سلسلة اللقاء الشهري-52a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة اللقاء الشهري
شروط التوبة.
الطالب : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد: فهذا هو لقاؤنا 51 الذي ينظمه مركز الدعوة والإرشاد في عنيزة مع والدنا وشيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في الجامع الكبير بعنيزة أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي عنا شيخنا خير الجزاء وأن ينفعنا بعلمه وأن يمتع بعمره على طاعته فليتفضل مشكورا .
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد: فهذا لقاؤنا معكم الثابتُ في كل شهر، في السبت الثالث من كل شهر ليلة الأحد، يتم هذا في شهر رجب عام 1418، وبما أننا في مستقبل الشتاء فإن حديثنا هذه الليلة سينحصر فيما يتعلق بالطهارة
وقبل أن نبدأ بهذا الموضوع، نحب أن نعلق بعض الشيء على ما جاء في سورة البروج في قول الله تبارك وتعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ )) هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات هم أصحاب الأخدود، هم أصحاب الأخدود الذين حفروا في الأرض أخاديد وأوقدوا فيها النيران العظيمة، وعرضوا عليها المؤمنين، فمن استمر على إيمانه ألقوه فيها، ومن كفر نجا منها لكنه لن ينجو من نار الآخرة والعياذ بالله، هؤلاء القوم، يفعلون بالمؤمنين هذا الفعل الشنيع، وهم على هذه النار قعود، يتفرجون عليها وكأن شيئاً لم يكن، وهذا يدل على قسوة قلوبهم والعياذ بالله، وعلى جبروتهم، وعلى شدة محاربتهم لدين الله عز وجل، هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، عرض الله عليهم التوبة فقال : (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ )) وفي قوله : (( ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا )) دليل على أنهم لو تابوا لقبل الله توبتهم ونجاهم من عذاب جهنم وعذاب الحريق
وعلى هذا نفهم من هذه الآية الكريمة : أن التوبة من الذنوب مهما عظمت فإن الإنسان ينجو من عقابها، لأن من صفات الله عز وجل العظيمة أن رحمته سبقت غضبه، وانظر أخي المسلم الحسنة بكم ؟ بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة قال الله تعالى : (( ومَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا )) إذا تاب العبد من الذنوب مهما عظمت فإن الله تعالى يتوب عليه، قال الله تعالى : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) واعلم أن قنوطك من رحمة الله، ويأسك من رحمة الله أعظم من ذنبك، كل الذنوب وإن عظمت فإنها في جانب عفو الله يسيرة سهلة (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) فإذا تاب العبد توبةً نصوحاً خالصةً لله - جعلني الله وإياكم من التائبين، اللهم اجعلنا من التوابين المتطهرين يا رب العالمين - فإن الله يتوب عليه
واعلم أن التوبة من الذنوب واجبة على الفور لا يجوز للإنسان أن يؤخر فيها، فيبقى على ذنبه، وعلى جرمه، ويعتمد على التسويف، فيقول لنفسه : إن الله غفور رحيم، ولكن يجب أن يعلم الإنسان أن الله غفور رحيم، لكن هو شديد العقاب لمن بارزه بالعصيان، استمع إلى قول الله عز وجل : (( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) وبعدها : (( وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) فبدأ بشدة العقاب، واتل قول الله تعالى : (( نَبِّئْ عِبَادِي )) يعني : أخبرهم (( أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ))، فيجب على العبد أن يتوب إلى الله فوراً، إن كان فرط في واجب وهو مما يمكن قضاؤه وتداركه فليفعل، إن كان قد فعل محرماً فليقلع فوراً بدون تأخير، وذلك لأن للتوبة شروطاً لا بد من مراعاتها :
الشرط الأول : الإخلاص لله، أن يخلص العبد في توبته، فيقلع عن الذنب لأنه ذنب لا لأن الناس يرونه ، يقلع عن الذنب لأنه ذنب ومعصية لله، لا لأن الخلق يرونه، بل خوفاً من عقاب الله، يقوم بالواجب لا لأن الخلق يرونه فيمدحونه ولكن لأن ذلك في رضا الله، فالإخلاص لله عز وجل أهم أركان وأهم شروط التوبة، لو تاب الإنسان خوفاً من السلطان أتصح توبته ؟ لا، (( تُوبُوا إِلَى اللَّه )) توبوا إلى الله لا إلى غيره (( تَوْبَةً نَصُوحاً )) اللهم حقق لنا الإخلاص .
الشرط الثاني : أن يندم على ما فعل من الذنوب، لا بد أن يكون للذنب عنده انكسار وخجل من الله عز وجل وخشية منه، فيتأسف يقول : يا ليتني لم أفعل، ولكن يقلع عن الذنب، لا بد من الندم، يعنى لا تصح التوبة والإنسان في قلبه الذنب وعدمه سواء، لا، اندم اندم كأن شيئاً محبوباً إليك فاتك، أو كأن شيئاً حصل عليك وأنت تكرهه، اندم على ما مر من الذنب.
الشرط الثالث : العزم على . الشرط الثالث : الإقلاع عن الذنب في الحال، أن يقلع عن الذنب، إن كان معصية فليبتعد عنها، إن كان إخلالاً بطاعة فليقم بها، فلنضرب لهذا مثلاً : رجل علم أن غيبة الناس حرام، والغيبة : هي ذكر معائب الناس، وذكرك أخاك بما يكره، علم أن هذا حرام، بل هو من كبائر الذنوب على ما نص عليه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، من الكبائر، فعزم على أن يتوب، ندم على ما فعل، لكن مع ذلك، متى حصلت له فرصة في الغيبة اغتاب الناس، فهل تقولون : إن هذا صحت توبته ؟ هل صحت توبته ؟ لا. لا بد أن يقلع في الحال، رجل آخر : ترك صلاة جماعة مع قدرته على الجماعة، وقال : إنه تائب ولكنه ما زال يدع صلاة الجماعة، أتقولون إن توبته صحيحة ؟ لماذا ؟ لم يقلع عن الذنب، هو مصر على ألا يصلي، كيف التوبة من شيء أنت مصر عليه ؟ رجل ثالث :كان يتعامل بالغش، لأنه صاحب معرض أو صاحب بسطة بطيخ أو غيره، يتعامل بالغش، فوبخته نفسه ذات يوم فقال : إني تبت من الغش والخيانة، لكن ما زال يغش، أتصح توبته ؟ لا. لا تصح توبته، لا بد أن يقلع، رجل رابع : كان جاره يتأذى منه، يتأذى منه، يسمع أصواتاً تؤذيه إما أغاني في مسجل أو راديو أو تليفزيون أو غيرها، والجار يتأذى، يتأذى من هذه الأغاني أولاً : لأنها معصية لله عز وجل، ثانياً : لأنها تقلق راحته، فقال له : يا أخي، يا جاري! آذيتني بهذا، فلما علم أن جاره يتأذى قال : الآن أتوب إلى الله ولكنه مصر على ذلك، لم يوقفه ساعةً واحدة في غير ما جرت به العادة، فهل هذا تائب ؟ لا. هذا ليس بتائب، لا بد أن يقلع عن الذنب وإلا فلا توبة له.
الشرط الرابع : أن يعزم على أن لا يعود، يعني : أن يعزم بنفسه على أنه خلاص ما عاد يعود للذنب، ويجعل بينه وبين نفسه عهداً باطنا ألا يعود إلى هذا الذنب، واستمر في قلبه على أنه متى سنحت له الفرصة عاد إليه، فهل تصح توبته ؟ لا. لأنه ما عزم ألا يعود، هو في نفسه تركه الآن لكنه ليس عنده عزيمة على ألا يعود، فلا تصح توبته .
الشرط الخامس وهو أشدها : أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، لأنه ليس كل وقت تقبل فيه التوبة، التوبة لا تقبل في كل وقت، هنا وقتان لا تقبل فيهما التوبة جاء ذكرهما في القرآن، أما الأول : فإذا حضر الإنسان الموت فإنها لا تقبل توبته، لقول الله تعالى : (( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ )) ليس هذا محل التوبة، إذا شاهدت الموت وعرفت أنك فارقت الدنيا قلت : تبت الآن، ما ينبغي، ولما أدرك فرعون الغرق في البحر قال : (( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ )) فآمن، فقيل له : (( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )) لا يقبل منك، ولهذا قال الله فيه : (( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ))كأنك تشاهد هذا الرجل يمشي أمام قومه يهديهم إلى النار، والعياذ بالله، وهو يقول لهم في الدنيا : (( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )) هذا السبيل الذي يهديهم إليه، هداهم إلى النار والعياذ بالله، هذا الوقت الأول، ما هو الوقت الأول الآن ؟ إذا حضر الإنسان أجله فإن التوبة لا تنفعه، ولو سألت كل أحد منكم : هل تعلمون متى يحضر الأجل ؟ لقلتم على لسان واحد : لا نعلم، ومن ادعى أنه يعلم فهو كاذب، وإذا كان كذلك كان وجوب التوبة على الفور، لأنك لا تدري أيها الإنسان، إن كان عليك حق لأحد فبادر بوفائه، إن كان هناك شيء مقصر فيه : زكاة مال ما أخرجتها، كفارة يمين ما أخرجتها، كفارة ظهار ما أخرجتها، كفارة وطء في رمضان ما أخرجتها، أو غير ذلك أخرجها، دين عليك ما قضيته اقضه، كم من إنسان عنده أموال كثيرة وعليه ديون ولم يقضها، ومات فجعل الورثة يلعبون بماله ونسوا الحق الذي نفسه معلقة به، فأد ما عليك قبل أن يفوت الأوان، أما الوقت الثاني : فهو إذا طلعت الشمس من مغربها، الشمس الآن كلنا يشاهدها تطلع من المشرق وتغرب من المغرب، منذ سخرها العزيز العليم عز وجل، إلى أن يأذن بخراب العالم، وهي على سيرها، سبحان الله ! لا تختلف ولا تزل عنه، ولا تسرع أكثر مما سبق، ولا تتباطأ أكثر مما سبق، ولا تطلع في الشتاء في مطلع الصيف، ولا في الصيف في مطلع الشتاء، بل هي بإذن الله مستمرة على أحسن نظام، إذا أراد الله تعالى فناء العالم، فإن الله يأمرها فتخرج من المغرب، تخرج من المغرب، سبحان الله ! الشمس التي دائماً تطلع من المشرق تطلع من المغرب ؟ من يقدر على هذا ؟ من يقدر يا جماعة ؟ الله عز وجل، لا يقدر أحد، ولهذا ( لما سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى : ((وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ صما وبكما وعُمْياً )) قالوا : يا رسول الله، كيف يحشر على وجهه ؟ قال : الذي أمشاه في الدنيا على قدميه يمشيه يوم القيامة على وجهه ) الله أكبر، فالذي سخر الشمس أن تطلع من مطلعها شرقاً يسخرها أن تطلع من مغربها غرباً، إذا طلعت الشمس يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إذا رآها الناس آمنوا أجمعون ) كلهم يؤمنون، أكفر الناس وآمن الناس كلهم يؤمنون، ولكن هل ينفع الإيمان ؟ لا. (( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ))كل نفس لم تؤمن من قبل أو تكسب في إيمانها خيراً فإنه لا ينفعها ذلك بعد طلوع الشمس من مغربها، ولهذا جاء في الحديث : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها )، فيا أخي يا عبد الله : فكر في نفسك، فكر فيما أنت مقصر فيه، أنقذ نفسك ما دمت في زمن الإمكان، فكر في حق الله : هل ضيعته، هل فرطت فيه، هل حصل في قلبك رياء، هل حصل في قلبك عجب، هل حصل في قلبك كراهة للمؤمنين أو حب للكافرين أو إيثار للدنيا على الآخرة، أشياء كثيرة، سبل عظيمة، فتن كبرى نسأل الله أن يعصمنا وإياكم منها، داو قلبك، إذا كنت تداوي قلبك في اليوم مرتين أو ثلاثاً، وتأكل الحبوب للشفاء في اليوم مرتين أو ثلاثاً، فداو القلب، ارجع للقلب، لا يمت قلبك، لا يقسو قلبك ما دام الأمر بيدك، ووالله إن فناء الجسم أهون من فناء الدين، ولذلك الذين عرفوا الحقيقة أفنوا أنفسهم في دين الله عز وجل، يعرضون رقابهم لسيوف الأعداء، كل ذلك إقامة لدين الله، وإعلاءً لكلمة الله، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، المهم يا إخواني : أدعو نفسي أولاً وأدعوكم ثانياً إلى تفقد القلوب، وإلى صقلها ودوائها، قبل أن يرين عليها ما كسبت، فيطبع عليها والعياذ بالله.
