الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))(( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وبعد .
الشيخ : فإن الموضوع الذي رأيته مناسبا لإلقائه عليكم بمناسبة بعض المؤلفات التي ظهرت لا تقيم وزنا للسنة على أنها مبيّنة للقرآن أردت أن أقدم إليكم ما عندي من علم قليل حول هذه المسألة الهامة من باب (( وتعاونوا على البر والتقوى )) .
الشيخ : كلنا يعلم ما هو من، وما هو معلوم من الدين بالضرورة أن الإسلام دستوره القرآن الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلب محمد عليه الصلاة والسلام وأن هذا القرآن كثير من الناس قد استقلوا في فهمه بناء على معرفتهم بشيء من اللغة العربية بعد تحكيمهم عقولهم إن لم نقل بعد تحكيمهم أهواءهم في تفسير كتاب الله تبارك وتعالى في كثير من آياته الكريمة .
الشيخ : لذلك كان لزاما على كل من كان عنده شيء من العلم يبطل هذا النهج الذي ظهر أو أظهر قرنه في هذا العصر الحاضر بعد أن سمعنا منذ نحو نصف قرن من الزمان عن جماعة ينتسبون إلى القرآن ويسمّون أنفسهم بالقرآنيين حيث أنهم اكتفوا بادّعاء أن الإسلام إنما هو القرآن فقط، والآن فقد ظهرت دعوة جديدة تشابه تشابه إلى موضع قريب جدا تلك الدعوة السابقة وإن كانت لا تتظاهر بالاقتصار على القرآن وحده كما كانت تلك الفئة تصارح الناس بذلك وتدّعي أن الإسلام لا شيء منه سوى القرآن الكريم، ولسنا بحاجة إلى أن نثبت بطلان هؤلاء الذين يصرحون بأن الإسلام إنما هو فقط القرآن الكريم ولكننا نريد أن نبين أن بعض الناس ممن يتظاهرون بأنهم يدعون إلى الإسلام كتابا وسنة قد انحرفت بهم أهواؤهم أو عقولهم عن السنة ووقعوا في نحو ما وقع أولئك الناس من الاعتماد على القرآن فقط لذلك أريد أن أبيّن لكم خطر هذا المنهج الذي سلكه هذا البعض، فنحن نعلم جميعا قول ربنا تبارك وتعالى مخاطبا نبينا صلوات الله وسلامه عليه بقوله (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم )) والآيات الكثيرة التي يلهج دائما بها خطباء السنة في الأمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة هي أشهر من أن تذكر فلا أطيل المجلس الآن بذكرها .
كلام الشيخ على معنى قوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم ) .
الشيخ : وإنما أدندن حول هذه الآية الكريمة التي فيها كما سمعتم قوله تبارك وتعالى (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم )) ففي هذه، ففي هذه الآية الكريمة نص صريح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنزل عليه القرآن وكلّف بوظيفة البيان لهذا القرآن، هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة هو السنة المطهرة فمعنى هذا أن الله عز وجل لم يكل أمر فهم القرآن إلى الناس حتى ولو كانوا عربا أقحاحا فكيف بهم إذا صاروا عربا أعاجم فكيف بهم إذا كانوا أعاجم تعربوا فهم بحاجة لا يستغنون عنها إلى بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن هذا البيان هو الوحي الثاني الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلب النبي عليه الصلاة والسلام ولكن حكمة الله تبارك وتعالى اقتضت أن يكون هناك وحي متلو متعبد بتلاوته ألا وهو القرآن الكريم ووحي ليس متلوا كالقرآن ولكنه يجب حفظه لأنه لا سبيل إلى فهم المبيّن ألا وهو القرأن إلا بالمبيِّن أو البيان الذي كلف به عليه الصلاة والسلام .
ذكر الشيخ لبعض الآيات التي أشكلت على بعض الصحابة .
الشيخ : وقد يستغرب البعض حين أقول إنه لا يستطيع أحد أن ينفرد أو أن يستقل بفهم القرآن ولو كان أعرب العرب وأفهمهم وألسنهم وأكثرهم بيانا ومن يكون أعرب وأفهم للغة العربية من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين أنزل القرآن بلغتهم ومع ذلك فقد أشكلت عليهم بعض الآيات لم يفهموها فتوجهوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسؤاله عنها من ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم لمّا تلى على أصحابه قوله تبارك وتعالى (( الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وأولئك هم المهتدون )) شقت هذه الآية على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما شق عليهم آيات أخرى لا لأنهم لم يفهموها كهذه وإنما لما كان فيها من حكم فيه شيء من الشدّة لست الآن في صدد ذلك وإنما أنا في صدد بيان ما أشكل عليهم من هذه الآية الكريمة (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وأولئك هم المهتدون )) قالوا يا رسول الله وأيّنا لم يظلم وأيّنا لم يظلم يعنون بذلك أنهم فهموا الظلم في هذه الأية الكريمة أنها تعني أي ظلم كان سواء كان ظلم ظلم العبد لنفسه أو كان ظلم العبد لصاحبه أو لأهله أو نحو ذلك فبيّن لهم الرسول عليه السلام أن الأمر ليس كما تبادر لأذهانهم وأن الظلم هنا إنما هو الظلم الأكبر وهو الإشراك بالله عز وجل وذكّرهم بقول العبد الصالح لقمان إذا قال لابنه (( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ))(( لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )) وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم العرب الأقحاح أشكل عليهم هذا اللفظ من هذه الآية الكريمة ولم يزل الإشكال عنهم إلا ببيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا هو الذي أشار الله عز وجل في الآية السابقة (( وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم )) ولذلك .
تذكير الشيخ بأنه لامجال لأحد أن يستقل بفهم القرآن دون الاستعانة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : فيجب أن يستقر في أذهاننا وأن نعتقد في عقائدنا أنه لا مجال لأحد أن يستقل بفهم القرآن دون الاستعانة بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( تركت فيكم أمرين أو شيئين لن تضلوا ما إن تمسّكتم بهما كتاب الله وسنتي ) وفي رواية ( وعترتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض )( تركت فيكم أمرين ) وليس أمرا واحدا، وحيين ليس وحيا واحدا ( لن تضلوا ما إن تمسّكتم بهما كتاب الله وسنتي ) ومفهوم هذا الحديث أن كل طائفة تمسكوا بأحد الأمرين فإنما هم ضالون خارجون عن الكتاب والسنة معا فالذي يتمسك بالقرآن فقط دون السنة شأنه شأن من يتمسك بالسنة فقط دون القرآن كلاهما على ضلال مبين والهدى والنور أن يتمسك بالنورين بكتاب الله تبارك وتعالى وبسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد بشّرنا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح أننا لن نضل أبدا ما تمسّكنا بكتاب ربنا وبسنة نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم .
الشيخ : ولذلك كان من أصول التفسير وقواعد علم التفسير أنه يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة وأرجو أن تنتبهوا لهذه النقطة، يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة ولا أقول كما قد تقرؤون في بعض الكتب يجب تفسير القرآن بالقرآن أولا ثم بالسنة ثانيا هذا خطأ شائع مع الأسف الشديد لأن السنة كما عرفتم تبيّن القرآن تبيّن تفصّل مجمله وتخصص عامه وتقيّد مطلقه إلى غير ذلك من البيانات التي لا مجال للمسلم أن يستغني عن شيء منها إطلاقا ولذلك فلا يجوز تفسير القرآن بالقرآن فقط وإنما يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة معا فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث السابق ( ولن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض ) لذلك يجب على كل مفسّر يريد أن يفسّر أية من القرآن وبخاصة إذا كانت هذه الآية تتعلّق بالعقيدة أو بالأحكام أو بالأخلاق والسلوك فلا بد له من أن يجمع بين القرآن والسنة لماذا ؟ لأنه قد تكون قد تكون آية في القرآن بحاجة إلى بيان من رسول الله عليه الصلاة والسلام .
تضعيف الشيخ لحديث معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن سندا ومتنا .
الشيخ : وإتماما لهذا الموضوع لا بد من التذكير بحديث معروف عند طلاب العلم وبخاصة الذين درّس عليه علم أصول الفقه حيث يذكر هناك في مناسبة التحدّث عن القياس وعن الاجتهاد يذكر هناك حديث مرويّ في بعض السّنن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لما أرسله إلى اليمن ( بم تحكم؟ ) قال بكتاب الله قال ( فإن لم تجد؟ ) قال فبسنة رسول الله قال ( فإن لم تجد؟ ) قال أجتهد رأيي ولا آلوا، قال في الحديث ( الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يحب رسول ) الله صلى الله عليه وآله وسلم فيجب أن نعلم أن هذا الحديث لا يصح من حيث إسناده عند علماء الحديث تنصيصا وتفريعا أعني بالتنصيص أن كثيرا من علماء الحديث قد نصّوا على ضعف إسناد هذا الحديث كالإمام البخاري إمام المحدثين وغيرهم وقد جاوز عددهم العشرة من أئمة الحديث قديما وحديثا من أقدمهم الإمام البخاري فيما أذكر ومن آخرهم الإمام ابن حجر العسقلاني وما بينهما أئمة آخرون كنت ذكرت أقوالهم في كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة " فمن أراد البسط والتفصيل رجع إليه، الشاهد أن هذا الحديث لا يصح بتنصيص الأئمة على ذلك وأيضا كما تدل على ذلك قواعدهم حيث أن هذا الحديث مداره على رجل معروف بالجهالة أي ليس معروفا بالرواية فضلا عن أن يكون معروفا بالصدق فضلا عن أن يكون معروفا بالحفظ كل ذلك مجهول عنه فكان مجهول العين كما نص على جهالته هذه الإمام النقاد الحافظ الذهبي الدمشقي في كتابه العظيم المعروف بـ"ميزان الاعتدال في نقد الرجال " فهذا الحديث إذا عرفتم أنه ضعيف عند علماء الحديث تنصيصا وتفريعا كما ذكرنا فيجب بهذه المناسبة أن نذكر لكم أنه منكر أيضا من حيث متنه وذلك يفهم من بياني السّابق لكن الأمر أوضح في هذا الحديث بطلانا مما سبق بيانه من وجوب الرجوع إلى السنة مع القرآن الكريم معا، ذلك لأنه صنّف السنة بعد القرآن وبعد السنة الرأي فنزّل منزلة السنة إلى القرآن منزلة الرأي إلى السنة متى يرجع الباحث أو الفقيه إلى الرأي ؟ إذا لم يجد السنة ومتى يرجع إلى السنة ؟ إذا لم يجد القرآن هذا لا يستقيم إسلاميا أبدا ولا أحدا من أئمة الحديث والفقه يجري على هذا التصنيف الذي تضمنه هذا الحديث، بم تحكم ؟ قال بكتاب الله فإن لم تجد ؟ قال فبسنة رسول الله، وينبغي أن نقرّب نكارة متن هذا الحديث ببعض الأمثلة وإن كان مثالا واحدا حتى لا نطيل الجلسة، لكنا يعلم قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم (( حرّمت عليكم الميتة والدم )) الآية لو أن سائلا سأل فقيها يمشي على التصنيف المذكور في حديث معاذ المجهول عن ميتة البحر نظر في القرآن فوجد الجواب في هذه الآية الصريحة (( حرّمت عليكم الميتة والدم )) فسيكون جوابه إذا ما اعتمد على هذه الآية أنه يحرم أكل ميتة السمك كذلك إذا سئل عن الكبد والطحال سيقول أيضا حرام لأنه معطوف على الميتة (( حرمت عليكم الميتة والدم )) فالكبد والطحال دم فإذًا سيكون حكمه بناء على اعتماده على هذه الآية الكريمة وحدها سيكون حكمه غير إسلامي ذلك لأن الإسلام كما ذكرت آنفا ليس هو القرآن فقط بل القرآن والبيان، القرآن والسنة فماذا كان بيان الرسول عليه السلام فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة ؟ لقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسناد فيه كلام ولكنه صح عن بن عمر موقوفا وكما يقول علماء الحديث هو في حكم المرفوع لأن لفظه ( أحلت لنا ميتتان ودمان الحوت والجراد والكبد والطحال ) بالإضافة إلى هذا الحديث وفيه التصريح بإباحة بعض الميتة وبعض الدم، يوجد هناك حديث آخر صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه. صلى الله عليه وآله وسلم أرسل سرية وأمّر عليها أبا عبيدة بن الجراح وساروا مع ساحل البحر وكان قوتهم التمر حتى كاد أن ينفد أن ينفد ولما قل التمر كان يوزع على كل فرد تمرة تمرة ثم بدا لهم من بعيد شيء عظيم على ساحل البحر فذهبوا إليه فإذا هو حوت ضخم عظيم جدا فأخذوا يأكلون منه ويتزودون منه وكان من ضخامته أنهم نصبوا قوسا من أقواس ظهره على الأرض فمر الراكب من تحته وهو على جمله من عظمة هذا الحوت ألقاه البحر بقدرة الله عز وجل وبتسييره للبحر لإطعام أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما عادوا إلى النبي سألهم ( هل معكم شيء منه تطعموني إياه ) ، فهذا الحديث يدل على بعض ما دل حديث ابن عمر الأول أن ميتة البحر حلال فما موقف القرآني الذي لا يعتمد على السنة أو من تأثر بشبهات القرآنيين إذا ما سُئل عن ميتة البحر عن هذا الحوت وأمثاله إذا اعتمد على القرآن فسيقول قال الله عز وجل (( حرّمت عليكم الميتة والدم )) وهذه ميتة لكنه إذا ما رجع إلى ما في القرآن الكريم من الآيات التي تثبت أن طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام كطاعة الله تبارك وتعالى، حينئذ يجد لزاما عليه أن يعود أيضا إلى السنة وأن يضمها إلى القرآن الكريم وأن لا يفرق بينهما فيكون الحكم حينذالك في هذه المسألة المتعلقة بهذه الآية الكريمة حرّمت عليكم الميتة إلا ميتة البحر والدم إلا الكبد والطحال، من أين أخذنا هذا الاستثناء ؟ من بيان الرسول عليه الصلاة والسلام فهذا أمر مهم جدا، الشريعة كلها قامت على ضم السنة إلى القرآن .
