يقول السائل : ما حكم الإسلام في البيع بالأجل مع الزيادة وهل يعد ذلك من الربا .؟ حفظ
السائل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : ما حكم الإسلام في البيع بالأجل مع الزيادة؟ وهل يعد ذلك من الربا ؟
الشيخ : أولا : أنا دائما أقول: لا ينبغي أن يوجه السؤال إلى شخص بمثل هذا التعبير، وهو ما حكم الإسلام؟ أو ما حكم الشرع؟ لأنك إذا وجهت السؤال إلى شخص تقول : ما حكم الإسلام؟ ثم أخطأ في جوابه ينسب الخطأ لمن؟ للإسلام، لكن قل : ما تقول في كذا وكذا أو ما رأيك؟ أو ما حكم الإسلام في رأيك؟ فتقيد، أما أن تطلق، ليس أحد يتكلم باسم الإسلام إلا حسب ما يظهر له منه، وقد يظهر للإنسان أن هذا من الإسلام وليس منه.
هذه نقطة أحب أن لا يوجه الخطاب إلى الإنسان بمثل هذه الجملة.
أما بالنسبة لبيع الأجل، فبيع الأجل جائز بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين.
يقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه )).
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث أحيانا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ).
ما معنى الإسلاف؟ الإسلاف أن يقدم المشتري الثمن ويؤخر المثمن، مثل: يأتيني شخص محتاج إلى دراهم وهو من الفلاحين، فأقول له : أنا أعطيك ألف ريال بخمسمائة صاع من البر بعد سنة، يجوز أو لا؟ يجوز، ما دمنا عينا الأجل وحددنا المبيع بوصف منضبط، في هذه الحال سوف يأخذه المشتري بثمن أقل أو لا؟ خلوكم معي بارك الله فيكم.
أعيد المثال مرة ثانية.
طيب، جاءني فلاح محتاج إلى دراهم، وقال: أريد ألف ريال، اشتر به مني تمرا، فقلت له: ما في مانع، هذه ألف ريال بخمسمائة صاع من البر. أنا إذا أعطيته الألف بخمسمائة صاع من البر سوف يكون شرائي أرخص من السوق أو لا؟
الطالب : ... .
الشيخ : لماذا؟ لأنه فيه أجل، لأني لو أردت أشتري من السوق بألف ريال نقدا لكانوا يعطونني أقل مما اشتريت من الفلاح، الفلاح بيأخر المثمن، وهذا أمر لا بد أن يكون، يعني لا بد أن يكون هناك فرق بين الثمن المؤجل والثمن الحاضر، أو بين المثمن المؤجل وبين المثمن الحاضر.
فإذا جاءني رجل يطلب مني سيارة، قال: كم تبيع السيارة؟ قلت: أبيع السيارة بعشرين ألف نقدا، وبخمس وعشرين ألفا مؤجلا، قال: أنا أريدها مؤجلة بخمس وعشرين ألف، هذا لا بأس به ولا مانع، لأن الله تعالى يقول : ( وأحل الله البيع وحرم الربا )، وهذا ليس فيه ربا، وليس فيه غرر، وليس فيه جهالة، لأن المشتري ذهب مني على ثمن معلوم أو مجهول؟ معلوم، فيه ربا؟ ليس فيه ربا، لأنني أنا حر أبيع السيارة بخمس وعشرين، أبيعها بعشرين، أبيعها بعشرة، أبيعها بثلاثين، ما أحد يمنعني، فأنا بعتها بخمسة وعشرين مؤجلة لا مانع.
نعم، لو أن الرجل اشترها مني بعشرين وكتبنا العقد، بعشرين ألف وذهب، ثم رجع إلي من الغد، وقال: والله يا أخي ما حصلت عشرين ألف ريال، أنظرني سنة وأعطيك خمس وعشرين ريال، يجوز أو لا؟
هذا لا يجوز، هذا حرام، لماذا؟ لأن هذا الرجل ثبت في ذمته كم؟ عشرين ألف ريال دراهم. فجاء إلي يريد أن يجعل العشرين خمسة وعشرين مع التأجيل، هذا حرام، لأنه بيع دراهم بدراهم مع الزيادة، فهو ربا فضل وربا نسيئة، بخلاف ما لو بعت عليه السلعة، فإني أبيعها أنا حر بعشرين بخمسة وعشرين بثلاثين بعشر، ما أحد يمنعني، وليس فيه محذور شرعي.
ولهذا كان القول الراجح بلا شك أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة إنما ينصب تماما على مسألة العينة، ودليل ذلك ظاهر، لأنه نهى عن بيعتين في بيعة، وقال : ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ). فما هي مسألة العينة؟ تعرفونها؟ ما قرأتم ... ؟
مسألة العينة: أن أبيع على شخص سلعة بثمن مؤجل، ثم أشتريها منه بأقل منه نقدا.
أعيد مرة ثانية.
أن أبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم أشتريها منه بأقل منه نقدا، يعني يدا بيد.
مرة ثالثة.
الطلاب : مفهومة.
الشيخ : مفهومة.
المثال: بعت على هذا الرجل سيارة بعشرين ألفا إلى سنة، ما الذي ثبت في ذمته؟ ثبت عشرين ألف إلى سنة، ثم رجعت إليه وقلت: تعال بع علي السيارة أعطيك دراهم نقد، بكم؟ بخمس عشرة.
هذه هي العينة، وهي حرام، لماذا ؟ لأنها حيلة، حيلة على الربا، بدل ما أقول : خذ خمسة عشر ألف بعشرين إلى سنة، ندخل السيارة بينهما ونقول: خذ السيارة بعشرين ألف إلى سنة ثم أرجع عليك، وقال: أعطني السيارة، بكم؟ بخمسة عشر نقدا.
تسمى هذه مسألة العينة، لأن البائع في الواقع أو المشتري إنما أجرى هذا العقد لاحتياجه إلى عين، والعين هو النقد، فتحيل على الربا بهذه الطريقة.
نقول : ( لك أوكسهما ) أي أقلهما، ما هو الأقل؟ الخمسة عشر، ( أو الربا )، فنقول للبائع الآن الذي اشتراها بخمسة عشر بعد أن باعها بعشرين، نقول: إما أن تقتصر على خمسة عشر، ولا يكون على المشتري شيء، وإما أن تقع في الربا إن أخذت منه العشرين كاملة.
وهذا واضح جدا، أي تنزيله على مسألة العينة واضح، وهذا هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كما نقله عنه تلميذه ابن القيم في تهذيب السنن سنن أبي داود.
على كل حال الآن فهمنا أن بيع التأجيل حلال أو حرام؟
الطالب : ... .
الشيخ : بيع التأجيل حلال، هذا هو الأصل لدخوله في قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ))، لكن إن تضمن محذورا كمسألة العينة صار حراما. نعم.