كلمة ممثل جمعية إحياء التراث الإسلامي.
افتتاح الشيخ بخطبة الحاجة.
(( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) .
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) .
(( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أما بعد،
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وأله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وبعد.
كلمة الشيخ حول العلم الشرعي وحقيقته.
ما معنى قوله تعالى:" وفي سبيل الله " في مصارف الزكاة ومن يدخل فيه، وهل يشمل بناء المساجد والمرافق العامة؟
الأولى ما هو معروف لدى الجميع ألا وهو الجهاد في سبيل الله، فهذا مصرف من مصارف الزكاة يصرفه المكلّف بها في سبيل الله، في الجهاد في سبل الله.
الأمر الثاني مما جاء الدليل الشرعي ليُوسّع كلمة (( وفي سبيل الله )) فيُدخل في هذه الجملة إنفاق المال في الإحجاج للفقير إلى بيت الله الحرام، فيكون معنى (( وفي سبيل الله )) أي في الجهاد والحج، ولم يأت عن أحد من السلف بل ولا الأئمة المجتهدين توسعة لهذه الجملة بأكثر من الأمرين المذكورين (( وفي سبيل الله )) أي في الجهاد في سبيل الله وفي الإحجاج أيضا للفقير المحتاج إلى بيت الله الحرام.
الأمر الثاني هذا الإحجاج للفقير قد جاء فيه حديث صحيح في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وغيرهما أن رجلا من الصحابة يُعرف بأبي طلْق حجّ مع النبي صلى الله عليه وأله وسلم حجّة الوداع فلما رجع جاءت زوجته إلى النبي صلى الله عليه وأله وسلم تشكوه إليه عليه الصلاة والسلام وقالت يا رسول الله إن زوجي أبا طلق لم يحجّجني على جمله فلان، فأرسل الرسول عليه السلام خلف أبي طلْق فسأله عن هذه الفتوى، فقال يا رسول الله جملي هذا أعددته في سبيل الله عز وجل فقال عليه الصلاة والسلام لو أنك أحججتها عليه لكان ذلك في سبيل الله، فأخذ الإمام أحمد رحمه الله من بين الأئمة الأخرين الذين حصَروا معنى (( وفي سبيل الله )) في الجهاد في سبيل الله أخذ الإمام أحمد من هذا الحديث معنى أخر فأضافه إلى المعنى ألأول فقال (( وفي سبيل الله )) أي الجهاد والإحجاج أيضا في سبيل الله، كما دل عليه هذا الحديث الصحيح.
لم يأت عن أحد من السلف معنى أوسع من هذا المعنى الذي سمعتموه وهو الإحجاج بينما نجد اليوم فتاوى تصدُر من هنا وهناك أن معنى هذه الجملة (( وفي سبيل الله )) واسع بحيث يدخل كل المصالح التي يَنتفع فيها المسلمون ومن ذلك ما أشرنا إليه أنفا بناء المساجد والمدارس ونحو ذلك.
هذا كان السبب لإثارة هذا البحث الأن وهو.
4 - ما معنى قوله تعالى:" وفي سبيل الله " في مصارف الزكاة ومن يدخل فيه، وهل يشمل بناء المساجد والمرافق العامة؟ أستمع حفظ
المقصود بالعلم المحمود في الكتاب والسنة، وبيان مصادره.
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرا من التعطيل والتشبيه " .
ما هو العلم؟ كلام عربي واضح مبين، العلم قال الله أوّل مرتبة هذه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ثم قال الصحابة وهذا طبعا إذا اتفقوا على شيء كان اتفاقهم حجّة كما أوضحنا ذلك في كلمة سابقة منذ ليال قريبة إدلالا بمثل قوله تبارك وتعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة الكرام، فلا يجوز مخالفتهم فالعلم إذًا إنما نأخذه من قول الله عز وجل ثم من قول نبيه صلى الله عليه وأله وسلم ثم مما جاءنا عن أصحابه الكرام.
فإذا جاء مُفسّر إلى أية مثل هذه الأية (( وفي سبيل الله )) فوسّع المعنى توسعة دخل فيها صرف أموال الزكاة في بناء المساجد، صرف أموال الزكاة في بناء المدراس وهكذا، لا ينبغي أن ننصاح لمثل هذه التوسعة أو لمثل هذا التفسير لأنه تفسير بالرأي مُخالف لتفسير السلف الصالح، لو رجعنا إلى كتب التفسير لا سيما ما كان منها من الأمهات ومن المراجع الأساسية التي يعتمد عليها كل المفسرين الذين جاؤوا من بعدهم كتفسير محمد بن جرير الطبري المُفسّر والمُحدّث و المُؤرّخ المشهور أو رجعنا في ذلك إلى تفسير الحافظ ابن كثير الدمشقي، أيضا المُفسّر والمُحدّث والمُؤرّخ لم نجد لمثل هذا التفسير في جملة (( وفي سبيل الله )) أنه بالمعنى العام الشامل لكل طرق الخير وإنما وجدنا فيهما وفي غيرهما من كتب التفسير بل وكتب الفقه أيضا في سبيل الله الجهاد والحج إلى بيت الله الحرام، فحينما نجد مثل هذا التوسّع فلا ينبغي لنا أن نتقبّل مثله لأنه خلاف ما كان عليه سلفنا الصالح، وقد ذكرنا أكثر من مرة بأننا حينما ندعو الناس إلى اتباع كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فإنما ينبغي أن يكون اتباعنا لهذين المصدرين على ما كان عليه سلفنا الصالح فهما لهما وتطبيقا لهما في حياتهم المباركة، فحينما نراجع تفسير هذه الأية لا نجد هذا التوسّع فيكون هذا التفسير فيه انحراف عما كان عليه السلف الصالح، وهذا وحده يكفي لنتبيّن خطأ مثل هذا التفسير.
الرد على من يبيح الموسيقى وآلات الطرب، وتفسير خاطئ لقوله تعالى:{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث }.
وهكذا فالأمثلة تتعدد في تفسير نصوص من الكتاب ونصوص من السنّة على خلاف ما كان عليه علماء المسلمين قديما.
6 - الرد على من يبيح الموسيقى وآلات الطرب، وتفسير خاطئ لقوله تعالى:{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث }. أستمع حفظ
حقيقة العلم ومن هم العلماء.
المقلد ليس عالما بالإجماع.
لذلك ننصح إخواننا المسلمين جميعا وبخاصة من كان منهم معنا على هذا الخط والصراط المستقيم في اتباع كتاب الله وفي حديث رسول الله أن يسألوا هؤلاء المفتين لا أقول أن يجتهدوا هم وهُم ليسوا أهل اجتهاد وإنما أن يسألوا المفتين حينما يُفتونهم برأي لهم في مسألة، من أين جئت بهذا؟ إذا كان من لغة العصر الحاضر اليوم التدقيق في ما يتعلّق بجمع الأموال ويُلفتون النظر بان من النظام الإسلامي أن يُحاسب الحُكّام والولاة الذين يُثرون ويغتنون بعد أن انتصبوا في وظائفهم أن يُسألوا من أين لكم هذا المال؟ فأولى من المال العلم أن يُقال لهم من أين جئتم بهذا الذي تفتنون به الناس؟ إن قالوا قال الله قلنا لهم فسّروا لنا قول الله بما فسّره السلف لا بما أنتم ترونه ويراه غيركم من أهل الرأي في هذا العصر، وإذا قالوا لنا قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم نسألهم هل هذا الحديث صحيح أم ليس بصحيح فإذا قالوا هذا حديث صحيح فنُحمّلهم تَبْعَتَهُ وليس علينا نحن من مسؤولية لأنه المفروض أن يكونوا أهل أمانة فإذا أفتنونا بحديث ضعيف وكان الواقع أنه حديث، لا أفتونا بحديث كان واقعه ضعيفا وقالوا إنه حديث صحيح فعليهم ما حُمّلوا لأنهم هم المسؤولون عن أداء الأمانة إلى الناس.
الناس صنفان عالم وجاهل ومعنى قوله تعالى:{ فاسألوا أهل الذكر } وذكر واجب العالم والجاهل بالنسبة للآخر.
فإذا سألنا أهل القرأن وأيضا من البداهة في مكان أنه ليس المقصود بأهل القرأن هنا هم الذين يرتّلون القرأن ويحفظون حروفه وأحكامه المتعلّقة بعلم التجويد وقد يُطرِبون فيه طربا غير مشروع لكنهم لا يفقَهون من معاني ما يتلون، ليس المقصود بأهل القرأن هؤلاء الذين يَحفظون حروفه دون معانيه وإنما المقصود بالقرأن إنما هم أهل العلم أي أهل الفهم بكتاب الله عز وجل وبحديث رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم.
لا يمكن إذا لم نقل لا يجوز لمسلم أن يتصوّر عالما بالقرأن بتفسيره وبمعانيه وهو جاهل بالسنّة ولذلك يجب أن نستحضر في بالنا وفي خاطرنا أننا حينما نُفسّر هذه الأية (( فاسألوا أهل الذكر )) بأهل القرأن وأنه المقصود به أهل العلم بالقرأن والفهم لمعانيه يجب أن نستحضر أنهم أيضا على علم بالسنّة وإلا فمن كان جاهلا بالسنّة أو لا يُميّز صحيحها من ضعيفها وضعيفها من موضوعها فهذا لا يمكنه أن يفْقَه القرأن بصورة باتة لا يمكن لإنسان أن يُفسّر القرأن إلا اعتمادا على سنّة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وهذا مما يدلّ عليه القرأن نفسه لأن الله عز وجل قد قال فيه مخاطبا به نبيه (( وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم )) فبيان الرسول عليه السلام للقرأن هو سنّته، هذا البيان إذا لم يعرفه العالم فلن يستطيع أبدا أن يُفسّر القرأن تفسيرا صحيحا ولذلك فنحن نرى في هذا العصر وقبل هذا العصر كثيرا من الناس لا يعرفون من السنّة شيئا يُذْكر.
واجب العلماء أن يفتوا غير العلماء، واجب غير العلماء أن يسألوا أهل العلم بصريح هذه الأية فكل من القسمين عليه واجبه من ليس عالما (( فاسألوا أهل الذكر )) أهل العلم ومن كان من أهل العلم فعليه أن يُبلِّغ هذا العلم وإلا شَملته اللعنة التي جاء ذكرها في القرأن ووعيد حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ( من سُئِل عن علم فكتمه ألجِم يوم القيامة بلجام من النار ) ولذلك أي تحقيقا لوجوب السؤال ممن ليس بعالم أن يسأل أهل العلم قد قال عليه السلام في حديث معروف ( ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العيّ السؤال ) ، فإذا نحن سألنا من ليس عالما بالكتاب والسنّة فلم نسأل عالما فإذا أفتانا هذا الذي ليس عالما بالكتاب والسنّة أو أفتانا على خلاف الكتاب والسنّة فلم يُقدّم إلينا علما فلا يجوز لنا حينئذ أن نتبعه وإلا بنكون ضللنا معه كما سمعتهم في الحديث السابق ( إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعا من صدور العلماء ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالما اتخذ الناس رؤوسا جهّالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا ) فإذا كان هناك بعض الناس لا يهُمّهم أن يضِلوا بسبب إفتائهم بالرأي المخالف للعلم الصحيح فينبغي على جماهير المسلمين الذين ليسوا من أهل العلم وواجبهم كما ذكرنا أن يسألوا فينبغي عليهم أن يتنبّهوا، وأن لا يضِلوا مع من ضل من هؤلاء الذين يُفتون بغير علم وسبيل ذلك هو أن نتأدّب بأمر الله عز وجل في القرأن (( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) وإن لم نفعل كما يأمرنا ربنا في هذه الأية ضللنا مع الضالين وكنا من أهل الجحيم نسأل الله عز وجل أن يحفظنا وإياكم من كل ما يُضلّلنا ويخرجنا عن سواء السبيل ولعل في هذا القدر كفاية لبيان أن العلم النافع إنما هو قال الله قال رسول الله قال الصحابة.
السائل : جزاك الله خيرا.
الشيخ : وإياك.
السائل : ويلاحظ على الأسئلة التي جاءت أن الكثير منها طُرِح في لقاءات سابقة كسياقة المرأة للسيارة مثلا وموضوع الخروج على الحُكّام المعاصرين وموضوع ستر الوجه بالنسبة للمرأة وأمور متعلّقة بالصلاة ولذلك فهذه الأمور يعني نرجئها لأنها قد طرحت في لقاءات أخرى وبالإمكان الحصول عليها من الأشرطة السابقة.
