تفسير قوله تعالى :" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم" . حفظ
الشيخ : أما ما أريد أن أعلق فيه على قراءتنا في هذه الليلة، فكلنا سمعنا القارئ يقول أو يقرأ قول الله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ )) إلى آخر الآيات. ففي هذه الآيات الكريمة يخبر الله سبحانه وتعالى عن جزاء الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، أي: أنهم أقروا واعترفوا بأن الله وحده هو ربهم. ونستفيد هذا الحصر من تعريف ركني الجملة، أي جملة؟ (( ربنا الله ))، وأين ركناها ؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا.
الطالب : ... .
الشيخ : ربنا هذا الركن الأول وهو المبتدأ، والله الركن الثاني وهو الخبر، والركنان هنا معرفتان.
وقد ذكر علماء البلاغة أن من طرق الحصر تعريف الركنين في الجملة بأن يكون طرفاها معرفتين، أي: ربنا الله وحده لا رب لنا غيره، وهذا هو تحقيق التوحيد، ثم استقاموا على شريعة الله، وهذا تحقيق المتابعة.
يقول عز وجل : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ألا تخافوا وتحزنوا )) (( تتنزل عليهم )) متى؟
هل هو عند الموت أو في كل موطن خوف؟
الجواب : الثاني أم الأول؟
الطالب : الأول.
الشيخ : الثاني، لأن الثاني أعم، في كل موطن خوف تتنزل عليهم الملائكة لتطمئنهم وتقرر نفوسهم ألا تخافوا ولا تحزنوا.
ألا تخافوا على شيء مستقبل، ولا تحزنوا على شيء ماض.
والإنسان دائما يغتم من الماضي ويهتم بالمستقبل، فإذا انتفى عنه الخوف من المستقبل والحزن على الماضي تمت لهم الراحة والطمأنينة. إذن الخوف يا أخ، الخوف من أي شيء؟ أجب بارك الله فيك؟ لا هذا، نعم. أجب، ما في جواب؟ نعم.
الطالب : الخوف يكون عن المستقبل والحزن يكون عن الماضي.
الشيخ : نعم أحسنت. ألا تخافوا من مستقبل ولاتحزنوا على ماضي.
(( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )).
فلما نفى عنهم ما يخافون ويحزنون أثبت لهم مايسرون به (( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة )).
فالملائكة أولياء للمؤمنين في الدنيا وفي الآخرة. ولهذا تجد المؤمن يسدد دائما في أقواله وأفعاله، لأن الله سبحانه وتعالى يسخر الملائكة لتثبيته كما قال الله تعالى : (( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا )).
(( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم )) أي في الآخرة. (( ولكم فيها ما تدعون )) ما تطلبون. وهذا تمام النعيم، بل إن الله عز وجل يقول في سورة ق : (( لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد )).
ثم قال عز وجل : (( نزلا من غفور رحيم )). والنزل معناها الضيافة التي تقدم للضيف، فهؤلاء يحصل لهم ما يشتهون وما يدعون نزلا من الله عز وجل، بمغفرته لهم ورحمته إياهم وصلوا إلى هذا النزل (( نزلا من غفور رحيم )).