون غير مجسم فجاء هذا الاستعمال في هذا الحديث بالمعنى الذي لا ينتبه له كثير من الناس ، فإذن الرسول عليه الصلاة و السلام رأى تماثيل على الستارة أي صور صور يعني إما ملونة دهان أو مطرزة تطريز فليست هي أصناما قالت ( قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من سفر و قد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تلون وجه ) أي تغير غضبا و احمر و قال ( يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ) أي الذين يعملون أعمالا من التصوير سواء كان مجسما أو غير مجسم يتشبهون بخلق الله عز و جل لخلقه يضاهون بخلق الله أي بما يخلق الله فالله يخلق هذه الأجسام هذه الحيوانات فهم أيضا يضاهون و المضاهاة ليس من الضروري كما هو معلوم أن تكون من جميع الوجوه فالذي ينحت التمثال أو يصور الصورة على الورق هو يضاهي رب العالمين من حيث الحيكة و الصورة و لكن أهم شيء في ذلك هو نفخ الروح و لذلك لما كان عاجزا عنه يعذب يوم القيامة بأن يؤمر بأن ينفخ الروح فلا يستطيع و ليس بنافخ فإذن المضاهاة المقصودة هنا و التي جعلها الرسول عليه السلام في هذا الحديث علة تحريم التصوير هي المضاهاة الشكلية الظاهرة فقال عليه الصلاة و السلام قال ( يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ) قالت " فقطّعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين " و في رواية قالت ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي البيت قرام فيه صور ) هنا استعمل الراوي لفظة صور مقابل تماثيل فالمعنى واحد ( فتلوّن وجهه ثم تناول الستر فهتكه أي مزقه و قال إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصوّرون هذه الصور ) جاء الشاهد الذي أشرت إليه فيما علقته على حديث عمر الأول إن الذين يصنعون هذه الصور قلنا أن اسم الإشارة إلى الصور غير المجسمة و هذا هو الدليل لأن قصة السيدة عائشة لها هذه المناسبة و هذا السبب و هو دخول الرسول عليها و قد علقت الستارة و عليها التماثيل و الصور فقال عليه الصلاة و السلام مشيرا إلى هذه الصور التي على الستارة ( إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور ) .
إبطال الشيخ لدعوى أن هذه الصور المنهي عنها هي التماثيل وحمل الأحاديث على ذلك .
الشيخ : و لذلك فإن قرأتم أو سمعتم أن هذه الأحاديث التي فيها هذا الترهيب الشديد من التصوير إنما يراد بها الذين كانوا يصنعون الأصنام و التي تعبد من دون الله حمل الحديث على هذه التماثيل باطل لأن الرسول عليه السلام إنما يشير إلى الصور التي كانت في قرام السيدة عائشة ، و نحن نعلم بالضرورة أن هذه الصور أولا ليست أصناما مجسمة و ثانيا لم تأت السيدة عائشة بهذا القرام بهذه الستارة التي فيها صور لتعظّمها أو تعبدها من دون الله عز و جل حاشا لها من ذلك إذن فتأويل هذه الأحاديث و حملها على الأصنام التي كانت تعبد من دون الله و نتيجة ذلك أن التصوير المحرم انقضى زمنه كما ينعق أقولها صراحة بعضهم بهذا الكلام انقضى زمنه لأن كان هذا النهي كمساعد للقضاء على الشرك و الوثنية و انتهى أمر الشرك و الوثنية و لذلك فتعاطي الصور لا سيما إذا كانت غير مجسمة لا بأس بها عند هؤلاء الذين يتأولون الأحاديث على المعاني التي تدل الأحاديث على خلافها كما سمعتم في قصة السيدة عائشة رضي الله عنها التي سمعتموها الآن و في رواية أخرى عن السيدة عائشة و يبدو أنها قصة أخرى لأن هذه الرواية تقول إنها اشترت نمرقا و هي المخدة القصة الأولى بروايتيها تدور حول الستارة ، فالرسول عليه السلام في تلك القصة أنكر التصاوير و هي على الستارة و تأكيدا لتحريم استعمالها مزق الستارة كما سمعتم الآن قصة أخرى تقول السيدة عائشة أنها اشترت نمرقة و هي المخدة و تلاحظون شيئا في القصة الآتية نستطيع بها أن نفسر طرفا من القصة السابقة ففي هذه القصة السابقة سمعتم بأن الرسول عليه السلام بعد أن هتك الستارة ماذا صنعت السيدة عائشة بهذه الستارة ؟ قطّعتها و اتخذت منها وسادتين أي نمرقتين فهنا يقول البعض بأن الصور كانت ظاهرة على الوسادتين اللتين اتخذتهما السيدة عائشة من الستارة التي هتكها الرسول عليه السلام ، فإن سُلِّم بهذا التفسير أي كانت الصور ظاهرة على الوسادتين نقول هذا يمكن أن يكون قبل القصة الآتية التي فيها إنكار الرسول عليه السلام على السيدة عائشة شراءها النمرقة أو الوسادة و فيها الصور فكيف يمكن أن نجمع بين إقرار الرسول عليه السلام للوسادتين و عليهما الصور بهذا التأويل الذي تأوله البعض و بين إنكار الرسول عليه السلام على السيدة عائشة حين اشترت النمرقة و عليها صور كما سترون فإن سلّم بأن الصور كانت ظاهرة في الوسادتين و هذا خلاف ما يبدو لنا لأنه مقطّع فنقول هذا كان كمرحلة من مراحل التدرج في التشريع فحينما هتك الستارة أنكر تعليق الصور فلما اتخذت من الستارة وسادتين و عليها الصور جدلا أقر ذلك مبدئيا ثم في مرحلة أخرى أنكر أيضا حتى الصور التي على الوسادة و ينتج من هذا أنه لا يجوز أن يكون في البيت صورة سواء كانت معلقة يعني محترمة أو كانت موطوءة يعني مهانة لا فرق حين ذاك فكما تمنع تلك المعلقة تمنع هذه الموطوءة بالأقدام بدليل قصة عائشة الآتية
شرح حديث عائشة التالي وفيه (أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير........) وبيان أن هذه القصة قاضية على ماقبلها بمنع استعمال الصور في النمارق واحتجاج الشيخ على تحريم الصور تحريما أكيدا ولو كانت ممتهنة .
الشيخ : وهي أنها " اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية قالت فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله و إلى رسوله ماذا أذنبت ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ( ما بال هذه النمرقة ؟ ) فقلت " اشتريتها لك لتقعد عليها و تتوسدها " فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ( إن أصحاب هذه الصور ) أيضا هنا اسم إشارة ينصب على صور غير مجسمة ( إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم ) و قال ( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ) رواه البخاري و مسلم قصة النمرقة هذه تلتقي في الإفادة مع قصة الستارة و هي أن الرسول عليه السلام حرّم في القصتين تحريما باتا التصوير غير المجسم يعني غير الأصنام القصتان متفقتان على هذا و لكن القصة الأولى قصة الستارة ليس فيها التصريح أن الملائكة لا تدخل بيتا فيها صورة موطوءة في القصة الأولى لا يوجد فيها هذا البيان بل في الاحتمال الذي يتمسك به بعض الناس اليوم أنه لما اتخذت السيدة عائشة الستارة وسادتين و عليهما صور كانت هذه الصور واضحة و ظاهرة فإذن لا نغتر ببعض كلمات نسمعها بعد ما سمعنا هذا الحديث لا نغتر بمن يقول أنه لا بأس إذا كانت الصورة على وسادة أو إذا كانت الصورة على السجادة لأنها ممتهنة غير محترمة لا ، فهذا الحديث يصرح أنه هذه الصورة التي هي على النمرقة و يمكن الإتكاء عليها و إهانتها طبعا بهذا الإتكاء هي من جملة الصور التي تمنع دخول الملائكة إذن فالبيت المسلم لا يجوز أن يكون فيه صور ظاهرة هذا أقل ما يقال مهما كانت هذه الصورة فيجب أن نحرص كل الحرص أن نجنب إظهار الصور في بيوتنا لأن هذا الظهور يمنع دخول الملائكة و معنى هذا خطير جدا لأن العامة يقولون " إذا حضرت الملائكة هربت الشياطين " هذا شيء كأنه مستنبط من هذا الحديث إذا كان الملائكة لا تدخل البيت فمن يدخله إذن ؟ إذا خلا الجو لهؤلاء الشياطين سارعوا إلى احتلال هذا البيت إذن القضية متعاكسة تماما إذا أنت اتخذت الوسائل الشرعية لاستجلاب ملائكة الله عز و جل إلى دارك فقد اتخذت سببا قويا جدا في إبعاد الشياطين عن بيتك و العكس بالعكس تماما إذا أنت تساهلت فخالفت الشرع و اتخذت الأسباب لعدم دخول الملائكة إلى بيتك فقد أفسحت المجال لدخول الشياطين إليه . هذه حقائق شرعية لا يمكن الإنسان أبدا أن يعرفها بمجرد عقله و من هنا نعرف أهمية الشريعة و خاصة منها السنة التي تشرح لنا أمورا دقيقة تخفى حتى على المسلمين إلا الذين يستنيرون بنور النبوة و الرسالة .
