متفرقات للألباني-271
خطبة الحاجة .
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) .
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) .
(( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) .
أما بعد،
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وأله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
نتابع قراءة الأحاديث الثابتة من كتاب الترغيب والترهيب.
(( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) .
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) .
(( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) .
أما بعد،
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وأله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
نتابع قراءة الأحاديث الثابتة من كتاب الترغيب والترهيب.
شرح كتاب الترغيب والترهيب قال المصنف رحمه الله : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم منها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته . رواه البخاري
الشيخ : وقد وصل بنا الدرس الماضي إلى الحديث الثاني والسبعين وهو قوله وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( لقد رأيت سبعين من أهل الصفّة ما منهم رجل عليه رداء إلا إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم منها ما يرجع نصف الساقين ومنها ما يرجع الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن تُرى عورته ) رواه البخاري والحاكم مختصرا وقال صحيح على شرطهما.
هذا الحديث من جملة أحاديث كثيرة نبت وتأتي في بيان الحالة التي كان يحياها أصحاب النبي صلى الله عليه وأله وسلم وبخاصة في أول دعوة الإسلام فهو يتحدث هنا أحد هؤلاء الفقراء وهو أبوهريرة رضي لله عنه يقول ( لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ) وأهل الصفة تعلمون أنهم فقراء الصحابة الذين لم يكن لهم مال ولا أهل يأوون إليهم، فكان المسجد النبوي مأوًى لهم ولكن لا ينبغي أن يُفهم من ذلك كما نبّهنا عليه في مرة سابقة أو مرات سابقة، لا ينبغي أن يُفهم أن أهل الصفة كانوا أهل كسَل وبطالة أي أنهم كانوا يجلسون في المسجد ينتظرون الرزق أن ينزل إليهم من السماء، لم يكونوا كذلك وإنما كانوا يعملون بأيديهم بقدر ما يسُدّون به رمقهم.
وقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنه دخل مرة المسجد فوجد رجلا يقوم ويصلي، كلّما دخل المسجد رأه في المسجد، الأمر الذي أوحى إلى عمر بأن الرجل لا يأتي بعمل يَكتسب به الرزق فسأله عن ذلك فقال إنه متوكّل على الله، فنهاه عن الجلوس في المسجد للعبادة فقط وقال " لا يقعدن أحدكم في المسجد يقول الله يرزقني فقد علمتم أن السماء لا تُمطر ذهبا ولا فضة " فأهل الصفّة لم يكونوا من هذا الجنس الذي يَفهم الإسلام فهما منكوسا معكوسا فيظن أن الإنسان إذا توكّل على الله عز وجل بترك الأسباب التي توصله إلى الرزق ذلك هو التوكّل.
هذا زعم باطل والله عز وجل يقول في كتابه (( وإذا عزمت فتوكّل على الله )) فالتوكل ليس عملا قلبيّا فقط وإنما هو عمل قلبي بعد الاستعداد لمقتضاه من عمل بدني، وقد أفصح عن هذا المعنى الصحيح للتوكّل الحديث الصحيح ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لو توكلتم على لله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تروح خماصا وتعود بطانا ) فروحان الطير صباحا.
السائل : السلام عليكم.
الشيخ : وعليكم السلام.
ورجوعه مساء وقد أخذ رزقه الذي كتبه الله عز وجل له بسعيه، فسّر بذلك الرسول عليه السلام التوكّل، فالتوكّل لا يعني ترك الأخذ بالأسباب وإنما بعد الأخذ بالأسباب يتوكّل صاحبه على رب الأرباب هكذا كانوا أهل الصفّة ولذلك فليس للكسالى من الصوفية أي حجّة في الاعتماد على الحال التي كان عليها أهل الصفة.
ومما يدل على ذلك أن أهل الصفة وُجِدوا في الزمن الأول في الهجرة حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أن بعد أن بدأت الخيرات تأتي وتترى إلى النبي صلى الله عليه وأله وسلم وبخاصة في أخر عهد الرسول عليه السلام ثم فيما بعد لم يبقى هناك أهل صفة كلهم وسّع الله عليهم فالفقير استغنى والأعزب تزوّج وهكذا.
أه، فأبو هريرة رضي الله عنه يَصِف حالة أفراد من أهل الصفة في أول هجرة المدينة يقول ( ما منهم عليه رداء ) كأنه يعني هنا ما منهم رجل عليه رداء وإزار يعني ما يسمّى بلغة العرب قديما بالحُلّة ويعرف ذلك أو يُسمّى اليوم في الاصطلاح الحاضر بالطأن، فكانوا سابقا الرجل ها اللي لباسه كامل له إزار يستر به عورته وله رداء يستر به القسم الأعلى من البدن، طأن قطعتين فهو يقول لم يكن لأحدهم إما إزار بمقدار ما يستر به عورته أي إنه لا يملك إلا ثوبا قصيرا لا يستطيع أن يستُر به جميع بدنه وإنما هو الإزار الذي يعقده ها هنا تحت خاصرته على خصريه فيستر بذلك عورته.
هذا صاحب الإزار وإما صاحب كساء أما إزار ورداء فهذا لم يكن فيه من يملكهما وإما صاحب كساء والكساء فيما يظهر من هذا الحديث ومن غيره أنه ثوب أوسع من الإزار قليلا إن تأزّر به طال وزاد إلى ما دون الكعبين وهذا لا يجوز إسلاميا كما قلنا، ذكرنا ذلك أكثر من مرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول ( أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق فإن طال فإلى الكعبين فإن طال ففي النار ) .
... الأمور التي ابتليَ بها جماهير الشباب المسلم بل وغير قليل من المنتمين إلى العلم الذين يطيلون جُبَلهم حتى لتكاد تجار على الأرض خاصة في مصر، هذا بلاء تميّز به مشايخ مصر على مشايخ البلاد الأخرى فيما أعلم حيث أنهم أصبح من تقاليدهم إطالة الجُبّة حتى تمسّ الأرض أو تكاد تمسّ الأرض، كما أن من تقاليدهم توسيع أكمام الجبب وهذا طبعا من الإسراف والتبذير بالإضافة إلى مخالفة الحديث السابق الذكر ( فما طال على الكعبين ففي النار ) .
فهؤلاء السبعون من أهل الصفة الذين كان أحدهم لا يجد إلا إزارا يستر به عورته أو كساء هو أوسع وأطول من الإزار شيئا قليلا بحيث أنه إن ائتزر به صاحبه طال إلى ما دون الكعبين فكانوا يتحاشوْن ذلك فيفعلون ماذا؟ هذا الكساء ليس بالإزار القصير ولا هو بالثوب الطويل السابغ بحيث يستطيع أن يلتحف به فيسترُ به بدنه الأعلى وما دونه من العورة والساقين فكان أحدهم يعقد هذا الكساء على عورته فهو طويل كما قلنا لو ائتزر به، زاد إلى ما دون الكعبين فليس له حيلة إلا بأن يعقده على رقبته ثم هو ليس واسعا فضفاضا بحيث أنه يلتحف به أيضا فيضطر أن يجمع طرفي الثوب بيده حتى لا تظهر عورته، هكذا كان هؤلاء النخبة من أهل الصفة يعيشون لا يجدون ما يلبِسون من الثياب، يلبسون من الثياب إلا الشيء الضروري والضروري جدا فضلا عن أن يجدوا ما يتزيّنون به ليس فقط ليلقى أحدهم أخاه بل ليقف بين يدي ربه عز وجل يصلي يتزيّن له.
الله عز وجل يقول في كتابه (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) وهذه الأية وإن كانت نزلت في طواف العرب في الجاهلية ثم استمرت هذه العادة إلى بعد نزول الإسلام كانوا يطوفون عُراةً حول الكعبة بفلسفة تشبه كثير من الفلسفات.
الكتاب والسنّة قال كانوا يقولون بأنه لا يليق بنا أن نطوف حول بيت ربنا في ثياب قد عصيناه فيها.
فإذًا علينا أن نخلع هذه الثياب ونطوف "ربي كما خلقتني" هكذا أوحى إليهم شيطانهم ومضوا على ذلك زمنا طويلا ولا فرق في ذلك بين النساء والرجال وهذا إغراق منهم في الضلال لو الأمر اقتصر على الرجال لهانت المصيبة بعض الشيء ولكنها شَمَلت أيضا حتى النساء فكانت المرأة تطوف وهي عارية وتقول "اليوم يبدو بعضه أو كلّه" وهي تُشير إلى عضوها، "اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدى منه فلا أحلّه"، هات بأى كلام فاضي معناه مخالفة ما فطر الله عليه العباد من ما أوقع فيهم الشهوة فأمرهم بالزينة فأول الزينة الواجبة التي لا تساهل فيها هو ستر العورة مطلقا خارج الصلاة ففي الصلاة من باب أولى.
أقول هذه الأية (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) وإن كان سبب نزولها ما ذكرته لكم أنفا حيث كانوا يطوفون عراة فأمِروا بأن يطوفوا ساترين لعوراتهم، هذا السبب وإن كان هو المناسب لنزول الأية فالعبرة كما يقول العلماء بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا سيما وقد جاء في السنّة ما يؤكّد هذه الزينة، فقد قال عليه الصلاة والسلام ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) ( من كان له إزار ورداء فليأتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) يعني لا يقتصرن أحدكم إذا ما قام يصلي بين يدي ربه على أن يستر عورته فقط من السرة إلى الركبة، فهذا أمر واجب حتى خارج الصلاة فلا بد للمسلم أن يخصّ الصلاة بشيء زائد على الأدب العام الاجتماعي، هذا الأدب هو سَتر العورة فقط، أما إذا دخلت في الصلاة ووقفت بين يدي الله تبارك وتعالى ففي هذه الحالة لابد لك من أن تأتيَ بزينة أخرى، ماهي هذه الزينة؟ أن تستر ما ليس بعورة وهو القسم الأعلى من البدن.
فلذلك ولذلك أكّد الرسول صلوات الله وسلامه عليه الارتداء في الصلاة حيث قال ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء ) ( لا يصلّين أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء ) أي إن المسلم إما أن يكون شأنه شأن أهل الصفّة لا يجد إلا ثوبا واحدا وأقلّه الإزار، ففي هذه الحالة يأتزر به سترا لعورته وأنه لا يجد غيره، ففي مثل هذا جاء حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ومسلم أن رجلا قال يا رسول الله أحدنا يصلّي في ثوب واحد كأنه يقول فهل ذلك جائز وسائغ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( أوَ كلكم يجد ثوب ) خاصة في تلك الحالة التي نحن في صدد الاطلاع عليها والإعتذار بها.
فإذا لم يجد إلا ثوبا واحدا صغيرا أو قصيرا فحينذاك يكتفي بأن يستر عورته بأن يتزر به، فإن كان أوسع من ذلك كساء كما سمعتم ألقاه على كتفيه، فإن كان غير سابغ كما هو شأن الكساء على ما ذكرنا عقده وستر به قسمه القسم الأعلى من بدنه وكذلك عورته، وإن كان ثوبا فضفاضا واسعا فحينئذ يلتحف به بحيث يستُر بدنه كلَّه لكن خيرٌ من ذلك أن يرتديَ ويتزرَ، أن يلبس قميصا وإزارا أو عَباءة ونحو ذلك مما هو أستر وأجمل من لبس الواقف بين يدي الله تبارك وتعالى، هذا النوع الأخير هو المقصود من حديثي السابق ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) .
هذا كله من السترة الواجب تحقيقُها في الصلاة وقد علمتم أنها تشمل العورة فما فوقها.
ولكن هناك زينة أخيرة قد أخلّ بها جماهير المسلمين شبابا وكهولا وشيوخا أيضا ولو أن هؤلاء أقل من أولئك، هذه الزينة هي ستر الرأس هذا الحسر الذي انتشر في هذه السنون الأخيرة هو أدب أجنبي غربي كافر، لا يعرفها، لا يعرفه هذا الأدب سلفُنا لا المتقدّم منه ولا المتأخر، فمنذ خمسين سنة لم يكن يُرى هنا إنسان يمشي في الطرقات حاسرا بل كان يُعتبر ذلك إخلالا بالمروءة أي الإخلال الذي يحول بين القاضي الذي يحكم بالشرع وبين قبوله لشهادة هذا الحاسر عن رأسه لأن هذه العادة لم تكن معروفة في السلف وإذ الأمر كذلك فلا أن يدخل المسلم في الصلاة حاسرا أبعد عن الأدب الإسلامي، زد على ذلك أن الدخول في العبادة حاسر الرأس هو أدب نصراني، (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) لأن بعضكم أو كثيرا منكم رأى أو قرأ أو سمع أن النصراني المتبرنط إذا أراد أن يدخل الكنيسة أو المعبد أو إذا لقيَ رجلا يحترمه فإنما يحيُيه بالانحناء ورفع القبعة أو ما وضعه على رأسه، هذه عادة نصرانية لا تزال موجودة في بعض البلاد النصارى ولو أنهم هم الذين صدّروا إلينا هذه العادة، عادة حسر الرأس فهُم مع ذلك لاسيّما بالتعبير العصري الذي يُراد به أمر باطل لاسيما إذا كانوا رجعيّين يعني متمسّكين بأداب أمتهم، فنحن أولى أن نتمسّك بعاداتنا الإسلامية التي ورثها الخلف عن السلف وبخاصة منها الصلاة.
ويُعجبني جدا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته في اللباس والحجاب في الصلاة وهي رسالة مطبوعة عدة طبعات أخرها طبعة كنت أنا خرّجتها وحقّقتها، ومن جملة الروايات التي أوردها فيها أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأى مولاه نافعا يُصلّي حاسر الرأس فبعد أن صلّى قال له أرأيت إن ذهبت لتلقى أحد هؤلاء الأمراء، أتذهب هكذا إليه حاسر الرأس؟ قال لا ساتر الرأس قال له ربّك أحق أن تتزيّن له، هذه الرواية ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وهي من دائرة محفوظاته الواسعة في السنّة فلا غرابة أني لم أجد لها أثرا في الكتب التي وقفت عليها وطالتها يدي ولكن إذا نظرنا إلى المعنى العام في الأية السابقة (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) وفي الحديث المؤيّد لهذه الزينة حديث الإزار والرداء، والمعنى المقصود من ذلك هو أن يقف بين يدي الله في أكمل زينة فنحن نستطيع أن نأخذ من مجموعة هذه النصوص ما يُؤيّد المعنى الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في قصة عبد الله بن عمر مع مولاه نافع لاسيما وأن عبد الله بن عمر هو الذي روى حديث الإزار والرداء هو الذي قال قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) .
