تفسير قوله تعالى : (( يآأيها النبي إنا أرسلناك )). حفظ
الشيخ : (( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا )) لا يخفى ما في توجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة النداء يا أيها النبي بأن هذا يدل على التعظيم أي تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخفى ما في علو المرتبة من قوله يا أيها النبي حيث وصفه بالنبوة ولا يخفى ما في مسك الختام من قوله إنا أرسلناك.
فجمع الله في هذه الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بين الوصفين النبوة والرسالة ولذلك أنه عليه الصلاة والسلام نبئ أولا ثم أرسل ثانيا.
نبئ : أي نزل عليه الوحي دون أن يؤمر بالتبليغ . فبأي شيء نبئ ؟ نبئ باقرأ. (( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم )).
فهذه الآيات هي أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي.
نبئ بها وفتر الوحي ثم نزل عليه (( يا أيها المدثر قم فأنذر )) وبذلك صار ايش؟ صار رسولا. ولهذا قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر ". طيب ما الفرق بين النبي والرسول؟ عند جمهور العلماء أن الفرق بينهما أن النبي أوحي إليه بالشرع لكن لم يكلف بالإبلاغ وإنما يتعبد به بنفسه إحياء لشريعة كانت قبله أو لشريعة مبتدأة انتبهوا.
أما الرسول فإنه أوحي إليه بالشرع وألزم بالبلاغ ولذلك سمي رسولا من الرسالة وهي ندب الإنسان إلى أحدهم يبلغه حاجة ما. وعلى هذا فكل نبي كملوا. خطأ. وعلى هذا فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا بارك الله فيكم. انتبهوا التقليد المحض هذا يضر الإنسان طيب.
محمد رسول الله نبي رسول لا شك في هذا جمع الله له بين النبوة والرسالة.
فإن قال قائل : ما تقولون في حديث البراء بن عازب الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقوله عند المنام ومنه : ( آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ) فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء الذي علمه أعاده عليه البراء وقال : ( وآمنت بكتابك الذي أنزلت ورسولك الذي أرسلت ). فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا. قل ونبيك الذي أرسلت ) وأنتم الآن تقولون إن كل رسول نبي ولا عكس. فإذا قال : ورسولك الذي أرسلت فكأنما قال : ونبيك الذي أرسلت ومع هذا خطأه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( قل ورسولك الذي أرسلت ).
فقال : ( قل ونبيك الذي أرسلت ) . لماذا ؟
قال بعض العلماء : إنه خطأه محافظة على اللفظ الوارد في الأذكار وأن الإنسان لا ينبغي له أن يبدل الألفاظ الواردة في الأذكار بشيء آخر ولو كان متضمنا لها واضح يا أخ ؟ قم.
الطالب : الجواب؟
الشيخ : الجواب
الطالب : ... .
الشيخ : أحسنت استرح قالوا رد عليه لأجل أن يحافظ على اللفظ الوارد في الأذكار ولا يغيره وهذا وإن كان له وجه من النظر لكن أحسن منه الجواب الثاني وهو أنه إذا قال ورسولك الذي أرسلت فإنه يحتمل أن يراد أو فإنه يحتمل أن يراد به الرسول الملكي أما إذا قال نبيك الذي أرسلت فانه لا يحتمل أن يكون المراد به الرسول الملكي الكلام واضح ؟
واضح. طيب هل الملك رسول ؟
نعم قال الله تعالى : (( جاعل الملائكة رسلا )). وقال الله تعالى في القرآن الكريم (( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين )) من المراد بالرسول هنا؟ جبريل ملك فإذا قال برسولك الذي أرسلت فإنه يحتمل أن يكون المراد برسوله الذي أرسل أي بملك من ملائكة الذين أرسلهم لكن إذا قال بنبيك تعين أن يكون المراد به الرسول البشري. وهذا هو المطلوب.
أرأيتم لو قال قائل : بالوجهين وقال إنه خطأه لملاحظة أن الذكر لا ينبغي أن يغير لفظه ولأجل أن لا يظن الظان أن المراد به الرسول الملكي يمكن أين يجمع بين الوجهين؟
يمكن لماذا؟
الطالب : ... .
الشيخ : ولو منافة؟
الطالب : ... .
الشيخ : طيب أحسنت. وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها إذا وجد قولان في مسألة من المسائل في معنى آية أو حديث وكان اللفظ يحتملهما ولا تناقض بينهما فإنه يحمل ايش؟ على المعنيين ما دام ليس بينهما منافاة واللفظ يحتملهما حمل على المعنيين. ولهذا أمثلة كثيرة في القرآن الكريم منها قوله تعالى : (( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس )) الليل إذا عسعس معناها أدبر وقيل معناها أقبل والإقبال غير الادبار. لكن هل بينهما منافاة؟
يعني لو قال قائل : إن الله أقسم بالله حين إقباله وبالليل حين إدباره هل هناك تناقض؟ لا. لأن إقبال الليل أو إدبار الليل كلاهما من آيات الله عز وجل.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (( ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله )) قال بعض المفسرين : الظالم لنفسه الذي يؤخر الصلاة عن وقتها والمقتصد الذي يؤديها في الوقت لكن لا في أوله. والسابق بالخيرات الذي يؤدي الصلاة في أول وقتها.
وقال آخرون : الظالم لنفسه الذي يبخل بالزكاة والمقتصد الذي يؤدي الزكاة ولا يتطوع بالصدقة والسابق بالخيرات الذي يؤدي الزكاة ويتطوع بالصدقة.
فهل يمكن أن نقول : إن الآية تشمل القولين ؟
نعم. يمكن لماذا ؟ لأنها تحتملهما على السواء ولا منافاة بينهما.
الذي يؤخر الصلاة عن وقتها ظالم لنفسه والذي يمنع الزكاة الواجبة ظالم لنفسه. الذي يؤدي الصلاة في وقتها ولكن ليس في أوله والذي يؤدي الزكاة الواجبة ولا يتصدق كلاهما مقتصد. والذي يؤدي الصلاة في أول وقتها أو في آخره إن كان هو الأفضل والذي يؤدي الزكاة الواجبة والصدقة كلاهما سابق بالخيرات.
وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها. قم.
الطالب : السؤال.
الشيخ : السؤال هي القاعدة التي أصلناها وأتينا لها بأمثلة.
الطالب : إذا كانت الآية تحمل أكثر من معنى.
الشيخ : نعم.
الطالب : فالجمع بينهما فإنها تحتمل
الشيخ : فإنها تحمل .
الطالب : أي تحمل.
الشيخ : سواء في القرآن أو في السنة بارك الله فيك.