قال الله تعالى : << بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم و ما يجحد بئاياتنآ إلا الظالمون >> حفظ
التفسير
قال الله تعالى: (( بل هو آيات بينات )) (بل هو) هذه (بل) للإبطال وقد سبقَ لنا أن (بل) تأتي للإضراب وأنَّ الإضراب نوعان: إضرابٌ لإبطال ما سبَق وإضرابٌ للانتقال منه إلى ما فوقَه أو دونِه، ولهذا يقال: الإضراب نوعان: إبطَاليّ وانتقَاليّ ففي قوله تعالى: (( بل ادَّارَكَ علمُهم في الآخرة بل هم في شكٍّ منها بل هم منها عَمُون )) ما نوْع الإضراب؟
الطالب: انتقالي
الشيخ : انتقالي، وهُنا لَمَّا قال الله تعالى نعم وقولُه تعالى: (( إذا تُتْلى عليه آياتنا قال أساطيرُ الأولين * كلَّا بل رانَ على قلوبِهم )) ما هذا؟
الطالب: إبطال.
الشيخ : هذا إبطَال أبطَلَ قوله: إنَّها أساطير الأولين، هنا قال: (بل هو آيات) هذا إبطالي ولَّا انتقالي؟
الطالب: إبطالي
الشيخ : (( وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ )) يحتمِل أنَّه إبطَالِيّ أو انتقَالِيّ، أما كونُه إبطاليًّا فهو لِإِبْطَالِ قولهم: إنَّه جاء بِه مِن عندِه، أمَّا كونُه انتقاليًّا فإنَّه لَمَّا نفى ما يكُون به مُتَقَوَّلًا على الله أثبت أنَّه آياتٌ مِن الله فيكون انتِقَالًا مِن النَّفْي إلى الإِيجَاب قال: (( بل هو )) أي القرآن (( آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )) أي المؤمنين يحفظونَه " قوله: (آيات) جمعَها لأنَّ كلَّ آية من القرآن فهي آيةٌ على صدْقِ الرسول صلى الله عليه وسلم لأنَّ كلَّ آيةٍ منه فهي -كما قال أهل العلم- معجِزَة كلّ آية مِن القرآن فهي معجِزَة والله تعالى تحدَّى الناس والعَرْب كلَّهم أن يأتوا بمثْلِ هذا القرآن أو بعَشْرِ سورٍ منه أو بسُورة أو بحديث ولو آيَة قال الله تعالى: (( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ {أنت معنا يا عبيد؟ ما أظن} لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ))[الإسراء:88] هذا عمومُ القرآن، عشرة سور (( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ))[هود:13] وهذه سورة هود، السورة الواحدة: (( أم يقولون افترَاه قل فأْتُوا بسورةٍ مِن مثلِه )) وهذه في يونُس، الآيةُ الواحدة (( فليأتوا بحدِيثٍ مثلِه إن كانوا صادقين )) وهذه في سورة الطور، إذًا كلُّ آيةٍ منه فهي آيَة ومعجِزَة للرسول عليه الصلاة والسلام ولهذا قال: (( بل هو آياتٌ )) جمعَها، والآيات العلامات كما تقدَّم وسبَق أنَّ آياتِ الله سبحانه وتعالى تنقَسِم إلى كونِيَّة وشرْعِيَّة.
الطالب: ... الإعجاز فقط بلفظه؟
الشيخ : لا، كلّه لفظِه ومعناه وكل ما يتعلَّق به الإعجاز، وقوله: (( بيِّنَات )) أي ظاهِرات لا إشكَال فيها ولا غُمُوض، وقوله: (( في صدور الذين أوتوا العلم )) (في) للظرفية حملَها المؤلف وكثيرٌ من المفسرين على أنَّ المراد حِفْظُه عن ظهْرِ قلب وأنَّ هذا القرآن محفوظٌ في الصدور ولهذا قال المؤلف في تفسيره: "
أي المؤمنين يحفظونه " ويكون المعنى أنَّ هذا القرآن محفُوظٌ في الصدور، ويحتَمِل أنَّ المعنى آياتٌ بيناتٌ في صدورِ الذين أوتوا العلم أي في قلوبِهم أي أنَّهم يعلمُون أنَّه حقّ كما قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ))[يونس:57] وقد يقال: إنَّ المراد النوعَانِ جميعًا أي حفظُه في الصدور فإنَّه يدُلُّ على أنه معتَنًى به ومهْتَمٌّ به، وكذلك كونُه آياتٍ بينات في الصدور يعتَرِفُ به أهلُ الإيمان أهلُ العلم، المهم أنَّه لا ينبغي أن نقْتَصِر على أنَّ المراد أنَّه في صدورهم يحفظُونَه بل أنّه في صدورِهم يعلَمُونَه ويحفظونه كذلك فأهل العلم يعرِفُون في قلوبِهم أنَّ القرآن آياتٌ بينات ولا يمتَرُون في هذا ولذلك قال: (( وما يجحَدُ بآياتنا إلا الظالمون ))، وقول المؤلف: " (( في صدور الذين )) .. أي المؤمنين " بناءً على أنَّ المرادَ به أهل العلم العامِلِين به وهذا لا يكون إلَّا للمؤمنين، وقوله: (( وما يجحد بآياتنا )) تقدم أن الجحْد هنا ضُمِّن معنى ايش؟
الطالب: التَّكذيب.
الشيخ : التكذيب، وقوله: (( الظالمون )) الظلم هنا الظلم الأكبر لأنَّ الظلم ظُلْمان: ظلم أصغر وهو ما دون الشرك والكفر، وظلمٌ أكبر وهو الكفر والشرك وكلاهُما موجُودٌ في القرآن ايش مثال الظلم الأكبر؟
الطالب: (( إنَّ الشرك لظلم عظيم ))
الشيخ : (( إنَّ الشرك لظلم عظيم ))، وكذلك هنا في هذه الآية، كذلك (( الكافرون هم الظالمون ))، طيب الظلم الأصغر
الطالب: (( قال رب إني ظلمت نفسي فاغفِر لي ))
الشيخ : نعم (( قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ))، (( إنَّما السبيل على الذين يظلِمُون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ))