التعليق على الأبيات السابقة، الرد على من قال أن كلام الله مخلوق وما يلزم من كلامهم حفظ
الشيخ : يقول هذا: إلزام، لما ألزمناهم يا جماعة لما ألزمناهم فيما سبق بأن نفي الكلام يتضمن نفي الرسالة، وبأن نفي الكلام يتضمن النقص، ألزمناهم بإلزام ثالث: بأن نفي الكلام يتضمن أن يكون كلام الناس كلهم بل كلام الخلق كلهم حتى نباح الكلاب ونهيق الحمير كلام الله، انتبه، هذا لازم فاسد ليش؟ لأنهم إذا قالوا إن كلامه مخلوق، نقول: وكلام المخلوقات مخلوق، وإذا كان الكلام المخلوق يضاف إلى الله، لزم أن يكون كلام المخلوقات أيش؟ كلاما لله، لزم أن يكون كلام الملخوقات كلاما لله، لأنكم أنتم تقولون يضاف الكلام إلى الله وإن كان مخلوقا له واضح؟ إذن كلام البشر وكلام الطير، كلام الحمير، كلام الكلاب، كله كلام الله على زعمكم، ليش؟ لأنه مخلوق لله. الاتحادي اللي يقول باتحاد الخلق الخالق والمخلوق قال: نعم.
" وكل كلام في الوجود كلامه *** سواء علينا نثره ونظامه "
التزم، الاتحادي فصار أطرد قاعدة منهم، ليش؟ لأنه طرد قوله لم يتناقض، قال: كل ما خلق الله من الكلام فهو كلامه، وهم تناقضوا فجعلوا الكلام الذي أضافه الله إليه كلامه، وكلام الناس ليس كلامه، ما أدري واضح ولا؟ واضح محمد؟ طيب.
نقول: يلزمكم إذا قلتم بأن الله لا يتكلم وأن الكلام مخلوق، يلزمكم أن تقولوا بأن كلام جميع الناس كلام لله، بأن كلام الناس كلام لله، لأنه مخلوق، وإضافة كلامه إليه لا يمنع أن يكون غيره مخلوقا، كما أضاف إليه البيت وهو خلقه، ولا يمنع أن تكون البيوت الأخرى مخلوقة له، وكما أضاف إليه الناقة ولا يمنع أن تكون النوق الأخرى مخلوقة له، كذلك أيضا أضاف الكلام إليه وهو مخلوق له، فكلام الناس مخلوق له، فعلى زعمكم يكون كلام الناس كلام الله لأنه مخلوق.
فإذا قلتم: إن الكلام وإن كان مخلوقا فهو كلامه، لزمكم أن تقولوا إن كلام المخلوقات كلام الله، واضح التلازم؟ هاه؟
الطالب : فإن قالوا نحن ما ألزمنا هذا الشيء؟
الشيخ : لا، سيجيب المؤلف عنها.
المهم الآن نقول لهم: إذا قلتم بأن الله لا يتكلم وأن كلامه مخلوق، قلنا: يلزمكم أن تقولوا بأن كلام الناس كلام الله، لأنه مخلوق، حيث جعلتم ما خلق الله من الكلام كلاما له، فيلزمكم على هذا أن تكون كلام المخلوقات أيش؟ كلاما لله لأنها مخلوقة، أي فرق بين الكلام الذي هو كلام الله وأنتم تقولون مخلوق وبين الكلام الآخر، كلها مخلوقة، فإذا كانت الإضافة عندكم لأنه مخلوق، فهذا يشمل جميع الكلام، حتى كلام الخلق، ولهذا أهل الوحدة والاتحاد اللي قالوا وحدة الوجود، قالوا: نعم، كلام الورى كلام للخالق، وقالوا بالبيت المشهور
" وكل كلام في الوجود كلامه *** سواء علينا نثره ونظامه "
ولنستمع الآن إلى كلام المؤلف، قال:
" أو ليس قد قام الدليل بأن *** أفعال العباد خليقة الرحمن "
الجواب: بلى، دليل واحد؟ قال المؤلف:
" من ألف وجه أو قريب الألف *** يحصيها الذي يعنى بهذا الشان "
لو ندور ما لقينا ولا خمسين، نعم، لكن المؤلف يقول: من ألف وجه أو قريب الألف، خلها تسعمئة، تسعمئة دليل تدل على أن أفعال العباد مخلوقة لله عز وجل، عرفتم؟ من يحصيها؟ الذي يعنى بهذا الشأن، يعتني به ويلتمس الأدلة النقلية والعقلية من الكتاب والسنة والعقل والحس، يحصيها، فيكون يعني على هذا
" يكون كل كلام هذا الخلق *** عين كلامه "
ليش كان عين كلامه؟ لأنه مخلوق له، فأنتم تقولون كلام الله مخلوق له، فجعلتم الكلام المخلوق عين كلام الخالق، نقول لهم: وكلام البشر مخلوق فعلى رأيكم يكون عين كلام الخالق.
قال: " سبحان ذي السلطان إذ كان منسوبا إليه كلامه *** "
يعني كلام الخلق " خلقا "، " إذ كان منسوبا إليه كلامه *** خلقا "
ويجوز أن يكون كلامه أي كلام الله، يعني: إذا كان كلام الله منسوبا إليه لأنه خلقه، فليكن كلام البشر منسوبا إلى الله لأنه خلقه، صح ولا لا؟ فهم يقولون نسب إلى الله لأنه خلقه، وإضافته إليه كإضافة ناقة الله وبيت الله إلى الله. نقول: إذا كان منسوبا إليه لأنه خلقه، فقولوا أيضا بأن كلام الناس كلام الله منسوب إليه لأنه خلقه، يلزمهم هذا، ما داموا يجعلون القاعدة كل كلام خلقه الله فهو ينسب إليه، فليكن كلام الخلق منسوبا إلى من؟ إلى الله.
" إذ كان منسوبا إليه كلامه *** خلقا " لأنهم يقولون الكلام مخلوق، " كبيت الله ذي الأركان " الآن بيت الله أضافه الله إليه خلقا
الطالب : تشريف
الشيخ : إيه، خلقا ولا لأ؟ خلقا، لكنه أضافه للتشريف، لما أضاف الله البيت إليه خلقا، هل منع أن يكون غير بيت الله خلقا له؟ هو خلق المساجد الأخرى، خلق الجبال، خلق الأنهار، فلما أضاف الله الخلق إلى البيت لم يكن، نعم، لما أضاف الله البيت إلى نفسه خلقا لم يكن هذا مانعا بأن ينسب إليه المخلوقات أيضا، فالكل مخلوقات الله، كلها مخلوقات الله، هذا الجبل خلق الله، هذه الشمس خلق الله، هذا البيت خلق الله، واضح؟ فلما نسب إلى الله خلقا لم يمنع أن ينسب إليه الآخر. قال: " هذا ولازم قولكم قد قاله *** ذو الاتحاد مصرح ببيان
قاله حذر التناقض إذ تناقضتم *** "

