شرح قول المصنف : باب ما جاء في الرياء حفظ
الشيخ : المؤلف أطلق الترجمة، وقال: " باب ما جاء " من أجل أن يحكم الإنسان بنفسه على الرياء بناء على ما جاء فيه.
والرياء مصدر رآى يرائي، كجاهد يجاهد، المصدر جهاد، ومصدر رآى يرائي رياء، ويقال أيضا مراءاة كما يقال مجاهدة، والمهم أن الرياء مصدر رآى يرائي، ومعنى رآى يرائي أي عمل العمل ليراه الناس، ويدخل في ذلك من عمل العمل ليسمعه الناس، فيقال إنسان مسمّع، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ( من رآى رآى الله به، ومن سمّع سمّع الله به ). والرياء خلق ذميم وهو من صفات أهل النفاق، كما قال الله تعالى: (( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا )) ..
واعلم أن الرياء يبحث فيه في مقامين، المقام الأول: في حكمه، والمقام الثاني: في حكم العبادة إذا اتصل بها. فها هنا أمران أو مقامان، المقام الأول في حكم الرياء، والمقام الثاني في حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء.
أما الأول: فإن الرياء من الشرك، لأن الإنسان قصد بعمله غير الله، فيكون مشركا، وهل هو شرك أكبر أو أصغر؟ نقول: هو شرك أصغر، لكنه قد يصل إلى حد الأكبر، وقد مثّل ابن القيم رحمه الله للشرك الأصغر بأمثلة منها قوله : ويسير الرياء، وهذا يدل على أن الرياء أن كثيره قد يصل إلى الشرك الأكبر، هذا باعتبار المقام الأول وهو حكم الشرك. ويدل على ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب التفسير.
أما المقام الثاني وهو حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء، فإن العبادة إذا اتصل بها الرياء يكون الاتصال فيها على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل، يعني: ما قام يصلي إلا رياء، ما صام إلا رياء، ما تصدق إلا رياء، ما حج إلا رياء، ما قصد وجه الله، فهذا لا شك أن العبادة باطلة ليست مقبولة، مع ما فيها من التحريم كما سبق.
القسم الثاني أو الحال الثانية: أن يكون مشاركا للعبادة في أثنائها، بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص مخلصا لله، لكن يطرأ عليه الرياء في أثناء العبادة، فها هنا إن كانت العبادة لا يرتبط آخرها بأولها، فأولها صحيح بكل حال، مثل: لو كانت العبادة صدقة، عنده مئة ريال فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية، فالخمسون الأولى أيش حكمها؟
الطالب : مقبولة.
الشيخ : صحيحة ما طرأ عليها شيء. وكذلك لو كان عنده صاع من الطعام فتصدق بنصفه صدقة خالصة، ثم بعد ذلك طرأ عليه الرياء عند الصدقة بالنصف الباقي، فالأول منها صحيح وليس فيه شيء.
أما القسم الثاني من العبادة فهو التي يتصل آخرها بأولها، بمعنى أن بطلان آخرها يبطل أولها، فهمتم؟ مثل أيش ؟ كالصلاة مثلا، كالصلاة فهذه إن كان الرجل دافع الرياء ولم يسلم إليه وكرهه وأعرض عنه فإنه لا يؤثر عليه شيئا، لماذا ؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) وهذا الرجل ما عمل، ما اطمأن إلى ما طرأ على قلبه من الرياء، بل كرهه ودافعه وأعرض عنه، فهذا لا يضره.
والحال الثانية أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه بل يقره، فحينئذٍ تبطل العبادة، وببطلان آخرها يبطل أولها، لأن أولها ينبني على آخرها، طيب.
إذا كان لا ينبني آخرها على أولها، فالذي يبطل آخرها فقط. أفهمنا الآن؟
فصار الحال الأولى إذا صحب الرياء العبادة، القسم الأول أن يكون الباعث له على العبادة الرياء، فهنا تبطل العبادة من أصلها.
القسم الثاني: أن يطرأ عليه في أثناء العبادة فله حالان: الحال الأولى أن يدافعه، والحال الثانية أن يسكن إليه ويقره، ففي الحال الأولى لا يضره، وفي الحال الثانية يفسد عليه العبادة كلها إن كانت ينبني آخرها على أولها، وإلا اختص البطلان بما قارنه الرياء فقط، مفهوم هذا ؟
طيب، فإذا قال قائل: هل من الرياء أن يفرح الإنسان إذا علم الناس بعبادته؟
الجواب: لا، ليس من الرياء، لأن هذا إنما طرأ عليه بعد فراغه من العبادة.
فإذا قال قائل: هل من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة؟ فالجواب: لا، بل إن ذلك دليل على إيمانه، كما جاء في الحديث: ( من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ) والأول إذا قلنا أنه فرح بثناء الناس عليه بما فعل من الخير قلنا ليس من الرياء، وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) أن الله تعالى يطلع العباد على عمله فيثنون عليه بما يستحق من هذا العمل.
فإذن ما يطرأ بعد انتهاء العبادة لا يؤثر عليها، اللي يكون بعد انتهاء العبادة لا يؤثر عليها، اللهم إلا أن يكون هذا الشيء فيه عدوان كالمن والأذى في الصدقة، فإن هذا العدوان يكون إثمه مقابلا لأجر الصدقة فيبطلها، كما قال الله تعالى: (( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى )).
أرجو المقام اتضح الآن؟
الكلام في الرياء في مقامين، المقام الأول: في حكمه، والثاني: في حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء.
قلنا في حكمه أنه من الشرك الأصغر وقد يكون أكبر. في حكم العبادة المتصل بها، قلنا: إن كان الباعث على العبادة هو الرياء فهي باطلة جملة وتفصيلا باطلة بكل حال، وإن كان الباعث على العبادة الإخلاص لكن طرأ عليها الرياء، فهذا له حالان، الحال الأولى: أن يركن إلى ذلك ويسكن إليه ويطمئن به، فماذا يكون الحكم ؟ تبطل العبادة إن كانت مما ينبني آخرها على أولها، وإلا صح منها ما لم يكن فيه الرياء، وبطل ما فيه الرياء. والحال الثانية: أن لا يطمئن إلى الرياء ويكرهه ويهرب منه فما حكمه؟ هذا لا يؤثر على عبادته شيئا، واضح ؟
طيب، لا بد لنا من الأدلة على هذه الأشياء، نقول: أما إذا كان الباعث له الرياء فالدليل على بطلانه أيش؟ هذا الحديث الذي معنا، قال الله تعالى: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) وقال سبحانه وتعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )).
وأما بطلانها إذا طرأ عليه في أثنائها، فلأن العبادة إذا بطل آخرها وهي مما ينبني أولها على آخرها إذا بطل آخرها بطلت جميعا كما لو أحدث في أثناء الصلاة مثلا تبطل الصلاة كلها، أما إذا كان لا ينبني بعضها على بعض فإن الأول الجزء الأول منها صحيح، ما خالطه رياء ولا شيء، مبني على الإخلاص، والجزء الثاني منها يكون باطلا. وأما إذا طرأ عليه الرياء وهي الحال الثانية ولكنه لم يطمئن إليه ولم يقره، فدليله قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ).
السائل : رمضان ...
الشيخ : لا، منفصل يعني اليوم ينفصل عن أمس.