شرح الحديث الثالث وهو (عن سعيد بن أبي الحسن قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها ........) وتوجيه الروايات التي أوردها المصنف .
الشيخ : الحديث الثالث يقول و عن سعيد بن أبي الحسن قال " جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال له ادن مني فدنا ثم قال ادن مني فدنا حتى وضع يده على رأسه و قال أنبؤك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول ( كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم ) قال ابن عباس فإن كنت لابد فاعلا فاصنع الشجر و ما لا نفس له "رواه البخاري و مسلم و في رواية للبخاري قال " كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فقال يا ابن عباس إني رجل إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سمعته يقول ( من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح و ليس بنافخ و ليس بنافخ فيها أبدا ) فربى الرجل ربوة شديدة فقال ويحك إن أتيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر و كل شيء ليس فيه روح " يقول المصنف ربى الإنسان إذا انتفخ غيظا أو كبرا يعني أن ذاك الرجل لما سمع ما رواه ابن عباس من الوعيد الشديد بالنسبة لمن يصور تلك الصور مثل ذلك السائل غضب هذا السائل غضبا شديدا واغتاظ غيظا كبيرا بسبب ما سمعه من الوعيد الشديد فأوجد له ابن عباس مخرجا و متنفسا لأنه كما سمعتم قال إن معيشته من صنعه تلك التصاوير و التماثيل فحينما بيّن له تحريم ذلك ربى تلك الربوة و اغتاظ غيظا شديدا فقال له إن كنت و لابد صانعا أي مصورا فصوّر الشجر و كل شيء لا روح و لا نفس فيه و من هذا الحديث أخذ العلماء التفريق بين تصوير الحيوانات و بين تصوير الجمادات فحرموا القسم الأول و أباحوا القسم الآخر . الحديث الرابع و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول ( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون ) رواه البخاري و مسلم . الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول ( قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة و ليخلقوا حبة و ليخلقوا شعيرة ) رواه البخاري و مسلم و عن حيان بن حصين قال " قال لي علي رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ألا تدع صورة إلا طمستها و لا قبرا مشرفا إلا سويته " رواه مسلم و أبو داود و الترمذي ... ( بيتا فيه كلب ولا صورة ) رواه البخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و في رواية لمسلم ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب و لا تماثيل ) الفرق بين رواية مسلم و رواية الشيخين هو في لفظ صورة و تماثيل و قد ذكرنا في الدرس الماضي ما نستطيع أن نفهم من أن الخلاف بين الروايتين بين رواية صورة و رواية تماثيل إنما هو خلاف لفظي لأن كل صورة لغة هي تمثال و كل تمثال هي صورة خلاف ما هو شائع اليوم في العرف الحاضر أن التمثال خاص بالصور المجسمة فهذه تماثيل هكذا جرى العرف في تخصيص التمثال في الصورة المجسمة أما في اللغة فلا فرق بين التمثال و بين الصورة فسواء كانت الصورة مجسمة أو غير مجسمة هي صورة و هي تمثال لا فرق بين اللفظين مطلقا فرواية الشيخين ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة ) لا تختلف عن رواية مسلم التي فيها كلب أو تماثيل
شرح حديث ابن عمر ( أنه قال واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام أن يأتيه فراث عليه ..............) رواه البخاري .