ذكر الشيخ لقول الشافعي رحمه الله ( السنة كلها هو مما أفهمه الله نبيه عليه الصلاة والسلام ) والتعليق عليه .
الشيخ : ولذلك جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال " السنة كلها "، يعني بطبيعة الحال ما صح منها هو مما أفهمه الله تبارك وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام يعني الإمام الشافعي أن السنة ينطوي القرآن عليها وأن الله عز وجل ألهم نبيه عليه الصلاة والسلام ببيان ما كان المسلمون بحاجة إلى بيانه من الآيات الكريمة وهذا مثال واحد وحسبكم ذلك . فالقاعدة في تفسير القرآن أعود لأذكر فأقول إنما هو بالرجوع إلى القرآن والسنة ولا ينبغي أن نقول بالرجو، إلى القرآن ثم السنة لأن هذا فيه تصريح بأنه في المرتبة الثانية، نحن لا نريد أن نتكلم فيما لا يليق إلا بأهل العلم فنقول نعم السنة من حيث ورودها هي بالمنزلة الثانية بالنسبة للقرآن الذي جاءنا متواترا ولكن من حيث العمل السنة كالقرآن لا يجوز أن نفرق بين الله ورسوله، بين كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والتفريق الذي يلاحظه بعض العلماء المتخصصين في علم الحديث هذا تفريق يتعلق بعلم الرواية أما ما يتعلق بعلم الدراية والفقه والفهم للكتاب فلا فرق بين كتاب الله وبين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
الشيخ : وهذا يجرنا إلى بحث آخر طالما تطرق له بعض الريبيين أو الشكاكين في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجهلهم بها وبأصولها وتراجم رواتها ألا وهو ما يسمى بحديث الآحاد وحديث التواتر، حديث الآحاد لا يستفيد منه إلا الأفراد والآحاد من علماء الأمة ألا وهم المتخصصون في علم الحديث والسنة ، أما عامة المسلمين فلا يستفيدون من هذا التفصيل شيئا يذكر بل يكون ذلك مدعاة وسببا لتشكيكهم فيما جاءهم عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم من الأحاديث التي قد لا تتسع عقول بعض الشكاكين والريبيين للإيمان بها، الحديث هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأي طريق يعرفه علماء الحديث أما التفصيل فليس عامة المسلمين بحاجة إليه، تقسيم الحديث إلى حسن وصحيح ، حسن لذاته، حسن لغيره صحيح لذاته صحيح لغيره صحيح غريب صحيح مستفيض صحيح مشهور صحيح متواتر هذا لأهل العلم أما لعامة المسلمين فحسبهم أن يعلموا من أهل العلم أن الحديث صحيح فوجب الإيمان والتصديق به أما الذين يتشبثون بهذه التفاصيل التي هي تليق بأهل العلم وليس بعامة المسلمين فهم يتشبثون بها لحمل جماهير المسلمين على عدم الإيمان بكثير من الأحاديث الصحيحة لماذا؟ لأنها حديث آحاد ومعنى حديث آحاد باختصار أنها لم تبلغ درجة التواتر ويعنون بالتواتر أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدد كثير وفير يستحيل تواطؤهم على الكذب على الكذب وقد اختلفوا اختلافا كثيرا وذلك في اعتقادي من رحمة الله لأن الاختلاف في الشيء يدل على أنه لا قيمة له، منهم من يقول أن عدد التواتر مائة شخص ومنهم من يقول كذا وكذا وكذا إلى أن وصلوا إلى عدد العشرة أي إذا لم يرو الحديث الواحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة شخص على أعلى الأقوال أو عشرة أشخاص على أدنى الأقوال ثم عن هؤلاء الصحابة مائة أو عشرة من التابعين وهكذا إلى أن يصل الأمر مسجلا في بطن في بطون كتب الحديث لا يكون الحديث متواترا، وماذا يترتب على كون الحديث متواترا أو على عدم كونه غير متواتر، على عدم كونه متواترا رتبوا على ذلك أن الحديث الآحاد غير متواتر لا يجوز الأخذ به فيما يتعلق بالغيبيات وهم يعبرون عنها بالعقائد فكل حديث يتعلق بغير الأحكام وإنما يتعلق بالغيب إذا لم يكن متواترا فلا يؤخذ به، هكذا زعم الذين تشبثوا بالتفصيل المذكور آنفا وهو تفصيل يصادم في الواقع لكن من الذي يكتشفه ؟ لا يكتشفه إلا أفراد قليلون جدا في كل عصر من علماء الحديث المتخصصين. لنضرب مثلا من المتفق عليه عند علماء الحديث جميعا أن أوضح مثال للحديث المتواتر قوله عليه الصلاة والسلام ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ، هذا حديث متواتر فعلا لماذا ؟ لأنه وجد له من الرواة من الصحابة أكثر من مائة وهكذا دواليك وأنت نازل لكن من منكم الآن حصّل هذه الطرق حتى يصبح الحديث عنده متواترا، إذا أنا قلت لكن هذا الحديث متواتر فقد انقطع التواتر عنكم من عندي فيجب عليكم أن تتبعوا أو تتبّعوا الأحاديث كما فعلت وفعل غيري من قبلي حتى يصبح الحديث عندكم متواترا، ماذا يهمكم مثل هذا التفصيل الذي هو أشبه بالفلسفة التي لا تنفع عامة المسلمين إطلاقا فاشتراط التواتر في الحديث هو تعطيل للحديث النبوي ولذلك وجدنا كثيرا من الناس اليوم بعضهم متحزبون وبعضهم قد يكونوا غير متحزبين يردون أحاديث صحيحة بحجة أنه هذا ليس في الأحكام وإنما هو في أمور الغيب أو في العقائد فهو أحاديث آحاد فينبذونه نبذ النواة .
