الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))(( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
بدأ الشيخ بشرح الحديث السابع والعشرين من كتاب الترغيب والترهيب وهو ( طوبى لمن هدي للإسلام و كان عيشه كفافا وقنعا ) .
الشيخ : وصل بنا الدرس الماضي من كتاب الترغيب والترهيب إلى الحديث السابع والعشرين من نسختي وهو قوله رحمه الله وعن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يقول ( طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنعة )( طوبى ) هنيئا له أو شجرة له في الجنة فهو بشارة له بأنه من أهل الجنة، من هو؟ لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا لا مقتّرا عليه في الرزق ولا موسّعا وليس ذلك رغما عنه وإنما بقناعة من نفسه حيث قال ( وكان عيشه كفافا وقنعة ) أي رضي بما قسم الله عز وجل له كما جاء في الحديث الصحيح ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) ومثل هذا الحديث الحديث الآتي بعده لكن .
الشيخ : الحديث الأول رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، وفي هذا التخريج شيء من التساهل أو السّهو في التخريج ذلك لأنه وُجِد من الرواة والمخرجين له من هو أعلى طبقة من المخرج الثاني لهذا الحديث ألا وهو الحاكم ذكر أن الحديث رواه الترمذي والحاكم بينما هناك مخرج آخر هو أرقى طبقة من الحاكم وأصفى رواية منه ألا وهو ابن حبان في صحيحه فكان حقه لو أراد الإجازة في التخريج أن يقول رواه الترمذي وابن حبان إن كان يريد أن يقنع في التخريج باثنين وإن زاد فهو خير فإذًا كان ينبغي أن يقول رواه الترمذي وابن حبان والحاكم ولكن هذا مما لا ينجو منه إنسان فقد يفوته مخرّج فلا بأس من أن يضم إلى المخرّجين المذكورين في الكتاب هذا المخرج الثالث ألا وهو ابن حبان في صحيحه .
الشيخ : أما الحديث الذي بعده وهو بمعنى السابق فهو قوله وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه الله بما أتاه ) رواه مسلم والترمذي وابن ماجه، قال في تفسير الكفاف، الكفاف الذي ليس فيه فضل عن الكفاية يعني الرزق الكفاف هو ما يكفي صاحبه لا ينقص عن حاجته ولا يزيد عليها، هذا هو الرزق الكفاف الذي نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى صاحبه أنه هُدي للإسلام وأنه أفلح في الحديث الثاني، هذا هو الكفاف لكن يذكر المصنف رواية عن بعض المحدثين فيها غرابة .
تنبيه الشيخ على أنه إذا اجتمع أبو الشيخ وابن حبان فهو تصحيف .
الشيخ : يقول روى أبو الشيخ ابن حبان هكذا في الكتاب ولكن أبو الشيخ إذا اجتمع أبو الشيخ وابن حبان فهو تصحيف والصواب ابن حيان، أبو الشيخ بن حبان لا يجتمعان، الصواب أبو الشيخ ابن حيان في كتاب الدواء روى عن سعيد بن عبد العزيز أنه سئل ما الكفاف من الرزق قال شبع يوم وجوع يوم هذا زاد على أو ضيّق في الكفاف حيث قال شبع يوم وجوع يوم لكن المعنى المعروف هو أن يرزق ما يكفيه وهذا بلا شك في كل يوم وليلة وليس أن يجوع، فمن جاع لم يرزق الكفاف .
الشيخ : وهذا في الواقع هذا الحديث والذي قبله إنما فيه حض للمسلم على أن يرضى بالاعتدال في الأمور فلا هو يطلب الرزق الواسع خشية أن يشغله هذا الرزق وتحصيله عن القيام بما يجب عليه من الأمور كما أنه لا يحمل على نفسه ولا يشق عليها بأن لا يقدم إليها حاجتها وكفافها كما هو توجيه كثير من الصوفيين والطرقيين الذين يزعمون أن من وسائل تربية النفس الأمارة بالسوء إنما هو التجويع .
كلام الشيخ على حديث (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع ) .
الشيخ : وتأكيدا لذلك جاء في كتاب " إحياء علوم الدين " حديث طرفه الأول صحيح وطرفه الأخير باطل لا أصل له أما الطرف الأول الصحيح فهو قوله عليه الصلاة والسلام ( إن الشيطان ليجري من بن آدم مجرى الدم ) هذا هو الصحيح زاد في الإحياء ( فضيّقوا مجاريه بالجوع ) ، ضيّقوا مجاريه العروق يعني بالجوع هذه الزيادة لا أصل لها والحمد لله كما نص على ذلك مخرّج ذاك الكتاب ألا وهو الحافظ العراقي ، ومن أخطاء بعض العلماء التي لا ينجو أي عالم على وجه الأرض أن هذه الزيادة وقعت حتى في بعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا مما يذكّر طالب العلم بأن الإنسان لا يزال عالما ما ظل طالبا للعلم لأنه لا أحد يولد عالما فيتبين لنا في مطالعتنا لكتب العلماء المكثرين من التأليف تغايرا بين تأليف وتأليف بين بحث وآخر وذلك سنة الله في خلقه لأن الإنسان لما يكون صبيّا يبدأ يطلب العلم ثم لا يزال يترعرع ويزداد علما يوما بعد يوم حتى يستوي إلى مرتبة من مراتب أهل العلم ولكن مع ذلك لا يزال بحاجة وبحاجة مصداق قوله تعالى (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) .