الشيخ : و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ( واعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جبريل صلى الله عليه و آله و سلم أن يأتيه فراث عليه أي تأخر عنه حتى اشتد على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فخرج فلقيه جبريل فشكى إليه فقال إنا لا ندخل بيتا فيه كلب و لا صورة ) رواه البخاري راث بالثاء المثلّثة غير مهموز يعني مش رأث و إنما راث أي أبطأ . هذا الحديث فيه فائدة مهمة يبين لنا سبب قول الرسول عليه الصلاة و السلام في هذا الحديث ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب ) قال ذلك تلقيا عن جبريل بمناسبة أنه كان على وعد مع الرسول عليه الصلاة و السلام فراث عنه أي تأخر و أبطأ عنه و في بعض الروايات أن الرسول عليه السلام ظهر على وجهه الكرب و الحزن و الاضطراب فسأله بعض نسائه فقال إن جبريل وعدني أي تأخر عنه ثم سرعان ما ظهر جبريل خارج البيت ، خارج الغرفة فسارع الرسول عليه الصلاة و السلام إليه فقال له جبريل عليه الصلاة والسلام ( إنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة ) و الصورة التي كانت في البيت لم تكن صنما و بالمعنى الاصطلاحي اليوم تمثالا و إنما كان صورة على ستارة كما سيأتي في بعض الروايات ففي ذلك دليل واضح كدلالة حديث عائشة السابق في الدرس الماضي أن التحذير من تصوير الصور و بيان كما في هذا الحديث أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة فإنما يعني في هذا الحديث و في ذاك الصورة و لو كان لا ظل لها أي الصورة المصورة على الثياب و على الورق فلا يقصد بها كما يتوهم بعض العصريين تبعا لبعض المتقدمين ممن لم يحيطوا بالأحاديث الواردة في الباب و أعني لم يحيطوا السابقين أما المعاصرين اليوم فهم يعلمون مثل هذه الأحاديث و لكنهم يدورون حولها و يحتالون عليها بشتى الحيل و التآويل كما سيأتي ذكر بعض ذلك ، فإذن هذه الصورة التي تمنع دخول الملائكة هي صورة ليس لها ظل و ليست مجسمة و إنما هي مصورة على الستارة و كذلك في حديث عائشة السابق في الدرس الماضي كما قلنا ( إن الذين يصورون هذه الصور يعذبون يوم القيامة و يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) أو كما قال عليه السلام و أشار إلى الصورة التي كانت على الستارة .
بيان الشيخ أن هذه الأحاديث التي أوردها كلها ليس فيها أن هذا الوعيد للمصورين خاص بالصور المجسمة بل هو عام في كل صورة .
الشيخ : و لم يأت معنا في كل هذه الأحاديث حديث في الصور المجسمة لم يأت حتى الآن في كل هذه الأحاديث حديث و لو واحد فيه التصريح بأن هذه أو هذا الوعيد الذي أوعد به الرسول عليه السلام المصورين و الذين يقتنون هذه الصور إنما هي صور مجسمة ،لم يأتي معنا حديث يصرح بذلك و إنما هناك حديث علي رضي الله عنه حيث قال ( ألا تدع صورة إلا طمستها ) و مع ذلك فهذا كسوابقه من الأحاديث ليس صريحا بأن هذه الصور هي مجسمة بل لعل لفظة طمستها فيها إشارة إلى أن الصورة ليست مجسمة لأن الطمس للصور التي كتبت أو صورت بالدهان أو ... مثلا إذا طمست بشيء من الألوان أو الحيطان مثلا أقرب إلى تكسير الصنم إذا كان مجسما ففي هذا كله عبرة في انحراف الذين يحملون هذه الصور التي جاءت هذه الأحاديث في النهي عنها على الصور المجسمة و لم يأت ذكر التجسيم أو معناه في شيء من هذه الأحاديث .
شرح الحديث العاشر وهو من رواية ( أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام فقال أتيتك البارحة...........) .
الشيخ : و الحديث الذي بعده و هو العاشر حديث صحيح و فيه تفصيل للحديث السابق حديث جبريل و هو من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ( أتاني جبريل عليه السلام فقال لي أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل و كان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ) لاحظوا التعبير قال جبريل فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل فيتبادر إلى أذهان الناس اليوم من لفظة تماثيل يعني أصنام و ليس كذلك بدليل قوله فيما بعد و كان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ستر فيه تماثيل يعني أصنام لا وإنما المقصود صور سواء مثل صور التي على الباب أو الصور التي على الستارة و كان في البيت كلب هذا من تمام كلام جبريل يقوله للرسول عليه الصلاة و السلام مبينا سبب تأخره عن المجيء في الوعد الذي كان قد ضربه للرسول عليه الصلاة و السلام فيقول جبريل صلوات الله و سلامه عليه ( وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع فيجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن ومر بالكلب فليخرج ) رواه أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن حبان في صحيحه و قال الترمذي حديث حسن صحيح وتأتي أحاديث من هذا النوع في اقتناء الكلب إن شاء الله تعالى أي في باب أو فصل الترهيب من اقتناء الكلب تأتي أحاديث فيها أيضا النهي عن التصوير .