أسأل الله لي ولكم الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى .
أما بعد: فهذا هو لقاؤنا 51 الذي ينظمه مركز الدعوة والإرشاد في عنيزة مع والدنا وشيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في الجامع الكبير بعنيزة أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي عنا شيخنا خير الجزاء وأن ينفعنا بعلمه وأن يمتع بعمره على طاعته فليتفضل مشكورا .
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد: فهذا لقاؤنا معكم الثابتُ في كل شهر، في السبت الثالث من كل شهر ليلة الأحد، يتم هذا في شهر رجب عام 1418، وبما أننا في مستقبل الشتاء فإن حديثنا هذه الليلة سينحصر فيما يتعلق بالطهارة
وقبل أن نبدأ بهذا الموضوع، نحب أن نعلق بعض الشيء على ما جاء في سورة البروج في قول الله تبارك وتعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ )) هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات هم أصحاب الأخدود، هم أصحاب الأخدود الذين حفروا في الأرض أخاديد وأوقدوا فيها النيران العظيمة، وعرضوا عليها المؤمنين، فمن استمر على إيمانه ألقوه فيها، ومن كفر نجا منها لكنه لن ينجو من نار الآخرة والعياذ بالله، هؤلاء القوم، يفعلون بالمؤمنين هذا الفعل الشنيع، وهم على هذه النار قعود، يتفرجون عليها وكأن شيئاً لم يكن، وهذا يدل على قسوة قلوبهم والعياذ بالله، وعلى جبروتهم، وعلى شدة محاربتهم لدين الله عز وجل، هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، عرض الله عليهم التوبة فقال : (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ )) وفي قوله : (( ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا )) دليل على أنهم لو تابوا لقبل الله توبتهم ونجاهم من عذاب جهنم وعذاب الحريق
وعلى هذا نفهم من هذه الآية الكريمة : أن التوبة من الذنوب مهما عظمت فإن الإنسان ينجو من عقابها، لأن من صفات الله عز وجل العظيمة أن رحمته سبقت غضبه، وانظر أخي المسلم الحسنة بكم ؟ بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة قال الله تعالى : (( ومَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا )) إذا تاب العبد من الذنوب مهما عظمت فإن الله تعالى يتوب عليه، قال الله تعالى : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) واعلم أن قنوطك من رحمة الله، ويأسك من رحمة الله أعظم من ذنبك، كل الذنوب وإن عظمت فإنها في جانب عفو الله يسيرة سهلة (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) فإذا تاب العبد توبةً نصوحاً خالصةً لله - جعلني الله وإياكم من التائبين، اللهم اجعلنا من التوابين المتطهرين يا رب العالمين - فإن الله يتوب عليه
واعلم أن التوبة من الذنوب واجبة على الفور لا يجوز للإنسان أن يؤخر فيها، فيبقى على ذنبه، وعلى جرمه، ويعتمد على التسويف، فيقول لنفسه : إن الله غفور رحيم، ولكن يجب أن يعلم الإنسان أن الله غفور رحيم، لكن هو شديد العقاب لمن بارزه بالعصيان، استمع إلى قول الله عز وجل : (( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) وبعدها : (( وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) فبدأ بشدة العقاب، واتل قول الله تعالى : (( نَبِّئْ عِبَادِي )) يعني : أخبرهم (( أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ))، فيجب على العبد أن يتوب إلى الله فوراً، إن كان فرط في واجب وهو مما يمكن قضاؤه وتداركه فليفعل، إن كان قد فعل محرماً فليقلع فوراً بدون تأخير، وذلك لأن للتوبة شروطاً لا بد من مراعاتها :
الشرط الأول : الإخلاص لله، أن يخلص العبد في توبته، فيقلع عن الذنب لأنه ذنب لا لأن الناس يرونه ، يقلع عن الذنب لأنه ذنب ومعصية لله، لا لأن الخلق يرونه، بل خوفاً من عقاب الله، يقوم بالواجب لا لأن الخلق يرونه فيمدحونه ولكن لأن ذلك في رضا الله، فالإخلاص لله عز وجل أهم أركان وأهم شروط التوبة، لو تاب الإنسان خوفاً من السلطان أتصح توبته ؟ لا، (( تُوبُوا إِلَى اللَّه )) توبوا إلى الله لا إلى غيره (( تَوْبَةً نَصُوحاً )) اللهم حقق لنا الإخلاص .
الشرط الثاني : أن يندم على ما فعل من الذنوب، لا بد أن يكون للذنب عنده انكسار وخجل من الله عز وجل وخشية منه، فيتأسف يقول : يا ليتني لم أفعل، ولكن يقلع عن الذنب، لا بد من الندم، يعنى لا تصح التوبة والإنسان في قلبه الذنب وعدمه سواء، لا، اندم اندم كأن شيئاً محبوباً إليك فاتك، أو كأن شيئاً حصل عليك وأنت تكرهه، اندم على ما مر من الذنب.
الشرط الثالث : العزم على . الشرط الثالث : الإقلاع عن الذنب في الحال، أن يقلع عن الذنب، إن كان معصية فليبتعد عنها، إن كان إخلالاً بطاعة فليقم بها، فلنضرب لهذا مثلاً : رجل علم أن غيبة الناس حرام، والغيبة : هي ذكر معائب الناس، وذكرك أخاك بما يكره، علم أن هذا حرام، بل هو من كبائر الذنوب على ما نص عليه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، من الكبائر، فعزم على أن يتوب، ندم على ما فعل، لكن مع ذلك، متى حصلت له فرصة في الغيبة اغتاب الناس، فهل تقولون : إن هذا صحت توبته ؟ هل صحت توبته ؟ لا. لا بد أن يقلع في الحال، رجل آخر : ترك صلاة جماعة مع قدرته على الجماعة، وقال : إنه تائب ولكنه ما زال يدع صلاة الجماعة، أتقولون إن توبته صحيحة ؟ لماذا ؟ لم يقلع عن الذنب، هو مصر على ألا يصلي، كيف التوبة من شيء أنت مصر عليه ؟ رجل ثالث :كان يتعامل بالغش، لأنه صاحب معرض أو صاحب بسطة بطيخ أو غيره، يتعامل بالغش، فوبخته نفسه ذات يوم فقال : إني تبت من الغش والخيانة، لكن ما زال يغش، أتصح توبته ؟ لا. لا تصح توبته، لا بد أن يقلع، رجل رابع : كان جاره يتأذى منه، يتأذى منه، يسمع أصواتاً تؤذيه إما أغاني في مسجل أو راديو أو تليفزيون أو غيرها، والجار يتأذى، يتأذى من هذه الأغاني أولاً : لأنها معصية لله عز وجل، ثانياً : لأنها تقلق راحته، فقال له : يا أخي، يا جاري! آذيتني بهذا، فلما علم أن جاره يتأذى قال : الآن أتوب إلى الله ولكنه مصر على ذلك، لم يوقفه ساعةً واحدة في غير ما جرت به العادة، فهل هذا تائب ؟ لا. هذا ليس بتائب، لا بد أن يقلع عن الذنب وإلا فلا توبة له.
الشرط الرابع : أن يعزم على أن لا يعود، يعني : أن يعزم بنفسه على أنه خلاص ما عاد يعود للذنب، ويجعل بينه وبين نفسه عهداً باطنا ألا يعود إلى هذا الذنب، واستمر في قلبه على أنه متى سنحت له الفرصة عاد إليه، فهل تصح توبته ؟ لا. لأنه ما عزم ألا يعود، هو في نفسه تركه الآن لكنه ليس عنده عزيمة على ألا يعود، فلا تصح توبته .
الشرط الخامس وهو أشدها : أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، لأنه ليس كل وقت تقبل فيه التوبة، التوبة لا تقبل في كل وقت، هنا وقتان لا تقبل فيهما التوبة جاء ذكرهما في القرآن، أما الأول : فإذا حضر الإنسان الموت فإنها لا تقبل توبته، لقول الله تعالى : (( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ )) ليس هذا محل التوبة، إذا شاهدت الموت وعرفت أنك فارقت الدنيا قلت : تبت الآن، ما ينبغي، ولما أدرك فرعون الغرق في البحر قال : (( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ )) فآمن، فقيل له : (( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )) لا يقبل منك، ولهذا قال الله فيه : (( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ))كأنك تشاهد هذا الرجل يمشي أمام قومه يهديهم إلى النار، والعياذ بالله، وهو يقول لهم في الدنيا : (( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )) هذا السبيل الذي يهديهم إليه، هداهم إلى النار والعياذ بالله، هذا الوقت الأول، ما هو الوقت الأول الآن ؟ إذا حضر الإنسان أجله فإن التوبة لا تنفعه، ولو سألت كل أحد منكم : هل تعلمون متى يحضر الأجل ؟ لقلتم على لسان واحد : لا نعلم، ومن ادعى أنه يعلم فهو كاذب، وإذا كان كذلك كان وجوب التوبة على الفور، لأنك لا تدري أيها الإنسان، إن كان عليك حق لأحد فبادر بوفائه، إن كان هناك شيء مقصر فيه : زكاة مال ما أخرجتها، كفارة يمين ما أخرجتها، كفارة ظهار ما أخرجتها، كفارة وطء في رمضان ما أخرجتها، أو غير ذلك أخرجها، دين عليك ما قضيته اقضه، كم من إنسان عنده أموال كثيرة وعليه ديون ولم يقضها، ومات فجعل الورثة يلعبون بماله ونسوا الحق الذي نفسه معلقة به، فأد ما عليك قبل أن يفوت الأوان، أما الوقت الثاني : فهو إذا طلعت الشمس من مغربها، الشمس الآن كلنا يشاهدها تطلع من المشرق وتغرب من المغرب، منذ سخرها العزيز العليم عز وجل، إلى أن يأذن بخراب العالم، وهي على سيرها، سبحان الله ! لا تختلف ولا تزل عنه، ولا تسرع أكثر مما سبق، ولا تتباطأ أكثر مما سبق، ولا تطلع في الشتاء في مطلع الصيف، ولا في الصيف في مطلع الشتاء، بل هي بإذن الله مستمرة على أحسن نظام، إذا أراد الله تعالى فناء العالم، فإن الله يأمرها فتخرج من المغرب، تخرج من المغرب، سبحان الله ! الشمس التي دائماً تطلع من المشرق تطلع من المغرب ؟ من يقدر على هذا ؟ من يقدر يا جماعة ؟ الله عز وجل، لا يقدر أحد، ولهذا ( لما سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى : ((وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ صما وبكما وعُمْياً )) قالوا : يا رسول الله، كيف يحشر على وجهه ؟ قال : الذي أمشاه في الدنيا على قدميه يمشيه يوم القيامة على وجهه ) الله أكبر، فالذي سخر الشمس أن تطلع من مطلعها شرقاً يسخرها أن تطلع من مغربها غرباً، إذا طلعت الشمس يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إذا رآها الناس آمنوا أجمعون ) كلهم يؤمنون، أكفر الناس وآمن الناس كلهم يؤمنون، ولكن هل ينفع الإيمان ؟ لا. (( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ))كل نفس لم تؤمن من قبل أو تكسب في إيمانها خيراً فإنه لا ينفعها ذلك بعد طلوع الشمس من مغربها، ولهذا جاء في الحديث : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها )، فيا أخي يا عبد الله : فكر في نفسك، فكر فيما أنت مقصر فيه، أنقذ نفسك ما دمت في زمن الإمكان، فكر في حق الله : هل ضيعته، هل فرطت فيه، هل حصل في قلبك رياء، هل حصل في قلبك عجب، هل حصل في قلبك كراهة للمؤمنين أو حب للكافرين أو إيثار للدنيا على الآخرة، أشياء كثيرة، سبل عظيمة، فتن كبرى نسأل الله أن يعصمنا وإياكم منها، داو قلبك، إذا كنت تداوي قلبك في اليوم مرتين أو ثلاثاً، وتأكل الحبوب للشفاء في اليوم مرتين أو ثلاثاً، فداو القلب، ارجع للقلب، لا يمت قلبك، لا يقسو قلبك ما دام الأمر بيدك، ووالله إن فناء الجسم أهون من فناء الدين، ولذلك الذين عرفوا الحقيقة أفنوا أنفسهم في دين الله عز وجل، يعرضون رقابهم لسيوف الأعداء، كل ذلك إقامة لدين الله، وإعلاءً لكلمة الله، فرضي الله عنهم وأرضاهم ، المهم يا إخواني : أدعو نفسي أولاً وأدعوكم ثانياً إلى تفقد القلوب، وإلى صقلها ودوائها، قبل أن يرين عليها ما كسبت، فيطبع عليها والعياذ بالله.
أسأل الله لي ولكم الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى .
الكلام على آية الطهارة.
الشيخ : أما ما يتعلق بالطهارة وهو الموضوع في هذا اللقاء فأن أحدكم أريد منه أن يقرأ آية الطهاره: أعندك استعداد ؟ من عنده استعداد يتلو آية الطهارة ؟ تفضل، قائماً، كن قائماً حتى يسمع الناس ؟
السائل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) .
الشيخ : أحسنت بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ، لكن هنا شيء ننبه عليه والحمد لله، أن جرى الأمر على ما فيه الخير : أولاً : استمعتم إلى قرائته يقرأ : (( وأرجلِكم )) وأرجلَكم، والذي في القرآن بيننا : ((وَأَرْجُلَكُمْ )) بالنصب، ولا شك أن القراءة الثانية صحيحة (( وأرجلِكم )) قراءة سبعية، ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن الإنسان الذي يقرأ للتعلم أو للتعليم يقرأ بكل القراءات، والذي يقرأ بين العامة في بلد لا يفهم فيه إلا قراءة واحدة لا ينبغي أن يخرج عن هذه القراءة الواحدة، لأن العامي لا يدرك، فإما أن ينتقد القارئ ويقول: لا يا أخي، وإما أن يحاول تقليد القارئ فيغلط، لأنه عامي، لذلك أنصح إخواننا الذين يعرفون عدة قراءات ألا يقرءوا في البلد إلا ما يعرفه عامهم وما كان موجوداً في مصاحفهم، لئلا يحصل البلبلة والشك. ثانياً : بعض الناس مثلاً : يأخذه النفس فلا يستطيع أن يكمل الآية فيقف على جملة، ثم يعيد ما قبلها عند إرادة استئناف القراءة، يعيد ما قبلها بناءً على أن ما بعدها متعلق بها ولا يدري أن الذي قبلها متعلق بالذي قبلها أيضاً. فمثلاً : لو قرأ قارئ : (( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )) فانتهى صوته إلى قوله : (( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ )) هنا لا يحسن أن يعود فيقول : (( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) لو أعاد قلنا : أعد الشرط أيضاً : حتى تعيد جواب الشرط مع الشرط، لكن الحمد لله ما دام وقفت لعذر، فابدأ من حيث وقفت، ولا حاجة إلى أن تعيد ما قبله، أما الآية الكريمة فسمعتم أن الله تعالى يقول : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) ولو سألت أي واحد منكم : ما معنى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) لقال : هذا إيش هو ؟ خبر ولا نداء ؟ نداء، ينادينا ربنا عز وجل : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) إذاً يجب أن نستمع، ماذا تريد يا ربنا ؟ ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا سمعت الله يقول : (( يا أيها الذين آمنوا )) فأرعها سمعك - استمع - فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه ) كل موضع في القرآن : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) لا بد أن يكون هناك خير، إما تؤمر به أو تنهى عنه، أو قصة نافعة ينفعك الله بها .
السائل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) .
الشيخ : أحسنت بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ، لكن هنا شيء ننبه عليه والحمد لله، أن جرى الأمر على ما فيه الخير : أولاً : استمعتم إلى قرائته يقرأ : (( وأرجلِكم )) وأرجلَكم، والذي في القرآن بيننا : ((وَأَرْجُلَكُمْ )) بالنصب، ولا شك أن القراءة الثانية صحيحة (( وأرجلِكم )) قراءة سبعية، ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن الإنسان الذي يقرأ للتعلم أو للتعليم يقرأ بكل القراءات، والذي يقرأ بين العامة في بلد لا يفهم فيه إلا قراءة واحدة لا ينبغي أن يخرج عن هذه القراءة الواحدة، لأن العامي لا يدرك، فإما أن ينتقد القارئ ويقول: لا يا أخي، وإما أن يحاول تقليد القارئ فيغلط، لأنه عامي، لذلك أنصح إخواننا الذين يعرفون عدة قراءات ألا يقرءوا في البلد إلا ما يعرفه عامهم وما كان موجوداً في مصاحفهم، لئلا يحصل البلبلة والشك. ثانياً : بعض الناس مثلاً : يأخذه النفس فلا يستطيع أن يكمل الآية فيقف على جملة، ثم يعيد ما قبلها عند إرادة استئناف القراءة، يعيد ما قبلها بناءً على أن ما بعدها متعلق بها ولا يدري أن الذي قبلها متعلق بالذي قبلها أيضاً. فمثلاً : لو قرأ قارئ : (( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً )) فانتهى صوته إلى قوله : (( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ )) هنا لا يحسن أن يعود فيقول : (( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) لو أعاد قلنا : أعد الشرط أيضاً : حتى تعيد جواب الشرط مع الشرط، لكن الحمد لله ما دام وقفت لعذر، فابدأ من حيث وقفت، ولا حاجة إلى أن تعيد ما قبله، أما الآية الكريمة فسمعتم أن الله تعالى يقول : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) ولو سألت أي واحد منكم : ما معنى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) لقال : هذا إيش هو ؟ خبر ولا نداء ؟ نداء، ينادينا ربنا عز وجل : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) إذاً يجب أن نستمع، ماذا تريد يا ربنا ؟ ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا سمعت الله يقول : (( يا أيها الذين آمنوا )) فأرعها سمعك - استمع - فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه ) كل موضع في القرآن : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) لا بد أن يكون هناك خير، إما تؤمر به أو تنهى عنه، أو قصة نافعة ينفعك الله بها .
صفة الوضوء في القرآن.
الشيخ : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ )) قمتم : أي أردتم القيام، والصلاة هنا شاملة للفريضة والنافلة، (( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )) وهذا أول ركن من أركان الوضوء، وما قبله سنة، وإيش اللي قبله ؟ التسمية، غسل الكفين ثلاثاً، هذا سنة، إن جاء به الإنسان فهو أكمل وإن لم يأت به فلا حرج عليه (( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )) غسلاً بدون فرك، وإن دلكت فلا بأس لاسيما إذا كان على وجهك شيء من الدهن، فهنا يتأكد أن تدلك الوجه، لأن الدهن يزل معه الماء، والوجه من الأذن إلى الأذن، إذاً الشعر الذي بين الخد والأذن يعتبر من الوجه، هذا في العرض، في الطول : من منحنى الجبهة، سواء كان الشعر نازلاً عنه أو صاعداً عنه، من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية، لا بد أن يغسل هذا كله، ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق، فلو قال قائل : إن الله لم يذكر المضمضة والاستنشاق، فالجواب سهل جداً : أين محل الأنف الذي هو محل استنشاق وأين محل الفم الذي هو محل المضمضة والاستنشاق ؟ إذاً هما داخلان في الوجه، وغسل الأنف بالاستنشاق وغسل الفم بالمضمضة، قال الله تعالى : (( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) إلى المرافق معناه : أين المبتدأ ؟ أطراف الأصابع، لأنه لما قال : (( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) صار لا بد أن يكون من أطراف الأصابع إلى المرفق، والمرافق داخلة في الوضوء، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين ذلك، وهنا نقف لننبه على ما يغفل عنه كثير من الناس حيث كانوا يغسلون اليد من الكف إلى المرفق ظناً منهم أن غسلها قد تم قبل غسل الوجه، وهذا غير صحيح، لا بد تغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفقين. طيب، وإذا كان على الإنسان جبة يصعب أن يبسرها، ماذا يصنع أيمسح عليها ؟ أليس لباس الرجلين الخفين يمسح عليه ؟ طيب ليش ما نقول : إذا كان عليك جبه كان الكم ضيقاً امسح عليه ؟ نقول : لا. ما يجوز، والدليل على هذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وتبوك كما تعلمون باردة، كان عليه جبة ضيقة الأكمام، فلما تعسر عليه أن يخرج ذراعه منها، طلع اليد، طلع يده هكذا ونزلها من تحت وغسلها، إذاً لا بد أن تغسل يديك بكل حال، ولا يمكن المسح، طيب قال الله تعالى : (( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) (( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ )) امسحوا ولم يقل اغسلوا، تخفيفاً على العباد، لأنه لو ألزمنا بغسل الرأس لقلنا : سمعاً وطاعة، ولكن الرب الرحيم عز وجل جعل فرض الرأس المسح، لأن الرأس مترئس، ولو غسله الإنسان لساح الماء على إيه ؟ على جسده، وماذا يحصل من المشقة خصوصاً في أيام البرد ؟ يحصل مشقة عظيمة، ولأن الرأس في الغالب مكسو بالشعر، والشعر إذا صببت عليه ماء أ وغسلته متى ييبس ؟ يأخذ مدة، فكان من حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن جعل فرض الرأس المسح، المسح، لم يذكر الله الأذنين، فنقول : أين محل الأذنين ؟ في الرأس، وإذا كانتا في الرأس فهما داخلتان في عموم قوله : (( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ )) والحمد لله على بيانه، يعنى مهما حاول الإنسان أن يسقط مسح الأذنين لم يتمكن، لا من القرآن ولا من السنة، أما السنة : فقد تواترت عن النبي عليه الصلاة والسلام أو استفاضت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه كان يمسح أذنيه مع رأسه، ولكن كيف يمسح الرأس ؟ امسح الرأس كما شئت، بيد واحدة تبرمها على الرأس كله، أو باليدين الاثنتين، والمسحة الواحدة تكفي، لكن الأفضل أن تبدأ من مقدم الرأس من عند الجبهة - هكذا بيديك على رأسك - ثم تمرهما على الرأس إلى الرقبة ثم تعود إلى المكان الذي بدأت منه، ثم تمسح الأذنين كل أذن بيد، إلا إذا كان ما تستطيع بإحدى اليدين فابدأ بالأذن اليمنى قبل اليسرى،كيف تمسح الأذنين ؟ مسح الأذنين سهل، أدخل السبابة في الصماخ، في الفتحة، أدخلها إدخالاً فقط بدون أن تبرمها، لأن إبرامها يعني تكرار المسح، وأمر الإبهام على ظهر الأذن،كم مرة ؟ مرة واحدة، ولهذا قال العلماء : " كل ممسوح فتكرار مسحه مكروه "، شوف الضابط : كل ممسوح فتكرار مسحه مكروه، الرأس، الخفين، الجبيرة لا تمسحها في التيمم مسحة واحدة، لكن انظر الفقه في الدين ، لماذا كره العلماء أن يكرر المسح ؟ قالوا : لأن الله سبحانه وتعالى خفف في طهارته فجعلها مسحاً، وتخفيف الكيفية يدل على أن تخفيف الكمية أفضل، الكمية يعنى إيه ؟ العدد، والكيفية : المسح بدل الغسل، فإذاً نقول : لا تكرر مسح الرأس ولا مسح الأذنين، قال الله عز وجل : (( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) يعني : اغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، والكعبان هما : العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهما داخلان في الغسل، وينبغي أن يخلل الإنسان بين أصابعه، لاسيما أصابع الرجلين المتلاصقة، لأن الناس يختلفون في أصابع الرجلين، بعضهم تكون أصابعه متلاصقة، وبعضهم منفرجة، وبعضهم الإبهام مع التي تليها منفرجة والباقي متلاصق، ومع ذلك كله نقول : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للقيط بن صبرة : ( خلل بين الأصابع )، ( خلل بين الأصابع ) فالتخليل بين الأصابع سنة، والواجب أن تتيقن أو يغلب على ظنك أن الماء دخل من بين الأصابع. انتهى الوضوء .
الواجب في الجنابة.
الشيخ : فما الواجب في الجنابة ؟
اسمع قول الله عز وجل : (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )) كلمة واحدة : (( فَاطَّهَّرُوا )) الذي عليه الجنابة ليس عليه إلا أن يطهر، ما عليه وضوء، عليه أن يطهر فقط، لأن الله ذكر الوضوء في مقابل الحدث الأصغر، الجنابة ما ذكر إلا كلمةً واحدة وهي : (( فَاطَّهَّرُوا ))، (( فَاطَّهَّرُوا )) فلنسأل أولاً : من الجنب ؟ الجنب : هو الذي أنزل المني بلذة، أو جامع زوجته وإن لم ينزل، هذا الجنب، فمتى جامع الرجل زوجته فقد أجنب سواء أنزل أم لم ينزل، ومن أنزل منياً لشهوة فقد أجنب سواء جامع أم لم يجامع، حتى لو فكر الإنسان وأنزل منياً فهو جنب يجب عليه الاغتسال، طيب لو أن الإنسان اغتسل فغسل أسفل جسمه قبل أعلاه يصح. يعنى بدأ بغسل فخوده وسيقانه وأسفل بطنه، ثم أفاض الماء على أعلى جسده، يجوز أو لا ؟ الجواب يعني ثابت لماذا ؟ لأن هذا يصدق عليه أنه تطهر، إذا عمم بدنه بالماء فقد تطهر، لكن لا شك أن الأفضل في الغسل أن يفعل الإنسان ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، ماذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في الغسل ؟ نظف فرجه من آثار الجنابة، ثم توضأ وضوءه للصلاة، وضوءاً كاملاً بالمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه ويدين، مسح الرأس، وغسل الرجلين، ثم أفاض على رأسه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده، ثم صلى، - هذه كيفية الغسل المسنونة المستحبة - وأما إفاضة الماء على الجسد كله بدون هذا الترتيب فهو الغسل الواجب، وهو مجزئ ويكفي، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم بأصحابه فإذا رجل منعزل لم يصل، قال له الرسول : ( تعال، ما الذي منعك أن تصلي ؟ قال : يا رسول الله. أصابتني جنابة ولا ماء ) إذا أصابته جنابة ما الذي يجب عليه ؟ الغسل، ما عنده والرجل لا يدري أن التيمم يكفي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) يريد بذلك التيمم، ( فإنه يكفيك ) يعني : عن الاغتسال، والظاهر أن الرجل تيمم وصلى، ثم جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بماء في مزادة، مزادة - قربة كبيرة - وكان القوم عطاشاً فاستقوا وسقوا الرِّكاب، ومن توضأ توضأ، فبقي شيء فأعطاه الرجل وقال له : ( خذ هذا فأفرغه على نفسك ) عن إيش ؟ عن غسل الجنابة، ولم يقل له الرسول : توضأ أولاً وأفض على رأسك ثلاثاً، قال : ( أفرغه على نفسك ) فدل هذا على أن الإنسان إذا اغتسل من الجنابة فعم بدنه بالماء كفاه على أي صفة كان، وعليه لو انغمس الإنسان في بركة أو في غدير - مجتمع ماء - بنية الغسل من الجنابة، ثم خرج وتمضمض واستنشق ومضى وصلى، يجزئ أو لا يجزئ ؟ يجزئ لأنه تطهر وتمضمض واستنشق، فارتفعت عنه الجنابة .