الشيخ : والعلماء لا سبيل لهم لتحصيل العلم إلا بطريق التلقي، تلقي الخلف عن السلف أن يأخذ التلميذ من شيخه وأن يأخذ الطالب من كتب من سبقه من أهل العلم يزداد علم على علم .
الشيخ : ومن الظاهر أن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله لم يتلق فور ابتدائه طلب العلم وهذا الأمر الطبيعي أن كتاب إحياء علوم الدين فيه ما فيه من أحاديث ضعيفة وموضوعة فهو درس هذا الكتاب وكانت عنده حافظة عجيبة وعجيبة جدا فرسخت محفوظات هذا الكتاب في حافظته ثم إذا ما سئل عن مسألة أفاض في الجواب عليها بذكر الآيات والأحاديث ثم مع الزمن بدأ يصفّي معلوماته سواء من ناحية الرواية أو من ناحية الدراية فنجد في بعض كتبه آثارا من دراسته الأولى حيث كان لا يزال في طلب العلم فيبدو أن هذه الزيادة في هذا الحديث تلقّاها هو من الإحياء أو من غيره من أمثال كتب الإحياء التي فيها أحاديث مما هب ودب فكما قيل في الإحياء نقول من باب أولى في شيخ الإسلام ابن تيمية اقتراها وما افتراها ولكن الله عز وجل أنعم على شيخ الإسلام بالعلم الصحيح فيما بعد حتى صار مرجعا في ذلك حتى في علم الحديث بصورة خاصة إلى درجة أن بالغ الحافظ الذهبي فقال " كل حديث لا يعرفه بن تيمية فليس بحديث " نعتقد أن في هذا شيئا من البلاغة ولكن العلماء حينما يريدون أن يظهروا منزلة العالم في علم ما لا سيّما إذا كان مظلوما كشيخ الإسلام ابن تيمية مهضوم الحق فيقولون مثل هذا الكلام " كل حديث لا يعرفه بن تيمية فهو ليس بحديث " إذًا الكفاف المذكور في هذين الحديثين هو ما يكفي الإنسان لا ينقص عن حاجته، ولا يزيد هذا هو الوسط وخير الأمور أوساطها .
الشيخ : وقبل أن ننتقل إلى حديث ثالث وهو تقريبا بمعنى الحديثين السابقين لا بد لي من أن أقف قليلا عند لفظة الإسلام في الحديث الأول ( طوبى لمن هُدي للإسلام ) وفي الحديث الثاني ( من أسلم ) أسلم بمعناه هُدي للإسلام، ففي هذا الحديث بيان واضح أن المرء إذا جمع بين هذين النعمتين النعمة المعنوية الروحية وهو أن يُهدى إلى الإسلام والنعمة الأخرى المادية التي بها يحيى للإسلام فهنيئا لهذا الإنسان الذي هُدي للإسلام ورُزق كفافا أو قنع بما رزقه الله عز وجل .
شرح الشيخ لحديث أبي هريرة : ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ) .
الشيخ : من مثل الحديثين السابقين قوله وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ) رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه .
الشيخ : نجد ههنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لآل محمد أي لنفسه ولأهل بيته لأزواجه ولذريته كلها هؤلاء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لغة ويمكن أن نوسّع لفظة الآل ههنا من الناحية الشرعية من ناحية اللغة الشرعية فيدخل فيها كل تابع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متابعة صادقة ليس مجرد ادّعاء أو هوى وإنما يتبعه اتباعا صادقا مخلصا فحينئذ يمكن أن ندخل في قوله ( اللهم اجعل آل محمد قوتا ) كل مسلم على وجه الأرض سواء كان من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغة أو لا وإذا عرفنا هذا فلا يخفى عليكم جميعا أن دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه ولأهله ولمحبيه ومتبعيه بأن يجعل الله زرقهم قوتا إنما يدعو لهم بما هو خير لهم في دينهم وفي دنياهم والسر في هذا كما شرحنا بعض الشيء في الدرس السابق أن تحصيل المال يتطلب جهودا جبارة يتطلب قبل كل شيء أن يسعى إليه الساعي من الطريق الحلال المشروع ثم إذا ما حصّل عليه وكثر هذا المال كثرت الواجبات عليه فوجبت عليه واجبات جديدة كان في راحة منها لو أنه كان رُزق كفافا وقوتا، لذلك فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما يختار لنفسه ويختار لأهله ويختار لمحبيه ما هو خير لهم ألا وهو الوسط من كل الأمور لا الزيادة ولا النقص وإنما هو الرزق الكفاف كما تقدم في الجديث الذي قبله . السائل : ... . الشيخ : نعم ؟ السائل : ... . الشيخ : نقاد الأزدي هذا حديث ضعيف مادام عندك الكتاب فأبشر بالبيان، الحديث الذي بعد الحديث السابق وهو قوله عليه السلام ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ) الحديث الذي بعده ضعيف جدا .
ذكر الشيخ لحديث أنس رضي الله عنه : (يتبع الميت ثلاث....) الحديث .
الشيخ : أما الذي بعده فهو حديث صحيح وهو قوله وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( يتبع الميت ثلاث )، انظروا هذا التصوير لقيمة المال في هذه الحياة قال عليه السلام ( يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله ) إذًا ما دمت أنك ستضطر إلى الاستغناء عنه وأن تخلّفه من وراءك لا تستفيد منه شيئا فكن خفيفا، خفيف الحمل لأن هذا المال ستضطر أن تتركه وأكثر من العمل الصالح قال عليه الصلاة والسلام ( يتبع الميت ثلاث أهله وماله ) .
الشيخ : قد يشكل على البعض كلمة " المال " كيف يتبعه، الأهل بيطلعوا طبعا مشيّعين له فالمال كيف يتبعه؟ فسّر قديما بما كان واقعا ويمكن أن نفسره اليوم بواقع جديد سواء كان مطابقا للشرع أو مخالفا لأنه واقع على كل حال، فسّر المال هنا الذي يتبع الميّت بالعبيد بالخدم وبالعبيد وهذا لا يزال مشاهدا بالنسبة لبعض الملوك الذين لا يزالون يسترقّون بعض الناس فعلى ما كان الواقع عليه يومئذ قال عليه الصلاة والسلام يتبعه أهله وماله .
الشيخ : اليوم الأهل يخرجون مشيّعين على سياراتهم وهذه بلا شك يجب أن ننبه أن تصبح سنّة يجب أن ننبه أن تشييع الميت بالجنائز هذه بدعة ضلالة بل هي بدعة مزدوجة ذلك لأنها من حيث مخالفتها لطريقة تشييع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للجنائز فهي بدعة لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إنما كانوا يشيعون الجنائز على أقدامهم مشاة من جهة ومن جهة أخرى كانوا يحملون النعش على أكتافهم فإذا ما نحن وضعنا في سيارة وحبسنا هذا النعش عن النظارة حتى ما ينزعجوا برؤية الموت من على رؤوسهم ثم شيعناه إلى مقره الأخير في السيارات أيضا، لا شك بأن في هذه الصورة من التشييع مخالفات كثيرة لتلك الصورة النبوية في التشييع، هذه بدعة بل بدع تأتي الضلالة الأخرى من جهة التشبه بالكفار فإن تشييع الميت على هذه الطريقة تتناسب مع الأمة التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر وهي أمم غير أمة الإسلام .
تذكير الشيخ بأن اليهود والنصارى لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر .
الشيخ : لا تظنوا ولا تخطؤوا مع الخاطئين أن تعتقدوا أن النصارى واليهود يؤمنون بالله واليوم الآخر، لا وهذه حقيقة أيضا من تلك الحقائق الكثيرة والكثيرة جدا التي يغفل عنها أهل العلم فضلا عن غيرهم ربنا عزّ وجل يقول في صريح القرآن الكريم (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب )) من هؤلاء ؟ نعم ؟ السائل : ... . الشيخ : نعم ؟ السائل : ... . الشيخ :(( ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ))(( من الذين أوتوا الكتاب )) بيان لقوله تبارك وتعالى (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ))(( من الذين أوتوا الكتاب )) إذًا الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى بنص هذا القرآن الكريم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، أعتقد أن كثيرين منكم يستغربون هذا مع أنه كلام الله لأننا نعيش في جو ابتعدنا فيه جدا عن العلم الصحيح وليس هذا فقط بل حل محله ضلال من العلم يظنه الكثيرون علما . وفينا من يقول عن النصارى إخواننا ولا أستبعد يوما يأتي قريبا أو بعيدا يصبح اليهود إخواننا أيضا هكذا ذلك لأن السياسة لا دين لها ولذلك نحن لا نشتغل بالسياسة وإنما نشتغل بالإسلام وفيه الكفاية فإذا علمتم بنص القرآن السابق أن اليهود والنصارى لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فإذًا هؤلاء الذين يشيعون الجنائز على هذه الصورة بالسيارات إنما أخذوا هذه الضلالة من تلك الأمم التي لا تؤمن بالله واليوم الآخر ومن كان كذلك فهو يضع حدودا مادية تبعده عن أن يتذكر الموت لأنه لا يؤمن بالموت لا تقولوا يؤمنون لأن الله قال (( لا