الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))(( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وبعد .
ذكر الشيخ لأصلين عظيمين قام عليهما الإسلام وهما توحيد الله بالعبادة وإفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة .
الشيخ : فمما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين قاطبة أن الإسلام قام على أصلين عظيمين وقاعدتين كبيرتين ألا وهما توحيد الله تبارك وتعالى بالعبادة وإفراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاتباع والقدوة أما توحيد الله تبارك وتعالى بالعبادة فالبحث فيه من باب ما يقال " كناقل تمر إلى هجر " فأنتم إن شاء الله جميعا في غنية عن الخوض في هذا البحث العظيم .
الشيخ : والذي أريد البحثَ فيه إنما هو في الأصل الثاني والقاعدة الثانية ألا وهي إفراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإتباع والقدوة فنحن نعلم جميعا كما أشرت آنفا أنه لا يتم إيمان امرء مسلم إلا بالإيمان بأن محمدا رسول الله وأن إنسانا ما على وجه الأرض لو شهد لله عز وجل بالوحدانية بمعانيها الثلاثة فلا يكون مؤمنا إلا إذا ضم إلى ذلك إيمانه بأن محمدا عبده ورسوله وإذا الأمر كذلك فكما ينبغي لكل مسلم أن يتعلم معنى الكلمة الطيبة (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) ويجب عليه بعد أن يتعلمها وأن يتعرف على حقيقة معناها أمران اثنان الإيمان بها أولا ثم تحقيقها في نفسه وفي عبادته وفي عقيدته بالله ثانيا كما أشرت إليه آنفا أنكم لستم إن شاء الله بحاجة إلى الخوض في تفاصيل ذلك .
الشيخ : كذلك يجب على كل مسلم أن يعرف معنى أن محمدا عبده ورسوله هذه الشهادة المتممة للشهادة الأولى ولذلك فأدندن الآن حول هذه الشهادة الثانية وأبيّن أنها لا تتم إلا إذا آمن المسلم بهذه الشهادة عن معرفة وإيمان واعتقاد جازم أولا ثم طبق ذلك في منطلقه في حياته ثانيا فقولنا أشهد أن محمدا عبده ورسوله يستلزم في جملة ما يستلزم الإيمان بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة بتمامها وكمالها بحيث أنه لم يدع لمن بعده مهما سما وعلا أن يستدرك عليه شيئا ما كما أشار ربنا عز وجل إلى هذه الحقيقة بقوله تبارك وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) .
ذكر الشيخ لقوله صلى الله عليه وسلم (ما تركت شيئا يقربكم إلى الله...) الحديث .
الشيخ : من أجل ذلك صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق متعددة أنه قال ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله ويبعدكم عن النار إلا وأمرتكم به وما تركت شيئا يقربكم إلى النار ويبعدكم عن الله إلا ونهيتكم عنه ) لم يبق ثمة مجال لاستدراك ما مهما كان هذا الأمر المستدرك سهلا أو قليلا .
ذكر الشيخ لقول مالك رحمه الله ( من إبتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة....) الأثر .
الشيخ : من أجل ذلك جاء عن إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه قال " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) قال مالك رحمه الله ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا " هذا من فقه الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة حيث صرح بلسان عربي مبين أن من ابتدع في الإسلام بدعة واحدة وزعم أنها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة ومن زعم هذا الزّعم فلم يؤمن بأن محمدا عبده ورسوله كما هو واضح جدا من كلام هذا الإمام الجليل . " من ابتدع في الإسلام بدعة " أي واحدة " يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد خان الرسالة اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) ولا يصلح آخر هذه الأمة هذا من تمام كلام مالك، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا "(( اليوم أكملت لكم )) فليس على المسلم إلا أن يحقق اتباعه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكون صادقا بأنه محمد رسول الله عبده ورسوله وأنه جاءنا برسالة كاملة وافية لا شطط فيها ولا وقص .
تذكير الشيخ بما ينبغي على المسلم من الوقوف عند الحدود التي حدها له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : إذا كان الأمر كذلك فينبغي على كل مسلم أن يعرف قدره وأن يقف عند ما حده له نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من العبادات والطاعات فقد جفّ القلم بما سبق من الشرع ولم يبق هناك مجال لاستحسان عبادة لم تكن فيما مضى من الزمن الأول، على ذلك جرى سلفنا الصالح رضي الله عنهم عارفين بقدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث أنه أولا أدى الرسالة وبلغ الأمانة كما عرفتم وأنه أعبد عباد الله وأشدهم وأخشاهم لله عز وجل فلا مجال للاستدراك عليه أولا من ناحية التشريعية من الناحية التشريعية كما سمعتم في الآية وفي تعليق الإمام مالك عليها وثانيا من حيث ادّعاء أن هناك من هو أعبد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا أمر يستحيل فمن عرف هاتين الحقيقتين المتعلقتين بإيمانه بأن محمدا عبده ورسوله اقتصر في عبادته لله تبارك وتعالى على ما جاءه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يضع بين يديه قدوة سوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وفي تأييد هذه الناحية الثانية أي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يسبق إلى ذهن مؤمن إلى ذهن مؤمن أنه أتقى لله وأخشى لله وأعبد لله منه هذا أمر مستحيل .