اسمع قول الله عز وجل : (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )) كلمة واحدة : (( فَاطَّهَّرُوا )) الذي عليه الجنابة ليس عليه إلا أن يطهر، ما عليه وضوء، عليه أن يطهر فقط، لأن الله ذكر الوضوء في مقابل الحدث الأصغر، الجنابة ما ذكر إلا كلمةً واحدة وهي : (( فَاطَّهَّرُوا ))، (( فَاطَّهَّرُوا )) فلنسأل أولاً : من الجنب ؟ الجنب : هو الذي أنزل المني بلذة، أو جامع زوجته وإن لم ينزل، هذا الجنب، فمتى جامع الرجل زوجته فقد أجنب سواء أنزل أم لم ينزل، ومن أنزل منياً لشهوة فقد أجنب سواء جامع أم لم يجامع، حتى لو فكر الإنسان وأنزل منياً فهو جنب يجب عليه الاغتسال، طيب لو أن الإنسان اغتسل فغسل أسفل جسمه قبل أعلاه يصح. يعنى بدأ بغسل فخوده وسيقانه وأسفل بطنه، ثم أفاض الماء على أعلى جسده، يجوز أو لا ؟ الجواب يعني ثابت لماذا ؟ لأن هذا يصدق عليه أنه تطهر، إذا عمم بدنه بالماء فقد تطهر، لكن لا شك أن الأفضل في الغسل أن يفعل الإنسان ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، ماذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في الغسل ؟ نظف فرجه من آثار الجنابة، ثم توضأ وضوءه للصلاة، وضوءاً كاملاً بالمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه ويدين، مسح الرأس، وغسل الرجلين، ثم أفاض على رأسه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده، ثم صلى، - هذه كيفية الغسل المسنونة المستحبة - وأما إفاضة الماء على الجسد كله بدون هذا الترتيب فهو الغسل الواجب، وهو مجزئ ويكفي، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم بأصحابه فإذا رجل منعزل لم يصل، قال له الرسول : ( تعال، ما الذي منعك أن تصلي ؟ قال : يا رسول الله. أصابتني جنابة ولا ماء ) إذا أصابته جنابة ما الذي يجب عليه ؟ الغسل، ما عنده والرجل لا يدري أن التيمم يكفي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) يريد بذلك التيمم، ( فإنه يكفيك ) يعني : عن الاغتسال، والظاهر أن الرجل تيمم وصلى، ثم جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بماء في مزادة، مزادة - قربة كبيرة - وكان القوم عطاشاً فاستقوا وسقوا الرِّكاب، ومن توضأ توضأ، فبقي شيء فأعطاه الرجل وقال له : ( خذ هذا فأفرغه على نفسك ) عن إيش ؟ عن غسل الجنابة، ولم يقل له الرسول : توضأ أولاً وأفض على رأسك ثلاثاً، قال : ( أفرغه على نفسك ) فدل هذا على أن الإنسان إذا اغتسل من الجنابة فعم بدنه بالماء كفاه على أي صفة كان، وعليه لو انغمس الإنسان في بركة أو في غدير - مجتمع ماء - بنية الغسل من الجنابة، ثم خرج وتمضمض واستنشق ومضى وصلى، يجزئ أو لا يجزئ ؟ يجزئ لأنه تطهر وتمضمض واستنشق، فارتفعت عنه الجنابة .
أحكام التيمم.
الشيخ : هنا يقول عز وجل : (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )) إذا لم نجد الماء وعلينا وضوء أو غسل فعلينا بالتيمم، علينا أن نتيمم صعيداً طيباً، والمراد بالطيب هنا : ضد الخبيث، والخبيث هنا يعني : النجس، أي صعيد نتيمم ؟ أي صعيد نتيمم ؟ هل لا بد أن يكون الصعيد فيه تراب ؟ الآية مطلقة : (( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبا )) المهم أن يكون طاهراً، سواء كان فيه تراب، فيه غبار أم لا، فمثلاً : لو أن الأرض أمطرت وصارت ندية ما فيها تراب، يجوز التيمم عليها ؟ نعم يجوز، أرض رملية ليس فيها إلا رمل نقي ما فيه غبار، يجوز أن يتيمم عليها ؟ نعم، أرض صخرية ليس فيها إلا حجارة نظيفة، الرياح قد أزالت عنها الغبار، يجوز التيمم عليها ؟ نعم، لأن الله تعالى قال : (( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )) ولم يقيده بشيء إلا أنه طيب، وجاءت السنة الموافقةً للقرآن في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته )، كيفية التيمم سهلة يا إخوان : التيمم تعبد لله عز وجل، بتعفير الوجه واليدين بالتراب أو بما هو مظنة التراب ليكون بذلك متطهراً، فكم أعضاء التيمم ؟ التيمم له عضوان فقط هما الأخ هما : الوجه واليدان، الوجه واليدان فقط، لأن أهم شيء في التيمم التعبد لله عز وجل، وإلا من المعلوم أن الإنسان ما ليس يرى طهارةً حسية بالتيمم، لكن والله فيه طهارة معنوية، ما هي ؟ طهارة القلب والتذلل لله تبارك وتعالى بالتعبد له، لو أن أكبر ملوك الدنيا قال لي أو لواحد منكم : اضرب الأرض بيديك وامسح بهما وجهك تعظيماً لي، أتطيعونه ؟ لا والله، والله لا نطيعه، لو يقطعنا لحما، لكن ربنا عز وجل لما قال لنا هذا قلنا : سمعنا وأطعنا، سمعاً وطاعة، ولذلك لما كان المقصود التعبد اختص التطهير بهذين العضوين : الوجه، لأنه أشرف من الرأس، واليدين، لأنهما أشرف من الرجلين، والإنسان إذا تعبد لله عز وجل بتعفير هذين العضوين الأكملين، فتعفير ما دونهما من باب أولى، ولذلك اختص التيمم بهذين العضوين وهما : هما الوجه والكفان، طيب تمسحهما كم ؟ مرة واحدة، لأني أعطيتكم قبل قليل قاعدة مفيدة وهي: " أن الممسوح لا يكرر مسحه "، طيب تبدأ بالتيمم بالوجه ولا باليدين ؟ بالوجه، لأن الله تعالى بدأ به فقال : (( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ )) ولقد أعطانا إمامنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
اضيفت في - 2009-05-19