يؤمنون )) وسأفصل لكم ولا بد من التفصيل ولو أننا وقفنا قليلا عن المتابعة في دراسة هذه الأحاديث لأن الواقع أننا لا نريد من تدريسنا عليكم هذه الأحاديث أن تكون دراستنا لها معكم على طريقة آخرين منا يقولون صراحة بأنهم إنما يدرسون الحديث للبركة فقط وليس للتفقّه وليس للتعلم وليس للتذكر، نحن نقرأ هذه الأحاديث لنتدبرها ونستفيد منها علما وفقها وتذكرة الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وهم غير المسلمين كما علمتهم، هؤلاء يضعون السدود بينهم وبين كل ما يذكرهم بالموت فأول مثال بين أيديكم الآن، صورة تشييعهم للموت هذه ظاهرة واضحة يرهبون أن يحملوا الميت على رؤوسهم فإن هذا يذكرهم بالموت وقد ركب أكاكهم، هل يفعلون؟ عياذا بالله هكذا يقولون لذلك ابتدع لهم الشيطان ما يريح يريح بالهم فأوحى إليهم أن يضعوا الميت في نعش مقفول في السيارة ثم هم أيضا لا يمشون خلفه وإنما يركبون مراكبهم التي اعتادوها فكأنما هم في سير معتاد أو في نزهة، هذه ظاهرة مما يدل على أنهم لا يريدون وسائل تذكرهم بالموت، ظاهرة أخرى إذا مررت أيها المسلم بمقابرهم لم تشعر بأن فيها موتى لكثرة ما يزخرفونها وما يضعون فيها من أشجار خضرات باسقات أيضا هذا ما هو المقصود به؟ حجب الأنظار عن أن يروا هذه القبور وقد استن جماهير المسلمين سنتهم ولكن على طريقة الشيطان، طريقة خطوة خطوة فأول ما زيّن لهم تسوير المقابر، فبادر لأذهان بعض الناس أنه هذا لصالح الأموات واحتراما لهم، لأنه يفعل فيها كذا وكذا وإلخ والكلاب و و إلخ، كان من قبل الجدار والحائط عبارة عن ما دون قامة الرجل فأصبح الجدار اليوم يساوي الآن قامتين للرجل ذلك حتى إذا مر وفد أو مر ناس من هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر لا يرون مناظر ولا يشهدون مشاهد تكفهر أو تسّود أو تنزعج منها قلوبهم، هذه أيضا ظاهرة بدأت في المسلمين ثم تسربت الخطوة الثانية إليهم فبدؤوا يزرعون أيضا الأشجار في القبور ويعللون ذلك بتعليل طبي وهو مشان تعقيم الجو وتطهيره من المكروبات والجراثيم ونحو ذلك من الفلسفة المادية المحضة، هؤلاء لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر لذلك فمن سخف المسلمين وجهلهم أنهم يقلدون الذين يفارقونهم في أصل العقيدة، نحن مؤمنون بالله واليوم الآخر وهم غير مؤمنين غير مؤمنين بالله وباليوم الآخر ومع ذلك فترانا نحتذي حذوهم حذو القذة بالقذة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
ذكر الشيخ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع .....) الحديث، وذكر بعض رواياته .
الشيخ : وكما في حديث أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال ( فمن الناس؟ ) مين في الأرض ممن يُذكرون كأمة لها حضارتها زعموا لها حضارتها لها قوتها لها ثقافتها ما فيه غير اليهود والنصارى، يشير الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن من طبيعة الأمة إذا ما انحطت وضعفت أن تقلّد من هي أقوى منها فيشير الرسول عليه السلام في هذا الحديث إلى أنه سيأتي زمن على أمة الإسلام التي ينبغي أن تكون أقوى أمة في كل زمان ومكان سيأتي عليها يوم من الأيام تتبع وتستن بسنة اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه حتى لو دخلوا في أي مأزق ضيق لقلدناهم في ذلك وإني لأزداد عجبا في كل يوم، أجد كثيرا من الشباب المسلم يفرح القلب من ناحية حينما أدخل المساجد ويحزنه من ناحية أخرى، أجد شبابا مقبلا على طاعة الله في المساجد ولكنه لا يفقه من الإسلام إلا قليلا، يصلي في الصف الثاني أو الثالث فأجد بين يدي شابا عجيب الملبس، هو مسلم يقف في الصف ليصلي لله عز وجل ولكن إذا رأيته في السوق ظننته إفرنسيا أو أمريكيا أو لعلك تظنه لو كان في البلاد هنا يهود يهوديا، لماذا؟ لبس البنطلون "الشالوستون" هالي ينبغي أن يكون في مكان معيّن ضيقا وقد وسعه شبرين وفي المكان الذي ينبغي أن يكون واسعا قد ضيقه على نفسه حتى عض على إليته عضا ثم لم يقنع إبليس بهذا التسويل حتى يلفت أنظار الشباب بعضهم إلى بعض حتى طبع على إليتهم طابعا جديدا صورة من مظهر غصن أو زهرة أو ما شابه ذلك لا فرق في ذلك بين الشاب والشابة وهو يقف يصلي، كيف هذا ؟ هذا لأنه لم يترب تربية إسلامية لا يزال في نفسه عاطفة على الإسلام ويصلي لكنه لا يفهم أن الإسلام ليس فقط في الصلاة، الإسلام كل لا يتجزأ المسلم يجب أن يثبت أنه مسلم حيثما كان ليس فقط في المسجد حينما نراه يصلي، حتى لو دخل الكنيسة للعبرة والاطّلاع لقيل لأشير إليه بالبنان، هذا مسلم فمن من المسلمين اليوم لو دخلوا الكنائس للفرجة وللعبرة ما يظن أهل الكنيسة أنه منهم، هذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) وفي رواية أخرى أعجب من هذا التقليد الأعمى وبدأت المظاهر تظهر، قال عليه الصلاة والسلام ( حتى لو كان فيهم من يأتي بأمّه على قارعة الطريق لكان فيكم من يفعل ذلك )( حتى لو كان فيهم من يأتي بأمّه على قارعة الطريق لكان فيكم من يفعل ذلك ) لذلك يا إخواننا الشباب فيجب أن لا تقنعوا بما أوتيتم من المعرفة بالإسلام هذه المعرفة السطحية بل عليكم أن تتوسعوا في التعرف على الإسلام وأن تُقرنوا العمل به حتى لا يكون العلم بالشيء وبالا عليكم ولا ينطبق علينا قوله تبارك وتعالى (( يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) فالمال المذكور في هذا الحديث ( إذا مات الميت تبعه أو يتبعه أهله وماله ) عرفنا المقصود بهذا المال هو قديما العبيد والخدم والآن واضح الأقارب الأولاد ونحو ذلك والمال هو السيارات التي يركبونها وهذه مخالفة من المخالفات أحببنا أن نذكركم بها لأنه الواقع أن المعصية إذا ظهرت فشت وضرت أما إذا كتمت انطوت وماتت وبذلك جاء في الشرع الحض على أن المسلم إذا كان ولا بد من المعصية فليتكتم بها لأنه هذا التكتّم فيه خير لنفسه ولغيره، بالنسبة لنفسه أنه لا يزال يشعر بوخس كما يقولون اليوم في قلبه وفي ضميره أما إذا استهتر وأعلن فقد مات هذا الشعور وهذا معناه أنه لم يبق في قلبه مثقال ذرة من إيمان .
ذكر الشيخ لحديث ( كل أمة معافى إلا المجاهرين..) الحديث .
الشيخ : لذلك قال عليه الصلاة والسلام ( كل أمتي معافا إلا المجاهرين ) قالوا من هم يا رسول الله ؟ قال ( هو الرجل يمسي يعصي الله تبارك وتعالى فيصبح فيكشف ستر الله عنه يقول أمس فعلنا كذا وفعلنا كذا ) فهذا لو كتم عليه ربما الله عز وجل غفر له فبمناسبة المال في هذا المال أحببت أن أذكركم أن هذا التشييع الذي عم وطم البلاد العواصم ينبغي أن تشعروا إذا ما اضطررتم إلى تشييع مثل هذا التشييع، مع هذا التشييع أن تشعروا أن هذا خلاف السنة بل هو بدعة وضلالة وقد جمعت هذه البدعة ضلالات كثيرة كما ذكّرناكم آنفا . قال عليه الصلاة والسلام ( يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله ) رواه البخاري ومسلم وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين ... وكان وصل بنا الدرس الأخير إلى الحديث الحادي والعشرين من " كتاب الزهد في الدنيا الترغيب في الزهد في الدنيا والإكتفاء منها بالقليل والترهيب من حبها والتكاثر فيها والتنافس وبعض ما جاء في عيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المأكل والملبس والمشرب ونحو ذلك "، هذا هو عنوان الكتاب الذي كنا بدأنا قراءته في آخر درس مضى، وهذا الكتاب هو في الواقع آخر كتب كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري فإنه لم يبق بيننا وبين إنهاء هذا الكتاب العظيم في بابه والفريد في موضوعه إلا كتب قليلة جدا سيتلوا هذا الكتاب كتاب الجنة والترغيب للعمل فيها أو من أجلها وكتاب النار والترهيب من العمل إلى ما يوصل إليها .
شرح الشيخ للحديث الحادي والعشرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة أن يقال له ألم أصح لك جسمك ....) الحديث .