فإذًا هو احتجّ على نافع بما يدل هذا الحديث عليه من الزينة العامة ولكن ربّ قائل يقول فهذه الزينة ليست زينة الأن أي الدخول في الصلاة ساتر الرأس ليس من الزينة المعهودة اليوم، فأحدهم يذهب إلى الوزير وإلى الأمير وإلى الحاكم ويستقبله ويلقاه حاسر الرأس، أقول لا يقولن أحد هذا الكلام لأن المفروض في المسلم أن يُحييَ من العادات الإسلامية ما اندثر منها ويعكس ... تمسّك بالعادات الغربية التي بُلِيَ بالتمسّك بها فحينما قال الله عز وجل (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) فهو إنما يعني الزينة المعروفة يومئذ من جهة والزينة التي قد شرعها الله عز وجل ف ... عرفا شرعيا من جهة أخرى، وهذا يُشبِه تماما وله الصلة الوثقى لفهم هذا الموضوع من جهة وفهم موضوع أخر يتعلّق بزينة النساء من جهة أخرى.
فالله عز وجل يقول في أيتين اثنين (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) هذه الأولى والأخرى (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن )) إلى أخر الأية، فمعرفتنا لهذا الزينة المذكورة وبصورة خاصة في الأية الثانية يساعدنا على تحديد عورة المرأة أمام محارِمها وأمام نسائِها المسلمات، فمثلا ولا أريد أن أطيل في هذا فقد تكلّمت أيضا فيه أكثر من مرة ولكني أضرب على ذلك مثالا، لقد كان من عادة النساء حين نزلت هذه الأية (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن )) إلى أخره كان من عادتهن أن تتزيّن المرأة بوضع الأساور في معصمها ووضع الخلاخيل في أسفل ساقها والأقراط والأسواط ونحو ذلك، فهذه مواطن الزينة وهذه التي أباح الله للمرأة أن تُظهرها أمام محارمها وأمام نسائها، فلو فرضنا ورُبّ أمر مفروض صار أمرا واقعا بسبب فساد المجتمع، إذا كان من الزينة وضع شيء أو عقد شيء على لُبّة الساق مثلا أو فوق الساق ما دون الركبتين في عصر ما، فلا يُقال ربنا يقول (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن )) فيجوز للفتاة للبنت أن تُظهر هذه الزينة التي حدثت حديثا وهي زينة على لُبّة الساق لأن الله عز وجل قال (( إلا لبعولتهن أو أبائهن أو أبنائهن )) كذلك أخواتهن لا يُقال هذا، لماذا؟ لأن هذه الزينة لم تكن معهودة يوم نزلت أية الزينة هذه فهي تُفسَّر على ضوء الواقع حينما نزلت الأية، فإذا عرفنا الزينة التي كانت النساء تتزيّن يومئذ فهي الزينة التي أباحها الله عز وجل للنساء أن يُظهِرْنها للمحارم و النساء المسلمات، كذلك حينما قال الله عز وجل (( خذوا زينتكم )) فيعني الزينة المعهودة يومئذ والزينة التي شرعها الشارع في مثل الحديث ( من كان له إزار ورداء ) إلى أخره، أما إذا كان من الزينة أن يُسمّيَ الإنسان اليوم نصف عام مثلا، هذه الزينة حادثة مبتدعة لا تدخل في عموم الأية وهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة التي تضطرنا وتحملنا حملا على أن نضع في منهج دعوتنا إلى الكتاب والسنّة أي على منهج السلف الصالح في تفريقهم لهذه النصوص وفي فهمهم إياها وإلا جئنا بإسلام جديد مبنيّا زعموا على الكتاب والسنّة وليس له أية صلة بالكتاب والسنّة، إنما هو الفهم الأعوج أو الفهم القائم على اتباع الهوى وفي ذلك الفساد الكبير.
فأهل الصفة إذًا كانوا إما رجل له إزار أو كساء يربطه على عنقه ثم يستر بذلك عورته بعد أن يجمعه إلى بدنه.
الحديث الثاني، نعم؟
السائل : ... .
الشيخ : ... الحديث؟
الشيخ : أي صحيح.
هذا الحديث من جملة أحاديث كثيرة نبت وتأتي في بيان الحالة التي كان يحياها أصحاب النبي صلى الله عليه وأله وسلم وبخاصة في أول دعوة الإسلام فهو يتحدث هنا أحد هؤلاء الفقراء وهو أبوهريرة رضي لله عنه يقول ( لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ) وأهل الصفة تعلمون أنهم فقراء الصحابة الذين لم يكن لهم مال ولا أهل يأوون إليهم، فكان المسجد النبوي مأوًى لهم ولكن لا ينبغي أن يُفهم من ذلك كما نبّهنا عليه في مرة سابقة أو مرات سابقة، لا ينبغي أن يُفهم أن أهل الصفة كانوا أهل كسَل وبطالة أي أنهم كانوا يجلسون في المسجد ينتظرون الرزق أن ينزل إليهم من السماء، لم يكونوا كذلك وإنما كانوا يعملون بأيديهم بقدر ما يسُدّون به رمقهم.
وقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنه دخل مرة المسجد فوجد رجلا يقوم ويصلي، كلّما دخل المسجد رأه في المسجد، الأمر الذي أوحى إلى عمر بأن الرجل لا يأتي بعمل يَكتسب به الرزق فسأله عن ذلك فقال إنه متوكّل على الله، فنهاه عن الجلوس في المسجد للعبادة فقط وقال " لا يقعدن أحدكم في المسجد يقول الله يرزقني فقد علمتم أن السماء لا تُمطر ذهبا ولا فضة " فأهل الصفّة لم يكونوا من هذا الجنس الذي يَفهم الإسلام فهما منكوسا معكوسا فيظن أن الإنسان إذا توكّل على الله عز وجل بترك الأسباب التي توصله إلى الرزق ذلك هو التوكّل.
هذا زعم باطل والله عز وجل يقول في كتابه (( وإذا عزمت فتوكّل على الله )) فالتوكل ليس عملا قلبيّا فقط وإنما هو عمل قلبي بعد الاستعداد لمقتضاه من عمل بدني، وقد أفصح عن هذا المعنى الصحيح للتوكّل الحديث الصحيح ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لو توكلتم على لله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تروح خماصا وتعود بطانا ) فروحان الطير صباحا.
السائل : السلام عليكم.
الشيخ : وعليكم السلام.
ورجوعه مساء وقد أخذ رزقه الذي كتبه الله عز وجل له بسعيه، فسّر بذلك الرسول عليه السلام التوكّل، فالتوكّل لا يعني ترك الأخذ بالأسباب وإنما بعد الأخذ بالأسباب يتوكّل صاحبه على رب الأرباب هكذا كانوا أهل الصفّة ولذلك فليس للكسالى من الصوفية أي حجّة في الاعتماد على الحال التي كان عليها أهل الصفة.
ومما يدل على ذلك أن أهل الصفة وُجِدوا في الزمن الأول في الهجرة حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أن بعد أن بدأت الخيرات تأتي وتترى إلى النبي صلى الله عليه وأله وسلم وبخاصة في أخر عهد الرسول عليه السلام ثم فيما بعد لم يبقى هناك أهل صفة كلهم وسّع الله عليهم فالفقير استغنى والأعزب تزوّج وهكذا.
أه، فأبو هريرة رضي الله عنه يَصِف حالة أفراد من أهل الصفة في أول هجرة المدينة يقول ( ما منهم عليه رداء ) كأنه يعني هنا ما منهم رجل عليه رداء وإزار يعني ما يسمّى بلغة العرب قديما بالحُلّة ويعرف ذلك أو يُسمّى اليوم في الاصطلاح الحاضر بالطأن، فكانوا سابقا الرجل ها اللي لباسه كامل له إزار يستر به عورته وله رداء يستر به القسم الأعلى من البدن، طأن قطعتين فهو يقول لم يكن لأحدهم إما إزار بمقدار ما يستر به عورته أي إنه لا يملك إلا ثوبا قصيرا لا يستطيع أن يستُر به جميع بدنه وإنما هو الإزار الذي يعقده ها هنا تحت خاصرته على خصريه فيستر بذلك عورته.
هذا صاحب الإزار وإما صاحب كساء أما إزار ورداء فهذا لم يكن فيه من يملكهما وإما صاحب كساء والكساء فيما يظهر من هذا الحديث ومن غيره أنه ثوب أوسع من الإزار قليلا إن تأزّر به طال وزاد إلى ما دون الكعبين وهذا لا يجوز إسلاميا كما قلنا، ذكرنا ذلك أكثر من مرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول ( أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق فإن طال فإلى الكعبين فإن طال ففي النار ) .
... الأمور التي ابتليَ بها جماهير الشباب المسلم بل وغير قليل من المنتمين إلى العلم الذين يطيلون جُبَلهم حتى لتكاد تجار على الأرض خاصة في مصر، هذا بلاء تميّز به مشايخ مصر على مشايخ البلاد الأخرى فيما أعلم حيث أنهم أصبح من تقاليدهم إطالة الجُبّة حتى تمسّ الأرض أو تكاد تمسّ الأرض، كما أن من تقاليدهم توسيع أكمام الجبب وهذا طبعا من الإسراف والتبذير بالإضافة إلى مخالفة الحديث السابق الذكر ( فما طال على الكعبين ففي النار ) .
فهؤلاء السبعون من أهل الصفة الذين كان أحدهم لا يجد إلا إزارا يستر به عورته أو كساء هو أوسع وأطول من الإزار شيئا قليلا بحيث أنه إن ائتزر به صاحبه طال إلى ما دون الكعبين فكانوا يتحاشوْن ذلك فيفعلون ماذا؟ هذا الكساء ليس بالإزار القصير ولا هو بالثوب الطويل السابغ بحيث يستطيع أن يلتحف به فيسترُ به بدنه الأعلى وما دونه من العورة والساقين فكان أحدهم يعقد هذا الكساء على عورته فهو طويل كما قلنا لو ائتزر به، زاد إلى ما دون الكعبين فليس له حيلة إلا بأن يعقده على رقبته ثم هو ليس واسعا فضفاضا بحيث أنه يلتحف به أيضا فيضطر أن يجمع طرفي الثوب بيده حتى لا تظهر عورته، هكذا كان هؤلاء النخبة من أهل الصفة يعيشون لا يجدون ما يلبِسون من الثياب، يلبسون من الثياب إلا الشيء الضروري والضروري جدا فضلا عن أن يجدوا ما يتزيّنون به ليس فقط ليلقى أحدهم أخاه بل ليقف بين يدي ربه عز وجل يصلي يتزيّن له.
الله عز وجل يقول في كتابه (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) وهذه الأية وإن كانت نزلت في طواف العرب في الجاهلية ثم استمرت هذه العادة إلى بعد نزول الإسلام كانوا يطوفون عُراةً حول الكعبة بفلسفة تشبه كثير من الفلسفات.
الكتاب والسنّة قال كانوا يقولون بأنه لا يليق بنا أن نطوف حول بيت ربنا في ثياب قد عصيناه فيها.
فإذًا علينا أن نخلع هذه الثياب ونطوف "ربي كما خلقتني" هكذا أوحى إليهم شيطانهم ومضوا على ذلك زمنا طويلا ولا فرق في ذلك بين النساء والرجال وهذا إغراق منهم في الضلال لو الأمر اقتصر على الرجال لهانت المصيبة بعض الشيء ولكنها شَمَلت أيضا حتى النساء فكانت المرأة تطوف وهي عارية وتقول "اليوم يبدو بعضه أو كلّه" وهي تُشير إلى عضوها، "اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدى منه فلا أحلّه"، هات بأى كلام فاضي معناه مخالفة ما فطر الله عليه العباد من ما أوقع فيهم الشهوة فأمرهم بالزينة فأول الزينة الواجبة التي لا تساهل فيها هو ستر العورة مطلقا خارج الصلاة ففي الصلاة من باب أولى.
أقول هذه الأية (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) وإن كان سبب نزولها ما ذكرته لكم أنفا حيث كانوا يطوفون عراة فأمِروا بأن يطوفوا ساترين لعوراتهم، هذا السبب وإن كان هو المناسب لنزول الأية فالعبرة كما يقول العلماء بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا سيما وقد جاء في السنّة ما يؤكّد هذه الزينة، فقد قال عليه الصلاة والسلام ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) ( من كان له إزار ورداء فليأتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) يعني لا يقتصرن أحدكم إذا ما قام يصلي بين يدي ربه على أن يستر عورته فقط من السرة إلى الركبة، فهذا أمر واجب حتى خارج الصلاة فلا بد للمسلم أن يخصّ الصلاة بشيء زائد على الأدب العام الاجتماعي، هذا الأدب هو سَتر العورة فقط، أما إذا دخلت في الصلاة ووقفت بين يدي الله تبارك وتعالى ففي هذه الحالة لابد لك من أن تأتيَ بزينة أخرى، ماهي هذه الزينة؟ أن تستر ما ليس بعورة وهو القسم الأعلى من البدن.
فلذلك ولذلك أكّد الرسول صلوات الله وسلامه عليه الارتداء في الصلاة حيث قال ( لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء ) ( لا يصلّين أحدكم وليس على عاتقه من ثوبه شيء ) أي إن المسلم إما أن يكون شأنه شأن أهل الصفّة لا يجد إلا ثوبا واحدا وأقلّه الإزار، ففي هذه الحالة يأتزر به سترا لعورته وأنه لا يجد غيره، ففي مثل هذا جاء حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ومسلم أن رجلا قال يا رسول الله أحدنا يصلّي في ثوب واحد كأنه يقول فهل ذلك جائز وسائغ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( أوَ كلكم يجد ثوب ) خاصة في تلك الحالة التي نحن في صدد الاطلاع عليها والإعتذار بها.
فإذا لم يجد إلا ثوبا واحدا صغيرا أو قصيرا فحينذاك يكتفي بأن يستر عورته بأن يتزر به، فإن كان أوسع من ذلك كساء كما سمعتم ألقاه على كتفيه، فإن كان غير سابغ كما هو شأن الكساء على ما ذكرنا عقده وستر به قسمه القسم الأعلى من بدنه وكذلك عورته، وإن كان ثوبا فضفاضا واسعا فحينئذ يلتحف به بحيث يستُر بدنه كلَّه لكن خيرٌ من ذلك أن يرتديَ ويتزرَ، أن يلبس قميصا وإزارا أو عَباءة ونحو ذلك مما هو أستر وأجمل من لبس الواقف بين يدي الله تبارك وتعالى، هذا النوع الأخير هو المقصود من حديثي السابق ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) .