ذكر الشيخ لحديث أنس رضي الله عنه في الرهط الذين جاءوا يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام عليه .
الشيخ : نذكر الآن لزعمي هذا ما جاء في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم بالسند الصحيح يقينا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رهطا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوا نساءه حيث لم يجدوه هو نفسه عليه السلام، سألوهن عن عبادته عن قيامه في الليل وعن صيامه في النهار وعن إتيانه للنساء فذكرن لهم ما يعلمن من ذلك من هديه عليه السلام والهدي هذا خير هدى على وجه الأرض كما تسمعون منا ومن غيرنا في افتتاح خطبنا " وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم " ذكرنا لهم أنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم ويفطر وكان يقوم الليل وينام وكان يتزوج النساء، قال أنس لما سمعوا ذلك من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقالوها أي وجدوا عبادته صلى الله عليه وآله وسلم قليلة تقالوها بناء على ما كان قد قام في أذهانهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بد أن يقوم الليل كله وأن يصوم الدهر كله وأن يكون راهبا لا يقرب نساءه ففوجؤوا بما لم يكن في خاطرهم فعللوا ذلك بعد أن تقالّوا عبادته عليه السلام، عادوا إلى أنفسهم فعللوا تلك القلة التي زعموها خطأ منهم ولا شك فقالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكأنهم يقولون عفا الله عن قولهم وخطأهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما اقتصر على هذه العبادة التي تقالّوها لأن الله قد غفر له فلم يبق لديه وازع يحمله على أن يكثر من عبادة ربه عز وجل، هذا خطأ منهم ولا شك لأنهم لم يعلموا أن تلك العبادة التي تقالّوها كانت عبادة لا يستطيعها أعبد البشر حتى ولو كان داود عليه الصلاة والسلام الذي صح في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( كان داود أعبد البشر ) لم يعلم هؤلاء الرهط أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلك العبادة كان أعبد الناس وكانت عبادته لا يستطيعها أعبد الناس كما ذكرت آنفا وذلك مما استدعى أنه سئل وقيل له عليه الصلاة و السلام لما وجدوه، وجده العارفون بعبادته وليس أولئك الرهط الجاهلون بعبادته، العارفون بعبادته عليه الصلاة والسلام أشفقوا عليه لأنهم رأوهم قد قام حتى تفطرت قدماه فقالوا له يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر أي يعنون اشفق يا رسول الله بنفسك وارفق بها فقد تعبت وتشققت قدماك فكان جوابه عليه السلام ( أفلا أكون عبدا شكورا ) هذا رد لتعليل الفاسد الذي صدر من أولئك الرهط حيث عللوا قلة عبادته صلى الله عليه وأله وسلم بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لم يعلموا أن النبي قد قام حتى تشققت قدماه فلمّا قيل له ما سبق قال ( أفلا أكون عبدا شكورا )، بناء على ما توهموا من قلة عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما علموا من أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قام في نفوس كل واحد من أولئك الرهط أنه يجب على كل واحد منهم أن يبالغ في العبادة وأن يزيد على ما سمع من عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صيامه وقيامه وقربانه لنسائه فتعاهدوا بينهم على ما يأتي، أما أحدهم فقال إني أقوم الليل ولا أنا وقال الثاني أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر أما الثالث فقال إني لا أتزوج النساء، لماذا ؟ لأنهم ظنوا أن التزوج بالنساء مشغلة وصارف عن تمام العبادة لله عز وجل ولم يعلموا .
تذكير الشيخ بأن الزواج عبادة مع ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك .
الشيخ : ويبدو لي والله أعلم أن هذا الرهط كان حديث عهد بالإسلام لم يتفقه بعد في شرائع الإسلام وأحكامه، لم يعلم مثلا أن الزواج عبادة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غيرما حديث كمثل قوله عليه السلام في الحديث المعروف لما جاءه الفقراء وقالوا له يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأموال والأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما يصومون ويحجون كما نحج ويتصدقون ولا نتصدق فقال لهم عليه الصلاة والسلام مواسيا لهم ( أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من قبلكم ولم يدرككم من بعدكم إلا من فعل مثلكم ) فعاد رسول الفقراء إلى أصحابه الفقراء فبشرهم بهذه البشارة التي صدرت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففرحوا بها كثيرا ولكنهم لم يلبثوا إلا قليلا حتى عاد رسولهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليقول له عليه الصلاة والسلام يا رسول الله لقد بلغ الأغنياء ما قلت لنا ففعلوا مثل فعلنا فقال عليه الصلاة والسلام ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) هذه رواية الإمام مسلم في صحيحه وفي رواية أخرى في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم ( إن لكم بكل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل تكبيرة صدقة وبكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ... ) ومازال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعد كثيرا من مكارم الأخلاق ثم قال في ختام الحديث ( وفي بضع أحدكم صدقة ) ، قالوا مستغربين يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته وله عليها أجر؟ قال ( أرأيت إن وضعها في الحرام أليس يكون عليه وزر ) قالوا بلى يا رسول الله قال ( فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له عليها أجر ) فخفي مثل هذا الحديث وغيره مما جاء في باب الحض على التزاوج وبخاصة على الصبر على الأولاد والنسل .