الشيخ : فالآن نبدأ حيث كان درسنا وقف عنده ألا وهو الحديث الحادي والعشرون، بالنسبة لترقيم نسخة الكتاب التي عندي وهي طبع منير دمشقي رحمه الله وهذا الحديث هو من حديث أبي هريرة يقول المصنف رحمه الله تعالى. أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له ألم أصحّ لك جسمك وأروك من الماء البارد ) ، الله طبعا يخاطب عباده جميعا يوم القيامة يذكرك، يذكرهم بما كان قد أنعم عليهم، يذكرهم ببعض النماذج والأمثلة وإلا الأمر كما تعرفون من قوله تبارك وتعالى (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) فالله عز وجل يوم القيامة في المحشر يخاطب كل فرد من عباده بقوله ( ألم أصحّ جسمك ألم أروك من الماء البارد ؟ ) ومعنى هذا الاستفهام هل قمت بواجب الشكر لهذه النعم التي أنعمت بها عليك أيها العبد هل قمت بواجب شكر الصحة التي كسوتك إياها في جسدك وهذا الماء البارد الذي سخرته لك فأرويت به جسدك ونفسك هل قمت بهذا الواجب من الشكر؟ (( لئن شكرتم لأزيدنكم )) مناسبة الحديث واضح جدا في الباب وهي أن الله عز وجل حينما أنعم على عباده بنعم شتى لا تعد ولا تحصى والناس في ذلك مختلفون فليس كل الناس يجد المال، يجد الماء البارد في كل زمان وفي كل مكان ولكن هذا الذي قد لا يجد الماء البارد قد يجد المركب الفاره وهذا كتفصيل الآية السابقة (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) فالإنسان محاط بالألوف المؤلفة من النعم الإلاهية سبحانه وتعالى ولذلك فعلى كل مسلم أن يقوم بشكر الله عز وجل على نعمائه وذلك إنما يكون بتحقيق عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له .
ذكر الشيخ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه ( أنه خرج ذات يوم في الهاجرة فوجد أبا بكر الصديق فسأله ما أخرجك ؟ فقال: الجوع...) الحديث .
الشيخ : نحن نذكر بهذه المناسبة قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه من الحديث أنه خرج ذات يوم في الهاجرة في الضحوى الوقت الحار فوجد أبا بكر الصديق فسأله ما أخرجك ؟ قال الجوع ثم لم يلبثا إلا يسيرا حتى لقيهما عمر بن الخطاب في الهاجرة يعني في وقت ليس من طبيعة الناس في تلك البلاد الحارّة أن يخرجوا فيها فسأله الرسول عليه السلام ما أخرجك ؟ قال الجوع قال عليه السّلام وأنا أيضا ما أخرجني إلا الجوع فانطلقا ثلاثتهم يمشون حتى أتيا دار رجل من الأنصار يعرف بأبي التيهان فطرق الباب فخرجت زوجته فاستقبلتهم وكان زوجها قد خرج لصالح له وسرعان ما جاء فوجد الرسول عليه السلام وصاحبيه الكريمين قد نزلا عليه ففرح بذلك فرحا شديدا فأمر زوجته بأن تهيئ لهم الخبز وذبح لهما سخلة أو نعجة كانت عنده ثم شوى لهم من هذه النعجة وأتى لهم بالماء البارد واقتطف لهم من البسر والتمر ووضع لهم من هذا الطعام وهو ألذ طعام في تلك البلاد فأكلوا وشربوا وتحلّوا بالتمر والبسر ثم قال عليه الصلاة والسلام والشاهد ههنا ( هذا من النعيم الذي ستسألون عنه يوم القيامة (( ولتسألن يومئذ عن النعيم )) ) هذا السؤال ما وراءه ؟ وراءه أن يكون الجواب الإعتراف بأن الله عز وجل هو الذي أنعم على هذا الإنسان بما أنعم وأن هذا الإنسان قد قام بواجب شكر الله عز وجل على نعمه الكثيرة أما إن كفر فكما قال تعالى (( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )) إذًا فإذا وجدنا أنفسنا نعيش في نعمة قد فضلنا الله تبارك وتعالى بها على غيرنا من الناس فيجب أن نشكره شكرا خاصا لقاء هذا التفضيل وهذا التخصيص الذي خصنا الله عز وجل بنعمة من نعمه الكثيرة ذلك لأن هناك نعما مشتركة بين جميع العباد وهناك نعم خاصة يخص الله عزّ وجل بها من يشاء من عباده .
ذكر الشيخ لقوله صلى الله عليه وسلم: (في الإنسان ثلاث مائة وستون سلامى وعلى كل سلامى في كل يوم صدقة ....) الحديث والكلام عليه.
