هل يجوز بناء المساجد والإنفاق على الدعاة وغير ذلك من أموال الزكاة؟ حفظ
السائل : هل يجوز بناء المساجد في بلاد الكفر من أموال الزكاة وكذلك هل يجوز بناء المساجد في البلاد الإسلامية الفقيرة إذا تعذّر وجود حكومة قادرة على ذلك وهذا أيضاً من أموال الزكاة ، والشق الآخر من السؤال هو هل يجوز الصرف من أموال الزكاة على الدعاة المتبرعين للدعوة سواءً في بلاد الكفر أو في البلاد الإسلامية الفقيرة ؟
الشيخ : الذي نعتقده جواباً عن هذا السؤال المتضمن أكثر من سؤال واحد هو أن مصارف الزكاة منصوصٌ عليها في كتاب الله عزوجل ،وليس في تلك الأنواع التي ذكرت في القرآن الكريم ما يدلنا على صرف أموال الزكاة المفروضة على بناء المساجد سواء كان البناء في بلاد إسلامية أو غيرها وأنا أعلم أن بعض الناس اليوم يذهبون إلى تجويز ذلك ولهم في ذلك مأخذان ، المأخذ الأول نظرتهم إلى قوله تعالى(( وفي سبيل الله )) حيث نظروا إلى أن معناه أعم من أن يكون سبيل الله في هذا النص القرآني هو الجهاد وهو قتال الأعداء ، وفي المعنى الآخر الثابت في السنة الحج أيضاً من سبيل الله كما في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وغيرهما ، نظر بعض الكتّاب الإسلاميين اليوم إلى جملة (( وفي سبيل الله )) أنه بمعنى أوسع من المعنيين السابقين ذكراً فقالوا كل شيء كان في طاعة الله عز وجل يجوز صرف مال الزكاة فيه ، نحن لا نرى هذا الرأي الواسع لسببين سأذكرهما لكن بعد أن أذكر المأخذ الآخر لأولئك وهو أنهم يرون أن المسلمين اليوم مع الأسف الشديد لما افتقدوا الدولة المسلمة التي هي من واجباتها أن تقوم بتحقيق كل ما يساعد الأمة على المحافظة على دينها وعلى شعائرها وعباداتها ، لما افتقدوا ذلك رأوا التوسع في معنى في سبيل الله حتى يتمكن المسلمون أن يقوموا بتحقيق ما فاتهم بسبب فوات الدولة المسلمة بطريق هذا التوسع في مصرف الزكاة ألا وهو قوله (( في سبيل الله )) .أنا شخصياً لا أرى هذا لما يأتي وأنا أقول هذا في كثير من كلماتي ومحاضراتي :
أولا : نحن ندّعي الانتماء للسلف الصالح وهذا لأمر هام أعتقد أن كل من تبيّنه لا يسعه إلا أن يكون سلفي المشرب والمذهب ، ننتمي للسلف الصالح لأنهم هم الجيل الأول الذين تلقّوا الإسلام كتاباً وسنة من النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنىً ثم هم الذين طبّقوه وجعلوه لهم مسلكاً ومنهجاً في حياتهم . هؤلاء لا نعلم عنهم أنهم توسّعوا في تفسير (( في سبيل الله )) ذلك التوسع بل جلّهم ذكروا أن السبيل هنا هو الجهاد في سبيل الله وقتال أعداء الله ، وبعضهم وسّعه فأدخل فيه كما ذكرنا آنفاً الحج كما جاء في حديث في سنن أبي داود أيضاً وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع ورجع من حجته جاءت إليه امرأة أظن أنها تعرف بأم طوق فقالت يا رسول الله إن زوجي أبا طوق حج وعنده الجمل الفلاني وما أحملني عليه فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم وراء أبي طوق فذكر شكوى زوجته عليه فقال يا رسول الله إني كنت أعددته في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام ( أما إنك لو أحججتها عليه لكان في سبيل الله ) . فأخذ من هذا الحديث الإمام أحمد وغيره فأدخلوا في مصارف الزكاة في قوله تعالى (( وفي سبيل الله )) بعد الجهاد أيضاً الإحجاج إلى بيت الله الحرام لمن كان في حاجة إلى ذلك المال ، أما بأوسع من هذا المعنى فلم نجد له ذكراً في سلف الأمة لا قولاً وبياناً للآية ولا تحقيقاً وتطبيقاً لها في صرفهم لأموال الزكاة في مثل هذه المشاريع الخيرية ، لذلك لا أرى التوسع في هذه الجملة المباركة .