الشيخ : كما جاء في الحديث الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام ( تزوجوا الولود الودودفإني مباه بكم الأمم يوم القيامة )، ( تزوجوا الولود الودودفإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ) فالذي يتزوج ويحصن نفسه ويحصن زوجه فله على ذلك أجر جهل هذا أولئك الرهط فكان من أحدهم أن نذر على نفسه ما سبق ما سبق ذكره، قال أما أنا فلا أتزوج النساء وانطلقوا ثم لما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكرن له ما سمعن من أولئك الرهط مما تعاهدوا بينهم خطب الرسول عليه السلام في مسجده فقال ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) يعيد عليه الصلاة والسلام على مسامع الحاضرين ما قاله كل فرد منهم هذا الأخير لا يتزوج النساء والثاني قال أنا أقوم الدهر، أصوم الدهر ولا أفطر وذاك قال أقوم الليل ولا أنام .
تذكير الشيخ بأن من أدب النبي صلى الله عليه وسلم الستر على من أخطأ .
الشيخ : لكنه عليه الصلاة و السلام كان من أدبه في موعظته للناس ومن تأديبه للناس وتعليمه للناس أنه يستر على الخاطئين أو المخطئين فلا يفضحهم فيقول كما سمعتم ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) .
لافائدة من ذكر المخطئ إلا إذا كان خطأه على ملإ من الناس .
الشيخ : لأنه لا فائدة من ذكر المخطئ إلا إذا كان خطأه على ملإ من الناس وهو حاضر فإذا انصرف الناس وانصرف هو فات تذكير الناس بخطئه فهو في هذه الحالة لا بد من التذكير علنا وليس كما يتوهم ولو أنني استطردت شيئا قليلا ليس كما يتوهم بعض الناس من الذين يعرفون الحكمة والرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنهم قد فاتهم أن الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينافي المصارحة بانتقاد المخطئ إذا كان خطؤه على ملإ من الناس وسيرة سلفنا الصالح ممتلأة والحمد لله بكثير من الشواهد .
تذكير الشيخ بحديث عبد الله بن عمر الذي فيه إنكار عمرعلى عثمان رضي الله عنهما
الشيخ : وحسبي أن أذكركم بما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب كان يخطب يوم جمعة طبعا في مسجد الرسول صلى الله عليه وأله وسلم لما دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي رواية أنه عثمان بن عفان فقطع عمر خطبته وتوجه إلى هذا المتأخر عن التبكير للحضور لسماع الذكر وسماع خطبة يوم الجمعة فأجاب بأنه يا أمير المؤمنين لم يكن مني إلا أن سمعت الأذان فتوضأت وجئت إلى المسجد فقال له منكرا بالإستفهام الإستنكاري " آلوضوء أيضا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( من أتى منكم الجمعة فليغتسل ) " الشاهد من هذا أنه أنكر على عثمان بن عفان علنا على رؤوس الأشهاد لأنه تأخر عن الحضور إلى صلاة الجمعة وخطبة الجمعة . نعود إلى ما كنا في صدده إن قاعدة التعليم والتذكير قائمة على أساس الستر على الناس إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك على هذه القاعدة جرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما خطب فيما يتعلق بالرهط قال وقد كنى عنهم ولم يسمه أحدا منهم ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) الشاهد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( أما إني ) هذا رد في صميم ما قالوا معللين قلة عبادته عليه السلام أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله أما إني أصوم وأفطر ) أي لا أصوم الدهر ( وأقوم الليل وأنام ) أي لا أحيي الليل كله كما يفعل بعض الغلاة المتعبدين الزائدين المستدركين على عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام يحيون الليل كله بالصلاة والعبادة وتلاوة القرآن هذا خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ولذلك قالت السيدة عائشة كما في صحيح مسلم وما أحيى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة بتمامها فقال صلى الله عليه وآله وسلم مذكرا بأن الشرع وسط والعبادة وسط لا إفراط ولا تفريط ( أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله أما إني أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) إذًا سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما جاءنا من الإسلام هو الذي يجب على كل المسلمين أن يلتزموها وأنا ضامن على أن داود عليه الصلاة والسلام الذي سمعتم آنفا شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحقه أنه كان أعبد البشر لو كان بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الإسلام الكامل التام لم يستطع أن يحيط عملا بكل عبادات الرسول أي بكل العبادات التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله أو بفعله أو تقريره، من أجل ذلك لم يبق هناك مجال لأحد من المسلمين أن يستدرك عبادة بعد أن أكمل الله عز وجل دينه بإرساله لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الإسلام كاملا وبعد أن عرفنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أعبد الناس وأتقاهم وأخشاهم فليس هناك إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونحن على يقين أننا لن نستطيع أن ندندن حول عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا لماما وإلا وقتا يسيرا وإلا فنحن عاجزون تماما عن أن نتأثر وأن نتتبع خطوات الرسول في عبادته، هذا أمر مستحيل بالنسبة لكل أفراد البشر من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
الحرص على شيئين اثنين وهما الحرص على تعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والحرص على العمل بها .