الشيخ : فمن النعم الخاصة ما أشار إليه، عفوا من النعم العامة التي يشترك فيها جميع الناس ما أشار إليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح حين قال عليه الصلاة والسلام ( في الإنسان ثلاثمائة وستون سلامة )( في الإنسان ثلاثمائة وستون سلامة ) السّلامة المفصل في أي مكان من الجسد الأصابع الكف مع الذراع الذراع مع العضد العضد مع الكتف والرقبة وما فيها من مفاصل لا يعلمها الطب اليوم مع ما وصل إليه من الرقي، يقول الرسول عليه السلام ( في الإنسان ثلاثمائة وستون سلامة ) مفصلة ( وعلى كل سلامة في كل يوم صدقة ) الشاهد هنا على كل سلامة في كل يوم صدقة الشكر لله عز وجل أنه لم يخلق هذا الإنسان قطعة كهذه السارية، لو كان كذلك ما عاش ولا كان بشرا سويا فخلقه الله عز وجل في أحسن تقويم كما قال في القرآن الكريم، قال ( وعلى سلامة في كل يوم صدقة ) قالوا يا رسول الله ومن يستطيع ذلك؟ قال عليه الصلاة والسلام ( في كل تسبيحة صدقة وفي كل تحميدة صدقة وفي كل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ) وهكذا عدد عليه الصلاة والسلام كثيرا من الخصال ومن الأخلاق الفاضلة الكريمة ثم قال عليه الصلاة والسلام في ختام ذلك ويجمع لك ذلك كله ركعتا الضحى ) ( ويجمع لك ذلك كله ركعتا الضحى ) أي في هذا الحديث من جهة يلفت الرسول عليه الصلاة والسلام أنظارنا إلى أن هذه النعم التي منها هذه المفاصل فقط دعكم عن النعم الأخرى فهذه المفاصل التي يشترك فيها جميع المخلوقات البشر وغيرهم لكن البشر هو مكلف، لفت الرسول عليه السلام نظرنا إلى أن هذه النعم في هذه المفاصل يجب أن يشكر الله عز وجل أن يشكر الله عز وجل على ذلك وذلك بأن يتصدق كل مسلم عن كل مفصل في كل يوم صدقة، أن يتصدق في كل يوم بثلاثمائة وستين صدقة، هال الصحابة ذلك وفعلا أنه شيء مهول من الذي يستطيع أن يتصدق في كل يوم بثلاثمائة وستين صدقة فمن جهة أخرى يسّر الرسول صلوات الله وسلامه عليه لهم الطريق بطريقين أحدهما مفصل والآخر موجز ومختصر جدا، الأول وهذا هو الذي ينبغي على كل مسلم أن يهتم به وذلك أن يعوّد نفسه على خصال الخير وعلى عمل الخير على التسبيح والتكبير وإعانة الأخ المسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك مما هو مبسط في هذا الكتاب خاصة فالعمل بهذه التكاليف الشرعية إذا كان ذلك من دأب الإنسان وديدنه فهو سيقوم إن شاء الله بواجب شكر الله عز وجل على هذه السلامة أي سيقوم في كل يوم بثلاثمائة وستين صدقة ولكن ليس كل الناس يستطيعون أن يحققوا هذا الأمر على التفصيل المشار إليه ولذلك فقد لفت الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أنظار عامة الناس الذين قد يعتذرون بأنهم لا يستطيعون أن يقوموا بواجب الشكر التفصيلي قال ( ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى ) فهل منكم من عاجز عن أن يصلي في كل يوم ركعتي الضحى؟ ليس هناك من عاجز ولو أن يصلي قاعدا لأن صلاة التطوع كما تعلمون يجوز أداؤها من القادر جالسا ولكن ثوابها على النصف من صلاة القائم فإذًا ينبغي أن نحرص على أن نمرن أنفسنا قبل كل شيء بطاعة الله عز وجل فيما شرع لنا ليس في الواجبات فقط بل وفي المستحبات المندوبات كالتسبيح والتكبير ونحو ذلك فإذا لم يتيسر لكل إنسان ذلك فأمامه أن يصلي ركعتي الضحى، فذلك يغنيه أو كأنه قام بثلاثمائة وستين صدقة ولكن أين شكر النعم الأخرى فهذه التفاصيل وهذا الإيجاز بركعتي الضحى ذلك صدقة عن هذه المفاصل فقط، لكن الطعام والشراب والماء البارد والملبس والمسكن ونحو ذلك مما كما قال تعالى وليس بعد كلام الله كلام، (( إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) هذه النعم كيف يمكننا أن نقوم بشكرها ذلك أن نبالغ دائما في طاعة الله عز وجل كل أنواع الطاعة التي نتمكن بها وكل بحسب استطاعته، هذا هو المقصود تقريبا من مخاطبة الله عز وجل لعباده يوم القيامة ( ألم أصحّ جسمك ألم أروك من الماء بالبارد ) أي نعم فعلت يا رب ذلك فهل قمت أنت عبدي بشكري على ذلك هنا بقى من يستطيع أن يقول نعم ومن يصمت ولا يستطيع أن يفي مع الله عز وجل لأنه يعلم السر وأخفى، أعود إلى هذا الحديث مرة أخرى لعل بعضكم يحفظه جيدا قال عليه الصلاة والسلام ( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له ألم أصح جسمك وأروك من الماء البارد ) رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد، الحديث الذي بعده من الأحاديث الضعيفة جدا ولذلك نتنكبه وإنما أقول هذا لعل هناك أحدا قد أتى بنسخة الترغيب فيشير هناك بأن هذا الحديث ضعيف جدا .