السبب الآخر أنه يبدو لي وإن كان قد لا يحق لي أن أذكر هذا على اعتبار أن القضية قضية عربية وأنا لا أنسى أصلي فأنا رجل ألباني وقد يكون كما يقال العرق دساس ، أقول إن فهم هذه الجملة بعد تعداد أغلب الأصناف لا يتجاوب مع الفصاحة والبلاغة التي عُرف بها القرآن الكريم لا سيّما وقد ذكرت هذه الأنواع بأداة الحصر (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) فلو كان (( في سبيل الله )) يقصد به المعنى الأعم الأشمل لكان هذا التعداد لا وجه له فيما نفهم من اللغة العربية ،ولذلك أنا أقول إن كنت ألبانياً عِرقاً فأنا سلفي مبدأً وعقيدةً فالعصمة من الوقوع في الإنحراف هو مذهبي وليس نسبي ،
السائل : ... .
الشيخ : وهذا حديث ضعيف جدا ... قطعة من حديث ... وهو لا يعلم أن هذا الحديث لا يصح وأنا كنت على انتباه لقولك ... وما قلت : قال رسول الله، ولكن كي لا يغتر بعضهم فأحببت أن أنبه على هذا، وهذا في الحقيقة يذكّرني بشيء وقع لبعض إخواننا في سوريا والشيء بالشيء يذكر لا سيّما إذا كان فيه عبرة لمن يعتبر .
ألّف بعضهم كتاباً وبطبيعة الحال ذكر فيه أحاديث كثيرة فطلب مني تخريج هذه الأحاديث فاستجبت له من باب التعاون على البر والتقوى وإذا بي أفاجأ بأن الرجل طبع الكتاب وكل حديث رآني بعد تخريجي إيّاه قد ضعّفته حذف التخريج والتضعيف وحذف قوله بين يدي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه جعل الحديث بين هلالين فقط ، جعله الحديث بين هلالين يشعر القارئ أن هذا الحديث الذي تعرفه لكن هو لم يقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإيهامه هذا بوضع الحديث بين هلالين يشعر القارئ أن هذا حديث معروف فهو في ظنه من ناحيته أشفع الحذر الديني طبعاً هو ما كذب على الرسول ولا نسب إليه شيء من ... لكن من الناحية الثانية أبقى قيمة لهذه الجملة لأنه وضعها بين هلالين وهذه القيمة للجملة من أين تأتي ؟ من سماعهم لهذه الجملة النبوية لذلك فأنا حذر جداً أن يتسرب إلى لسان بعض القراء أو بعض السامعين شيء ليس من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام .
خلاصة القول : (( وفي سبيل الله )) لم يثبت توسيعه بهذا المعنى الواسع عن السلف أولاً ثم حصر الله عز وجل لهذه المصارف الثمانية المعروفة يبطل هذا التوسيع وإلا ما كان فائدة تذكر من ذكر هذه الأصناف الثمانية وكان قد اكتفى بالقول إنما الصدقات في سبيل الله ، ولكان هذا المعنى حينئذٍ بنفس المعنى الذي جاء في حديث آخر وهو من حديث كعب بن عجرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم حين مر رجل شاب جلد فذكرنا من قوته ونشاطه فقلنا لو كان هذا في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن كان هذا خرج يسعى وراء أولاد صغار له فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين له فهو في سبيل الله ) فصحيح وفي سبيل الله تأتي بالمعنى الأوسع ولكن في الآية ليست بهذا المعنى
الأوسع لذلك لا نرى صرف هذه الزكوات في سبيل بناء المساجد سواء كانت في أرض إسلامية أو في أرض غير إسلامية ، الذي أراه في الحقيقة أن هذه الفتاوى فهي إنما تصدر لتدارك النقص الذي يقع فيه أغنياء المسلمين وهم يضنون بأموالهم أن ينفقوها في المشاريع الخيرية ويبقى لهم أجرها وأجلها إلى يوم القيامة كما جاء في الحديث الصحيح ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) فالصدقة الجارية باب واسع جداً ومنها كما جاء في حديث فيه بعض الطول في صحيح ابن خزيمة ( أو مسجداً بناه أو نهرا أجراه )، فهذا من جملة الصدقات الجارية ، لما ضنّ أغنياء المسلمين وبخلوا بأموالهم أن يصرفوها في هذه المشاريع الخيرية من أموال النفل وليس الفريضة وأراد بعض الناس اليوم أن يتداركوا هذا التقصير الحاصل في أرض الإسلام وسّعوا معنى (( وفي سبيل الله )) فأدخلوا في ذلك بناء المساجد والمدارس والمستشفيات ونحو ذلك،ونحن نقول :
" أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل *** ما هكذا يا سعد تورد الإبل "
ما يكون الإصلاح بتغيير المفاهيم الإسلامية المتينة توارثها الخلف عن السلف لأجل مشكلة وقعت للمسلمين بسبب تقصير بعضهم بالقيام بما فرض الله عليه من الزكوات ومن ... الأخرى ،لا يمكن المعالجة بأن نأتي إلى نصوص ونغيّرها ولكن المعالجة تكون بتذكير هؤلاء الأغنياء بما أنعم الله عليهم وأن يقوموا بشكر هذه النعم وكما قال تعالى (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) .