هذا كله من السترة الواجب تحقيقُها في الصلاة وقد علمتم أنها تشمل العورة فما فوقها.
ولكن هناك زينة أخيرة قد أخلّ بها جماهير المسلمين شبابا وكهولا وشيوخا أيضا ولو أن هؤلاء أقل من أولئك، هذه الزينة هي ستر الرأس هذا الحسر الذي انتشر في هذه السنون الأخيرة هو أدب أجنبي غربي كافر، لا يعرفها، لا يعرفه هذا الأدب سلفُنا لا المتقدّم منه ولا المتأخر، فمنذ خمسين سنة لم يكن يُرى هنا إنسان يمشي في الطرقات حاسرا بل كان يُعتبر ذلك إخلالا بالمروءة أي الإخلال الذي يحول بين القاضي الذي يحكم بالشرع وبين قبوله لشهادة هذا الحاسر عن رأسه لأن هذه العادة لم تكن معروفة في السلف وإذ الأمر كذلك فلا أن يدخل المسلم في الصلاة حاسرا أبعد عن الأدب الإسلامي، زد على ذلك أن الدخول في العبادة حاسر الرأس هو أدب نصراني، (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) لأن بعضكم أو كثيرا منكم رأى أو قرأ أو سمع أن النصراني المتبرنط إذا أراد أن يدخل الكنيسة أو المعبد أو إذا لقيَ رجلا يحترمه فإنما يحيُيه بالانحناء ورفع القبعة أو ما وضعه على رأسه، هذه عادة نصرانية لا تزال موجودة في بعض البلاد النصارى ولو أنهم هم الذين صدّروا إلينا هذه العادة، عادة حسر الرأس فهُم مع ذلك لاسيّما بالتعبير العصري الذي يُراد به أمر باطل لاسيما إذا كانوا رجعيّين يعني متمسّكين بأداب أمتهم، فنحن أولى أن نتمسّك بعاداتنا الإسلامية التي ورثها الخلف عن السلف وبخاصة منها الصلاة.
ويُعجبني جدا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته في اللباس والحجاب في الصلاة وهي رسالة مطبوعة عدة طبعات أخرها طبعة كنت أنا خرّجتها وحقّقتها، ومن جملة الروايات التي أوردها فيها أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأى مولاه نافعا يُصلّي حاسر الرأس فبعد أن صلّى قال له أرأيت إن ذهبت لتلقى أحد هؤلاء الأمراء، أتذهب هكذا إليه حاسر الرأس؟ قال لا ساتر الرأس قال له ربّك أحق أن تتزيّن له، هذه الرواية ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وهي من دائرة محفوظاته الواسعة في السنّة فلا غرابة أني لم أجد لها أثرا في الكتب التي وقفت عليها وطالتها يدي ولكن إذا نظرنا إلى المعنى العام في الأية السابقة (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) وفي الحديث المؤيّد لهذه الزينة حديث الإزار والرداء، والمعنى المقصود من ذلك هو أن يقف بين يدي الله في أكمل زينة فنحن نستطيع أن نأخذ من مجموعة هذه النصوص ما يُؤيّد المعنى الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في قصة عبد الله بن عمر مع مولاه نافع لاسيما وأن عبد الله بن عمر هو الذي روى حديث الإزار والرداء هو الذي قال قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم ( من كان له إزار ورداء فليتزر وليرتدي فإن الله أحق أن يُتزيّن له ) .
فإذًا هو احتجّ على نافع بما يدل هذا الحديث عليه من الزينة العامة ولكن ربّ قائل يقول فهذه الزينة ليست زينة الأن أي الدخول في الصلاة ساتر الرأس ليس من الزينة المعهودة اليوم، فأحدهم يذهب إلى الوزير وإلى الأمير وإلى الحاكم ويستقبله ويلقاه حاسر الرأس، أقول لا يقولن أحد هذا الكلام لأن المفروض في المسلم أن يُحييَ من العادات الإسلامية ما اندثر منها ويعكس ... تمسّك بالعادات الغربية التي بُلِيَ بالتمسّك بها فحينما قال الله عز وجل (( خذوا زينتكم عند كل مسجد )) فهو إنما يعني الزينة المعروفة يومئذ من جهة والزينة التي قد شرعها الله عز وجل ف ... عرفا شرعيا من جهة أخرى، وهذا يُشبِه تماما وله الصلة الوثقى لفهم هذا الموضوع من جهة وفهم موضوع أخر يتعلّق بزينة النساء من جهة أخرى.
فالله عز وجل يقول في أيتين اثنين (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) هذه الأولى والأخرى (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن )) إلى أخر الأية، فمعرفتنا لهذا الزينة المذكورة وبصورة خاصة في الأية الثانية يساعدنا على تحديد عورة المرأة أمام محارِمها وأمام نسائِها المسلمات، فمثلا ولا أريد أن أطيل في هذا فقد تكلّمت أيضا فيه أكثر من مرة ولكني أضرب على ذلك مثالا، لقد كان من عادة النساء حين نزلت هذه الأية (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن )) إلى أخره كان من عادتهن أن تتزيّن المرأة بوضع الأساور في معصمها ووضع الخلاخيل في أسفل ساقها والأقراط والأسواط ونحو ذلك، فهذه مواطن الزينة وهذه التي أباح الله للمرأة أن تُظهرها أمام محارمها وأمام نسائها، فلو فرضنا ورُبّ أمر مفروض صار أمرا واقعا بسبب فساد المجتمع، إذا كان من الزينة وضع شيء أو عقد شيء على لُبّة الساق مثلا أو فوق الساق ما دون الركبتين في عصر ما، فلا يُقال ربنا يقول (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن )) فيجوز للفتاة للبنت أن تُظهر هذه الزينة التي حدثت حديثا وهي زينة على لُبّة الساق لأن الله عز وجل قال (( إلا لبعولتهن أو أبائهن أو أبنائهن )) كذلك أخواتهن لا يُقال هذا، لماذا؟ لأن هذه الزينة لم تكن معهودة يوم نزلت أية الزينة هذه فهي تُفسَّر على ضوء الواقع حينما نزلت الأية، فإذا عرفنا الزينة التي كانت النساء تتزيّن يومئذ فهي الزينة التي أباحها الله عز وجل للنساء أن يُظهِرْنها للمحارم و النساء المسلمات، كذلك حينما قال الله عز وجل (( خذوا زينتكم )) فيعني الزينة المعهودة يومئذ والزينة التي شرعها الشارع في مثل الحديث ( من كان له إزار ورداء ) إلى أخره، أما إذا كان من الزينة أن يُسمّيَ الإنسان اليوم نصف عام مثلا، هذه الزينة حادثة مبتدعة لا تدخل في عموم الأية وهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة التي تضطرنا وتحملنا حملا على أن نضع في منهج دعوتنا إلى الكتاب والسنّة أي على منهج السلف الصالح في تفريقهم لهذه النصوص وفي فهمهم إياها وإلا جئنا بإسلام جديد مبنيّا زعموا على الكتاب والسنّة وليس له أية صلة بالكتاب والسنّة، إنما هو الفهم الأعوج أو الفهم القائم على اتباع الهوى وفي ذلك الفساد الكبير.
فأهل الصفة إذًا كانوا إما رجل له إزار أو كساء يربطه على عنقه ثم يستر بذلك عورته بعد أن يجمعه إلى بدنه.
الحديث الثاني، نعم؟
السائل : ... .
الشيخ : ... الحديث؟
الشيخ : أي صحيح.
2 - شرح كتاب الترغيب والترهيب قال المصنف رحمه الله : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم منها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته . رواه البخاري أستمع حفظ
قال المصنف رحمه الله : وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشتين فلقد رأيتني وأنا أكسى أصحابي, رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش .
الشيخ : الحديث الثاني وهو صحيح أيضا قال وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال ( إستكسيت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم تكسان خيشتين فلقد رأيتُني وأنا أكسى أصحابي ) رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش، الخيشة بفتح الخاء المعجمة هذه لفظة صحيحة معروفة لكن يقرأ الكتاب، الخَيْشة بفتح الخاء المعجمة وإسكان المثنّاة تحت، بعدين السين المعجمة هو ثوب يُتخذ منه شاقة الكتّان يغزل غليظا ويُنسج رقيقا، هنا صورة جديدة يُقدّمها هذا الصحابي الجليل عتبة بن عبد، كيف كانوا يفرحون بأقلّ ثوب يُتاح لأحدهم، يقول هذا الصحابي الجليل استكسيت رسول الله كان لا يجد كسوة يكتسي بها فطلب منه كِسوة فماذا أعطاه الرسول عليه السلام خيشتين وهو هذول الخيشتين شاف حاله على غيره، قال فلقد رأيتني وأنا أكسى أصحابي يعني أنا أحسنهم وأكثرهم لباسا.
3 - قال المصنف رحمه الله : وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشتين فلقد رأيتني وأنا أكسى أصحابي, رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش . أستمع حفظ
الكلام على حال إسماعيل بن علية .
الشيخ : ثم هنا فائدة حديثية لابد من التحدّث عنها ولو طال الوقت بالنسبة إليّ شيئا قليلا يقول رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عيّاش سكت، فهذا عادة يُشير بمثل هذا الكلام إلى أن الرجل الذي جاء في رواية الحديث كإسماعيل بن عيّاش هنا فيه كلام، وفي ظني أن ذكر هذا التنبيه كمبدأ عام حسن أي أنه في هذا الحديث رجل فيه كلام ولكن إذا كان المُتكلَّم فيه فيه كلام خلاصته أن يكون له ترجمتان، ففي إحداهما يكون ثقة وفي الأخرى يكون غير ثقة، في حالة من الحالتين يكون حديثه صحيحا وفي الأخرى يكون حديثه ضعيفا وإسماعيل بن عيّاش الذي في إسناد هذا الحديث هو من هذا النوع من الرواة، ولذلك فكنت أستحسن للمؤلف إما أن يأتيَ ذكْر ما ذكَر من أن في هذا الحديث إسماعيل بن عيّاش لأنه في النتيجة الحديث صحيح وإما إن كان ولابد أن يذكُره كما فعل أن يقرُن مع ذلك التفصيل الأتي ولو بإيجاز، إسماعيل بن عيّاش شاميّ له وضعان كما ذكرنا، فهو إذا روى عن الشاميّين فهو صحيح الحديث وإذا روى عن غير الشاميّين كالحجازيّين المصريّين اليمنيّين ال ال إلى أخره فهو ضعيف الحديث.
ولذلك فمن ضروريات هذا العلم أن يعرف الإنسان ترجمة كل راوي من الرواة خشية أن يكون له حالتان كهذا الإنسان، ففي حالة هو ثقة صحيح الحديث وفي أخرى هو ضعيف، هو صحيح الحديث.
السائل : ... .
الشيخ : اصبر، إسماعيل بن عيّاش حينما كان مُقيما في بلده كان له بطبيعة الحال من الوقت والعناية بضبط الحديث وحفظه و إتقانه بحيث ظهر ذلك على أحاديثه الشاميّة، فعلماء الحديث الذين إستقروا أحاديث الرواة لم يجدوا في أحاديث إسماعيل بن عيّاش التي يرويها عن شيوخه الشاميّين حديثا منكرا، وعلى العكس من ذلك حينما درسوا أحاديثه الأخرى التي يرويها عن غير شيوخه الشاميّين من الحجازيّين والمصريّين و ... كما ذكرنا، وجدوا فيها خللا كثيرا، فهو هناك مثلا يرفع الموقوف ويوصِل المقطوع ونحو ذلك من الأخطاء الكثيرة التي تبيّنت لأئمة الجرح والتعديل.
فانتهوْا أخيرا إلى وصف إسماعيل بن عيّاش جاز بموجز من الكلام كما يقول البخاري و ... بن معين وغيره، إسماعيل بن عيّاش صحيح الحديث عن الشاميّين، لمثل هذا أمثلة كثيرة له حالتين تارة صحيح الحديث وتارة ضعيف الحديث مثلا عطاء بن السائب، لكن هذا له علّة أخرى غير هذه العلّة، علّة إسماعيل أنه ما أدخل أحاديث شيوخه غير الشاميّين بعكس أحاديث غير الشاميّين، أما عطاء بن السائب فهو له علّة أخرى، طرأ عليه الاختلاف وهو نوع من ضعف العقل وضعف الحافظة يصل تارة إلى مرتبة الخرف إذا ما اشتدّ هذا التغيّر وعلم الحديث لما كان له علاقة في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فكان من لطف الله عز وجل بعباده المؤمنين، توفية منه لعهده السابق (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) وفّق علماء الحديث إلى دراسة دقيقة جدا لرواة الأحاديث لا مثيل لها في التاريخ، في العالم كله منذ خلق الله أدم إلى هذه الساعة مزية ومنقبة خصّ الله عز وجل بها أمة محمد صلى الله عليه وأله وسلم.
من هذه الدقة المثال السابق لإسماعيل بن عيّاش ومنها المثال اللاحق لعطاء بن السائب، هذا اختلط في أخر حياته فزاد في الحديث ونقص ورفع ووقف ووإلى أخره، فقال علماء الحديث عطاء بن السائب ضعيف الحديث إلا إذا رووْا عنه سفيان الثوري وسعد بن حجاج وحماد بن زيد وأمثال هؤلاء الأئمة الحفّاظ القدامى الذين أدركوا وأخذوا الحديث عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه فوصل بهم الدقة في تراجم الرواة فهذا الشيخ المترجِم ... الاخرين عنه، من روى عنه في حالة الاختلاط ومن روى عنه قبل الاختلاط، فإذا قيل في حديث ما وفيه عطاء بن السائب وسكت المؤلف أو القائل فليس في ذلك يعني علم يُقدّمه للناس وإنما كان ينبغي أن يقول وفي عطاء بن السائب وقد روى عنه فلان وحدّث عنه بعد الاختلاط فيكون الحديث ضعيفا أو وفيه فلان وقد حدّث عنه قبل الاختلاط فيصبح بذلك الحديث صحيحا، كذلك أمثلة كثيرة وكثيرة جدا أحببت أن أذكِّر بشيء منها أولا لنعرف رواية هذا الحديث كيف ثبتت أن إسماعيل بن عيّاش رواه عن شيخ من الشاميّين ولتعرفوا ثانيا وتفخروا بما أنعم الله عليكم من علم لا وجود له في كل بلاد الدنيا، وأكتفي بهذا القدر والحمد لله رب العالمين.
ولذلك فمن ضروريات هذا العلم أن يعرف الإنسان ترجمة كل راوي من الرواة خشية أن يكون له حالتان كهذا الإنسان، ففي حالة هو ثقة صحيح الحديث وفي أخرى هو ضعيف، هو صحيح الحديث.
السائل : ... .
الشيخ : اصبر، إسماعيل بن عيّاش حينما كان مُقيما في بلده كان له بطبيعة الحال من الوقت والعناية بضبط الحديث وحفظه و إتقانه بحيث ظهر ذلك على أحاديثه الشاميّة، فعلماء الحديث الذين إستقروا أحاديث الرواة لم يجدوا في أحاديث إسماعيل بن عيّاش التي يرويها عن شيوخه الشاميّين حديثا منكرا، وعلى العكس من ذلك حينما درسوا أحاديثه الأخرى التي يرويها عن غير شيوخه الشاميّين من الحجازيّين والمصريّين و ... كما ذكرنا، وجدوا فيها خللا كثيرا، فهو هناك مثلا يرفع الموقوف ويوصِل المقطوع ونحو ذلك من الأخطاء الكثيرة التي تبيّنت لأئمة الجرح والتعديل.
فانتهوْا أخيرا إلى وصف إسماعيل بن عيّاش جاز بموجز من الكلام كما يقول البخاري و ... بن معين وغيره، إسماعيل بن عيّاش صحيح الحديث عن الشاميّين، لمثل هذا أمثلة كثيرة له حالتين تارة صحيح الحديث وتارة ضعيف الحديث مثلا عطاء بن السائب، لكن هذا له علّة أخرى غير هذه العلّة، علّة إسماعيل أنه ما أدخل أحاديث شيوخه غير الشاميّين بعكس أحاديث غير الشاميّين، أما عطاء بن السائب فهو له علّة أخرى، طرأ عليه الاختلاف وهو نوع من ضعف العقل وضعف الحافظة يصل تارة إلى مرتبة الخرف إذا ما اشتدّ هذا التغيّر وعلم الحديث لما كان له علاقة في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فكان من لطف الله عز وجل بعباده المؤمنين، توفية منه لعهده السابق (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) وفّق علماء الحديث إلى دراسة دقيقة جدا لرواة الأحاديث لا مثيل لها في التاريخ، في العالم كله منذ خلق الله أدم إلى هذه الساعة مزية ومنقبة خصّ الله عز وجل بها أمة محمد صلى الله عليه وأله وسلم.
من هذه الدقة المثال السابق لإسماعيل بن عيّاش ومنها المثال اللاحق لعطاء بن السائب، هذا اختلط في أخر حياته فزاد في الحديث ونقص ورفع ووقف ووإلى أخره، فقال علماء الحديث عطاء بن السائب ضعيف الحديث إلا إذا رووْا عنه سفيان الثوري وسعد بن حجاج وحماد بن زيد وأمثال هؤلاء الأئمة الحفّاظ القدامى الذين أدركوا وأخذوا الحديث عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه فوصل بهم الدقة في تراجم الرواة فهذا الشيخ المترجِم ... الاخرين عنه، من روى عنه في حالة الاختلاط ومن روى عنه قبل الاختلاط، فإذا قيل في حديث ما وفيه عطاء بن السائب وسكت المؤلف أو القائل فليس في ذلك يعني علم يُقدّمه للناس وإنما كان ينبغي أن يقول وفي عطاء بن السائب وقد روى عنه فلان وحدّث عنه بعد الاختلاط فيكون الحديث ضعيفا أو وفيه فلان وقد حدّث عنه قبل الاختلاط فيصبح بذلك الحديث صحيحا، كذلك أمثلة كثيرة وكثيرة جدا أحببت أن أذكِّر بشيء منها أولا لنعرف رواية هذا الحديث كيف ثبتت أن إسماعيل بن عيّاش رواه عن شيخ من الشاميّين ولتعرفوا ثانيا وتفخروا بما أنعم الله عليكم من علم لا وجود له في كل بلاد الدنيا، وأكتفي بهذا القدر والحمد لله رب العالمين.
حديث : ( اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا.... ) ما هي درجته مع اختلاف أهل العلم في حكمه ؟
العيد عباسي : ... يقول بالنسبة لحديث ( اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ) يسأل السائل عن إشكال وجده حيث قال إن بن تيمية رحمه الله صحّح إسناده وأن أستاذنا حفظه الله قد ضعّف إسناد شيخ الإسلام وصحّحه أستاذنا أبو عبد الرحمن فالجواب أن الحكم الذي أو هذا الحديث هو مثال صحيح عن ناحية كان بيّنها أستاذنا في درس مضى وهي اختلاف المحدّثين في الحكم على حديث ما، فيصحّحه بعضهم ويضعّفه بعضهم وذكر حين ذاك أنه هذا يشبه خلاف الفقهاء أيضا، فهناك أسباب كثيرة منها أن بعضهم وصله وبلغه من العلم ما لم يصل غيره ومنها أن يكون بعضهم فهم في أمور الفقه من نصّ ما ما لم يفهمه غيره.
فبالنسبة لهذا الحديث هو مثال على اختلافهم في الحكم على الأحاديث بسبب بلوغ بعضهم طرق الحديث من طرق لم تبلغ غيره، فهذا الحديث إسناده المعروف عند بن ماجه وغيره ضعيف لكن أستاذنا اكتشف إسنادا له حسنا لذاته في مسند عبد بن حُميد أو في منتخبات من مسند عبد بن حُميد للحديث إسناده بذاته ولوحده حسن، وهو ما في مانع بيانه للأخذ بالعلم إسناده فيه كما ذكر الأستاذ في السلسلة الصحيحة، حدّثنا ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن همّام عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ورجال الإسناد هذا كلّهم ثقات وفي أبي عيسى الأسواري بعض كلام لكن وثّقه الطبراني وابن حبان وأخرج له ثلاثة من الحفّاظ رووْا عنه فكان حالته أنه ثقة، فإذا أخِذت الطرق الأخرى فهو الحديث صحيحا، فمن لم يطلع على هذه الطريق العزيزة ولعل شيخ الإسلام لم يطّلع عليها.
كان من شأنه أن يضعّفه وهذا معذور وهذا معذور وكل إنسان يحكم طبعا بما وصله من العلم لكن المسلم يجب أن يجمع ما وصل إلى يعني ما زاد المحدّث في العلم عن غيره وما بلغ المتأخّر مما لم يبلغ المتقدّم من هذا العلم.
أو من النصوص الشرعية في هذه المستوى، سؤال أخر وهذا الظاهر قليل ... .
الشيخ : ... إلى ما ذكره الأستاذ أبو عمار من المعنى الصحيح لكلمة المساكين في هذا الحديث الصحيح، أعيد الذكر وأقول أن من الأسماء الدقيقة لاختلاف بعض العلماء في التصحيح والتضعيف سبب ليس من الناحية الحديثيّة سببا راجحا في التضعيف ه إعلال الأحاديث به، فمثلا هذا الحديث ( اللهم أحيني مسكينا ) قد يبتادر إلى ذهن بعض الحفّاظ أن المقصود به المعنى الذي نفاه الأستاذ أبو عمار بحق، عموما يقوم في ذهني معارضا قوي جدا لهذا الحديث بمفهومه الخاص وأقول غير مبالغ ... هذا الحديث يخالف القرأن وهذا مخالفته للقرأن قال تعالى (( ووجدك عائلا فأغنى )) وإذا فهم أن الرسول عليه السلام يطلب من الله أن يجعله فقيرا معدما والله عز وجل امتن عليه بقوله (( ووجدك عائلا فأغنى )) وفعلا الرسول صلى الله عليه وسلم كان أغنى الناس فيما أنعم الله عليه من رسالة الدعوة الإسلامية، وتعلمون من كتب السيرة والسنّة الصحيحة أنه كان يقول للرجل بدوي يأتي ويسأله ( إذهب إلى الوادي وسق هذه الغنم أو هذه الإبل ) إلى أخره فيُسلم فورا ويذهب إلى قبيلته ويُذكّرهم بهذا النبي الكريم الذي لا يعرف المنع وإنما هو أككرم الناس، سألته فأعطاني كذا وكذا ... هذا، نعم؟
العيد عباسي : ... .
الشيخ : إيه نعم، فهذا في الواقع يدل على أن الرسول عليه السلام كان غنيّا ولكن الأمر كما قال عليه السلام في الحديث الأخر ( ليس الغنى غنى العرض ولكن الغنى غنى النفس ) فالرسول صلى الله عليه وأله وسلم من كماله وجماله أنه كما جمع في شخصه جمال الجسم وكمال العقل فكذلك جمع عليه الصلاة والسلام في نفسه غنى القلب وغنى المادة، لكن غناهم الماديّ ليس يسيطر عليه كما هو سائد في أكثر الأغنياء فلم يتبادر إلى ذهن بعض المحدّثين أن المسكين هنا أو المساكين يعني الفقير، الرسول يطلب ألا يجعله الله غنيّا كما قال (( وجدك عائلا فأغنى )) أي هذا معنى غير سليم في الواقع أن يصدر من الرسول عليه السلام، فهنا لا يجد المحدث في سند الحديث شيء ممكن يتعلق به بتضعيفه يزيد هذا التضعيف تضعيفا الأخذ بالحديث من حيث متنه ومعناه لكن يكون ... في هذا النقل الثاني لأن للحديث معنى غير المعنى الذي تصوّره ثم ضربه بالأية السابقة فلو أن المعنى كان محدودا جدا كما ذهب إليه هو وليس له معنى أخر كما سمعتم من السيد أبو عمار لكان لا يسعنا إلا التسليم بأخذه لهذا الحديث لكن المعنى ليس كذلك كما سمعتم ... فائدة تتذكّرون إن شاء الله حينما تمرّ بكم بعض المناقشات الحديثيّة، نعم.
فبالنسبة لهذا الحديث هو مثال على اختلافهم في الحكم على الأحاديث بسبب بلوغ بعضهم طرق الحديث من طرق لم تبلغ غيره، فهذا الحديث إسناده المعروف عند بن ماجه وغيره ضعيف لكن أستاذنا اكتشف إسنادا له حسنا لذاته في مسند عبد بن حُميد أو في منتخبات من مسند عبد بن حُميد للحديث إسناده بذاته ولوحده حسن، وهو ما في مانع بيانه للأخذ بالعلم إسناده فيه كما ذكر الأستاذ في السلسلة الصحيحة، حدّثنا ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن همّام عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ورجال الإسناد هذا كلّهم ثقات وفي أبي عيسى الأسواري بعض كلام لكن وثّقه الطبراني وابن حبان وأخرج له ثلاثة من الحفّاظ رووْا عنه فكان حالته أنه ثقة، فإذا أخِذت الطرق الأخرى فهو الحديث صحيحا، فمن لم يطلع على هذه الطريق العزيزة ولعل شيخ الإسلام لم يطّلع عليها.
كان من شأنه أن يضعّفه وهذا معذور وهذا معذور وكل إنسان يحكم طبعا بما وصله من العلم لكن المسلم يجب أن يجمع ما وصل إلى يعني ما زاد المحدّث في العلم عن غيره وما بلغ المتأخّر مما لم يبلغ المتقدّم من هذا العلم.
أو من النصوص الشرعية في هذه المستوى، سؤال أخر وهذا الظاهر قليل ... .
الشيخ : ... إلى ما ذكره الأستاذ أبو عمار من المعنى الصحيح لكلمة المساكين في هذا الحديث الصحيح، أعيد الذكر وأقول أن من الأسماء الدقيقة لاختلاف بعض العلماء في التصحيح والتضعيف سبب ليس من الناحية الحديثيّة سببا راجحا في التضعيف ه إعلال الأحاديث به، فمثلا هذا الحديث ( اللهم أحيني مسكينا ) قد يبتادر إلى ذهن بعض الحفّاظ أن المقصود به المعنى الذي نفاه الأستاذ أبو عمار بحق، عموما يقوم في ذهني معارضا قوي جدا لهذا الحديث بمفهومه الخاص وأقول غير مبالغ ... هذا الحديث يخالف القرأن وهذا مخالفته للقرأن قال تعالى (( ووجدك عائلا فأغنى )) وإذا فهم أن الرسول عليه السلام يطلب من الله أن يجعله فقيرا معدما والله عز وجل امتن عليه بقوله (( ووجدك عائلا فأغنى )) وفعلا الرسول صلى الله عليه وسلم كان أغنى الناس فيما أنعم الله عليه من رسالة الدعوة الإسلامية، وتعلمون من كتب السيرة والسنّة الصحيحة أنه كان يقول للرجل بدوي يأتي ويسأله ( إذهب إلى الوادي وسق هذه الغنم أو هذه الإبل ) إلى أخره فيُسلم فورا ويذهب إلى قبيلته ويُذكّرهم بهذا النبي الكريم الذي لا يعرف المنع وإنما هو أككرم الناس، سألته فأعطاني كذا وكذا ... هذا، نعم؟
العيد عباسي : ... .
الشيخ : إيه نعم، فهذا في الواقع يدل على أن الرسول عليه السلام كان غنيّا ولكن الأمر كما قال عليه السلام في الحديث الأخر ( ليس الغنى غنى العرض ولكن الغنى غنى النفس ) فالرسول صلى الله عليه وأله وسلم من كماله وجماله أنه كما جمع في شخصه جمال الجسم وكمال العقل فكذلك جمع عليه الصلاة والسلام في نفسه غنى القلب وغنى المادة، لكن غناهم الماديّ ليس يسيطر عليه كما هو سائد في أكثر الأغنياء فلم يتبادر إلى ذهن بعض المحدّثين أن المسكين هنا أو المساكين يعني الفقير، الرسول يطلب ألا يجعله الله غنيّا كما قال (( وجدك عائلا فأغنى )) أي هذا معنى غير سليم في الواقع أن يصدر من الرسول عليه السلام، فهنا لا يجد المحدث في سند الحديث شيء ممكن يتعلق به بتضعيفه يزيد هذا التضعيف تضعيفا الأخذ بالحديث من حيث متنه ومعناه لكن يكون ... في هذا النقل الثاني لأن للحديث معنى غير المعنى الذي تصوّره ثم ضربه بالأية السابقة فلو أن المعنى كان محدودا جدا كما ذهب إليه هو وليس له معنى أخر كما سمعتم من السيد أبو عمار لكان لا يسعنا إلا التسليم بأخذه لهذا الحديث لكن المعنى ليس كذلك كما سمعتم ... فائدة تتذكّرون إن شاء الله حينما تمرّ بكم بعض المناقشات الحديثيّة، نعم.
5 - حديث : ( اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا.... ) ما هي درجته مع اختلاف أهل العلم في حكمه ؟ أستمع حفظ
هل يجوز مساعدة أهل الكتاب على الفطر في رمضان مثل تحضير طعامه ؟
العيد عباسي : يقول هل يجوز مساعدة أهل الكتاب على الفطر في رمضان ونساعدهم على تصنيف طعامهم؟ الجواب أنه يجوز هذا بسبب أن لا يكون في عمل المسلم في تقديم المساعدة لهؤلاء الكتابيّين أو الكفار شيء يَظهر من العملية أن فيه انتقاصا لدين هذا المسلم الذي يساعدهم أو تحيّة منه إذا كان هذا الكافر من هؤلاء الشاقرين المستهترين وبالإضافة إلى ذلك بحيث أن لا يكون فيه فتنة بحيث يتشهى الطعام فيشتاق إليه ويتضايق في صومه.
ما حكم القطرة في نهار رمضان ؟
السائل : هنا سؤال أخر ما حكم القطرة في نهار رمضان؟ في أكثر من موضع ذكر أستاذنا وفي كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا ... الصيام أن هذه القطرة لا تُفَطِّر وإنما المفطّرات أشياء معروفة ومحدّدة بالنصّ الطعام والشراب المتعمّدان والجماع والقيء عمدا، وأن غيرها فلا يفطر.
ما حكم شخص يعيش تحت نفقة أخيه الذي يشرب خمر ( البيرة ) بزعمه أنها دواء وليست مسكرة ؟
السائل : هنا سؤال طريق من أحد الإخوة، الظاهر أنه طالب جامعي يقول أنا طالب نظامي جامعي أسكن عند أخي لي في غرفة مستقلة، هذا الأخ هو المسؤول عني يمدّني بكل ما أحتاج إليه لأن والدي مسنّ، لي إخوة غيره ولكنهم أقل اهتماما وعناية في ... هذا الأخ لا يصلي ويشرب الخمر سرا وعلانية فعندما أبيّن له وأوضّح حول الخمر وحرمتها ومباطله يقول أنا لا أشرب عرقا وإنما أشرب بيرة وهي غير مُسكرة وهل رأيتني مرة سكران وأهذي وإن هذه بيرة هي دواء وليس داء وهي غذاء للجسم بدليل أنها من صنع شركة الشرق للأغذية (ضحك الحضور) إلى ما هنالك من التبريرات.
يسأل الأخ ما حكمي في هذا الموقف وما الحل؟ يقول ملاحظة قوله بأنها دواء للجسم يُستدل به بأنه راح يزداد سمنة وصحّة، علما بأنه لا ينقطع عن الدواء، واقع الكلام هو أن يستطيع أشياء تدعو للعبرة، أولا الأخ السائل نفسه يروي بأن أخاه هذا لا ينقطع عن الدواء، فكيف يحتاج إلى أن يجادله ويعني يستشير وهو يرى حاله التي تدعو إلى الإشفاق وإلى الرثاء، فهذا الاستمرار في الدواء دليل واضح على أنه من تأثير الوارد، من تأثير الخمر وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حينما قال ( إنها داء وليست بدواء ) أو كما قال عليه السلام.
أما الشبهة التي تذرّع بها أخوه هذا بأن هذه أو عدّة شبه بأن هذه ليست مُسكرة هذه البيرة فالجواب بأننا، بأن الحديث الشريف بيّن الحكم والقاعدة العامة بتحريم الشراب وهي أنه إذا وُجِدت فيه صفة الإسكار فيكون حراما حيث قال عليه الصلاة والسلام ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) فإذا بحث الإنسان بتجرّد وإنصاف هذا الشراب سواء البيرة مثلا، فنظر إلى إنسان، شرب منه إنسان عادي طبعا بأنه الإنسان العادي هو الذي يصدق فيه الحكم، أما إنسان شاذ قد لا ... بسرعة أو معتاد على الإدمان والشرابات الثقيلة، فأيّ إنسان عادي إذا شرب كمّية كبيرة من هذا الشراب فإن المعروف وال، السائل يقول المقطوع به به أنه يسكر من هذا الشراب لأن الحكم الذي يأخذه هذا الشراب هو أن يشرب منها الإنسان كمّية كبيرة، لا يصحّ أن يحتجّ علينا فيقول أشرب كأسا ثم لا أسكر فإذًا هو حلال لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) وفي رواية أخرى ( ما أسكر الفرق منه فملء الكف حرام ) .
فإذًا لابد من شرب كمّية كبيرة بحيث يحتملها الإنسان في العادة فهذا لو ألصق هذا الشارب نفسه وسُئِل هذا السؤال إذا كان مخلصا لاعترف بأنه يسكر بهذه الكمية وكما قلت بالنسبة للإنسان العادي، الحكم سيكون حراما شرب القطرة ... منه مادام كثير هذا الشراب حرام.
وأظن هذا الذي يقول هذا الكلام هو من المكابرين والمعاندين حيث يتلمّس بهواه هذه الترانيم، وهناك قوله الشبهة الأخرى أنه يقول إن هذه البيرة من صُنع شركة الشرق للأغذية هذا يعني أتفه الاستدلالات حيث أن هذه الشركة ما هي ثقة رجالها؟ وثقة إدارتها؟ وثقة الرجال فيها حيث يأخذ منهم الحكم أو ليس يأخذ منهم الحكم يعني لم يقولوا هم في بيانها بأنها ليست مسكرة وإنها مفيدة وإنما فقط هم الذين أنتجوها فليس لو كانوا ثقات لما كُذِبَ قولهم هذا لأنهم لم يُصرّحوا، ليس في كلامهم تصريح بأنها مغذّية وبأنها مفيدة فكيف وهم لا يُعرفون بدين ولا خلق ولا ثقة ولا أمانة وكيف هذا وقولهم هذا أو مفهوم قولهم الذي استدل به يعارض خبر المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي هو من عند الله عز وجل ونحن قد اعتدنا وقد عرفنا أن من منهج السلف الصالح أنه لا يجوز لأحد أن يقول قولا أمام قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ..
الشيخ : ... .
العيد عباسي : أي نعم، أن يعامل كلام نبينا صلى الله عليه وسلم كما يعامل أحدنا كلام الأخر ويضرب له الأمثلة والشبه، هذا كلام مردود ولا يؤبى له أما الناحية الأخيرة من سؤاله وهي التي يجدر بيانها ولها شيء من الوجاهة يقول ما حكمي أنا في هذا الموقف يعني أنا وضعي أنه يعينني وأسكن عنده فالجواب الذي يبدو لي والله أعلم أنه إذا استطاع أن يستغني لنفسه فيعمل ولو عملا بسيطا يستغنيَ عن مثل إعالة مثل هذا الأخ ولو كان سخاخا وقد سمعنا أخبار الصحابة رضوان الله عليهم أهل الصفة الذين ما ... إلى هذه العيشة الشظفة القاسية إلا فرارهم بدينهم من الفتن، تركوا مكة وكان لهم أموال وكان لهم أهل وكان لهم أثاث، تركوا كل ذلك في سبيل الله.
إذا استطاع هذا الأخ أن يستغني وهو شاب والشاب من طبيعته أنه يستطيع أن يعمل وهناك نماذج كثيرة نعرفها، الإنسان يعتمد على نفسه فيعمل بعض ساعات لشراء أيّ عمل والله عز وجل يوفّقه إذا أخلص لله عز وجل وسعى للتخلّص مما فيه حرام أو شبهة فإنه جدير بأن يُوفّق بإذنه تعالى، كما قال سبحانه وتعالى (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) فإذا لم يستطع وكان مضطرا نقول له تُنكر ما استطعت كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وبعد ذلك لا وزر عليه إن شاء الله والله تعالى أعلم.
...
يسأل الأخ ما حكمي في هذا الموقف وما الحل؟ يقول ملاحظة قوله بأنها دواء للجسم يُستدل به بأنه راح يزداد سمنة وصحّة، علما بأنه لا ينقطع عن الدواء، واقع الكلام هو أن يستطيع أشياء تدعو للعبرة، أولا الأخ السائل نفسه يروي بأن أخاه هذا لا ينقطع عن الدواء، فكيف يحتاج إلى أن يجادله ويعني يستشير وهو يرى حاله التي تدعو إلى الإشفاق وإلى الرثاء، فهذا الاستمرار في الدواء دليل واضح على أنه من تأثير الوارد، من تأثير الخمر وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حينما قال ( إنها داء وليست بدواء ) أو كما قال عليه السلام.
أما الشبهة التي تذرّع بها أخوه هذا بأن هذه أو عدّة شبه بأن هذه ليست مُسكرة هذه البيرة فالجواب بأننا، بأن الحديث الشريف بيّن الحكم والقاعدة العامة بتحريم الشراب وهي أنه إذا وُجِدت فيه صفة الإسكار فيكون حراما حيث قال عليه الصلاة والسلام ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) فإذا بحث الإنسان بتجرّد وإنصاف هذا الشراب سواء البيرة مثلا، فنظر إلى إنسان، شرب منه إنسان عادي طبعا بأنه الإنسان العادي هو الذي يصدق فيه الحكم، أما إنسان شاذ قد لا ... بسرعة أو معتاد على الإدمان والشرابات الثقيلة، فأيّ إنسان عادي إذا شرب كمّية كبيرة من هذا الشراب فإن المعروف وال، السائل يقول المقطوع به به أنه يسكر من هذا الشراب لأن الحكم الذي يأخذه هذا الشراب هو أن يشرب منها الإنسان كمّية كبيرة، لا يصحّ أن يحتجّ علينا فيقول أشرب كأسا ثم لا أسكر فإذًا هو حلال لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) وفي رواية أخرى ( ما أسكر الفرق منه فملء الكف حرام ) .
فإذًا لابد من شرب كمّية كبيرة بحيث يحتملها الإنسان في العادة فهذا لو ألصق هذا الشارب نفسه وسُئِل هذا السؤال إذا كان مخلصا لاعترف بأنه يسكر بهذه الكمية وكما قلت بالنسبة للإنسان العادي، الحكم سيكون حراما شرب القطرة ... منه مادام كثير هذا الشراب حرام.
وأظن هذا الذي يقول هذا الكلام هو من المكابرين والمعاندين حيث يتلمّس بهواه هذه الترانيم، وهناك قوله الشبهة الأخرى أنه يقول إن هذه البيرة من صُنع شركة الشرق للأغذية هذا يعني أتفه الاستدلالات حيث أن هذه الشركة ما هي ثقة رجالها؟ وثقة إدارتها؟ وثقة الرجال فيها حيث يأخذ منهم الحكم أو ليس يأخذ منهم الحكم يعني لم يقولوا هم في بيانها بأنها ليست مسكرة وإنها مفيدة وإنما فقط هم الذين أنتجوها فليس لو كانوا ثقات لما كُذِبَ قولهم هذا لأنهم لم يُصرّحوا، ليس في كلامهم تصريح بأنها مغذّية وبأنها مفيدة فكيف وهم لا يُعرفون بدين ولا خلق ولا ثقة ولا أمانة وكيف هذا وقولهم هذا أو مفهوم قولهم الذي استدل به يعارض خبر المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي هو من عند الله عز وجل ونحن قد اعتدنا وقد عرفنا أن من منهج السلف الصالح أنه لا يجوز لأحد أن يقول قولا أمام قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ..
الشيخ : ... .
العيد عباسي : أي نعم، أن يعامل كلام نبينا صلى الله عليه وسلم كما يعامل أحدنا كلام الأخر ويضرب له الأمثلة والشبه، هذا كلام مردود ولا يؤبى له أما الناحية الأخيرة من سؤاله وهي التي يجدر بيانها ولها شيء من الوجاهة يقول ما حكمي أنا في هذا الموقف يعني أنا وضعي أنه يعينني وأسكن عنده فالجواب الذي يبدو لي والله أعلم أنه إذا استطاع أن يستغني لنفسه فيعمل ولو عملا بسيطا يستغنيَ عن مثل إعالة مثل هذا الأخ ولو كان سخاخا وقد سمعنا أخبار الصحابة رضوان الله عليهم أهل الصفة الذين ما ... إلى هذه العيشة الشظفة القاسية إلا فرارهم بدينهم من الفتن، تركوا مكة وكان لهم أموال وكان لهم أهل وكان لهم أثاث، تركوا كل ذلك في سبيل الله.
إذا استطاع هذا الأخ أن يستغني وهو شاب والشاب من طبيعته أنه يستطيع أن يعمل وهناك نماذج كثيرة نعرفها، الإنسان يعتمد على نفسه فيعمل بعض ساعات لشراء أيّ عمل والله عز وجل يوفّقه إذا أخلص لله عز وجل وسعى للتخلّص مما فيه حرام أو شبهة فإنه جدير بأن يُوفّق بإذنه تعالى، كما قال سبحانه وتعالى (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) فإذا لم يستطع وكان مضطرا نقول له تُنكر ما استطعت كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وبعد ذلك لا وزر عليه إن شاء الله والله تعالى أعلم.
...
التعليق على كلمة وبيان أهمية التمسك بمنهج السلف في فهم الكتاب والسنة وأنه من خصائص الدعوة السلفية .
الشيخ : الذين كان عَرَف من التمسّك بالدعوة السلفية لكنهم من جانب أخر لهم انتساب إلى بعض الأحزاب الإسلامية، رأيت أن أسمعكم رأي هذا الإنسان في جانب من جوانب الدعوة السلفية لأن الأمر كما قيل وبضدّها تتميّز الأشياء، لا سيما إذا اقترن مع ذلك التعليق والتوجيه الصحيح لا سيما وقد جاء في كلامه أمر فيه نقد لأفراد من الدعاة السلفيّين، فالحق والحق أقول إن هذا النقد في محلّه ولذلك فيجب أن نأخذ نحن جميعا في هذا النقد عبرة فمن كان يشعر بأن فيه شيئا من ذلك النقد فعليه أن يتدارك نفسه وأن يتأدّب بأدب ذلك الناقد لأنه في الواقع ما قال إلا حقا، وإن كان هو من جانب أخر قد أخطأ الصواب والسبيل الحق.