شرح الشيخ للحديث الذي ذكره سعد رضي الله عنه لسلمان رضي الله عنه لما قدم عليه يعوده
الشيخ : الحديث الآتي حديث حسن وهو قوله وعن أبي سفيان عن أشياخه قال قدم سعد على سلمان يعوده قال فبكى فقال سعد ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك فقال ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلينا عهدا قال - العهد هو يفسره بقوله قال- ( ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ) وحولي - هذا حديث الرسول يرويه سلمان لسعد- ( ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ) انتهى الحديث قال سلمان وحولي هذه الأساود قال وإنما حوله أُجّانة وجَفْنة ومِبْخرة فقال سعد اعهد إلينا فقال " يا سعد اذكروا الله عند همك إذا هممت وعند يديك إذا قسمت وعند حكمك إذا حكمت " رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد كذا قال، سنتكلم من الناحية الحديثية فيما بعد بعد أن نشرح بعض الشيء هذا الحديث، لما دخل سعد وهو صحابي جليل بل هو أحد العشرة المبشرين بالجنة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل على سلمان الفارسي يعوده وكأنه كان في مرض موته رضي الله عنهما بكى سلمان الفارسي فقال له سعد ما يبكيك يا أبا عبد الله، أبو عبد الله كنية سلمان الفارسي يعزّيه ويسليه ويقول له توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنك راض، ليه الحزن ولم البكاء وترد عليه الحوض لأنك من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ومن الذين فارقهم الرسول عليه السلام وهو عنهم راض لذلك قال توفي رسول الله وهو عنك راضٍ وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك فلم الحزن ولم البكاء؟ قال ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن الله صلى الله عليه وأله وسلم عهد إلينا وأنا أخشى أن أكون لم أف له بهذا العهد، ماذا قال الرسول له ولأصحابه ( ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ) أي ليكن ما يحصله ويبلغه إلى هدفه وإلى غايته من الزاد بمقدار زاد الراكب، زاد الراكب يومئذ ما هو؟ مهما حمّل الراكب دابته من الزاد فهو عبارة عن قليل من التمر وقليل من الماء بحيث لا يستطيع أن يعيش بهذا الزاد وبذلك الماء إلا أياما قلائل، ( ليكن بلغة أحدكم من الدنيا ) يعني ما يقتنيه ويجمعه ليقتاته ويعيش به كزاد الراكب يعني شيئا قليلا كما سيأتي في بعض الأحاديث الآتية القريبة إن شاء الله ... ليكن ما يجمعه أحدكم من الدنيا كفافا رزقا كفافا قوتا ما يقتاته ويعيش ولا يكن قصده أن يتزود زيادة على ما هو بحاجة إليه، أنا حين أقول هذا أتصور بأن كثيرين من الحاضرين وغيرهم سيقع في أنفسهم هل معنى هذا الكلام أنه لا يجوز إذًا نتوسع في الطعام والشراب لا سيّما في هذا العصر الذي تفنن فيه الناس كل الناس مسلموهم وكافروهم بالتوسّع في المطاعم والمأكل والمشارب، هل معنى هذا توجيه من هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث الآتية أنه لا يجوز في الإسلام التوسّع في كل ما ألمحنا إليه آنفا، الجواب لا، ليس الموضوع الآن موضوع حرام وحلال وإنما الموضوع الآن تربية النفس على القناعة وعلى عدم الاهتمام بحطام الدنيا وبالتزود منها بأكثر من اللازم أمّا من أراد التوسّع فهذا التوسّع له قيوده وله شروطه ولست أنا في هذا الصدد لا سيّما وأذكر أني كنت توسّعت في هذه الناحية أول ما طرقنا هذا الباب وهو الترغيب في الزهد في الدنيا ولذلك فيجب أن تربطوا أذهانكم بأن البحث هنا ليس الغرض منه تحريم الإكثار من جمع المال الحلال لا، فأذكركم مثلا في جملة ما كنت ذكرته سابقا .
ذكر الشيخ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص : ( نعما المال الصالح للرجل الصالح ) .
الشيخ : قوله عليه السلام لعمرو بن العاص ( نعمّا المال الصالح للرجل الصالح ) لكن ينبغي أن ننظر إلى هذين القيدين في كل من الأمرين المذكورين، المال مش المال مطلقا، الصالح للرجل وليس لكل رجل وإنما للرجل الصالح فمن استطاع أن يحصّل المال الحلال الصالح وكان هو رجلا صالحا فنعمّا هما كما قال عليه الصلاة والسلام، وأنا على يقين بأن أكثر الناس لا يمكنهم أن يحققوا هذين الشرطين أن يكون المال صالحا وأن يكون الرجل في نفسه صالحا لأنه إذا كان المال صالحا فتصرف به تصرفا غير صالح كان هذا المال نقمة عليه ووبالا وإذا كان الرجل صالحا وكان مكسبه غير صالح أي كان حراما فما فائدة هذا المال .