الشيخ : ولذلك فلم يبق أمامنا إلا أن نحرص كل الحرص على شيئين اثنين الشيء الأول أن نتعلم سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما جاءنا من الإسلام في العقيدة أو في العبادة أو في السلوك والأخلاق ولن نستطيع كما قلت لكم إلا أن نتشبه به عليه الصلاة والسلام وكما قيل " فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح " ليس لنا أن نتشبه بأحد من البشر إلا به صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أكمل البشر اتفاقا وكل من تشبه به بعده فهو إنما يغترف من بحر عبادته صلى الله عليه وآله وسلم هذا هو الأمر الأول أن نتعلم سنة الرسول عليه السلام بالمعنى الواسع .
شرح الشيخ لقوله صلى الله عليه وسلم (فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .
الشيخ : وهنا لا بد من جملة معترضة، سمعت آنفا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أنس حول الرهط ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) لا يعني رسولنا صلوات الله وسلامه عليه بهذه الجملة من هذا الحديث الهام، ( فمن رغب عن سنتي ) أي من ترك السنن الرواتب مثلا فهو ليس مني، ليس هذا هو معنى الحديث وإنما معنى الحديث ( فمن رغب عن سنتي ) أي عن طريقي وعن سلوكي وعن منهجي في كل حياته الدينية فهذا هو الذي ليس منه عليه السلام وذلك يختلف بنسبة ابتعاده عن الاقتداء بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم .
الشيخ : فالسنة لها معنيان أحدهما لغة عربية شرعية وهو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن سار بسيرته والعرف والمعنى الثاني ما جرى عليه عرف الفقهاء من تقسيم العبادات إلى فرض وسنة وتعلمون تعريف الفرض وتعلمون تعريف السنة والسنة في تعريفهم ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه أما الذي يترك سنة الرسول بالمعنى الأول أي طريقته ومنهجه فهذا يكون في ضلال وضلاله يكون كثيرا أو قليلا كما قلنا آنفا على نسبة بعده عن اقتدائه بسنته عليه السلام وقربه منها . من أجل ذلك يجب علينا أن نتعلم السنة أولا ثم أن نعمل بها ما نستطيع ثانيا وحينئذ سنجد أنفسنا أننا لسنا بحاجة إلى أن نستدرك أو نسن بدعة حسنة في الإسلام بزعم أن هذه البدعة لا شيء فيها لأننا سنجد كما قلنا سنجد أنفسنا قاصرين وعاجزين عن الاقتداء بالنبي الكريم في كل ما جاءنا من العبادات سواء ما كان منها متعلقا بالأدعية أو الأذكار أو الصلوات فحسبنا أن نقتدي به عليه الصلاة والسلام بقدر استطاعتنا .
تذكير الشيخ بحديث الحبر الذي جاء إلى عمر رضي الله عنه ..الحديث .
الشيخ : وهنا يروق لي أن أذكركم بما أخرجه البخاري في صحيحه لتعرفوا قيمة تلك الآية التي ذكرناها آنفا (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) روى البخاري أن حبرا من أحبار اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب في خلافته فقال له يا أمير المؤمنين آية في كتاب الله لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا يوم نزولها عيدا قال رضي الله عنه ما هذه الآية فذكر هذه الآية (( اليوم أكملت لكم دينكم )) إلى آخرها فقال عمر لقد نزلت في يوم عيد في يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عرفات أي في حجة الوداع فقد نزلت هذه الآية في يوم عظيم جدا اجتمعت فيه فضيلتان وعيدان عيد الجمعة وعيد عرفة كأنه يقول لذلك الحبر أبشر فقد نزلت هذه الآية في يوم عيد ، عيد الجمعة وعيد عرفة لماذا قال هذا اليهودي لو أن هذه الآية نزلت علينا لاتخذنا يوم نزولها عيدا لأنه عرف عظمة هذه النعمة التي امتنّ الله تبارك وتعالى بها على عباده أما نحن المسلمين اليوم فقد فإننا مع الأسف الشديد لم نقدر هذه النعمة حق قدرها ولذلك تجد كثيرا من الناس قديما في العصور المتأخرة قد شغلوا المسلمين بكثير من الصلوات والأذكار والأوراد لم يأت بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيما جاء به عليه السلام كما أشرنا كفاية وغنية بل وزيادة على طاقتنا نحن البشر، وإنما كل منها يأخذ منها هذه العبادة ما يستطيع وما يناسب قدرته وطاقته . إذا عرفنا هذه الحقيقة .
رد الشيخ على بعض الشبهات المتعلقة بإفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة .
الشيخ : فهناك بعض الشبهات تقوم حجر عثرة في طريق البقاء على هذا الإفراد الذي أشرت إليه في مطلع كلمتي هذه وهي كما نوحد الله في عبادته فعلينا أن نفرد الرسول عليه السلام في الإقتداء به وقف أمام تحقيق هذا الاقتداء بعض الشبهات ففتح بعض الناس على المسلمين الاقتداء أيضا بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعنى ذلك فتحوا باب الإشراك مع الرسول في اتباعه وفي الاقتداء به وهذا إخلال بالشهادة الثانية " وأشهد أن محمدا عبده ورسول " تمسكوا ببعض الشبهات فأذكر الآن شبهة واحدة وأجيب عليها ليقاس على غيرها ما قد تسمعون من شبهات أخرى لا تقلقل هذا الركن الثاني من الشهادتين " وأن محمدا عبده ورسوله " ذلك الدليل أو الشبهة التي استندوا عليها من الحديث ما جاء في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وغيرهما من كتب السنة من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ... ) إلى آخر الحديث، يقولون في تفسير هذا الحديث ( من سنّ في الإسلام ) أي من ابتدع في الإسلام ( سنة حسنة ) أي بدعة حسنة ( فله أجرها ) إلى آخر الحديث فالذي أريد بيانه الآن في هذه الساعة المباركة إن شاء الله أن أقول ليس معنى الحديث كما يزعمون ليس الحديث من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة وإنما معنى الحديث من فتح طريقا إلى سنة حسنة مشروعة معروفة في الإسلام وليست محدثة كما يزعمون فله أجر إحيائه لهذه السنة وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء والدليل على هذا الذي نقول أمور أولها : سبب ورود الحديث وقد تعلمنا من علمائنا علماء التفسير خاصة أن من عرف سبب نزول الآية فقد عرف نصف معناها فعليه أن يتعرف على النصف الأخر من اللغة العربية وأدابها فاقتبست من قولهم هذا أن من عرف سبب ورود حديث ما، حديث ما من عرف سبب ورود حديث ما سهل عليه فهم نصف المعنى ولم يبق عليه إلا أن يفهم النصف الآخر ونحن نذكر الآن سبب ورود هذا الحديث لتتأكدوا معي أن تفسيرهم للحديث بما حكيناه آنفا من أبطل الباطل لا يليق برجل أعجمي أن يفسر ذلك التفسير فضلا عن رجل عربي فضلا عن أن ينسب ذلك المعنى إلى أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وآله وسلم سبب ورود الحديث قال جرير رضي الله تبارك وتعالى عنه كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فلما رأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمعّر وجهه تمعّر وجهه أي تغيرت ملامح وجهه عليه الصلاة والسلام حزنا وأسى وأسفا على فقر هؤلاء الأعراب فقال عليه الصلاة والسلام فقام عليه الصلاة والسلام خطيبا في الصحابة وتلا قوله عز وجل (( يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )) ثم قال عليه الصلاة والسلام ( تصدق بدرهمه بديناره بصاع شعيره فما كان من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن نهض بعد أن سمع هذه الخطبة المباركة ليذهب إلى داره ويعود وقد حمل في طرف ثوبه ما تيسر له من طعام أو دراهم ودنانير فوضعها أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قام كل منهم إلى داره ليعود بما تيسّر له من طعام ودراهم فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات كأمثال الجبال أكوام فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنوّر وجهه عليه الصلاة والسلام كأنه مذهبة أي كأنه فضة مطلية بالذهب تلألأ فرحا عليه الصلاة والسلام باستجابة أصحابه لحثه إياهم على الصدقة وقال بهذه المناسبة ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ... ) إلى آخر الحديث وهنا نقول كيف يصح تفسير الحديث بالتفسير السابق وهو لا يتلاءم بل يتنافر تمام التنافر مع ما وقع من الصدقة في مجلس النبي صلى الله عليه وأله وسلم بعد أن سمعتم سبب ورود الحديث لا تجدون هناك بدعة حدثت بعد أن لم تكن معروفة بينهم، لا شيء من ذلك أبدا لا شيء إلا الصدقة كما سمعتم وقد تلا على أصحابه عليه السلام الآية الكريمة التي تأمر بالصدقة ثم أكّد ذلك بقوله عليه السلام ( تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره ) فإذًا هذا كله يدل على أن القصة ليس فيها بدعة وإنما فيها سنة مشروعة ألا وهي الصدقة، الإنفاق على هؤلاء الفقراء الذين جاؤوا ضيوفا على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المناسبة قال عليه الصلاة والسلام ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) في تمام الحديث اختصرته اختصارا ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) .
الشيخ : إذًا السنة سنتان سنة حسنة وسنة سيئة، من أحيى سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن أحيى سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، الآن نقول شيئا ثانيا بعد أن ذكرنا الشيء الأول أن القصة ليس فيها ذكر بما يمكن أن يوصف بأنه بدعة وكل ما في الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حض أصحابه على الصدقة، نقول شيئا ثانيا إذا غضضنا النظر عن سبب النزول وكثيرون أولئك الذين يقتصرون في دراسة الحديث النبوي على المختصرات من كتب الحديث وقليل منهم جدا من يعود إلى الأمهات وللأصول ليقف على أسباب الورود كمثل هذا الحديث، نغض الآن عن سبب ورود الحديث ونقف عند لفظه .
ذكر الشيخ لمعنى ( من سن في الإسلام سنة حسنة....،ومن سن في الإسلام سنة سيئة..) والسبيل لمعرفتهما .