ولذلك فرأيت أن أجعل كلمتي اليوم ولو أنها قصيرة على ما يناسب هذا الصوت الخافت رأيت أن أجعل كلمتي في هذه الليلة تعليقا على هذه الكلمة لنزدادَ يقينا مما نحن عليه من الصواب ولنبتعد عما قد يكون أحدنا واقعا فيه من الخطأ.
يقول المشار إليه ولست أريد تسميته لأن هذا خطاب خاص لربما يوما ما يضطر أو أضطر أن يُشهر فحينئذ ننشر الأمر علنا، يقول وقد تحدّث بالمناسبة عن المذهبيّة اللامغرية، الذي أفهمه في هذا الجانب أنه على طلبة العلم بل على المحقّقين أن يكون مرجعهم في كل أمر كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وأله وسلم دون أن يقطعوا صلتهم باجتهادات الأئمة في فهم الأدلة من الوحيين وبذلك يكونون كدارس العلوم الطبيعية والرياضيّة ينتفعون بمجهودات من سبقهم في ذلك الطريق بعد التيقّن من صحّة منجزاتهم.
ولو أنهم أغفلوا جهود سابقيهم فلم يُفيدوا منها وبدؤوا من جديد لوقفت مسيرة الحضارة عند حدودها البدائية، هذا كلام صحيح وسليم وأنا قد قلت أكثر من مرة أنه مثل من يريد وهذا موجود في بعض الغلاة وفي كل دعوة وفي كل طائفة وفي كل جماعة غلاة، المتبصّر في دينهم والمعتمد على كتاب ربه وسنّة نبيهم أن يعتمد فقط على القرأن في رأي بين يديه وعلى كتب الحديث يبسطها يحفظها يقرأها دون أن يستعين على فهم الكتاب بكتب التفاسير لا القديمة ولا الحديثة ودون أن يستعين على فهم تلك الأحاديث بل وعلى معرفة صحيحها من سقيمها بجهود علماء الحديث المتظافرة منذ نحو عشرة قرون من الزمان، إن أراد إنسان ما أن يسلك هذا السبيل أن يستقلّ في فهم الكتاب والسنّة فقط اعتماده على الكتاب والسنّة دون الاستعانة بجهود الأئمة السابقين لضل ضلالا بعيدا ورجع فعلا بدون جديد.
ولا أريد أن أذهب بكم بعيدا فأنا سأضرب لكم مثلا قريبا مثلا نحسّ به في بلدتنا هذه فهناك أناس كانوا ينتمون إلى فريق من الفرق الصوفيّة ثم انشق أهل الفريق إلى فرقتين، فإحدى هاتين الفرقتين كان شيخها لا يعرف شيئا من علوم الشريعة لا كتاب ولا سنّة لا أصول فقه ولا أصول حديث ولا أصول لغة ولا شيء من ذلك، فكان يُفسِّر القرأن تفسيرا كيفيّا لا ضابط له، هذا تفسيره على النمط المعروف من تفاسير الباطنية والقرامطة القديمة والحديثة وعلى نمط غلاة الصوفيّة الذين أيضا يتأوّلون الأيات القرأنيّة دون مراعاة القواعد اللغويّة أو الشرعية، ف ... نسمع منذ سنين طويلة من بعض المشايخ الذين مضوْا وماتوا أنه كان يقول لأصحابه أتدرون لمّا قال الله عز وجل لموسى (( وما تلك بيمينك يا موسى )) يقولون للشيخ لا ندري ولما قال له ألقها ليست هي العصا وإنما هي الدنيا، ألقها يعني الدنيا، هكذا يُفسِّر الأية تفسير كيفي وهكذا نجد في بطون الكتب سواءً ما أشرنا إليه من غلاة الباطنيّة أمثالهم تأويلات لا ضابط لها ولا قواعد لها.
فاليوم توجد مثل هذه الكارثة هنا يُفسِّرون القرأن يأتون بأشياء جديدة مطلقا لا صلة لها بالإسلام، بعضها إنكار للحقائق الشرعيّة كالشفاعة الثابتة في الكتاب والسنّة ويجعلون الشفاعة معناها تعاون اثنين مع بعضهم البعض هنا في الخير أو الشر، أما أن يكون هناك شفاعة في الأخرة وهي ثابتة في نصوص الكتاب والسنّة، فهذا أيضا ينكرونه.
فأقول هذا مثال جديد أما الأمثلة القديمة أن أكثرها وتجمعها إما الصوفيّة الغالية أو القرامطة والباطنيّة التي تفرّقت إلى أحزاب شتى لذلك لابد من استعانة بجهود الأئمة السابقين كل في تخصّصه في التفسير في الحديث في الفقه في النحو في إلى أخره، فكنت أقول مثلا نريد الاكتفاء فقط بالرجوع إلى الكتاب والسنّة دون الاستفادة من جهود الأئمة كمثل إنسان اليوم يريد أن يخترع أكبر طائرة وأدقّ طائرة خرجت حتى اليوم بعد الجهود المتتابعة من مئات بل ألوف المتخصّصين في مختلف العلوم يريد إنسان الأن بعقله أنه يوجد طائرة لا أقول مثل بل أكبر وأضخم وأدقّ ... ، تُرى ماذا سيكون مصيره هذا الإنسان؟ سيكون مصيره مصير الإنسان الأول العربي الأندلسي الذي فكّر بابتكار الطائرة قبل وجودها، كان مصيره مصيرا طبيعيّا وهو أنه وقع على أم رأسه لكن هذا لا يُلام لأنه كان هو الرائد الأول الذي أراد شق الطريق إلى إيجاد هذا الاختراع العظيم.
فمثل من يريد الأن أن يجتهد في الكتاب والسنّة دون أن يستعين بالأئمة في كل، كلّ في اختصاصه كما قلنا مثل الذي يريد أن يبتكر طائرة الأن بل يريد أن يبتكر ألة لصنع الإبرة، ما قيمة الإبرة ها اللي بيخيّطوا فيها النساء؟ هو لا يستطيع أن يوجدها إلا يمكن بعد جهود طويلة ويمكن يجي ابنه ويرث منه شيء من الألة ولمّا تنتهي بعد وهي أله لإيجاد إبرة، لذلك أليس فقط من الحماقة بل من الكفر بنعم الله عز وجل على الأمة الإسلامية الذي سخّر لها أولئك الأئمة كلهم في اختصاصه، فضلا عن الحماقة بسبب عدم الاستعانة بجهود السابقين في هذا المجال الأعظم ألا وهو مجال فهم الكتاب والسنّة.
لذلك الذي قاله ذلك الكاتب هنا هذا الكلام حق ويجب أن يرسخ في أذهان كل فرد من السلفيّين سواء كانوا من الدعاة إلى الدعوة السلفيّة الحق أو من الأتباع أن معرفة الكتاب والسنّة لا يمكن على الوجه الصحيح إلا بالرجوع إلى اختصاص في كل فن وفي كل علم.
هذا التأهيل من أجل الأسطر التي سمعتموها من الأخ الكاتب، قال في تمام كلامه السابق "وفي يقين أنكم غير بعيد من هذا المسلك فأنتم في كل ما تدعون إليه لا تُغفلون مُعطيات المذاهب بل تناقشون أدلتها في ضوء الأصلين المعصومين يعني الكتاب والسنّة وذلك هو طريق أولي الألباب الذين يفهمون المذاهب على أنها وسائل للوصول إلى الحق لا كما يفهمها بعض المتحجّرين على أنها الدين الذي هو الحق" هذا أيضا كلام جميل وحق وهذا هو الفرق بيننا وبين المذهيّين.
نحن نقول المذاهب أئمّة المذاهب علماء المذاهب هم وسائل وليسوا غايات، هم وسائل ليبلّغوا الشرع النابع من الكتاب والسنّة إلى الذين لا يعلمون، فإذا تبيّن لهؤلاء الذين لا يعلمون ولو في مسألة واحدة أن عالما من هؤلاء الذين اعتبرناهم وسائل ووسائط لنقل حكم الكتاب والسنّة إلينا، إذا تبيّن لنا أنه وهِم في أمر ما، فهنا إذا ما تمسّك هذا المتمذهب برأي هذا العالم بعد أن ثبت خطأه فقد قلب الوسيلة وجعلها غاية أي جعل هذا العالم كأنه هو المقصود بالاتباع بينما الحقيقة هو وسيلة ليدلّنا على من هو المقصود بالاتباع وليس هو من البشر إلا رسول الله (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) .
فإذا أصر بعض المسلمين الجامدين على التمذهب على هذا القلب للوسيلة وجعلها غاية هذا هو الضلال المبين وهذا الجنس من المؤمنين في كل ملّة في كل دين هو الذي أشار إليه رب العالمين حين قال في كتابه الكريم في حق النصارى لفظا وفي حق كل من تشبّه بهم معْنًا (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) فلا فرق من هذه الحيثيّة، من حيث قلب الحقيقة وجعل الوسيلة غاية بين نصرانيّ سابقا كان يجعل كلمة القسّيس كأنها وحي سماء وهو يعلم أقول وهو يعلم أي هذا النصراني الذي يجعل كلمة القسّيس كأنها وحي السماء، هو يعلم أن كلمته مخالفة للكتاب المقدّس عنده، مع ذلك يضلّ متمسّكا بكلام قسّيسه مُعرضا به كلام ربه، كذلك المسلم لا يغنيه قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله وهو يضلّ يتمسّك بكلمة مُقَلَّدِه يعني عالمه الذي نقل إليه فتوى خاطئة تَبيّن لهذا المُقلِّد أنها خطأ فيصرّ على تقليد ذلك العالم ويعرض عن اتباع الكتاب والسنّة وهو يعلم فأكرّر وهو يعلم حتى لا يجد المغرضون في كلامنا مأخذا يتعلّقون به ليقولوا وقد قالوا بأنهم يكفّرون المقلّدين.
ونحن نقول أسفين اليوم نقولها في محاضراتنا العامة ومجالسنا الخاصة لا سبيل اليوم مع الأسف الشديد إلى العلم الصحيح إلا من طريق التقليد وبعد ذلك ربنا عز وجل يفتح على بصيرة من يعلم منه الجهاد والاجتهاد في سبيل معرفة الحق وأتباعه، كما قال تعالى (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) أما مبدأ الطريق اليوم ما في غير طريق التقليد، كليات الشريعة اليوم التي يُفترض فيها أن تكون قد سمَت وعلت وارتفعت عن هذا الحضيض الذي هو طريق التقليد إلى مرتبة الاتباع على الأقل ولا نقول إلى مرتبة الاجتهاد، هذه الكليّات لا تزال تدرس الفقه الإسلامي على طريقة التقليد ونحو.
ودرجة وسطى بين هذا التقليد وبين الاتباع ما يسمّونه اليوم بالفقه المقارن وذلك بأن يَعرض أستاذ المادة أدلة أقوال المختلفة في المسألة الواحدة عرضا تجرّديّا مطلقا يعني كأنه هو رجل لا صلة له بالِإسلام إطلاقا كرجل علماني ليس عنده تحيّز إلى قول من هذه الأقوال أو إلى مذهب من هذه المذاهب، فهو ينقل بكل أمانة بيقول مذهب كذا يقول دليله كذا وكذا ومذهب كذا وأخيرا ينتهي دون أن يقول قولة الحق والصواب كذا وكذا لأن الدليل الأول في نفس القول الأول يردّ عليه كذا وكذا إلى أخره، فيعرض عرضا ويدع طلاب كلية الشريعة والذين سيتخرّجون عمّا قريب ويصبحون دكاترة في ماذا؟ في علم الشريعة، لا يفقهون إلا النقل فقط، هذا هو حال دكاترة أخر الزمان.
لذلك فكان المأمول في هذه الكليّات أن تعلوا وأن ترتفع عن هذا المستوى لكن لعله كما يقال " أول الغيث قطرة ثم ينهمر " كانوا من قبل يدرسون كتابا واحدا في فقه واحد مذهب حنفي انتهى الامر، الأن أصبحوا يدرسون أكثر من مذهب واحد وهذه الدراسة بلا شك تفتح الأذهان وتوسّع الأفاق العلمية في عقول الدارسين، نحن نعرف في بلادنا الألبانية لا يعرفون أن الإسلام إلا هو المذهب الحنفي فقط فلما يأتي أحدهم هنا قلت له تعرف في مسلمين شوافعة، في مسلمين مالكية فهو يعلم حينئذ شيئا كان به جاهلا من قبل بالتالي سيعلم إذًا من أدلتهم يعني كمان ... قال الله قال رسول الله إلى أخره، فلعله هذه الدراسة التي يسمّونها دراسة فقه المقارن لها ما بعده لأنه سنّة الله في خلقه لا يمكن الوصول إلى الهدف إلا بطريقة رتيبة خطوة خطوة هاي سنّة الله.