شرح الحديث الحادي عشر وهو الأخير في هذا الفصل وهو (عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يخرج عنق من النار يوم القيامة ... ) .
الشيخ : الحديث الحادي عشر و هو الأخير في هذا الفصل عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما و أذنان يسمعان و لسان ينطق به يقول إني وكّلت بثلاثة : بمن جعل مع الله إله آخر ، و بكل جبار عنيد ، و بالمصورين ) هذا العنق عبارة عن لهب من النار يخرج من النار جامد منها فيه عينان يبصر بهما و أذنان يسمع بهما و لسان ينطق به يقول إني وكّلت بثلاثة أي بتعذبيهم و حرقهم بمن جعل مع الله إله آخر و بكل جبار عنيد و بالمصورين رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح غريب ، يفسر غريب الحديث فيقول عنق بضم العين و النون أي طائفة و جانب من النار . هذا الحديث الأخير فيه غرابة من حيث ما تضمن من خبر من أخبار الغيب التي يجب الإيمان بها و هو أن الله عز و جل بقدرته يخرج من نار جهنم طرفا منها يتمثل في صورة رأس له عينان له أذنان له لسان ينطق به فيتكلم و يقول بأنه وكّل بتعذيب ثلاثة بمن اتخذ مع الله إله آخر و بكل متكبر جبار عنيد و بالمصورين هذا الحديث و هو الحديث العاشر من الأحاديث الباب قرأتها كلها عليكم إلا الحديث التاسع ففي سنده ضعف و تلك الأحاديث التي قرأناها تغني في الباب عنه و هي كما قلنا لفظة التصوير و المصورين مطلقة فهي من حيث إطلاقها تشمل الصور المجسمة و غير المجسمة و من حيث النظر إلى سبب ورود بعضها يدل على أن الرسول عليه السلام إنما قالها بمناسبة الصور غير المجسمة .
رد الشيخ على من يتأول الأحاديث السابقة بأن الصور المنهي عنها فيها هي ماكان له ظل وغير ذلك من التأويلات الباطلة في هذا المجال ومن هؤلاء ذلك الأزهري الذي احتال على الدين في تجويز الصور .
الشيخ : و لذلك فالذي يحمل هذه الأحاديث على الصور المجسمة و التي لها ظل و لا يدخل فيها الصور المصورة على الثياب و على الستائر و الجدران و على الورق اليوم فإنما هو أحد رجلين إنما هو لم يطلع على هذه الأحاديث و ما فيها من بيان أن الرسول عليه السلام قصد بها مباشرة الصور التي لا ظل لها و هذا النوع إنما يتصور بالنسبة لبعض العلماء المتقدمين الذين لم يكونوا في زمن قد جمع فيه السنة أما النوع الآخر فهم الذين اطلع على هذه الأحاديث بعد تدوينها و تيسير الاطلاع عليها و هم المعاصرون اليوم فإنما هم يتأوّلون هذه الأحاديث بتآويل باطلة يدل على بطلانها هذه التّآويل يدل على بطلانها أمران اثنان معا الأمر الأول عموم و إطلاق الأحاديث كما سمعتم في بعضها ( كل مصور في النار ) الذي يقول لا ، ليس كل مصور في النار وإنما المقصود بالمصورين هنا الذين ينحتون الأصنام ... الثاني و هو أوضح كما ذكرنا بل كررنا أن الرسول عليه السلام ذكر هذه الأحاديث التي سمعتموها في الباب بالنسبة للصور التي صورت على الستائر و لم تنحت نحتا من الحجارة كما كان عليه الكفار زمن الجاهلية ، فتأويل هذه الأحاديث إذا على أن المقصود بها إنما هي صور مجسمة رد لهذه الأحاديث فنخشى أن يدخل من يتأولها بهذا التأويل الباطل بعد أن يتبين له هذا البطلان في عموم قول الله تبارك و تعالى في القرآن (( و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا )) فإذا كان الرسول يقول ( كل مصور في النار )( من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة و ما هو بنافخ ) أو ( ليس بنافخ )و يقول ذلك و نحوه من الصور التي لا ظل لها فكيف يقول المسلم يؤمن بالله و رسوله أن الصور المحرمة في هذه الأحاديث التي لها ظل أي الصور المجسمة إذا نقطع بأن الصور المحرمة هي على العموم و الشمول تشمل ما لها ظل و ما لا ظل لها تشمل المجسمة و غير المجسمة . و من الانحرافات و الاحتيال على أحكام الله عز و جل في شريعته بعد أن الرد بمثل هذه النصوص التي تدل على أن الصور المحرمة هي أيضا الصور غير المجسمة مع ذلك فقد احتال بعض الكتاب في العصر الحاضر حيلة أظن أنه سبق بها اليهود أقولها صريحة و ستقولونها معي حينما تسمعون ماذا صنع و ماذا فعل جاء في حديث أبي هريرة الذي فصّل لنا امتناع جبريل عليه السلام من الدخول إلى بيت الرسول مع أنه كان على وعد معه فذكر له أن هناك تماثيل أي صور على الباب و على الستارة فأمر بتغيير الصور التي على الستارة حتى تصير كهيئة الشجرة و معنى ذلك أن هذه الستارة كانت مطرزة و فيها تماثيل أي صور الخيل ذوات الأجنحة كما في بعض الروايات فيحنما أمر جبريل عليه الصلاة و السلام بتغيير هذه الصورة حتى تصير كهيئة الشجرة معنى ذلك إضافة قيود جديدة على الصورة حتى يُقضى على معالم الصورة السّابقة و تظهر أنها تمثل صورة شجرة فأخذ العلماء من هذا الحديث أن الصورة إذا غيرت خرجت عن التحريم و صارت مباحة و لكن مع الأسف الشديد لم يقفوا على أو عند هذا التغيير الذي حدده جبريل للرسول عليهما الصلاة و السلام أي لم يقفوا عند هذا التغيير الكلي أي الذي به تنطمس معالم الصورة السابقة و تظهر بعد ذلك صورة أخرى كهيئة الشجرة المباحة لم يقفوا عند هذا التغيير الشامل فقالوا مثلا لو تغيرت الصورة صورة على الورق مثلا فخُط خط على العنق زعموا بأن هذه الصورة تغيرت هيئتها لم ؟ زعموا أنه أصبح الرأس منفصلا عن الجسد و لا يعيش الإنسان بهذه الصورة لأن هذه الصورة تغيرت فصارت مباحة و تسلسلت تغيير التغيير - إذا صح التعبير - التغيير المطلق الشامل الذي ذكره الرسول عليه السلام معن جبريل هذا ضيقوا دائرته فقالوا كما سمعتم في التغيير الأول أنه خط خطا على العنق و بقيت الصورة كما هي فهي صورة جائزة لأنها تغيرت فهذا تغيير رقم واحد بالتغيير الكلي الذي أمر به جبريل عليه السلام في الحديث السابق ثم هذا التغيير ما قنعوا به فانتقلوا مرحلة أخرى قالوا إذا كانت الصورة نصفية فهذا بلاء عم و طم فهذه صورة جائزة لأنه لا يعيش الإنسان نصفه إلا أن يكون معه مصارينه وبطنه و غير ذلك ، هذه الصورة مغيرة و نحن نعلم جميعا أن العبرة بكل شيء و بصورة خاصة في الإنسان إنما هو رأسه فإذا بقي الرأس و ذهب رجلاه فلم يقض على صورة و على أثرها في المجتمع الذي يخشاه الشارع الحكيم و لو للمستقبل البعيد و من أجل ذلك كسبب من أسباب حكمة تحريم الصورة حرم الصور حتى لا تعبد من دون الله عز و جل و لو في المستقبل البعيد ، هذا التغيير الثالي جاء الكاتب المشار إليه و هو من علماء الأزهر فجاء بتغيير فيه العجب العجاب و هو الذي عنيته بقولي سبق في هذا الاحتيال اليهود كتب مقالا منذ القديم حينما كانت تظهر مجلة الأزهر تحت عنوان " نور الإسلام " فكتب فيه مقالا ذكر المذاهب حول الصورة المحرمة و هما مذهبان مذهب تحريم الصور عامة كما هو دلالة الأحاديث السابقة و المذهب الثاني ويروى عن الإمام مالك أن الصور المحرمة إنما هي المجسمة فهذا الرجل الكاتب المشار إليه دون أن يتلفت إلى هذه الأحاديث و أن يتفقه فيها تبنى مذهب مالك و هو مخالف بلا شك لهذه الأحاديث الذي يقول الصور المجسمة هي فقط المحرمة تبنى هذا المذهب ذلك الكاتب لغاية في نفسه ثم توصل من بعد هذه الخطوة الأولى التي انحرف فيها عن الأحاديث السابقة إلى خطوة أخرى خطيرة جدا قضى بها على كل المذاهب حتى على مذهب مالك فإنه لفق من مذهب مالك الذي يحرم أيضا الصور المجسمة مع جماهير العلماء و من قول العلماء بأن الصورة إذا تغيرت هيئتها كانت حلالا لفق من مجموع القولين المسألة الآتية فقال بناء على ذلك إذا نحت الفنان - هكذا يقول - الفنان صنما فلكي يتخلص من التحريم حفر حفيرة بأم رأسه حتى يصل إلى الدماغ و هو في هذه الحالة أي هذا الصنم يمثل إنسانا لا يعيش ، لا يمكن أن يعيش إنسان و فيه حفرة تصل إلى دماغه قال لكن هذا عيب في الصنم في التمثال من الناحية الفنية فيعلم الفنانين ما شاء الله !! فيقول يضع شعرا مستعارا على رأس الصنم من الناحية الفنية في أتم صوة و أجمل هيئة و بذلك يتخلص هذا الممثل النحات من أن يخالف أحاديث الرسول عليه الصلاة و السلام فهل عملتم في اليهود من احتال على حرمات الله كمثل هذا الرجل الأزهري ؟ هذا مصداق قول الرسول عليه الصلاة و السلام ( لا تتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) هذا احتيال مما أصيب به بعض العلماء في العصر الحاضر ولا شك أن الذي يقرؤون مقال ذلك الكاتب و هم جماهير الناس ممن لا يعلمون هذه الأحاديث و لا فقهها يتورطون ببيانه و ينطلقون في النحت و التصوير و يحتالون على ذلك بمثل تلك الحيلة التي تعلمها تلميذ بل شيخ إبليس هذا تحريفه .
الرد على التفريق بين الصور اليدوية والصور الآلية .
الشيخ : و من هذا النوع و هو بلاء أكبر و إن كان دون السابق في الاحتيال التفريق بين الصورة اليدوية و الصورة الفوتوغرافية أو التفريق بين الصور التي تصور بالقلم أو الريشة و بين الصور التي تصور بالآلة المصورة هذا التفريق قلما ينجو منه عالم في العصر الحاضر ذلك لعموم ابتلاء الناس بهذه الآلة و صورها فيقولون هؤلاء الذين يفرقون بين الآلة المصورة فيجيزون التصوير بها و بين التصوير بالقلم و بالريشة يقولون و عجيب ما يقولون إن هذه الآلة أولا لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة و السلم فهي إذا متعاطيها و المصور بها لا يدخل في عموم الأحاديث السابقة و منها قوله عليه الصلاة و السلام ( كل مصور في النار ) إذا هذا المصور بالآلة لا يدخل في عموم الحديث لماذا ؟ زعموا لأن الآلة و لأن المصور بها لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة و السلم لا يكاد ينقضي عجبي من مثل هذا الكلام و هو يصدر من علماء المفروض في هؤلاء العلماء أنهم يتذكرون دائما و أبدا أنما يقوله الرسول عليه الصلاة و السلام من الأحاديث ليست من عنده اجتهادا برأيه و إنما هو كما ربنا تبارك و تعالى (( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) فحينما قال الرسول عليه السلام ( كل مصور في النار ) يجب أن يستحضر المسلمون عامة فضلا عن العلماء خاصتهم يجب أن يستحضروا أن هذا الكلام ليس من عنده ( كل مصور في النار ) و إنما تلقاه من وحي السماء من ربه تبارك و تعالى ثم صاغه بلفظه أما المعنى فهو من عند الله عز و جل فكأن الله هو الذي يقول ( كل مصور في النار ) لأن الرسول لا يشرع للناس من عند نفسه ... .