الشيخ :( من سن في الإسلام سنة حسنة ) من سن معناه من فتح طريقا سنة طريقا حسنة ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) الآن نتساءل ما هو السبيل لمعرفة السنة الحسنة لنحتذي بها ولنتمسك بها وما هو الطريق لمعرفة السنة السيئة لنجتنبها ونكون بعيدين عنها، هل هناك طريق غير الطريق الذي جاء به الرسول عليه السلام كتابا وسنة؟ الجواب لا شيء آخر لقوله عليه الصلاة والسلام ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ) إذًا طريق معرفتنا للسنة الحسنة وللسنة السيئة إنما هو الشرع كتابا وسنة، هذه حقيقة لا يستطيع أن يماري وأن يجادل فيها عالم عالم حقيقة، إذا كان نابعا علمه من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر الشيخ لمنهج أهل السنة في ( التحسين والتقبيح ) .
الشيخ : ذلك لأن مما اتفق عليه أهل السنة وخالفوا في ذلك المعتزلة أن معرفة الأحكام الشرعية ومعرفة الحسن والقبح لا سبيل إلى ذلك إلا الشرع فإذًا إذا كان هذا أمرا متفقا بين أهل السنة وخالف في ذلك المعتزلة فقالت المعتزلة الحسن ما حسّنه العقل والقبيح ما قبّحه العقل، رد عليهم أهل السنة قالوا الحسن ما حسّنه الشرع والقبيح ما قبّحه الشرع فإذا جئنا إلى هذا الحديث ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) فما هو طريق معرفة السنة الحسنة آلعقل؟ أم الشرع ؟ الجواب بصورة قاطعة إنما هو الشرع، حينئذ نقول بالمقابل ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة ) من أين نعرف كون هذه السنة سيئة أهو العقل أم الشرع ؟ الجواب أيضا الشرع . إذًا إذا افترضنا أن أحدا ادّعى بأن سنة ما سنة حسنة قلنا له (( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) فإن جاء بهذا البرهان فقد ألزمنا بالشرع أن نخضع له وإن قال كما يقول كثير من الناس " يا أخي القضية سهلة وما فيها شيء وهاي زيادة وزيادة الخير خير " ونحو ذلك من الكلام الذي هو من كلام العامة وليس من كلام أهل العلم فكلام أهل العلم كما سمعتم التحسين والتقبيح العقليّين هو من مذاهب المعتزلة وأهل السنة التحسين والتقبيح هو من وظيفة الشرع فنحن مع الشرع تحسينا وتقبيحا.
الشيخ : هذا ما أردت إزالة الشبهة عن هذا الحديث من طريقين اثنين الطريق الأول الرجوع إلى سبب هذا الحديث فإنه يأكد أنه لا بدعة هناك فلا يجوز أن يقول الرسول بمناسبة صدقة وليست ببدعة ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) أي من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة هذا كلام يدفع بعضه بعضا وكما قلت آنفا يخجل منه الأعجمي أن يقول مثل هذا المعنى فكيف ينطق به سيد من نطق بالضاد وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين. إذا كان هناك مجال لبعض الأسئلة لا بأس. السائل : في عشر دقائق إن شاء الله، الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واتبع طريقتهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد فجزى الله شيخنا خير الجزاء على ما قدمه من نفع لطلبة العلم ونبتدأ بالملاحظات والأسئلة. أما أول ورقة وصلت إلينا ونبتدأ بها فيقول الذي يقرأ الأسئلة اتق الله أولا في إخراج الأسئلة وقدّم الأهم ثم الأهم ولا تقرأ الأسئلة المعروفة ولا الخلافية ولكن اقرأ الأسئلة الغير معروفة لدى كثير من الناس فجزاكم الله خيرا الله عز وجل أعطى كل إنسان طاقة محدودة والشيخ أيضا محدودة طاقته ووقته محدود فنحن نختار من الأسئلة ما هو مهم للجميع إن شاء الله تعالى المتكرر ندعه فأيضا إذا كان لديك سؤال لديك معروفا لعله لدى آخر غير معروف فاعذرنا جزاك الله خيرا ولا تلومونا على التقصير .