الاتحادي من هو؟ الذي قال بوحدة الوجود، وقال: إن كلام الخلق هو كلام الخالق، لأن الله خلقه فهو كلامه، يقول ابن القيم: إن الاتحادي التزم بهذا وطرده، وأنتم تناقضتم، فقلتم: كلام البشر لا ينسب إلى الله وإن كان خالقه، والكلام المخلوق الذي ينسب إلى الله ينسب إلى الله، نعم، هذا تناقض ولا لأ؟ لأنكم إذا جعلتم نسبته إلى الله أو وجه نسبته إلى الله أنه خلقه لزمكم أن تنسبوا كلام الخلق إلى الله لأن الله خلقه، ولا فرق. طيب، يقول: إن الاتحادي طرده.
" *** لكن طرده في غاية الكفران "
ما فيه شك، نحن نكفره وأنتم تكفرونه، الاتحادي اللي يقول إن كلام الخلق هو عين كلام الخالق كافر، نحن نكفره وهم يكفرونه أيضا، وهذا الاطراد اطراد في باطل غير مقبول.
" فلئن زعمتم أن تخصيص القرآن *** كبيته وكلاهما خلقان
فيقال ذا التخصيص لا ينفي العموم *** كرب ذي الأكوان "

نعم، لو قلتم لو زعمتم أن تخصيص القرآن كتخصيص بيته، يعني: أن الله أضافه إليه تشريفا وتعظيما، كما أضاف البيت إليه تشريفا وتعظيما، نقول: هذا لا يمنع أن يكون غير البيت مخلوقا لله ومنسوبا إليه، كذلك لا يمنع لما أضاف الكلام إلى نفسه أن يكون كلام غيره منسوبا إليه ومخلوقا، فالحقيقة أن الكلام باعتبار ما أضيف إلى الله وما أضيف للبشر كالبيت باعتبار إضافته لله وكغيره من الأكوان، فتخصيص البيت بأنه بيت الله وهو الذي خلقه، لا يمنع أن يكون خلق غيره أيضا، وينسب إلى الله غير البيت خلقا ولا ما ينسب؟ ينسب إلى الله خلقا، قال: خلق السماوات، ويقول: السماوات خلقه.
" ويقال أيضا رب العرش أيضا هكذا *** تخصيصه لإضافة القرآن
لا يمنع التعميم في الباقي *** "

الله أضاف الربوبية إلى العرش، فقال: (( رب العرش العظيم )) هل إضافته الربوبية للعرش يقتضي أنها خاصة بالعرش، أو هي عامة؟
الطالب : عامة.
الشيخ : ولهذا قال:
" لا يمنع التعميم في الباقي وذا *** في غاية الإيضاح والتبيان "
فكذلك إذا أضاف الله الكلام الذي زعمتم أنه مخلوق إلى نفسه لا يمنع أن يكون غيره من الكلام منسوبا إلى الله أيضا، لأنه خلقه، فالتخصيص لا يمنع التعميم، هذا خلاصة كلام ابن القيم.
فصار الآن هذا الفصل خلاصته: أنه يلزم على قولهم إن كلام الله مخلوق أيش؟ أن يكون كل كلام في الوجود كلاما لله منسوبا إليه، لأن العلة في نسبة كلام الله إليه ما هو؟ أنه مخلوق له، فنقول هذه العلة ثابتة في كلام الناس، فإن كلام الناس مخلوق لله، فيلزمكم على هذا أن يكون كلام الناس كلاما لله كما قلتم في الكلام المخلوق أنه منسوب إلى الله، نقول أيضا هذا كلام مخلوق فينسب إلى الله، عرفتم ولا لأ؟
فإذا قالوا: إن نسبته إلى الله كنسبة البيت إلى الله. قلنا لهم: ونسبة البيت إلى الله لا يقتضي التخصيص، فإن الله تعالى أضاف البيت إليه على سبيل التشريف، وأما على سبيل الخلق فإن غير البيت أيضا داخل في كونه مخلوقا لله، كرب العرش، هل نقول: إن الله لما أضاف ربوبيته إلى العرش اقتضى ذلك ألا يكون ربا لغيره؟ لا ما نقول هكذا، فالتخصيص لا يمنع التعميم، نعم.