9 - الناس صنفان عالم وجاهل ومعنى قوله تعالى:{ فاسألوا أهل الذكر } وذكر واجب العالم والجاهل بالنسبة للآخر. أستمع حفظ
قلتم يجب علينا اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، لكن هناك من الناس من يقول: ما لنا وللصحابة هم رجال ونحن رجال وقد اختلفوا فيما بينهم، فكيف نرجع إليهم وهم قد اختلفوا في عدة مسائل ؟
الشيخ : أنا أشرت في كلمتي السابقة أن الصحابة إذا كانوا على تفسير واحد لا يجوز الخروج عليهم أما إذا كان كما في سؤال السائل إذا الصحابة أنفسهم اختلفوا فحينذاك وجب على أهل العلم أن يُقوموا بتحقيق نص من نصوص الكتاب الكريم ألا وهو قوله تبارك وتعالى (( فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) بحثنا السابق كان - يا إخواننا يجب أن تفهموا علينا جيدا ما نطرحه عليكم من النصائح والعلم - نحن نقول أية (( وفي سبيل الله )) قد فسّرها المفسّرون قديما صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين وبَنوا عليها بعض الأحكام الفقهية على أن المقصود بها الجهاد في سبيل الله، قول أخر للإمام أحمد أنه أيضا يدخل فيه الحجّ في سبيل الله، ما أحد من الصحابة خالف في هذا إطلاقا ولذلك فهذا السؤال لا يرد فيما نحن فيه، قد يرد في مكان أخر فجوابه أنهم إن اختلفوا فصحيح حينذاك نحن رجال وهم رجال لكن هذا الذي يقول نحن رجال ما وزنه في العلم؟ هل هو هذا الذي قلنا إنه يفتي بما قال الله وما قال رسول الله ويَدْرس أقوال السلف ويعرف إنه المسألة هذه فيها قولان وإلا ما فيها إلا قول واحد إن كان كذلك فقد يجوز أن يقول الإنسان هم رجال ونحن رجال، وإن كان هذا فيه شيء من التزكية للنفس وذلك طبعا محضور شرعا ولكن على كل حال إذا ما قاله بلسان القال فيمكن أن يقوله بلسان الحال فمن الذي يجوز أن يقول عن نفسه بلسان الحال نحن رجال ومتى يجوز له أن يقول نحن رجال كما هم رجال؟ الجواب أولا إنما يجوز أن يقول القائل من المتأخّرين هُم الصحابة رجال نحن رجال إذا كان جرى على سَنَنِهم وعلى خطتهم وعلى من منهجهم من حيث عدم الإفتاء بالرأي وإنما بما جاء في الكتاب والسنّة فإن كان هذا الذي يقول هم رجال ونحن رجال سار على المنهج الذي جرى عليه أولئك الرجال جاز له أن يقول ولو بلسان الحال نحن رجال وهم رجالز
هذا أولا وثانيا متى يقول هذا؟ يقول هذا إذا اختلفوا أما إذا اتفقوا فليس هو برجل بل قول ونحن رجال دليل على أنه ليس من الرجال لأن الله عز وجل قد ذكر في الأية السابقة التي احتججت بها على أنه لا يجوز لأحد اليوم أن يأتي بتفسير جديد بنصّ من قرأن الله القديم فُسّر على وجه سبق، فلا يجوز الأن أن نُفسّر نحن هذا النص بتفسير جديد لم يُسبق إليه.
هذا يكون قد خرج على ما كان عليه أولئك الصحابة وهناك يتحقّق فيه قول الله عز وجل وقول الرسول عليه السلام معروف، أما قول الله فهي الأية السابقة (( ومن يشاقق الرسول من بعد تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) لماذا ذكر الله عز وجل في هذه الأية (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) ؟ لماذا لم تكن الأية "ومن يشاقق الرسول من بعد تبين له الهدى نولّه ما تولى"؟ لماذا زاد هذه الجملة المعطوفة على الرسول فقال (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) ذلك لما ذكرناه أنفا أن الصحابة الذين تلقوا العلم أي القرأن والحديث من الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة كانوا أفهم الناس عقولا وأطهر الناس قلوبا وأزكى الناس نفوسا ولذلك كانوا يُبادرون إلى تطبيق أحكام الله عز وجل مهما كانت شديدة على النفس لاسيما إذا كانت حديث عهد بالإسلام، هؤلاء الصحابة هم الذين تلقوا القرأن والسنّة وفهموه وطبّقوه إذا نحن جئنا في أخر الزمان فخالفناهم في فهمهم في عملهم انطبقت علينا تلك الأية (( ومن يشاقق الرسول من بعد تبيّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فنكون قد اتبعنا سبيل غير سبيل المؤمنين، والمثال الأن بين أيديكم إذا لم يوجد في السلف من قال (( وفي سبيل الله )) يدخل فيه كل المشاريع الخيرية فمعنى الذي يُفتي ويُفسّر الأية بهذه الكليّة أنه خالف سبيل المؤمنين، أما إذا اختلفوا كما جاء في السؤال فحينذاك لنا جواب ثاني وهو منصوص أيضا في القرأن الكريم (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ، نعم.
ومشكلة جديدة اليوم إن كثيرا من الناس يعلمون أن المسألة فيها خلاف فعلا، فكيف يتبنّون قولا ويرجّحونه على قول؟ ليس اعتمادا على هذا الأمر الإلهي وتنفيذا له (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) لا يرجعون إلى الله والرسول ومعنى الأية كما هو معلوم لدى الجميع الرجوع إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذًا إلى ماذا يرجعون؟ والله هذا الأيسر، هذا الأصلح وهذا يعني بيشجّع الناس على التمسّك بالدين، أهكذا أمر رب العالمين في الأية؟ لا (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) ، فمن لم يرجع هذا المرجع ما يكون يعني فيه إشعار في الأية أنه في قلبه زغل وفي إيمانه ضعف، لذلك ينبغي نحن معشر المسلمين جميعا بالقسمين السابقين، من كان من أهل العلم حقا فسبيله أن يرجع إلى كتاب الله وحديث رسول الله وما اتفق عليه أصحاب رسول الله، فإن تنازعوا رجع إلى كتاب الله وحديث رسول الله بحكم هذه الأية، ومن كان من عامة الناس ليس من أهل العلم يرد الأية السابقة الذكر (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) من هم أهل الذكر؟ عرفنا بوضوح كما قال ابن القيم " العلم قال الله قال رسوله " ، أهل الذكر أهل العلم بالقرأن وبالسنّة أما السؤال هذا فعما تنازعوا فيه، لقد تنازع الصحابة كثيرا في بعض المسائل الفرعية ولم يختلفوا والحمد لله في شيء من العقيدة بخلاف الخلف، فلما تنازعوا رجع العلماء المسلمين وبخاصة منهم المجتهدين إلى القرأن وإلى السنّة فرجّح كل منهم ما تبيّن له أنه الراجح.
فأرجو أن لا يختلط الأمر على أحد من الحاضرين بين وجوب اتباع الصحابة فيما اتفقوا عليه وعدم الخروج عليهم برأي جديد وبينما إذا كانوا اختلفوا فحين ذلك نقول أو يقولون هم رجال ونحن رجال بالشرط السابق أن يكونوا يتحاكمون إلى كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم.
10 - قلتم يجب علينا اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، لكن هناك من الناس من يقول: ما لنا وللصحابة هم رجال ونحن رجال وقد اختلفوا فيما بينهم، فكيف نرجع إليهم وهم قد اختلفوا في عدة مسائل ؟ أستمع حفظ
هل الصحابة اختلفوا في مسائل العقيدة ؟
الشيخ : سبق الجواب، " سبق السيف العذل " قلت أنفا أنه الصحابة اختلفوا في بعض المسائل الفرعية ولم يختلفوا والحمد لله في شيء من العقائد كما اختلف الخلف.
السلف والحمد لله ليس فيهم معتزلي ولا فيهم مرجئي ولا فيهم أشعري ولا فيهم ماتوريدي بل كلهم سلفيون كما نقول نحن اليوم لأنهم كلهم اتبعوا سيد السلفيين وهو الرسول عليه السلام دون أن يميلوا يمينا ويسارا، دون أن يحكّموا عقولهم وآراءهم في الأمور الغيبية، فأنتم تعلمون مثلا المعتزلة أنكروا رؤية الله في الأخرة، بأي دليل؟ قالوا مش ممكن الإنسان العاجز الضعيف البصر أن ينظر إلى الله الخالق القدير، ما فيه عندهم علم سوى مش معقول، ربنا قد بيّن لنا أن يوم القيامة له نظام يختلف عن نظام هذه الدنيا الفانية ولذلك أنبأنا بأمور غيبية لنؤمن بها ونُسلّم لها تسليما كما جاء في الأية السابقة (( ويسلّموا تسليما )) لا أن نقول هذا مش معقول وهذا بعيد عن العقل والمنطق، وقع في مثل هذه الانحرافات المعتزلة والأشاعرة وغيرهم.
السائل : جزاكم الله خيرا.
هل الشارع اسم من أسماء الله ؟
الشيخ : هذا ليس اسما من أسماء الله لكن هذا إخبار عن وصف (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) نحن نقول مثلا بكل بساطة ولا إنكار ولا جحود الله موجود، فهل اسم موجود من أسماء الله عز وجل؟ طبعا لا، الذي يُنكره العلماء أنه لا يجوز تسمية الله عز وجل ووصفه إلا بما سمّى ووصف به نفسه لا يعنون الجملة الخبرية التي يطلقها الإنسان ثم لا يقف عندها فيصف الله عز وجل بأنه من أسماءه أنه موجود ومن أسماءه بأنه شارع وإنما هو يخبر خبرا محضا وهذا ما يُبيّنه ابن تيمية الذي يقول السائل بأنه يستعمل كلمة الشارع لأنه هذا إخبار عن معنى قائم في الذهن يُعبّر عنه الإنسان، فالله عز وجل إذا قال قائل ليس بمفقود ليس بمعدوم لا يكون قد أطلق اسما على الله أو صفة من صفات الله لكنه بهذه الكلمة لبس بمعدوم يعبّر عن كلمة الباقي أو اسم الباقي والحي القيوم ونحو ذلك، لهذا لا يُنكَر مثل هذا الاستعمال إذا لم يُستعمل على أنه اسم جاء عن السلف أو إنه صفة جاء في الشرع منصوصا عليها.
يتهم البعض السلفيين بأنهم مهتمين فقط بقضية التوحيد وخاصة توحيد الأسماء والصفات أكثر من غيره فلماذا ؟
الشيخ : هذا السؤال ألاحظ في الحقيقة أن فيه اعتدالا وأرجو أن يكون السائل قد قصد ذلك ولم يكن منه رمية من غير رام كما يقال لأنه جاء في ختام السؤال أكثر من غير ذلك، فنقول صدقت وهل هذا خطأ أن يهتم الدعاة السلفيون بدعوة المسلمين إلى أسّ الإسلام ألا وهو التوحيد أكثر من غير ذلك مما هو دون ذلك بكثير؟ فهذا يعني هو السؤال فيه إشارة إلى أنه هذا خطأ؟ إن كان الأمر كذلك فالسائل هو المخطئ لماذا؟ لو سألنا أي أحد من هؤلاء الذين يَنقمون على السلفيين اهتمامهم بالتوحيد وما يتفرّع منه من محاربة الشركيّات والوثنيات والخرافات والعقائد الباطلة، إذا قلنا لهؤلاء المُنكرين فأيّ شيء ينبغي أن نهتم أكثر؟ أنا أتحداهم أن يقولوا أنه هناك شيء أهم من هذا، نعم فيه هناك أشياء هامة وهامة كثيرة جدا وقد لا يستطيع أن يقوم بالدعوة إليها أو بفهمها شخص واحد بل ولا أشخاص، بل قد لا يستطيع أن يقوم بها جماعة واحدة وإنما جماعات وكما قيل،
" العلم إن طلبته كثير *** والعمر عن تحصيله قصير
فقد الأهم منه فالأهم " .
فإذا كان الداعية السلفي لا يستطيع أن يبحث مثلا في السياسة وفي الاقتصاد وفي ... أشياء تسمّى اليوم في العصر الحاضر واصطلاحات، لا يستطيع لأنه لم يعطَ الإنسان قدرة تتّسع وحافظة تتّسع لكل ما يجب أن يعلمه جماعة المسلمين، فيحيط به فرد من أفرادهم، هذا امر مستحيل والله عز وجل يقول (( لا يكلِّف الله نفسا إلا وسعها )) .
فإذًا على كل مسلم أن يقوم بواجب من الواجبات خاصة إذا كانت واجبات عينية فإذا انتهى منها قام بواجبات كفائية، أما لماذا فلان يعمل في كذا ولا يعمل في كذا؟ هذا خطأ مَن مِن الناس مهما أحسنتم الظن به يقوم بكل شيء يجب أن يقوم به المسلم؟ هذا أمر مستحيل خاصة في باب الفروض الكفائية، مثلا أولئك الذين نراهم يشتغلون مثلا بالناحية السياسية الإسلامية زعموا، لماذا لا يهتمّون بإصلاح عقائد المسلمين ويعيش الفرد الواحد منهم في حزبهم وفي جماعتهم بضع سنين أو أكثر ثم يخرج بعد ذلك لم يفقه العقيدة، لم يفقه معنى لا إله إلا الله التي فهمها العرب في أول الإسلام وهم لا يزالون في كفرهم وفي ضلالهم لكنهم بعد أن فهموها كفروا بها كما قال الله عز وجل حكاية عنهم أنهم قالوا (( أجعل الألهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )) ؟
المسلمون اليوم كثير منهم جدا لا يفقهون هذه الكلمة فلماذا هؤلاء الذين يشتغلون زعموا بالسياسة ويشتغلون زعموا بالتربية، لماذا لا ُيْعنون بإصلاح العقيدة؟ لماذا لا يُعنون بتصفية الإسلام مما دخل فيه من أحاديث ضعيفة موضوعة ومن عقائد منحرفة؟ ولماذا ولماذا، هذا أسئلة لا ننتهي أبدا، نحن نكتفي بأن أمثال هؤلاء إذا عملوا بواجب نشكرهم على ذلك لأنه هذا واجب من الواجبات الكفائية ولكن بشرط أن لا يُحاربوا أولئك الناس الذي يقولون عنهم بأنهم صرَفوا حياتهم في إيش؟ الدعوة إلى التوحيد، وهذا فيه شيء من الإنصاف وإلا كثيرا ما سمعنا بل رأيناه مطبوعا على رسالة هناك في الأردن يقولون وماذا عند السلفيين سوى أنه تحريك الأصبع سنّة وتحريك الساعة الدقاقة في المسجد بدعة، وهو هذا الذي يكتب هذا يعلم أن هؤلاء السلفيين يُعالجون أهمّ قضيّة اليوم يحتاجها العالم الإسلامي ألا وهي معرفة أوّلا توحيد الله عز وجل في عبادته وفي أسماءه وصفاته وثانيا إفراد الرسول عليه السلام في اتباعه دون الناس أجمعين، هذا هو معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله.
السلفيون بفضل الله أنعم الله عليهم أنهم يدعون إلى هذا الإخلاص لله عز وجل في توحيده وإلى إفراد الرسول عليه السلام في اتباعه دون غيره حتى الأنبياء والرسل فضلا عمّن دونهم من العلماء والصالحين، ولعلكم تذكرون والشيء بالشيء يُذكر حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وأله وسلّم رأى في يد عمر يوما صحيفة يقرأ فيها، قال ما هذه؟ قال هذه صحيفة من التوراة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام وهو غضبان ( أمُتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنصارى والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حيّا لما وسعه إلا اتباعي ) موسى لو كان حيا ما استطاع أن يتّبع إلا الرسول عليه السلام، من يتبع اليوم جماهير المسلمين؟ هل يتبعون الرسول عليه السلام؟ من المؤسف أن أقول بكل صراحة خذ أيّ شيخ تعتقدون فيه العلم قل له صف لي كيف كان رسول الله يصلي حتى أصلي صلاته؟ إن كان منصفا فسيبادرك بالقول أنا مذهبي شافعي وإن كان حنفيا سيقول أنا مذهبي حنفي إذا سألته عن أركان الوضوء وشروط الوضوء سيقول أنا حنفي هي أربعة، إذا كان شافعي سيقول هي ستة، يا أخي دلني كيف الرسول عليه السلام توضّأ، لا يعرفون الرسول عليه السلام وانقطعت الصلة مع الأسف الشديد بينهم وبين الرسول فاتبعوا غير الرسول حقيقة بينما كان واجبهم أن يُفرِدوا الرسول عليه السلام بالاتباع تماما كما يُفردون الله في العبادة لأنه هذا حق الله وعبادته وحده لا شريك له، وهذا حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اتباعه وحده لا شريك له أيضا في هذا الاتباع، لا نجد اليوم علماء المسلمين يخلصون للرسول عليه السلام في اتباعه بل يتخذون معه متّبعين كثيرين وكثيرين جدا.
إذًا نحن ندعو إلى تفهيم المسلمين حقيقة هذه الشهادة لا إله إلا الله محمدا رسول الله، فعلى أولئك الذين يشتغلون بما دون ذلك من الإسلام أن لا يُحاربوا هذه الدعوة لأن دعوتهم لا تساوي كما يقول عندنا في الشام " قشرة بصلة " إذا لم يؤمنوا بهذا التوحيد الذي بيّنه الله تبارك وتعالى في كتابه وشرحه نبينا صلى الله عليه وسلم في سنّته، ربنا يقول (( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) اليوم مئات الألوف من المسلمين يُصلّون ليس فقط الصلوات الخمس بل يصلّون والناس نيام، يحجون إلى بيت الله الحرام وليس فقط حجّة الإسلام بل قد يحجّون في كل عام ومع ذلك ففي بيت الله الحرام نسمع الشرك يعمل عمله، ما فائدة هذه العبادات إذا كان ربنا عز وجل يُصرّح في كتابه كما سمعتم (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) وقال عز وجل في حق الكفار (( وقدِمنا إلى ما علموا من عمل فجعلناه هباء منثورا )) .
إذًا نحن إن كان يجوز لنا أن نفخر بأننا ندعو في أكثر أمورنا ودعوتنا إلى التوحيد وتوحيد الأسماء والصفات، إن كان يجوز لنا أن نفخر بذلك فنحن فخورون جدا لأننا نحقّق نصا في القرأن (( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) فعلى الأخرين أن لا يُحاربوا هذه الدعوة بل ينقادوا معها حتى يستفيدوا من جهودهم الأخرى التي هي دون تلك الدعوة في درجات سحيقة وسحيقة جدا.
13 - يتهم البعض السلفيين بأنهم مهتمين فقط بقضية التوحيد وخاصة توحيد الأسماء والصفات أكثر من غيره فلماذا ؟ أستمع حفظ
ما حكم من يساعد في نشر كتب الأشاعرة وغيرهم من الفرق الضالة ؟
الشيخ : هذا السؤال لا بد من توضيح الجواب عليه، إذا كان الذي يطبع هذه الكتب ليتعلّم الناس فيها عامة الناس ليتثقّفوا بما فيها من كلام بل من علم الكلام فهذا طبعا يَصْدق فيه الشطر الثاني من قول الله عز وجل في القرأن الكريم (( وتعاونوا عل البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ففي هذا النشر تعاون على الإثم والعدوان أما إذا كان النشر في حدود.
ما رأيكم في التوسع في إطلاق كلمة الشهيد ؟
الشيخ : الشهيد في الإسلام يا إخواننا الكرام له حالتان، إما أن تكون شهادته حقيقية وإما أن تكون شهادته حُكمية وليست حقيقية.
الشهادة شهادتان الشهادة الأولى هو القتيل من المسلمين يقع شهيدا في المعركة وهو يقاتل في سبيل الله فهذا هو الشهيد حقيقة وهذا له أحكام معروفة في الإسلام فهو لا يُغْسل ولا يكفّن ويُدفن في ثيابه التي تضمّخت بالدماء الزكية ويُدفن في المكان الذي وقع في صريعا، هذه أحكام خاصة بالشهيد في المعركة.
ثم هناك شهادة حكميّة ولا يترتّب من وراءها شيء من هذه الأحكام المتعلقة بالشهادة أو الشهيد الحقيقي، هذا النوع من الشهادة وهي الشهادة الحكمية إنما تؤخذ بطبيعة الحال من ما حكم الشارع الحكيم بأن من اتصف بكذا فهو شهيد، مثلا يقول الرسول صلى الله عليه وأله وسلم ( من مات دون ماله فهو شهيد ومن مات دون دمه فهو شهيد ومن مات دون أرضه فهو شهيد ) ( من قتله بطنه فهو شهيد ) ( من قتل بالغرق أو الهدم فهو شهيد ) ( من قتل بداء السل فهو شهيد ) ( المرأة الجمعاء تموت في نفاسها فهي شهيدة ) هذه بعض النماذج مما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أطلق عليه اسم شهيد ومع ذلك فالعلماء مجمعون على أن هذا الإطلاق لا يُعطيه فضيلة الشهيد حقيقةً الذي مات في المعركة وإنما هو من باب التقريب في الفضل يعني هؤلاء الذين أطلق عليهم الرسول عليهم السلام أنهم أو أن كل واحد منهم شهيد له فضل لا يساويه في ذلك سائر الناس الذين لا يموتون في حالة من هذه الأحوال.
ألسنتكم، ( جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم ) فهذا الذي يؤلّف المقالات أو يطبع الرسالات في الرد على الكفار المشركين، هذا نوع من الجهاد بلا شك، هذا الذي يُساعد هؤلاء بماله فهو أيضا نوع من الجهاد في سبيل الله عز وجل لكن لا يُسمّى شرعا إذا مات والحالة هذه إنه شهيد ذلك لأن الشهادة حكم شرعيّ لا يجوز إطلاقه على كل من جاهد في سبيل الله نوعا من أنواع الجهاد وإنما هو الوقوف مع النص.
نحن نضرب لكم مثلا برجل قلّما ولدت النساء مثله في الجهاد بالمعنى العام ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية ويكفيكم أنه مات في السجن محبوسا ظلما وعدوانا لأنه كان يصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم، فأرونا أي كتاب من كتب علماء المسلمين الذي يُترجمون لهذا الرجل ويبيّنون أنه كان أمة واحدة وصفوه بابن تيمية الشهيد، الشهيد ابن تيمية.
الحق والحق أقول إن هذه الكلمة أصبحت اليوم مُبتذلة إلى درجة نَضحك نحن من بعض الناس أنه رجلا قتل أخر ظلما وبغيا وعدوانا فيأتي أخر فيقتل القاتل وإذا بهذا القاتل الذي صار قتيلا وأخذ جزاءه في الدنيا حينما يُحمل على النعش وعلى الرؤوس، تسمع الناس يقولون والشهيد حبيب الله فأصبحت الشهادة كلمة مبذولة، عندنا في سوريا كان شاعت قصة رجل في الحرب مع اليهود اسمه جورج جمال يمكن سمعتم باسمه، هذا رجل نصراني وأصبح بين الناس حتى المسلمين لجهلهم وضلالهم وبُعدهم عن الإسلام، الشهيد جورج جمال وحتى أطلق اسمه على مدرسة ولافتة كبيرة مدرسة الشهيد جورج جمال.
ما الذي سوّغ هذا الانحراف البالغ في إطلاق هذا الاسم حتى على الكافر؟ تساهلنا نحن في استعمال هذه الكلمة حتى أدخلنا فيها أو تحتها أي معنى له يعني منزلته في الإسلام، هذا لا يجوز إسلاميا يجب أن نقف كما قال تعالى (( وتلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )) .
فنحن إذًا خاصة الكلام لا نُطْلق لقب أو اسم الشهيد إلا على ما جاء في السنّة بأنه شهيد مهما كان عمله عظيما كما ضربنا لكم مثلا بهذا الرجل العظيم ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية الذي مات وهو سجين، لا نقول عنه إنه شهيد وإن كنا نريد أن نُطْلق هذه الكلمة على بعض الناس من الأبطال الذي أبلوْا بلاء حسنا في سبيل خدمة الإسلام ومحاربة أعداء الإسلام لقلنا الشهيد ابن تيمية ولكن حاشا لله أن نعظّم الناس بألفاظ ما جاء الإذن لنا في شريعة الله عز وجل أن نستعلمها وفي ذلك عبرة لمن يعتبر وذكرى لمن يتذكّر.
يشيع البعض أنكم تصححون وتضعفون بدون ضوابط والدليل على ذلك أنكم أحيانا تتشددون في التصحيح وأحيانا تتشددون في التضعيف أحيانا تصححون في الصحيح وتضعفون في صحيح الجامع وتقولون رجعنا عن كذا وكذا فما قولكم ؟
الشيخ : نقول من كان من أهل العلم فنحن مستعدون لنناقشه فيما يدّعيه أما إذا كان ليس من أهل العلم فلا وزن لكلامه، هذا من جهة.
من جهة أخرى أنا أعترف وأقول كما قلت أنفا إن جاز لي أن أفتخر فأنا أفتخر بأنه إذا تبيّن لي الخطأ رجعت عنه ولا أصرّ عليه كما يفعل غيري، ومن المؤسف جدا أن تنقلب الفضيلة اليوم مع بعض الناس إلى قباحة أو قبيحة بل ربما إلى رذيلة، فماذا في الإنسان إذا تبيّن له خطؤه في كتاب فتراجع عنه لا سيما في مثل هذا العلم، علم الحديث والتصحيح والتضعيف الذي أعرض عنه ملايين علماء المسلمين طيلة هذه القرون الطويلة؟ لماذا؟ لصعوبته وأنا أضرب لكم مثلا بسيطا جدا ولو أنه له علاقة بالمصطلح لكنه واضح المثال.
الحديث ينقسم عند علماء الحديث وأقول الصحيح ينقسم إلى صحيح لذاته وصحيح لغيره وكذلك الحديث الحسن ينقسم عند أهل العلم إلى حديث حسن لذاته وحسن لغيره.
وهنا البحث الأن، ما معنى هذا حديث حسن لذاته وحديث حسن لغيره؟ معناه أن هذا الحديث ليس له سند صحيح لكن له سند صحيح، هذا تعريف ماذا؟ الحديث الحسن لذاته والحديث الحسن لذاته هو الذي توفّرت فيه شروط الحديث الصحيح كلها لكن أحد رواته قلّ ضبطه وحفظه عن مستوى حفظ وضبط راوي الحديث الصحيح، لذلك قالوا عن حديثه حديث حسن لذاته، يأتي بعد ذلك المثال في النهاية الحديث الحسن لغيره ما هو؟ يعني هو الحديث الذي ليس له إسناد صحيح، فيأتي الشيخ الألباني ما غيره هذا الذي موضوع في قفص الاتهام يأتي إلى حديث فيقف على إسناده فيضعّفه.
ويمضي زمن ويمضي زمن وهو يقول إنه هذا حديث ضعيف وإذا به وهو منغمس كل حياته في دراسة المخطوطات فضلا عن المطبوعات وإذا به يرى لهذا الحديث طريق أخرى وأقلّ ما يُفيد هذه الطريق الأخرى ذلك الحديث الذي هو ضعيف أنه يرفعه من الضعف إلى مرتبة الحسن لغيره فأقول في كتاب أخر هذا حديث حسن ليه؟ لم قلت من قبل إنه ضعيف ثم قلت أخيرا في كتاب أخر إنه حسن؟ لأنه تبيّن لي شيء كنت لا أعلمه، وإن كان الإنسان بطبيعة الحال كما وصفه الله عز وجل (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) لكن أصدَق ما يصدق مثل هذا النص هو بالنسبة للذي يشتغل في علم الحديث لكثرة الطرق بالألوف المؤلّفة ولذلك فالواجب على الإنسان أنه يبحث في حدود ما يستطيع، وأنا فعلت ربما لا أقول هذا مدحا بل بيانا للواقع بحثت وفتّشت عن طرق الحديث بصورة يُمكن لا وجود له في العصر الحاضر، وكثير من أهل الإنصاف والعلم يعترفون بهذه الحقيقة لكن هل أنا أحطت بكل شيء علما هيهات هيهات، فاتني ويفوتني الشيء الكثير، هذا مثال بسيط فالذي يجهل هذه الحقيقة، إيه ليه الألباني ضعّف الحديث في الكتاب الفلاني ثم صحّحه في الكتاب الفلاني؟ هذا مثال للحديث الذي ضعّفته في كتاب وقوّيته في كتاب أخر والعكس أيضا صحيح يقع، أي ربما أصحّح حديثا في كتاب وتمضي السنين وإذا بي أكتشف علة خفيّة في ذلك الإسناد الذي كنت صحّحته فأنقد نفسي بنفسي وقد ينقدني غيري فأستفيده منه فأعلنها صريحة أنه هذا الحديث ضعيف السند، إن كان في مجال للبيان فعلتُ ذلك وبيّنت وفصلت القول ومجال ذلك الكتابان المشهوران "سلسلة الأحاديث الصحيحة" و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" وإن كان ما فيه مجال اقتصرت لبيان المرتبة كما جريت على ذلك في "صحيح الجامع" و"ضعيف الجامع".
هذه الأمور أهل العلم لا يكادون يتنبّهون لها فضلا عن طلبة العلم فضلا عمّن دونهم لذلك أنا أنصح إخواننا طلبة العلم جميعا مهما كانت اتجاهاتهم وحزبيّتهم - عافانا الله وإيّاهم - أن يتريّثوا في النقد وأن يتساءلوا في أنفسهم كما جاءني نقد من بعض الإخوان في بعض الليالي التي سهرناها في الخارج أنه مثلا ينتقدني في حديث أنه حديث الطِيَرة يعني " وما منا إلا يصيبه الطيرة ثم يذهبه الله بالتوكل " فكتب إليّ يعني قرابة صفحة يقول أنت أخطأت حينما ذكرت " وما منا " هذا ليس من الحديث وإنما هذا مُدْرج، على حسب ما نقل هو فقط قلت والله هذه خطيئة وما منا من أحد إلا ويخطئ، لما رجعت إلى الحديث الذي أوردته في السلسلة وإذا أنا أشرت الكلام الذي هو يواجهني به ويقول إنه هذه الجملة مدرجة فكيف أنت صحّحتها؟ وإذا به أجد الكلام هناك في الصحيحة أشير إلى الإدراج وأنقل كلام بعض الأئمة الذين هو نقل عنهم أن هذه الزيادة مدرجة ولكني أتبنّى رأي علماء أخرين أنه هذا ليس مدرجا لأنه جاء في صلب الكلام، هذا مثال يعني من أمثلة تسرّع بعض إخواننا لأنكار وكأنه المقصود هو مجرّد الإنكار وليس البحث العلمي.
خلاصة القول قد أصحّح حديثا ثم يتبيّن لي علّة فيما بعد والعلل كثيرة في هذا العلم، قد يكون مثلا هناك إرسال خفي والإرسال الخفي من العلل التي يقول بعض أهل العلم أنه معرفة علل الحديث من حيث الإرسال هو أدق أنواع علم الحديث، منِ الذي يعرف هذا المجال وأهمّيته وكونه قد يخفى على أكبر العلماء؟ ما يعرف ذلك إلا الذي مارس الأمر بنفسه.
خلاصة القول أنه هذا السؤال الذي سمعته الأن ليس هو بالأمر الجديد، تأتينا رسائل ومناقشات كثيرة والجواب باختصار أن الذي ينقد هذا النقد ما أظنه من أهل العلم وإن حسّنت الظن به فهو من شبابنا المسلم المتحمّس ثم ينطلق بدون وعيه إلى النقد، هذا إذا كان ليس من أهل الشحناء والبغضاء الذين ابتلينا بهم في بعض البلاد، ونسأل الله عز وجل أن يصلح ذوات نفوسنا وأن يطهّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد وأن يجمعنا على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم.
السائل : أخر سؤال.
16 - يشيع البعض أنكم تصححون وتضعفون بدون ضوابط والدليل على ذلك أنكم أحيانا تتشددون في التصحيح وأحيانا تتشددون في التضعيف أحيانا تصححون في الصحيح وتضعفون في صحيح الجامع وتقولون رجعنا عن كذا وكذا فما قولكم ؟ أستمع حفظ
كيف يكون الرد على من يقول: أنتم معشر السلفيين تنكرون التقليد، وأنتم تقلدون الألباني بقولكم: صححه الألباني وحسنه وضعفه، مع أنه يخالف في بعض الأحيان أئمة الحديث كالحافظ ابن حجر والذهبي فما قولكم؟
الشيخ : شوف بقى السؤال، أظن سمعتموه؟ ماذا يفعل المسلم إذا وجد العلماء قد اختلفوا في حديث ما تصحيحا وتضعيفا؟ لا بد له على طريقة السائل من أن يقلّد، إما الذي صحّح أو الذي ضعّف ثم هو ليس بين يديه من يساعده أو يبصّره على ترجيح قول من القولين على الأخر لكن وُجِد هناك رجل ابتلي بالناس وابتليَ الناس به أنه خصّص حياته لهذا العلم، واقتنع بعض الشباب المسلم بأنه هذا الرجل على شيء من هذا العلم فيسمّي السائل أو من يُشير إليه أنه هذا الشباب في العالم الإسلامي كله بيدعو أنه هم سلفيين ما بيقلّدوا وها هم يقلّدون الألباني، طيب من يقلّدون إذا؟ يقلّدون الذين ماتوا واختلفوا وتركوا لنا هذا الاختلاف، لا بد لهم من أن يتبنّوْا رأيا من الرأيين صحيحا أو ضعيفا، فإذا وُجِد إنسان يُقرِّب لهم وجهة الاختلاف ويبيّن هذا سبب التضعيف وهذا سبب التصحيح ثم يعمل عملية ترجيح، فهل هذا يكون يعني خير من الله عز وجل أن قيّض لهم إنسانا يبعث لهم هذا العلم من جديد ويبصّر الشباب المسلم ويُحرّكهم ليعلموا بعلم الحديث؟ لا أقول أمرا يعني أو لا أكشف سرا كما يقال، قبل ثلاثين سنة لم يكن في العالم الإسلامي عالم كاتب خطيب يذكر حديثا في خطبته أو في كتابه أو في أي مجال من مجالات العلم يقول رواه البخاري ورواه مسلم أو رواه فلان أو صحّحه فلان أو إذا جاب حديث ويقول كمان إسناده ضعيف، هذا ليس له ذكر إطلاقا في العالم الإسلامي كله قبل ثلث قرن من الزمان لكن اليوم الحمد لله تجد النشاط بالإعتناء بالحديث وتخريجه وحتى البعض يحاول يصحّح وهو لمّا يبلغ مرتبة التصحيح والتضعيف، معناه صار في العالم الإسلامي حركة علمية عجيبة جدا، يعرف هذا كبار السن من أمثالي، أما أنتم فتعيشون الأن في بحبوبة من العلم، بهذا العلم الشريف ألا وهو علم الحديث.
الخلاصة نعود إلى هذا السؤال يقولون يقلّدون الألباني، قلنا لا بد من التقليد على حد تعبيرهم لكن علماء الأصول والفقه في الأصول وبخاصة منهم الإمام الصنعاني، الأمير الصنعاني له رسالة سمّاها "تيسر الاجتهاد" أو "في تيسر الاجتهاد" يذكر هناك أن الرجل حينما يسمع عالما يقول في حديث ما إنه حديث صحيح أو في حديث ما يقول حديث ضعيف، فعلى من لا علم عنده أن يتّبعه وأن اتباعه هذا ليس تقليدا وإنما هو اتباع ويفصّل القول هناك بناء عل علم الحديث، خلاصة ذلك أن الرجل إذا قال لك عن رجل ما لا تعرفه، هذا رجل حسن المعاملة لا بأس أن تشاركه فأطعته في هذا وانطلقت لتشاركه، هذا ليس هو اسمه تقليد وإنما هو اتباع، التقليد هو أن تسلّم قيادة عقلك وتفكيرك لمن تقلّده دون أن تجتهد، يا ترى هذ رجل عالم، رجل صادق فيما ينقل، هذا هو التقليد لما تغمّض عيونك لأنه التقليد يقول أهل العلم مشتق من إيش؟ من القلادة كأنك بتقيم القلادة من عنقك وبتلبسوا في عنقه ... وهذا طبيعة الإيش؟ المقلدين والليلة سمعنا بمناسبة البحث السابق في أية (( وفي سبيل الله )) أنه سمعنا من أحد العلماء أنه ما فيه مانع نُخرج الزكاة ونعطيها لبناء المساجد أو بناء المستشفيات وذكر أثرا معروف وأنا ذكرته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" " من قلّد عالما لقي الله سالما " فهو إيش سوّى؟ قلّد هذا العالم مجرّد ما قال له هيك خلاص كأنه هو مع النص ويسلموا تسليما.
ليس كذلك شأن من يحاول أن يتبصّر أنه هذا الرجل اللي بيقول هذا حرام أو بيقول حلال أو بيقول حديث صحيح أو ضعيف، يحاول يستوثق منه هل هو متمكّن في هذا العلم، هل هناك مجال مثلا لمناقشته أو لا مجال، فبعد ما بيطمئن بيتبعه، فلا يقال في هذا مقلّد كما جاء في سؤال السائل لكن إذا كان ما اقتنع بهذا لأنه ليس من أهل العلم بطبيعة الحال فأنا أقول له ماذا تقعل أنت؟ أنت تقلّد وهؤلاء يقلّدون لكن هؤلاء يقلّدون على شيء من البصيرة أما أنت فكما نرى كثيرا من الناس اليوم يقولون بقول هذا العالم بدون دليل وبكرة يقولون بقول ذلك العالم بدون دليل، أما الدليل فيوصلك إلى اتباع الحق حيث كان سواء كان لك أو كان عليك.
هذا مما تيسّر من الجواب عن الأسئلة المقدّمة وأسأل الله عز وجل أن يوفّقنا وإياكم للصواب واتباعه حيث ما كان ومع من كان.
والسلام عليكم ورحمة الله.
السائل : في النهاية يعني نرجو الله عز وجل أن ينفعنا بما سمعنا ونقول يعني إذا كان في الدعوة مميزات فإن الدعوة السلفية امتازت لأنها هي الوحيدة التي كتبت في التوحيد وبيان الشرك والانحراف وهي الوحيدة أيضا علماءها قديما وحديثا كتبوا في التصحيح والتضعيف وكل الناس وكل الدعوات الموجودة الأن ما قرأنا لأحدهم كتاب يعتدّ به في قضايا التوحيد والشرك أو في قضايا التصحيح والتضعيف، وهذا من فضل الله عز وجل علينا وجزاكم الله خيرا.