فضيلة الشيخ بعد هذه الكلمة الطيبة نطلب منك وصية و نصيحة نحن طلاب العلم نريد أن نتعرف على الكتب النافعة المفيدة في الآتي التفسير، السيرة ،الفقه ،الأخلاق والسلوك، التوحيد ؟
الشيخ : فضيلةَ الشيخ بعد هذه الكلمة الطيبة نطلب منك وصية ونصيحة نحن طلاب العلم نريد أن نتعرف عن الكتب النافعة المفيدة في الآتي التفسير السيرة الفقه الأخلاق والسلوك التوحيد . الشيخ : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. الذي أعتقد أن خير ما ألّف في التوحيد القائم على كتاب الله وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى منهج سلفنا الصالح إنما هي بصورة عامة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه بن قيم الجوزية فإنهما من أبرز من ألّف في هذا المجال وبرز فيه وصار قدوة للذين جاؤوا من بعده وإن كان ذلك لا ينفي أن يكون قد تقدمهم علماء من علماء المسلمين وبخاصة من أهل الحديث ولكن الذين ألّفوا قديما ألّفوا لزمانهم ولا يصلح ما ألّفوا سابقا لعامة المسلمين اليوم وإنما لخاصتهم ككتاب "السنة " للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وكتاب " السنة " لابن أبي عاصم ونحو ذلك من كتب علماء الحديث فهي المرجع والأصول لأهل العلم أما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية فهي نافعة إن شاء الله لعامة المسلمين الذين عندهم شيء من المعرفة باللغة العربية وآدابها . كذلك يوجد هناك بعض المختصرات مع بعض الشروح لمن تقدم الشيخين ولكن على شيء من التزام لبعض الآراء المخالفة لما كان عليه سلفنا الصالح وأنا أشير بهذا الكلام الأخير إلى كتاب " العقيدة الطحاوية " للإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي وهو من علماء الحنفية في الفقه ومن علماء الحديث المبرّزين في الحفظ وفي سوْق الأسانيد للأحاديث التي يذكرها في كتبه ككتاب "شرح معاني الآثار" وكتابه الآخر " مشكل الآثار " فهو في الواقع من نوادر علماء الحنفية الذين جمعوا بين الفقه والحديث من جهة وبين العقيدة الصحيحة من جهة أخرى وقد أودع عقيدته في كتابه المذكور آنفا أو رسالته " العقيدة الطحاوية " وقد قام بشرحها جماعة من الأحناف وغيرهم وخير من شرح هذا الكتاب شرحا على منهج السلف الصالح واستقى شرحه من كتاب ابن القيم وكتب ابن تيمية رحمه الله تبارك وتعالى ففي هذا الكتاب مسألة واحدة خالف فيها علماء الحديث في العقيدة وما سوى ذلك فهو على السّنة تماما وهذا نادر جدا أن نجد في المتمذهبين بالمذاهب المتبعة اليوم من لا من لا يخرج عن منهج السلف إلا في مسألة واحدة وهذا أمر عظيم جدا لأننا لا نتصور إنسانا خاليا من خطأ ( فكل بني أدم خطاء وخير الخطائين التوابين ) .
التنبيه على الخطأ الذي وقع فيه الطحاوي في كتابه العقيدة الطحاوية في مسألة الإيمان وبيان مذهب السلف في ذلك .
الشيخ : فأبو جعفر الطحاوي رحمه الله في كتابه هذا نهج منهج علماء السلف الذين تقدموه والذين جاؤوا من بعده كالشيخين المذكورين أنفا إلا في مسألة الإيمان فإنه ذهب فيه مذهب ما يعرف اليوم بالماتوريدية وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله حيث ذهب إلى أنه إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وهنا مسألة لا بد من التعرّض لها لأنها أشكلت على بعض الطلبة فقد تظاهر بعض المتعصبين للمذهب الحنفي دون تعصبهم للمذهب السّلفي تظاهروا بأنه لا خلاف خلافا جوهريا بين ما ذهب إليه أبو جعفر الطحاوي في هذه المسألة وبين ما ذهب إليه السلف ومن سار على طريقتهم في مسألة الإيمان، قالوا أو زعموا بأنه لا خلاف خلافا جوهريا وإنما هو خلاف لفظي وهم يشيرون حقيقة إلى مسألة فيها دقة وهي أن علماء السلف حينما يدخلون في مسمى الإيمان العمل الصالح لا يجعلون العمل الصالح شرط كمال شرطا كاملا في الإيمان بحيث إذا انتفى هذا الشرط انتفى الإيمان وإنما يجعلون العمل الصالح شرط كمال وليس شرط صحة خلافا للخوارج الذين يكفّرون من ارتكب الكبيرة وارتكاب الكبيرة بلا شك ينافي العمل الصالح وعلى ذلك فهم يكفّرون مرتكب الكبائر، أما السلف فلا يكفرون مرتكب الكبائر ولكن يجعلون ذلك سببا لنقص يقع في إيمانه، فالخلاف بين أهل الحديث والسّلف ومن سار مسيرتهم وبين الحنفية في هذه القضية ليست جوهرية فعلا لأن الأحناف حينما يقولون العمل الصالح ليس من الإيمان فإنما يعنون أنه ليس شرط صحة أما أنه شرط كمال فهنا الخلاف فالحنفية لا يلتقون مع الخوارج كالسلفيين قديما وحديثا ولكنهم يختلفون عنهم في نقطة أخرى وهنا تكمن الدقة التي أشرت إليها فهم يلتقون مع السلفيين في أن العمل الصالح ليس شرط كمال ولكن ليس شرط صحة ولكن يختلفون عنهم في وقول السلفيين أهل التوحيد الكامل أن الإيمان يزيد وينقص زيادته العمل الصالح ونقصه العمل الطالح، الأحناف أي الماتوريدية يقولون ليس الإيمان بالشيء الذي يزيد أو ينقص فهي حقيقة ثابتة لا فرق بين أتقى الناس وأفجر الناس مادام أنهم يشتركون بالإيمان الذي مقره القلب، هنا حقيقة الخلاف بين الحنفية وبين السلفيين قديما وحديثا أما أنهم لا يجعلون العمل الصالح ركنا في الإيمان فهنا يلتقون مع السلفيين ولكن هذا لا يعني أنهم لا يختلفون معهم في أن الإيمان يزيد وينقص فهذه عقيدة معروفة عن السلف متداولة بينهم أما الأحناف فيذهبون ما سمعتم من أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، هذه نقطة يجب ملاحظتها لمن قرأ العقيدة الطحاوية تأليف أبي جعفر الطحاوي رحمه الله في هذه القضية فقط خالف منهج السلف أما في سائر ذلك فنحن نحض المسلمين على قراءة هذه العقيدة مع الإستعانة على فهمها بشرح بن أبي العز الحنفي فقد شرح الكتاب على طريقة منهج السلف الصالح، هذا مما يتيسر ذكره من الكتب التي ينبغي أن يرجع إليها من كان يريد أن يأخذ عقيدة التوحيد سالمة من كل زغل ودخيل.