أقول أخيرا يُشير الكاتب هنا بحق إلى أن قلب الوسيلة إلى غاية وجعل المذهب هو مقصودا بذاته هذا قلب للحقيقة الشرعية فهو يصرّح بالحق أن طلاب العلم وبخاصة المحقّقين منهم لهم طريقهم في الرجوع إلى الكتاب والسنّة، فكلامه إلى هنا لا غُبار عليه بتاتا بل هو ينقل فكرتنا التي دائما نحاضر بها في كل مكان حللناه إلا أن الذي يحتاج إلى شيء من التعليق مع الاعتراف بشيء من الحق في كلامه الأتي هو ما إفتتحه بالاستدراك بقوله " ولكن هل استطعتم أن تركّزوا هذا المفهوم الصحيح في نفوس المنتسبين إلى طريقتكم؟ سواء استطعنا أم ما استطعنا " قال أريد أن أذكّر الأن وسأكتب بطبيعة الحال إلى هذا الأخ الكاتب أن السؤال خطأ لماذا؟ لأنه مادام هو يؤكد أنه طريقتنا حق وصواب وأنه يُصرّح بأننا دائما حين ندعو إلى الكتاب والسنّة لا نُضيّع علينا جهود الأئمة بل نحن نستفيد بها ونعرض أدلتهم ونناقشها، في الوقت نفسه بيقول " هل استطعت؟ "، أنا سأقول بكل صراحة ما استطعتُ أن أصنع شيئا، هب أنه الأمر كذلك، ما استطعت أن أصنع شيئا ولا يوجد حولي إطلاقا شخص استطعت واستطاع هو معي أن تتركّز هذه الطريقة الصحيحة في نفسه وفي منطلقه، في دعوته هب أنه الأمر كذلك، فماذا يعني إذا كانت الطريقة هي نفسها حق باعترافه ثم عجزت أنا عن تركيزها في أذهان الذين أدعوهم دائما وأبدا إليه أفأقول إما أن يعي ما عندي وكما بودّي هذا بطبيعة الحال وإما أن أكون لا أستطيع التفاهم مع الناس كما يقول بعض الخصوم زورا وبغيا وعدوانا أني لا أحسن أن أتكلم باللغة العربية، طيب أنتم الأن تسمعوني أتكلم باللغة الألبانية فممكن أيضا يكون الأمر كذلك أنه أنا لا أستطيع أن أتكلم مع إخواننا العرب بلغتهم عربية لابد أن يكون هناك شيء، وقد يكون في عجز قد يكون في ضعف، هذا لا نستطيع أن ننكره أبدا ولكن يا تُرى أليس يُقابل عجزي هذا هو ضعف في الطرف المقابل الإعراض أو صدّ أو كيد أو أو زاد إلى أخره؟ طبعا هذا لا أحد يستطيع أن ينكره، ونحن هنا نذكّر هذا الكاتب وأمثاله كُثُر وأنا في الواقع رأيت أنه هذا الإنسان لأول مرة يُفصح عما نقوله نحن دائما وأبدا أن الدعاة الإسلاميّين الأخرين وجدوا أن الدعوة السلفية هي دعوة حق ولذلك فهم علموا في أنفسهم بحق الإيمان ثم يطبّقون منها في حدود معيّنة بمقدار ما يساعدهم منهجهم الحزبي ونظامهم في الدعوة فتتجلّى لنا الحقيقة الأتية نقولها نحن دائما وأبدا وإذا به هو يكتبها الأن، يقول هؤلاء يتبنّون الدعوة لأنفسهم لا ليدعوا المسلمين إليها، لماذا؟ لأنها في الواقع هذه الدعوة هي تفرّق بين الحق والباطل، هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل مسلم صادق في انتمائه للكتاب والسنّة لكن هذه الحقيقة تحتها أو ضمنها حقيقة أخرى لا يتنبّه لها الكثيرون، حينما نقول أنه الدعوة السلفية تُفرّق بين الحق والباطل يجب أن نستحضر في أذهاننا الربط بين الحق وصاحبه وبين الباطل وصاحبه، مفهوم هذا الكلام؟ يجب أن نربط بين الحق وصاحبه وبين الباطل وصاحبه يعني الحقيقة أنه مثل ما بيقولوا العامة الحق أحيانا يكون مغطّى بقشرة والمسألة هذه من هذا القبيل حينما نقول أنه الدعوة مهما ... الدعوة السلفية، وغيرنا يقول الدعوة الإسلامية ونحن لنا رأي في هذا القيد، قد لا يفهمه كثيرون ولست الأن في صدده أنه الدعوة الإسلامية تشمل كل المذاهب وكل الفرق وكل الطوائف، أما الدعوة السلفية فتشمل طائفة واحدة هي التي قال فيها الرسول عليه السلام ( ما أنا عليه وأصحابي ) كل أصحاب الدعوات مهما كانت الأسماء معنا تماما بأن الدعوة دعوة الإسلام دعوة السلفية ها اللي هي أصل الإسلام تُفرّق بين الحق والباطل، هاي ما تقبل مناقشة، لا توجد كلمة تفرق بين المحق وبين المبطل كأننا نقول كلاما جديدا.
هنا الشاهد من كلمتي السابقة يعني إذا كان هناك أخوان شقيقان أحدهما محق والأخر مبطل، الأول متمسّك بالدعوة الحق والأخر متمسّك بالدعوة الباطلة، لابد أن يتفرّقا والطريق الإسلامي أكبر شاهد على ذلك وأن الإسلام حينما جاء فرّق بين الأب والابن لماذا؟ لأن الابن أمن والوالد كفر أو العكس، وقع هذا ووقع هذا.
لذلك كان مما جاء في السنّة الصحيحة أن من أوصاف الرسول عليه السلام المُفرّق يعني يُفرّق بين الحق والباطل وبين المحقّين والمبطلين، الدعوة السلفية هذه من خصائصها وحينما يتبنّاها شخص له منهج يفرض عليه أن يكون كلامه لا يدعو إلى فرقة لا يدعو إلى حق يعني، يعني حينما يكون كلامه يرضي الجميع فمعنى ذلك أنه لم يقل الحق، وهذه الطريقة هي طريقة كل لا أستثني أحدا، واجبنا أن نصارح إخواننا المسلمين جميعا نصارحهم بما نعتقد ثم إن ظهر لهم أنه الحق فعليهم اتباعه وإن ظهر لهم أنه الخطأ فعليهم تِبْيانه فنحن نكون معهم في اجتنابه.
نحن نقول كل دعوة إسلامية تقوم على التكتّل المحض، على التكاثر بالعدد وعلى اكتساب الأصوات الكثيرة في المجالس الانتخابية، هذه ليست طريقة إسلامية لماذا؟ لأشياء كثيرة أوضحها ما نحن فيه الأن، أن هؤلاء الذين يريدون أن يكسبوا الأصوات الكثيرة لا بد من أن يوفوا بدعوتهم الجماهير الغفيرة، لابد من ذلك وإلا خسروا المعركة، إذا كانت المعركة ستقوم على كثرة الأصوات إذًا هم سيخسرونها، فهم بين أحد أمرين إما أن يظلّوا على هذا الطريق الذي نراه مغايرا للحق لأنه الحق يقول بيّن الحق (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )) (( وقل الحق من ربكم )) إلخ.
فإما أن يسلك هذا السبيل حينئذ هو لا يبالي هل استطاع أن يأسّس؟ هل استطاع أن يكتّل؟ هل استطاع أن يُفهِّم الفكرة لجماعة كثيرين أو قليلين أم لم يستطع؟ لا قليلا ولا كثيرا، لا يهمه لأنه مُكلَّف أن يُبلِّغ دعوة الحق ثم ها الناس الذين يدعوهم قد يكون فيهم خير ومحبّين للحق وطالبون له سيستجيبون لدعوة الحق، وإما أن لا يكون فيهم خير لا سمح الله فحينئذ اللوم ليس على الداعي إلى الحق فضلا أن يكون اللوم على دعوة الحق، وإنما على الذين دُعُوا فلم يستجيبوا.
نحن نعلم من القرأن الكريم أن نوحا عليه الصلاة والسلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ماذا فعل في الألف سنة؟ أمر عجيب جدا، يدعوا إلى الله وإلى ماذا؟ يدعوا إلى أمر يجب أن يكون الناس كلهم جميعا على كلمة واحدة ألا وهي (( أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من أمن ومنهم من كفر وما أمن معه إلا قليل )) بعد إيه ألف سنة إلا خمسين عاما وهو رُسُل، أول رسول بعث إلى أهل الأرض معناه أنه كما يقول العلماء من أولي العزم من الرسل يعني يوحى إليه من السماء يعني هو مُسدّد ومُصوّب في خطاه سواء كانت.
ولذلك فرأيت أن أجعل كلمتي اليوم ولو أنها قصيرة على ما يناسب هذا الصوت الخافت رأيت أن أجعل كلمتي في هذه الليلة تعليقا على هذه الكلمة لنزدادَ يقينا مما نحن عليه من الصواب ولنبتعد عما قد يكون أحدنا واقعا فيه من الخطأ.
يقول المشار إليه ولست أريد تسميته لأن هذا خطاب خاص لربما يوما ما يضطر أو أضطر أن يُشهر فحينئذ ننشر الأمر علنا، يقول وقد تحدّث بالمناسبة عن المذهبيّة اللامغرية، الذي أفهمه في هذا الجانب أنه على طلبة العلم بل على المحقّقين أن يكون مرجعهم في كل أمر كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وأله وسلم دون أن يقطعوا صلتهم باجتهادات الأئمة في فهم الأدلة من الوحيين وبذلك يكونون كدارس العلوم الطبيعية والرياضيّة ينتفعون بمجهودات من سبقهم في ذلك الطريق بعد التيقّن من صحّة منجزاتهم.
ولو أنهم أغفلوا جهود سابقيهم فلم يُفيدوا منها وبدؤوا من جديد لوقفت مسيرة الحضارة عند حدودها البدائية، هذا كلام صحيح وسليم وأنا قد قلت أكثر من مرة أنه مثل من يريد وهذا موجود في بعض الغلاة وفي كل دعوة وفي كل طائفة وفي كل جماعة غلاة، المتبصّر في دينهم والمعتمد على كتاب ربه وسنّة نبيهم أن يعتمد فقط على القرأن في رأي بين يديه وعلى كتب الحديث يبسطها يحفظها يقرأها دون أن يستعين على فهم الكتاب بكتب التفاسير لا القديمة ولا الحديثة ودون أن يستعين على فهم تلك الأحاديث بل وعلى معرفة صحيحها من سقيمها بجهود علماء الحديث المتظافرة منذ نحو عشرة قرون من الزمان، إن أراد إنسان ما أن يسلك هذا السبيل أن يستقلّ في فهم الكتاب والسنّة فقط اعتماده على الكتاب والسنّة دون الاستعانة بجهود الأئمة السابقين لضل ضلالا بعيدا ورجع فعلا بدون جديد.
ولا أريد أن أذهب بكم بعيدا فأنا سأضرب لكم مثلا قريبا مثلا نحسّ به في بلدتنا هذه فهناك أناس كانوا ينتمون إلى فريق من الفرق الصوفيّة ثم انشق أهل الفريق إلى فرقتين، فإحدى هاتين الفرقتين كان شيخها لا يعرف شيئا من علوم الشريعة لا كتاب ولا سنّة لا أصول فقه ولا أصول حديث ولا أصول لغة ولا شيء من ذلك، فكان يُفسِّر القرأن تفسيرا كيفيّا لا ضابط له، هذا تفسيره على النمط المعروف من تفاسير الباطنية والقرامطة القديمة والحديثة وعلى نمط غلاة الصوفيّة الذين أيضا يتأوّلون الأيات القرأنيّة دون مراعاة القواعد اللغويّة أو الشرعية، ف ... نسمع منذ سنين طويلة من بعض المشايخ الذين مضوْا وماتوا أنه كان يقول لأصحابه أتدرون لمّا قال الله عز وجل لموسى (( وما تلك بيمينك يا موسى )) يقولون للشيخ لا ندري ولما قال له ألقها ليست هي العصا وإنما هي الدنيا، ألقها يعني الدنيا، هكذا يُفسِّر الأية تفسير كيفي وهكذا نجد في بطون الكتب سواءً ما أشرنا إليه من غلاة الباطنيّة أمثالهم تأويلات لا ضابط لها ولا قواعد لها.
فاليوم توجد مثل هذه الكارثة هنا يُفسِّرون القرأن يأتون بأشياء جديدة مطلقا لا صلة لها بالإسلام، بعضها إنكار للحقائق الشرعيّة كالشفاعة الثابتة في الكتاب والسنّة ويجعلون الشفاعة معناها تعاون اثنين مع بعضهم البعض هنا في الخير أو الشر، أما أن يكون هناك شفاعة في الأخرة وهي ثابتة في نصوص الكتاب والسنّة، فهذا أيضا ينكرونه.
فأقول هذا مثال جديد أما الأمثلة القديمة أن أكثرها وتجمعها إما الصوفيّة الغالية أو القرامطة والباطنيّة التي تفرّقت إلى أحزاب شتى لذلك لابد من استعانة بجهود الأئمة السابقين كل في تخصّصه في التفسير في الحديث في الفقه في النحو في إلى أخره، فكنت أقول مثلا نريد الاكتفاء فقط بالرجوع إلى الكتاب والسنّة دون الاستفادة من جهود الأئمة كمثل إنسان اليوم يريد أن يخترع أكبر طائرة وأدقّ طائرة خرجت حتى اليوم بعد الجهود المتتابعة من مئات بل ألوف المتخصّصين في مختلف العلوم يريد إنسان الأن بعقله أنه يوجد طائرة لا أقول مثل بل أكبر وأضخم وأدقّ ... ، تُرى ماذا سيكون مصيره هذا الإنسان؟ سيكون مصيره مصير الإنسان الأول العربي الأندلسي الذي فكّر بابتكار الطائرة قبل وجودها، كان مصيره مصيرا طبيعيّا وهو أنه وقع على أم رأسه لكن هذا لا يُلام لأنه كان هو الرائد الأول الذي أراد شق الطريق إلى إيجاد هذا الاختراع العظيم.
فمثل من يريد الأن أن يجتهد في الكتاب والسنّة دون أن يستعين بالأئمة في كل، كلّ في اختصاصه كما قلنا مثل الذي يريد أن يبتكر طائرة الأن بل يريد أن يبتكر ألة لصنع الإبرة، ما قيمة الإبرة ها اللي بيخيّطوا فيها النساء؟ هو لا يستطيع أن يوجدها إلا يمكن بعد جهود طويلة ويمكن يجي ابنه ويرث منه شيء من الألة ولمّا تنتهي بعد وهي أله لإيجاد إبرة، لذلك أليس فقط من الحماقة بل من الكفر بنعم الله عز وجل على الأمة الإسلامية الذي سخّر لها أولئك الأئمة كلهم في اختصاصه، فضلا عن الحماقة بسبب عدم الاستعانة بجهود السابقين في هذا المجال الأعظم ألا وهو مجال فهم الكتاب والسنّة.
لذلك الذي قاله ذلك الكاتب هنا هذا الكلام حق ويجب أن يرسخ في أذهان كل فرد من السلفيّين سواء كانوا من الدعاة إلى الدعوة السلفيّة الحق أو من الأتباع أن معرفة الكتاب والسنّة لا يمكن على الوجه الصحيح إلا بالرجوع إلى اختصاص في كل فن وفي كل علم.
هذا التأهيل من أجل الأسطر التي سمعتموها من الأخ الكاتب، قال في تمام كلامه السابق "وفي يقين أنكم غير بعيد من هذا المسلك فأنتم في كل ما تدعون إليه لا تُغفلون مُعطيات المذاهب بل تناقشون أدلتها في ضوء الأصلين المعصومين يعني الكتاب والسنّة وذلك هو طريق أولي الألباب الذين يفهمون المذاهب على أنها وسائل للوصول إلى الحق لا كما يفهمها بعض المتحجّرين على أنها الدين الذي هو الحق" هذا أيضا كلام جميل وحق وهذا هو الفرق بيننا وبين المذهيّين.
نحن نقول المذاهب أئمّة المذاهب علماء المذاهب هم وسائل وليسوا غايات، هم وسائل ليبلّغوا الشرع النابع من الكتاب والسنّة إلى الذين لا يعلمون، فإذا تبيّن لهؤلاء الذين لا يعلمون ولو في مسألة واحدة أن عالما من هؤلاء الذين اعتبرناهم وسائل ووسائط لنقل حكم الكتاب والسنّة إلينا، إذا تبيّن لنا أنه وهِم في أمر ما، فهنا إذا ما تمسّك هذا المتمذهب برأي هذا العالم بعد أن ثبت خطأه فقد قلب الوسيلة وجعلها غاية أي جعل هذا العالم كأنه هو المقصود بالاتباع بينما الحقيقة هو وسيلة ليدلّنا على من هو المقصود بالاتباع وليس هو من البشر إلا رسول الله (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) .
فإذا أصر بعض المسلمين الجامدين على التمذهب على هذا القلب للوسيلة وجعلها غاية هذا هو الضلال المبين وهذا الجنس من المؤمنين في كل ملّة في كل دين هو الذي أشار إليه رب العالمين حين قال في كتابه الكريم في حق النصارى لفظا وفي حق كل من تشبّه بهم معْنًا (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) فلا فرق من هذه الحيثيّة، من حيث قلب الحقيقة وجعل الوسيلة غاية بين نصرانيّ سابقا كان يجعل كلمة القسّيس كأنها وحي سماء وهو يعلم أقول وهو يعلم أي هذا النصراني الذي يجعل كلمة القسّيس كأنها وحي السماء، هو يعلم أن كلمته مخالفة للكتاب المقدّس عنده، مع ذلك يضلّ متمسّكا بكلام قسّيسه مُعرضا به كلام ربه، كذلك المسلم لا يغنيه قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله وهو يضلّ يتمسّك بكلمة مُقَلَّدِه يعني عالمه الذي نقل إليه فتوى خاطئة تَبيّن لهذا المُقلِّد أنها خطأ فيصرّ على تقليد ذلك العالم ويعرض عن اتباع الكتاب والسنّة وهو يعلم فأكرّر وهو يعلم حتى لا يجد المغرضون في كلامنا مأخذا يتعلّقون به ليقولوا وقد قالوا بأنهم يكفّرون المقلّدين.
ونحن نقول أسفين اليوم نقولها في محاضراتنا العامة ومجالسنا الخاصة لا سبيل اليوم مع الأسف الشديد إلى العلم الصحيح إلا من طريق التقليد وبعد ذلك ربنا عز وجل يفتح على بصيرة من يعلم منه الجهاد والاجتهاد في سبيل معرفة الحق وأتباعه، كما قال تعالى (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) أما مبدأ الطريق اليوم ما في غير طريق التقليد، كليات الشريعة اليوم التي يُفترض فيها أن تكون قد سمَت وعلت وارتفعت عن هذا الحضيض الذي هو طريق التقليد إلى مرتبة الاتباع على الأقل ولا نقول إلى مرتبة الاجتهاد، هذه الكليّات لا تزال تدرس الفقه الإسلامي على طريقة التقليد ونحو.
ودرجة وسطى بين هذا التقليد وبين الاتباع ما يسمّونه اليوم بالفقه المقارن وذلك بأن يَعرض أستاذ المادة أدلة أقوال المختلفة في المسألة الواحدة عرضا تجرّديّا مطلقا يعني كأنه هو رجل لا صلة له بالِإسلام إطلاقا كرجل علماني ليس عنده تحيّز إلى قول من هذه الأقوال أو إلى مذهب من هذه المذاهب، فهو ينقل بكل أمانة بيقول مذهب كذا يقول دليله كذا وكذا ومذهب كذا وأخيرا ينتهي دون أن يقول قولة الحق والصواب كذا وكذا لأن الدليل الأول في نفس القول الأول يردّ عليه كذا وكذا إلى أخره، فيعرض عرضا ويدع طلاب كلية الشريعة والذين سيتخرّجون عمّا قريب ويصبحون دكاترة في ماذا؟ في علم الشريعة، لا يفقهون إلا النقل فقط، هذا هو حال دكاترة أخر الزمان.
لذلك فكان المأمول في هذه الكليّات أن تعلوا وأن ترتفع عن هذا المستوى لكن لعله كما يقال " أول الغيث قطرة ثم ينهمر " كانوا من قبل يدرسون كتابا واحدا في فقه واحد مذهب حنفي انتهى الامر، الأن أصبحوا يدرسون أكثر من مذهب واحد وهذه الدراسة بلا شك تفتح الأذهان وتوسّع الأفاق العلمية في عقول الدارسين، نحن نعرف في بلادنا الألبانية لا يعرفون أن الإسلام إلا هو المذهب الحنفي فقط فلما يأتي أحدهم هنا قلت له تعرف في مسلمين شوافعة، في مسلمين مالكية فهو يعلم حينئذ شيئا كان به جاهلا من قبل بالتالي سيعلم إذًا من أدلتهم يعني كمان ... قال الله قال رسول الله إلى أخره، فلعله هذه الدراسة التي يسمّونها دراسة فقه المقارن لها ما بعده لأنه سنّة الله في خلقه لا يمكن الوصول إلى الهدف إلا بطريقة رتيبة خطوة خطوة هاي سنّة الله.
أقول أخيرا يُشير الكاتب هنا بحق إلى أن قلب الوسيلة إلى غاية وجعل المذهب هو مقصودا بذاته هذا قلب للحقيقة الشرعية فهو يصرّح بالحق أن طلاب العلم وبخاصة المحقّقين منهم لهم طريقهم في الرجوع إلى الكتاب والسنّة، فكلامه إلى هنا لا غُبار عليه بتاتا بل هو ينقل فكرتنا التي دائما نحاضر بها في كل مكان حللناه إلا أن الذي يحتاج إلى شيء من التعليق مع الاعتراف بشيء من الحق في كلامه الأتي هو ما إفتتحه بالاستدراك بقوله " ولكن هل استطعتم أن تركّزوا هذا المفهوم الصحيح في نفوس المنتسبين إلى طريقتكم؟ سواء استطعنا أم ما استطعنا " قال أريد أن أذكّر الأن وسأكتب بطبيعة الحال إلى هذا الأخ الكاتب أن السؤال خطأ لماذا؟ لأنه مادام هو يؤكد أنه طريقتنا حق وصواب وأنه يُصرّح بأننا دائما حين ندعو إلى الكتاب والسنّة لا نُضيّع علينا جهود الأئمة بل نحن نستفيد بها ونعرض أدلتهم ونناقشها، في الوقت نفسه بيقول " هل استطعت؟ "، أنا سأقول بكل صراحة ما استطعتُ أن أصنع شيئا، هب أنه الأمر كذلك، ما استطعت أن أصنع شيئا ولا يوجد حولي إطلاقا شخص استطعت واستطاع هو معي أن تتركّز هذه الطريقة الصحيحة في نفسه وفي منطلقه، في دعوته هب أنه الأمر كذلك، فماذا يعني إذا كانت الطريقة هي نفسها حق باعترافه ثم عجزت أنا عن تركيزها في أذهان الذين أدعوهم دائما وأبدا إليه أفأقول إما أن يعي ما عندي وكما بودّي هذا بطبيعة الحال وإما أن أكون لا أستطيع التفاهم مع الناس كما يقول بعض الخصوم زورا وبغيا وعدوانا أني لا أحسن أن أتكلم باللغة العربية، طيب أنتم الأن تسمعوني أتكلم باللغة الألبانية فممكن أيضا يكون الأمر كذلك أنه أنا لا أستطيع أن أتكلم مع إخواننا العرب بلغتهم عربية لابد أن يكون هناك شيء، وقد يكون في عجز قد يكون في ضعف، هذا لا نستطيع أن ننكره أبدا ولكن يا تُرى أليس يُقابل عجزي هذا هو ضعف في الطرف المقابل الإعراض أو صدّ أو كيد أو أو زاد إلى أخره؟ طبعا هذا لا أحد يستطيع أن ينكره، ونحن هنا نذكّر هذا الكاتب وأمثاله كُثُر وأنا في الواقع رأيت أنه هذا الإنسان لأول مرة يُفصح عما نقوله نحن دائما وأبدا أن الدعاة الإسلاميّين الأخرين وجدوا أن الدعوة السلفية هي دعوة حق ولذلك فهم علموا في أنفسهم بحق الإيمان ثم يطبّقون منها في حدود معيّنة بمقدار ما يساعدهم منهجهم الحزبي ونظامهم في الدعوة فتتجلّى لنا الحقيقة الأتية نقولها نحن دائما وأبدا وإذا به هو يكتبها الأن، يقول هؤلاء يتبنّون الدعوة لأنفسهم لا ليدعوا المسلمين إليها، لماذا؟ لأنها في الواقع هذه الدعوة هي تفرّق بين الحق والباطل، هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل مسلم صادق في انتمائه للكتاب والسنّة لكن هذه الحقيقة تحتها أو ضمنها حقيقة أخرى لا يتنبّه لها الكثيرون، حينما نقول أنه الدعوة السلفية تُفرّق بين الحق والباطل يجب أن نستحضر في أذهاننا الربط بين الحق وصاحبه وبين الباطل وصاحبه، مفهوم هذا الكلام؟ يجب أن نربط بين الحق وصاحبه وبين الباطل وصاحبه يعني الحقيقة أنه مثل ما بيقولوا العامة الحق أحيانا يكون مغطّى بقشرة والمسألة هذه من هذا القبيل حينما نقول أنه الدعوة مهما ... الدعوة السلفية، وغيرنا يقول الدعوة الإسلامية ونحن لنا رأي في هذا القيد، قد لا يفهمه كثيرون ولست الأن في صدده أنه الدعوة الإسلامية تشمل كل المذاهب وكل الفرق وكل الطوائف، أما الدعوة السلفية فتشمل طائفة واحدة هي التي قال فيها الرسول عليه السلام ( ما أنا عليه وأصحابي ) كل أصحاب الدعوات مهما كانت الأسماء معنا تماما بأن الدعوة دعوة الإسلام دعوة السلفية ها اللي هي أصل الإسلام تُفرّق بين الحق والباطل، هاي ما تقبل مناقشة، لا توجد كلمة تفرق بين المحق وبين المبطل كأننا نقول كلاما جديدا.
هنا الشاهد من كلمتي السابقة يعني إذا كان هناك أخوان شقيقان أحدهما محق والأخر مبطل، الأول متمسّك بالدعوة الحق والأخر متمسّك بالدعوة الباطلة، لابد أن يتفرّقا والطريق الإسلامي أكبر شاهد على ذلك وأن الإسلام حينما جاء فرّق بين الأب والابن لماذا؟ لأن الابن أمن والوالد كفر أو العكس، وقع هذا ووقع هذا.
لذلك كان مما جاء في السنّة الصحيحة أن من أوصاف الرسول عليه السلام المُفرّق يعني يُفرّق بين الحق والباطل وبين المحقّين والمبطلين، الدعوة السلفية هذه من خصائصها وحينما يتبنّاها شخص له منهج يفرض عليه أن يكون كلامه لا يدعو إلى فرقة لا يدعو إلى حق يعني، يعني حينما يكون كلامه يرضي الجميع فمعنى ذلك أنه لم يقل الحق، وهذه الطريقة هي طريقة كل لا أستثني أحدا، واجبنا أن نصارح إخواننا المسلمين جميعا نصارحهم بما نعتقد ثم إن ظهر لهم أنه الحق فعليهم اتباعه وإن ظهر لهم أنه الخطأ فعليهم تِبْيانه فنحن نكون معهم في اجتنابه.
نحن نقول كل دعوة إسلامية تقوم على التكتّل المحض، على التكاثر بالعدد وعلى اكتساب الأصوات الكثيرة في المجالس الانتخابية، هذه ليست طريقة إسلامية لماذا؟ لأشياء كثيرة أوضحها ما نحن فيه الأن، أن هؤلاء الذين يريدون أن يكسبوا الأصوات الكثيرة لا بد من أن يوفوا بدعوتهم الجماهير الغفيرة، لابد من ذلك وإلا خسروا المعركة، إذا كانت المعركة ستقوم على كثرة الأصوات إذًا هم سيخسرونها، فهم بين أحد أمرين إما أن يظلّوا على هذا الطريق الذي نراه مغايرا للحق لأنه الحق يقول بيّن الحق (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )) (( وقل الحق من ربكم )) إلخ.
فإما أن يسلك هذا السبيل حينئذ هو لا يبالي هل استطاع أن يأسّس؟ هل استطاع أن يكتّل؟ هل استطاع أن يُفهِّم الفكرة لجماعة كثيرين أو قليلين أم لم يستطع؟ لا قليلا ولا كثيرا، لا يهمه لأنه مُكلَّف أن يُبلِّغ دعوة الحق ثم ها الناس الذين يدعوهم قد يكون فيهم خير ومحبّين للحق وطالبون له سيستجيبون لدعوة الحق، وإما أن لا يكون فيهم خير لا سمح الله فحينئذ اللوم ليس على الداعي إلى الحق فضلا أن يكون اللوم على دعوة الحق، وإنما على الذين دُعُوا فلم يستجيبوا.
نحن نعلم من القرأن الكريم أن نوحا عليه الصلاة والسلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ماذا فعل في الألف سنة؟ أمر عجيب جدا، يدعوا إلى الله وإلى ماذا؟ يدعوا إلى أمر يجب أن يكون الناس كلهم جميعا على كلمة واحدة ألا وهي (( أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من أمن ومنهم من كفر وما أمن معه إلا قليل )) بعد إيه ألف سنة إلا خمسين عاما وهو رُسُل، أول رسول بعث إلى أهل الأرض معناه أنه كما يقول العلماء من أولي العزم من الرسل يعني يوحى إليه من السماء يعني هو مُسدّد ومُصوّب في خطاه سواء كانت.
اضيفت في - 2009-05-19