الشيخ : لنرجع بكم الآن إلى العهد الأول، عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنرى كيف كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينقلون أحاديث الرسول إلى من بعدهم سواء كانوا من المعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنهم لم يتشرفوا بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كاليمانيين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اليمن ولم يتيسر لهم أن يفدوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهم معاذا وأرسل إليهم عليا وأرسل إليهم أبا موسى الأشعري بفترات متفاوتة .
ذكر الشيخ لحديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يدعوا إلى التوحيد .
الشيخ : ماذا قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حينما أرسله داعية إلى الإسلام، قال كما جاء في الصحيحين ولعل الجمهور الحاضر إن شاء الله يذكر هذا الحديث قال له عليه الصلاة والسلام ( ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا هم أجابوك فمرهم بالصلاة ) إلى آخر الحديث، الشاهد الصلاة حكم من الأحكام ومع ذلك فقد جاء قبل ذلك أمره عليه السلام لمعاذ بأن يدعوهم إلى التوحيد، التوحيد هو أسّ الإسلام وهو أصل كل عقيدة في الإسلام، ترى معاذ بن جبل إذا بلّغهم هذا الأمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الخبر خبر متواتر أم خبر آحاد؟ لا يشك كل ذي لب وعقل أنه خبر أحاد خبر فرد، ترى أقامت حجة الله ثم حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اليمانيين الذين أرسل إليهم معاذ بدعوة التوحيد أم لم تقم ؟ الذين أدخلوا فلسفة حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة معنى كلامه لا تقوم حجة الله ورسوله بإرسال الرسول لصاحبه معاذ بن جبل وحده بل كان عليه أن يرسل عدد التواتر ولذلك فأنا قلت لبعضهم مرة ممن يدعي أن خبر الأحاد لا تؤخذ به عقيدة، قد يذهب أحدكم يخاطب من لا يحتج بحديث الآحاد، قد يذهب أحدكم إلى بلاد من بلاد الكفر يدعوهم إلى الإسلام ومما لا شك فيه أنه سيدعوهم أول ما يدعوهم إلى العقيدة وأول عقيدة في الإسلام هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لكن هذا الحزب الذي أشير إليه قد وضع له رئيسهم فصلا في كتاب له سمى هذا الفصل بطريق الإيمان وهذا الطريق هو الذي يسلكونه في الدعوة، دعوة المسلمين في بلاد الإسلام ودعوة الكفار في بلاد الكفر والطغيان، قلت فإذا ذهب أحدكم يقرر عليهم طريق الإيمان وفي هذا الطريق يأتي في آخره حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة وكان الناس مجتمعين يسمعون المحاضرة تلو المحاضرة إلى أن انتهى من بيان طريق الإيمان ومنه أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة فقام أحد الذين تتبعوا محاضرات الرجل فقال له يا أستاذ يا فضيلة الشيخ أنت الآن تعلمنا عقيدة الإسلام وتذكر فيما ذكرت أن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد فأنت واحد من هؤلاء المسلمين الذين جئت من عندهم لتعرفنا بعقيدة الإسلام هذا على منهجك الذي علمتنا إياه لا تقوم حجة الله علينا لأنك فرد واحد فعليك أن تعود إلى بلادك وأن تجلب عدد التواتر ليشهدوا معك على أن هذا هو الإسلام فهل هذا هو الإسلام، وأين أنتم من حديث الرسول عليه السلام الذي ذكرناه آنفا حينما أرسل معاذا وأرسل عليا وأرسل أبا موسى أفرادا يعلمون الناس الإسلام فمن هنا تفهمون أن هذه العقيدة دخيلة في الإسلام لا يعرفها السلف الصالح تقسيم الحديث إلى متواتر وآحاد حسبكم أن يصلكم الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحيحا بشهادة أهل التصحيح وليس بشهادة العقول المأفونة العقول التي لم تتطهر بفقه الكتاب والسنة معا، إذًا يجب تفسير القرآن بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ولو كانت ليست متواترة وإنما هي آحاد .
الشيخ : هذا هو الطريق الذي يجب علينا أن نسلكه دائما في تفسيرنا لكتاب الله تبارك وتعالى إيمانا بقوله عز وجل (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) هذا هو المنهج الذي يجب أن نسلكه في تفسير القرآن ولكن .
الشيخ : من الملاحظ أن هناك بعض الآيات لا نجد فيها حديثا يفسر لنا القرآن الكريم فما هو الطريق المكمل للمنهج الأول ؟ الجواب كما هو معروف عند أهل العلم أنه يجب إذا لم نجد في السنة ما يفسّر القرآن نعود بعد ذلك إلى تفسير سلفنا الصالح وعلى رأسهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي مقدمتهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لقدم صحبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من جهة ولعنايته بسؤاله عن القرآن وفهمه وتفسيره من جهة أخرى ثم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعن ابن مسعود فقد قال ابن مسعود فيه إنه ترجمان القرآن، ابن مسعود يشهد لابن عباس بأنه ترجمان القرآن على هذا إذا لم نجد بيانا في الكتاب في السنة للكتاب نزلنا درجة إلى الأصحاب وأولهم ابن مسعود وثانيهم ابن عباس ثم بعد ذلك أي صحابي ثبت عنه تفسير آية ولم يكن هناك خلاف بين الصحابة نتلقى حينذالك التفسير بالرضى و التسليم والقبول وإن لم يوجد وجب علينا أن نأخذ عن التابعين الذين عُنُوا بتلقوا التفسير من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام كسعيد بن جبير وطاووس وابن إيش ؟ السائل : ... . الشيخ : نعم، وسعيد بن جبير ونحوهم ممن اشتهروا بتلقي تفسير القرآن عن بعض أصحاب الرسول عليه السلام وبخاصة ابن عباس كما ذكرنا .
ذكر الشيخ لتفسير بعض المتأخرين لبعض الآيات حسب المذهب والرد عليهم .
الشيخ : هناك بعض الآيات تفسَّر بالرأي ولم يأت في ذلك بيان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة فيستقل بعض المتأخرين في تفسيرها تطبيقا للآية على المذهب وهذه نقطة خطيرة جدا حيث تفسّر الآيات تأييدا للمذهب وعلماء التفسير فسّروها على غير ما فسّرها أهل ذلك المذهب، يمكن أن نستحضر على ذلك مثالا من قوله تبارك وتعالى في سورة المزمل (( فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن ))(( فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن )) فسرته بعض المذاهب بالتلاوة نفسها أي الواجب من القرآن في كل الصلوات إنما هو آية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة مع ورود الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال ( لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب ) وفي الحديث الآخر ( من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج فصلاته خداج فصلاته خداج غير تمام ) ردت دلالة هذين الحديثين بتفسير الآية السابقة بدعوى أنها أطلقت القراءة فقالت الآية (( فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن )) فقالوا هؤلاء بعض المتأخرين من المذهبيين قالوا لا يجوز تفسير القرآن إلا بالسّنة المتواترة عودا إلى بحث الحديث المتواتر لا يجوز تفسير القرآن إلا بالسنة المتواترة أي لا يجوز تفسير المتواتر إلا بالمتواتر فردوا الحديثين السّابقين اعتمادا منهم على فهمهم للآية على ما يبدو للقارئ لها أول وهلة (( فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن )) لكن العلماء بيّنوا كل علماء التفسير لا فرق بين من تقدم منهم ومن تأخر أن المقصود بالأية الكريمة (( فاقرؤوا )) أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل لأن الله عز وجل ذكر هذه الآية بمناسبة قوله تبارك وتعالى في سورة المزمل (( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار )) إلى أن قال (( فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن )) أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل فليست الآية متعلقة بما يجب أن يقرأ الإنسان في صلاة الليل بخاصة وإنما يسّر الله عز وجل للمسلمين أن يصلوا ما تيسر لهم من صلاة الليل فلا يجب عليهم أن يصلوا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي كما تعلمون إحدى عشر ركعة، هذا هو معنى الآية وهذا في الأسلوب العربي من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل (( فاقرؤوا )) أي فصلوا الصلاة هي الكل والقراءة هو الجزء .
الشيخ : ويقول أهل العلم باللغة العربية إن هذا الأسلوب العربي إذا أطلق الجزء وأراد الكل فهذا من باب بيان أهمّية هذا الجزء في ذلك الكل وذلك كقوله تبارك وتعالى في الآية الأخرى (( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ))(( وقرآن الفجر )) أقم أيضا قرآن الفجر أي صلاة الفجر فأطلق أيضا هنا الجزء وأراد الكل، هذا أسلوب في اللغة العربية ولذلك فهذه الآية بعد أن ظهر تفسيرها من علماء التفسير دون خلاف بين سلفهم وخلفهم لم يجز رد الحديث الأول والثاني بدعوى أنه حديث آحاد لا يجوز تفسير القرآن بحديث الآحاد لأن الآية المذكورة فسرت بأقوال العلماء العارفين بلغة القرآن أولا ولأن حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يخالف القرآن بل يفسّره ويوضحه كما ذكرنا في مطلع هذه الكلمة فكيف والآية ليس لها علاقة بموضوع ما يجب أن يقرأه المسلم في الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة أما الحديثان المذكوران آنفا فموضوهما صريح لأن صلاة المصلى لا تصح إلا بقراءة الفاتحة ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )( من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج فصلاته خداج فصلاته خداج غير تمام ) أي هي ناقصة ومن انصرف من صلاته وهي ناقصة فما صلى وتكون صلاته حينئذ باطلة كما هو ظاهر الحديث الأول ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) إذا تبينت لنا هذه الحقيقة حينئذ نطمئن إلى الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مروية في كتب السنة أولا ثم بالأسانيد الصحيحة ثانيا ولا نشك ولا نرتاب فيها بفلسفة الأحاديث التي نسمعها في هذا العصر الحاضر وهي التي تقول لا نعبأ بأحاديث الآحاد مادامت لم ترد في الأحكام وإنما هي في العقائد والعقائد لا تقوم على أحاديث الآحاد هكذا زعموا فقد عرفتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل معاذا يدعوهم إلى العقيدة الأولى ألا وهي التوحيد وهو شخص واحد وبهذا القدر كفاية في هذه الكلمة التي أردت بيانها وهي تتعلق بكيف يجب علينا أن نفسر القرآن الكريم، وقبل أن نتكلم عن الأسئلة التي قد تجمعت مع بعض إخواننا وأراها كثيرة وكثيرة جدا واحد منهم صفحة مليئة بالأسئلة، واحد منهم صفحة مليئة بالأسئلة لو أننا جلسنا للإجابة عليها لربما طلع علينا الصباح ولذلك فيجب أن نفسح المجال لكل إخواننا الحاضرين ليسأل كل فرد سؤالا حتى تكون الأسئلة مشاعة بين الأفراد الحاضرين ولا يحظى بالجواب عن كل الأسئلة فرد واحد لأن ذلك يتعلق بحب الذات أو ما يقال بالأنانية وهذا ليس من الإسلام في شيء فينبغي أن نكون منظمين في الأسئلة ولا نعتدي أو يعتدي بعضنا على بعض فيها .
تذكير الشيخ بقوله صلى الله عليه وسلم : (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) .
الشيخ : ثم أذكر والذكرى تنفع المؤمنين بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) فالجهاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام بعد القسمين المعروفين عندكم جميعا، القسم الأول فرض عين والقسم الآخر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ولكن هذا الجهاد سواء كان من القسم الأول فرض عين أو من القسم الآخر فرض كفاية ليس محصورا بالجهاد بالمال فقط ولا بالنفس فقط وهي أعز شيء على الإنسان ولا باللّسان فقط وهي أرخص شيء ولكن الرسول عليه السلام لحكمته البالغة في تعليمه الأمة يقول ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) يلفت نظرهم إلى وجوب الجهاد بكل وسيلة ولكن قد لا يستطيع الفرد الواحد سواء في الفرض العيني أو في الفرض الكفائي قد لا يستطيع الفرد الواحد أن يجمع بين هذه الأنواع من الجهاد بالنفس وبالمال وباللسان ولذلك فكل يأخذ نصيبه من هذا الحديث الصحيح فيجاهد إن كان يستطيع أن يجاهد بنفسه فبنفسه وفضل الجهاد معروف عندكم جميعا إن شاء الله. وإن كان لا يستطيع أن يجاهد بنفسه فليجاهد بماله فإن كان فقيرا معدما لا مال لديه فعلى الأقل أن يجاهد بلسانه والجهاد باللسان له صور كثيرة ومن ذلك حض المسلمين على الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى وبخاصة إذا قام السبب على الجهاد كما هو مشاهد الآن في أفغانستان ثم في أريتريا .
الشيخ : أما في أفغانستان فقد علم الجميع أن الأفغانيين قد كادوا أن ينتصروا على عدوهم الشيوعي بعد جهاد مديد طويل نحو عشر سنين وقد قام بعض المسلمين في بعض البلاد العربية والإسلامية بمساعدة هؤلاء سواء كانت المساعدة كما جاء في الحديث السّابق بالنفس أو بالمال أو باللسان ولكن يبدو أن هذه المساعدة لم تكن كافية بدليل أن ذلك التقدم والنشاط الذي فرحت قلوب المؤمنين به قد وقف بعض الشيء بسبب أسباب قرأتموها في الجرائد والمجلات ولذلك فيجب على المسلمين أن يعيدوا النظر في موقفهم من هذا الجهاد الأفغاني وأن يمدوه بكل وسيلة تمكنهم من متابعة النصر وإقامة ما يدندنون حوله دائما وأبدا من إقامة الحكومة الإسلامية في تلك البلاد وعسى أن يكون ذلك قريبا ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله تبارك وتعالى وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين . السائل : جزاكم الله خيرا، جزى الله شيخنا خير الجزاء على ما قدم فنبتدأ بالأسئلة، نستسمح منه البداية بالأسئلة فالأسئلة كثيرة جدا إخوة الإسلام فنحن نختار منها ما يهم الجميع إن شاء الله تعالى والذي لم يُجب على سؤاله فلا يغضب علينا وجزاكم الله خيرا . وإن شاء الله في فرص أخرى يمكن أن يتناول الشيخ هذه الأسئلة أما السؤال الأول أكثر الأسئلة كلها يبين أصحابها محبتهم لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فيقولون يا شيخنا نحبك في الله . الشيخ : أحبكم الله الذي أحببتموني له .
قرأت في كتاب صغير حديثا يقول : ( خذ من القرآن ماشئت لماشئت ) فهل هذا الحديث صحيح ؟
السائل : فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد قرأت في كتاب صغير حديثا يقول " خذ من القرآن ما شئت لما شئت " فهل هذا الحديث صحيح ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا . الشيخ :" خذ من القرآن ما شئت لما شئت " حديث مشتهر على بعض الألسنة ولكنه مع الأسف الشديد من تلك الأحاديث التي لا أصل لها في السنة ولذلك فلا يجوز روايته ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولا ثم هذا المعنى الواسع الشائع لا يصح ولا يثبت مطلقا في شريعة الإسلام "خذ من القرآن ما شئت لما شئت" أنشاء وأن أجلس في عقر داري وأن لا أعمل في مهنتي وصنعتي وأطلب الرزق من ربي ينزله من السماء علي لأني آخذ من القرآن لهذا، من يقول هذا ؟ هذا كلام باطل ولعله من وضع أولئك الصوفية الكسالى الذين طُبعوا على الجلوس والسكن في - ما يسمونها - روابط وإلا إيش ؟ السائل : ... . الشيخ : الرباطات ، الرباطات ينزلون فيها وينتظرون رزق الله ممن يأتيهم به من الناس، علما أنه هذا ليس من طبيعة المسلم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ربى المسلمين جميعا على علوّ الهمة وعلى عزة النفس فقال عليه الصلاة والسلام ( اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة ) ويعجبني بهذه المناسبة مما كنت قرأته في ما يتعلق ببعض الزهاد والصوفية ولا أطيل في ذلك فقصصهم كثيرة وعجيبة، زعموا أن أحدهم خرج سائحا ضاربا في الأرض بغير زاد فوصل به الأمر إلى أنه كاد أن يموت جوعا فبدا له من بعيد قرية فأتى إليها وكان اليوم يوم جمعة وهو بزعمه خرج متوكلا على الله وليس بالمتوكل على الله كما تدل السنة فلكي لا ينقض بزعمه توكله المزعوم لم يظهر شخصه للجمهور الذي في المسجد وإنما انطوى على نفسه تحت المنبر لكي لا يشعر به أحد لكن هو في نفسه يحدث نفسه لعل أحدا يحس به وهكذا خطب الخطيب خطبته وهو لم يصل مع الجماعة لعله يعتقد بأنه مسافر والمسافر ليس عليه جمعة ليس يومنا هذا القصة المقصود منها العبرة فبعد أن انتهى الإمام من الخطبة والصلاة وبدأ الناس يخرجون زرافات ووحدانا من أبواب المسجد حتى شعر الرجل بأن المسجد كاد يخلو من الناس وحينئذ تقفل الأبواب ويبقى وحيدا في المسجد لا طعام ولا شراب ولا أي شيء فلم يسعه إلا أن يتنحنح ليثبت وجوده للحاضرين فلتفت بعض الناس فوجدوه قد تحول كأنه فرخ من الجوع والعطش فأخذوه وأغاثوه وسألوه أخيرا ما أنت يا رجل قال أنا زاهد متوكل على الله قال كيف متوكل على الله وأنت كدت أن تموت ولو كنت متوكلا على الله لما سعُلت ولما نبهت الناس حتى تموت بذنبك، هذا مثال إلى ما يؤدي به مثل هذا الحديث، " خذ من القرآن ما شئت لما شئت" هذا حديث لا أصل له، نعم .
فضيلة الشيخ يقول القرآنيون قال تعالى : ( وكل شيء فصلناه تفصيلا ) وقال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا القرآن طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم فتمسكوا به لن تضلوا ) نرجوا من فضيلتكم التعليق على ذلك ؟................................................بلغت...............................................................
السائل : فضيلة الشيخ يقول القرآنيون قال تعالى (( وكل شيء فصلناه تفصيلا )) وقال تعالى (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن هذا القرآن طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم فتمسكوا به لن تضلوا ) نرجو من فضيلتكم التعليق على ذلك ؟ الشيخ : أما قوله تعالى (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) هذه الآية إنما تعني بالكتاب هنا اللوح المحفوظ ولا تعني القرآن الكريم، إذا رجعتم إلى كتب التفسير فستجدون ذلك واضحا جليا، (( ما فرطنا في الكتاب )) أي في اللّوح المحفوظ أما (( وكل شيء فصلناه تفصيلا )) فإذ ضممتم إلى القرآن الكريم ما تقدم بيانه آنفا ألا وهو السّنة فحينئذ يتم أن الله عز وجل قد فصل كل شيء تفصيلا لكن بضميمة أخرى فإنكم تعلمون أن التفصيل قد يكون تارة بالإجمال بوضع قواعد عامة إذا فهمها المسلم دخل تحتها جزئيات لا يمكن حصرها لكثرتها فبوضع الشارع الحكيم لتلك الجزئيات الكثيرة قواعد معروفة يمكن أن يكون ذلك تفصيلا كما جاء في الآية الكريمة وتفصيل من نوع آخر وهو المتبادر من هذه الآية كما قال عليه السلام في الحديث الذي أخرجه الإمام الشافعي في سننه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله ويبعّدكم عن النار إلا وأمرتكم به وما تركت شيئا يبعّدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) فالتفصيل إذًا تارة يكون بالقواعد التي تدخل تحتها جزئيات كثيرة وتارة يكون بالتفصيل لمفردات عبادات وأحكام تفصيلا لا يحتاج الرجوع إلى قاعدة، من هذه القواعد مثلا التي يدخل تحتها فرعيات كثيرة وتظهر بها عظمة الإسلام وسعة دائرة الإسلام في التشريع قوله صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل المثال ( لا ضرر ولا ضرار ) وقوله عليه السلام ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) وقوله عليه السلام ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هذه قواعد وكليات لا تفوتها شيء مما يتعلق بالضرر بالنفس أو الضرر بالمال في الحديث الأول، وما يتعلق بما يسكر سواء كان المسكر مستنبطا من العنب كما هو المشهور أو من الذرة أو من أي مادة من المواد الأخرى فمادام أنه مسكر فهو حرام ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) كذلك في الحديث الثالث ( كل بدعة ضلالة ولك ضلالة في النار ) لا يمكن حصر البدع لكثرتها ولا يمكن تعدادها ومع ذلك فهذا الحديث مع إيجازه يقول بصراحة ما بعدها صراحة ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هذا تفصيل لكن بقواعد والأحكام التي تعرفونها تفصيل بمفردات جاء ذكرها في السّنة على الغالب وأحيانا كأحكام الإرث مثلا المذكورة في القرآن الكريم أما الحديث الذي جاء ذكره فهو حديث صحيح والعمل به هو الذي نحن بإمكاننا أن نتمسك به وكما جاء في الحديث الذي ذكرناه قبل الصّلاة ( لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ) فالتمسك بحبل الله الذي هو بأيدينا إنما هو العمل بالسنة المفصلة للقرآن الكريم، نعم .
هنالك من يقول إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود مهما كانت درجة صحته وضرب مثالا على ذلك بحديث ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) واحتج بقول عائشة رضي الله عنها في ردها الحديث بقول الله عزوجل (ولا تزر وازرة وزر أخرى ) فكيف يرد على من يقول ذلك ؟
السائل : سؤال آخر فضيلة الشيخ هنالك من يقول إذا عارض الحديث آية من القرآن فهو مردود مهما كانت درجة صحته وضرب مثال على ذلك بحديث ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم واحتج بقول عائشة في ردها الحديث بقول الله عز وجل (( ولا تزر وازرة وزر أخرى )) فكيف يرد على من يقول ذلك ؟ الشيخ : رد هذا الحديث هو من مشاكل رد السنة بالقرآن وقد فصّلنا آنفا الكلام على انحراف ذلك عن الخط المستقيم أما الجواب عن هذا الحديث وبخاصة من تمسك بحديث عائشة فهو أولا من الناحية الحديثية حديث ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) هذا الحديث لا سبيل لرده من الناحية الحديثية لسببين اثنين الأول أنه قد جاء بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه والسبب الثاني أن ابن عمر لم يتفرد به بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب وهو وابنه لم يتفردا به فقد تابعهم المغيرة بن شعبة وهذا مما يحضرني في هذه الساعة لأن هذه الروايات عن هؤلاء الصحابة الثلاثة في الصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم أما لو أن الباحث بحث بحثا خاصا في هذا الحديث فسيجد له طرقا أخرى وكل هذه الأحاديث الثلاثة كلها أحاديث صحيحة الأسانيد فلا تردّ بمجرد دعوى التعارض مع القرآن الكريم ذلك لأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) قد أجاب أو قد فسر العلماء هذا التفسير بوجهين اثنين، الوجه الأول أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميت الذي كان في قيد حياته يعلم أن أهله بعد موته سيرتكبون مخالفات شرعية يعلم ذلك ثم هو لم ينصحهم ولم يوصهم أن لا يبكو عليه لأن هذا البكاء يكون سببا لتعذيب الميت، بعبارة عربية ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) الميت هنا ال للتعريف ليست للاستغراق والشمول أي ليس الحديث بمعنى إن كل ميت يعذب ببكاء أهله عليه وإنما ال هنا ال العهد أي الميت الذي لا ينصح أهل بأن لا يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف الشرع فهذا الذي يعذب ببكاء أهله عليه أما من قام بواجب النصيحة وبواجب الوصية الشرعية أن لا يبكوا أن لا ينوحوا عليه وأن لا يأتوا بالمنكرات التي تفعل خاصة بهذا الزمان فإذا لم يوص ولم ينصح عذّب وإذا نصح ووصّى لم يعذب، هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسير الأول لكثير من العلماء المعروفين والمشهورين كالنووي وغيره . وإذا عرفنا هذا التفصيل وضح أن لا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله تعالى (( ألا تزر وازرة وزر أخرى )) إنما يظهر التعارض فيما لو فهم الميت أن الـ هناك إنما هو للاستغراق و الشمول أي كل ميت يعذب حينئذ يشكل الحديث ويتعارض مع الآية الكريمة أما إذا عرفنا المعنى الذي ذكرناه آنفا فلا تعارض ولا إشكال لأن الذي يعذب إنما يعذب بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصية، هذا هو الوجه الأول مما قيل في تفسير هذه الحديث لدفع التعارض المدعى، أما الوجه الثاني وهو الذي فهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض مصنفاته أن العذاب هنا ليس عذابا في القبر أو عذابا في الآخرة وإنما هو بمعنى التألم وبمعنى الحزن أي إن الميت إذا سمع بكاء أهله عليه أسف وحزن لحزنهم هم عليه هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا لو صح لاستأصل شأفة الشبهة لكني أقول إما هذا التفسير يتعارض مع حقيقتين اثنتين لذلك لا يسعنا إلا أن نعتمد على التفسير الأول للحديث، الحقيقة الأولى إن في حديث المغيرة بن شعبة الذي أشرت إليه آنفا زيادة تبيّن أن العذاب ليس بمعنى التألم وإنما هو بمعنى العذاب المتبادر أي عذاب في النار إلا أن يعفو الله تبارك وتعالى كما هو صريح قوله عز وجل (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ما هو رواية المغيرة قال ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله يوم القيامة ) يعذب بسبب بكاء أهله عليه يوم القيامة وليس بالقبر الذي فسره ابن تيمية بالألم والحزن، الحقيقة الأخرى هي أن الميت إذا مات فالذي تدل عليه أدلة الكتاب والسنة أنه لا يحس بشيء يجري من حوله سواء كان هذا الشيء خيرا أم شرا اللهم إلا في بعض المناسبات التي جاء ذكرها في بعض الأحاديث إما كقاعدة لكل ميت أو لبعض الأموات حيث أسمعهم الله عزّ وجل بعض الشيء الذي يتألمون به . من الأول الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا وضع الميت في قبره وانصرف الناس عنه إنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون ) يسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون في هذا الحديث الصحيح إثبات سمع للميت خاص في وقت دفنه وحين ينصرف الناس عنه أي في الوقت الذي يجلسه الملكان الذان يسألانه عن ربه عن دينه عن نبيه فقد أعيدت الروح إليه فهو في هذه الحالة يسمع قرع النعال فلا يعني الحديث بداهة أن هذا الميت وكل الأموات هكذا تعاد إليها أرواحهم إنهم يظلون يسمعون قرع نعال المارة بين القبور إلى يوم يبعثون لا إنما هذا وضعٌ خاص وسماع خاص من الميت لأنه أعيدت روحه إليه وحينئذ لو أخذنا بتفسير ابن تيمية وسّعنا دائرة إحساس الميت بما يجري حوله سواء عند نعشه قبل دفنه أو بعد وضعه في قبره معنى ذلك أنه يسمع بكاء الأحياء عليه هذا يحتاج إلى نص، النص أولا مفقود وثانيا بعض نصوص الكتاب والسنة الصحيحة تدل على أن الموتى لا يسمعون وهذا بحث طويل ولا أريد أن أضيع عليكم الجواب عن بقية الأسئلة بل لا أستطيع الإجابة عن بقية الأسئلة إنما على الأقل عن بعضها ولكني سأذكر شيئا أو حديثا واحدا وأنهي الجواب عن هذا السؤال، لا شك أنكم قرأتم أو سمعتم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام )( إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ) سيّحين طوّافين على المجالس فكلما صلى مسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهناك ملك موكل يوصل هذا السلام من ذاك المسلم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو كان الأموات يسمعون لكان حق هؤلاء الأموات أن يسمع هو؟ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لم فضله الله تبارك وتعالى وخصه بخصائص على كل الأنبياء والرسل والعالمين . فلو كان أحد يسمع لكان سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع شيئا بعد موته لسمع صلاة أمته عليه ومن هنا تفهمون خطأ بل ضلال الذين يستغيثون ليس بالنبي صلى الله عليه وسلم بل وبمن دونه سواء كانوا رسلا أو أنبياء أو صالحين لأنهم لو استغاثوا بالرسول عليه السلام لما سمعهم كما هو صريح القرآن (( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم )) إلى آخر الآية. فإذًا الموتى بعد موتهم لا يسمعون إلا ما جاء النص في قضية خاصة كما ذكرت أنفا من سماع الميت قرع النعال وبهذا ينتهي الجواب عن هذا السؤال .
هنالك صناديق للتبرعات في المسجد نرجوا من فضيلتكم توجيه كلمة تحث الحاضرين على التبرع ؟
السائل : هناك صناديق للتبرعات في المسجد نريد هؤلاء الأحبة الذين أحبوك في الله لو وجهت إليهم كلمة لكي يتبرعوا في هذه الصناديق ؟ الشيخ : هذا السؤال يذكرني بما جاء في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن قوما من الأعراب دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم نمار.