الإشادة بكتب مجدد الدعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى .
الشيخ : يأتي بعد ذلك كتب إمام الدعوة ومجدد دعوة التوحيد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فكتبه أيضا في هذا المجال بمنزلة الكتب التي لا مثيل لها فإنه رحمه الله قد لخّص عقيدة السلف في كتاب التوحيد المعروف به والواقع أن هذا الكتاب له أثر طيب جدا ليس في البلاد السعودية فقط وفي كثير لا أقول في سائر البلاد الإسلامية بل وفي كثير من البلاد الإسلامية فقد أخذ المسلمون يتعرفون على هذه الدعوة دعوة التوحيد الخالصة لله عز وجل من الكتب التي يطبعها علماء هذه المملكة سواء ما كان منها من كتب الشيخ نفسه أو من شروح كتبه الكثيرة وهي معروفة لديهم لديكم .
بيان أهم كتب التفسير و الفرق بين تفسير ابن جرير و تفسير ابن كثير .
الشيخ : أما فيما يتعلق بكتب التفسير فأعتقد أن مجال كتب التفسير في الواقع تحتاج إلى خدمة جديدة وذلك لأن الكتب التي ننصح بتلاوتها وبتداولها إنما هي مراجع أساسية للمؤلفين في هذا العلم الشريف علم تفسير القرآن الكريم فإن أحسن الكتب في هذا المجال تفسير ابن جرير الطبري ثم تفسير ابن كثير الدمشقي مع فارق كبير بينهما من حيث ناحيتين اثنتين، الناحية الأولى أن ابن جرير الطبري تأليفه للكتاب جرى فيه مجرى علماء الحديث الذين يروون كل رواية بالسند المتصل منهم إلى قائلها سواء كان القائل هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو كان صحابيا أو كان تابعيا أو كان دون ذلك فهم يروون كل هذه الروايات فهو يروي هذه الروايات بالسند المتصل منه إليه لكن هذا الأسلوب إنما يستفيد منه أهل العلم بل أقولها بصراحة بعض أهل العلم الذين جمعوا بين المعرفة بالعلوم كلها وبخاصة علم الحديث مصطلحا وجرحا وتعديلا، هذا الفريق من العلماء هو الذي يستفيد من تفسير ابن جرير الطبري لأنه يتمكن من دراسة هذه الروايات على ضوء علم الحديث وإلا فنحن نجد كثيرا من المتأخرين ينقلون أحاديث ذكرها ابن جرير في تفسيره بسنده فهم يحذفون السند ويقتصرون على ذكر المتن وحينذاك تصير المسؤولية قائمة على هذا الذي نقل الحديث وحذف السند بينما المسؤولية منتفية على ابن جرير لأنه ذكر السند مع المتن فكأنه يقول وهذا أمر معروف عند علماء الحديث أن المحدّث إذا ساق الحديث بإسناده فقد برئت ذمته وارتفعت مسؤولية من هذا الحديث إذا كان ضعيفا أو كان منكرا أو كان موضوعا، فحينما يأتي بعض المتأخرين ويحذفون السند ويأتون بالمتن فمعنى ذلك أنهم قطعوا الوسيلة بين القارئ وبين التمكن من معرفة إسناد هذا الحديث إذا كان من أهل المعرفة، هذا أسلوب ابن جرير في تفسيره أما بن كثير فقد جرى مجرى المحدثين حذف السند اختصارا وهذا أليق بعامة الناس ولكنه في أكثر الأحيان ولا أقول في كل الأحوال حينما يحذف السند يذكر خلاصة السند من صحة أو ضعف أو وضع وإن كان هو أحيانا أيضا لرفع المسؤلية عنه يسوق السند الذي ساقه ابن جرير أو بن أبي حاتم أو غيرهما ممن كان يروي التفسير المأثور بالسند ثم يتميز ابن كثير على بن جرير بمزية أخرى وهي أنه اطلع على التفاسير التي ألّفها من جاء بعد بن جرير فهو يأخذ من كل هذه التفاسير ما هو أقرب إلى الصواب وأقرب إلى اللغة العربية وإلى إحاطته بسيرة الرسول عليه السلام وسنته فلذلك بهذا الاعتبار وبالنظر إلى هاتين الخصلتين يكون تفسير ابن كثير رحمه الله أنفع لعامة الناس من تفسير ابن جرير الطبري لكن الأمر كما قلت كل من هذين التفسيرين يحتاج إلى تأليف جديد يجمع بين فوائد كل منهما وبأسلوب يفهمه أهل العصر على أساس أننا أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم . لقد اختصر تفسير ابن كثير فيما علمت في مختصرين اثنين لكن هذا الاختصار لا يليق لا يليق بعامة الناس فإنه بحاجة إلى تأليف وتصنيف جديد بعبارة تتناسب مع أسلوب التأليف والكتابة في العصر الحاضر وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين .