عن أبي هريرة قال : ( إنما الإيمان كثوب أحدكم يلبسه مرة ويخلعه أخرى ) وعنه مرفوعا : ( إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا انقلع رجع إليه الإيمان ) و قال أحمد عن ابن عباس أنه قال لغلمانه : ( من أراد منكم الباءة زوجناه لا يزني منكم زان إلا نزع منه الله نور الإيمان فإن شاء أن يرده رده وإن شاء أن يمنعه منعه ) في هذه الأحاديث أن الإيمان يثبت مرة واحدة أو ينفى مرة واحدة فكيف يجمع بين هذا وبين الآيات الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه وهل الأحناف يقولون أن الزاني يكفر ؟ حفظ
عيد عباسي : عن أبي هريرة أنه كان يقول إنما الإيمان كثوب أحدكم يلبسه مرة ويخلعه أخرى وعنه مرفوعا ( إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا انقلع رجع إليه الإيمان ) وقال أحمد عن ابن عباس أنه قال لغلمانه من أراد منكم الباءة زوجناه لا يزني منكم زان إلا نزع الله منه نور الإيمان فإن شاء أن يرده رده ومن شاء أن يمنعه منعه .
الأحاديث تدل حسب ما بدى لي أن الإيمان ... مرة واحدة أو ينفى مرة واحدة فكيف يجمع بينها وبين الآيات التي تدل على زيادة الإيمان ونقصانه وما تعليل استشهادكم على مذهب الأحناف في الموضوع بأنه الإيمان يكون أو لا يكون بحديث إيمان الزاني هذا مع أنه يوافق مذهبهم كما يبدو وجزاكم الله خيرا ؟
الشيخ : أعطيني الورقة، ... الحديث الأول لا أذكر إذا كان ثابتا أو لا وهو ( إن الإيمان كثوب أحدكم يلبسه مرة ويخلعه أخرى ) هذا لا أعرفه ... .
عيد عباسي : موقوف هو على كل .
الشيخ : لا الموقوف غيره .
عيد عباسي : ... عن أبي هريرة .
الشيخ : أه صح نعم .
عيد عباسي : ... .
الشيخ : وفي كمان عن أحمد موقوف الذي يستحق التعليق في ظني على هذا السؤال هو الحديث المرفوع الذي ذكره السائل بعد الحديث المروي عن أبي هريرة الموقوف الأول، هذا على أنه موقوف أنا لا أذكر إذا كان ذلك ثابتا عن أبي هريرة أم لا.
أما الحديث الثاني وهو قوله عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا زنا الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان ) هذا الحديث لا متمسك به لمن ذهب إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأرجو من السائل والسامع في أن واحد أن يكونوا أو أن يحاولوا أن يكونوا ممن تحدث رسولنا صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) فهو ينبغي أن ينظر في الحديث نظرة صادقة متجردة عن تأييد مذهب على مذهب فإذا كان هذا الحديث كما يتوهم السائل يؤيد مذهب الحنفية فهل الحنفية يقولون أن الزاني زنا زنا كفر فالحديث نفسه لا يقول به الحنفية خلافا لما توهم السائل ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) هم الأحناف أنفسهم وهذا في الواقع مما يقيم الحجة عليهم بكلامهم لا يجدون تفسيرا لهذا الحديث ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) وهو مفسّر لهذا الحديث إلا على طريقة الجمهور من السلف الصالح الذين يقولون إن الإيمان ليس فقط في الاعتقاد بل وفيه يدخل أيضا العمل الصالح ومن هنا جاء إعتقادهم الآخر الصحيح أن الإيمان يزيد وينقص وهذا صريح في القرآن الكريم ولذلك فقوله عليه السلام في الحديث المذكور ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) كيف تأوله الأحناف أنفسهم، قالوا ( وهو مؤمن ) كامل الإيمان إذًا الإيمان له مراتب وله درجات فيدخل فيه نقص ويدخل فيه زيادة فتأويلهم للحديث هو تأييد لرأي الجمهور الذين يقولون بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الإيمان من معناه العمل الصالح .
إذا عرفنا هذه الحقيقة ورجعنا إلى هذا الحديث فلا يمكن أن يفسّر هذا الحديث لا على مذهب الجمهور الذين يقولون بأن الإيمان يزيد وينقص ولا على مذهب الحنفية الذين يقولون الإيمان لا يزيد ولا ينقص وإنما هو حقيقة واحدة .
السائل : ... .
الشيخ : ترائي من ؟ ... فقوله ( إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان فكان كالظلة ) نحن إذا نظرنا هنا إلى لفظتين أول الإيمان وثانيا الظلة فهل نأخذ لفظة الإيمان بالمعنى الجامد الذي لا يقبل الزيادة والنقص وهذا لا يقوله علماء السلف قاطبة وهنا بالذات لا يقوله الحنفية أيضا لأنهم لو قالوا خرج منه الإيمان معناها أنهم قالوا بقولة الخوارج وهو أن ارتكاب الذنب الكبير هو خروج من الدين وهذا والحمد لله لا يقول به الحنفية لذلك فهم سيضطرون إلى تأويل الإيمان هنا بمثل ما أولوا الحديث الآخر ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) أي وهو مؤمن كامل الإيمان فهنا يخرج منه الإيمان كله وإلا الإيمان الكامل الذي يستلزم ألا يقع في مثل هذه المعصية، هذا التأويل الأول، أن نقول إيمان يعني الإيمان الكامل أما الإيمان المنجي من الخلود يوم القيامة فأقل منه بكثير ينجي .
هذه اللفظة ينبغي النظر إليها أولا لفهم الحديث على الوجه الصحيح، اللفظة الأخرى ( فكان عليه كالظلة ) هذا لا يعني أن الإيمان خرج منه خروجا حتى لو فسرنا الإيمان بالإيمان المطلق أي خرج الإيمان .
طيب اللفظة الأخرى ( فكان عليه كالظلة ) هذا لا يعني أن الإيمان خرج منه خروجا حتى لو فسرنا الإيمان بالإيمان المطلق أي خرج الإيمان الكامل والناقص بحيث لم يبق في قلبه شيء من الإيمان، لو فسرنا هذا التفسير أيضا فلا يعني الحديث أنه هذا الرجل خرج منه الإيمان وانفصل عنه بالكلية أي إنه مات موتا معنويا أي إنه صار كافرا، لا، لأنه خرج منه وصار متعلقا به تعلق الظلة بالمظلل بالظلة وأقرب شيء نستطيع أن نفسر تعلق الإيمان والحالة هذه بصاحب هذه الجريمة خروج الروح من الإنسان وهو نائم ففرق بين خروج الروح من الإنسان وهو نائم فهو لا يزال حيا لكن حياته غير الحياة الطبيعية وهو يقظ وعلى العكس من ذلك خروج الروح من بدن الإنسان نهائيا فيصبح بدنه كالخشبة، هكذا نستطيع أن نفرّق بين خروج الإيمان كله من الإنسان فيموت موتا معنويا كما يموت الجسد بانفصال الروح منه انفصالا كليا وبين أن يموت نصف موتة أو بعض موتة إذا صح التعبير بأن يخرج من الإنسان هذا الإيمان الكامل الذي لا يليق بهذا المجرم الذي ارتكب الزنا فإذًا هذا خروج لا يزال الإيمان متعلقا بصاحبه كما لا تزال الروح متعلقة بصاحبها في حالة نوم الجسد ولا تزال الروح متعلقة .
فإذًا خرج منه الإيمان الكامل ولم يخرج منه خروجا مطلقا بحيث لم يبق له علاقة فإذا انقلع هكذا جاء في اللفظ وأظن أقلع رجع إليه الإيمان فأخذ الحديث، خلاصة القول، أخذ الحديث ودراسته دراسة سطحية ظاهرية هذا أولا ليس من طريقة العلماء إطلاقا لا فرق بينهم بين الماتوريدية مثلا والأشاعرة في ما يتعلق بموضوع الإيمان زيادته وعدم زيادته .
وماذا يقول السائل في مثل الحديث الصحيح وهو أصح من هذا ( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ) هل نفسره هكذا على الظاهر؟ لا إيمان مطلقا، لا أحد يقول بهذا لا حنفي ولا شافعي إذًا لا إيمان كاملا ( ولا دين لمن لا عهد له ) لا دين كاملا وهكذا.
كذلك هذا الحديث ينبغي أن يُفسّر ملاحظا فيه الإيمان الكامل أولا وشيء زايد وهو أن يكون عليه كالظلة ليس منفصلا عنه بالكلية لذلك إذا ما أقلع عن الذنب عاد هذا الإيمان إلى صاحبه لأنه لم ينفصل عنه بالكلية .
ومن هذا البيان والشرح أظن يؤخذ الجواب عن سؤال السائل حين أتبع ما سبق بقوله وقال أحمد حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن سفيان عن إبراهيم المهاجر عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال لغلمانه " من أراد منكم الباءة زوجناه لا يزني منكم زان إلا نزع الله منه نور الإيمان فإن شاء أن يرده رده وإن شاء أن يمنعه منعه " فهنا نزع الله منه نور الإيمان بُيّن المنزوع وليس هو الإيمان نفسه وإنما نوره وهذا بدهي، يقول السائل الأحاديث السابقة تدل حسب ما بدى لي أن الإيمان يثبت مرة أو يُنفى مرة واحدة، يُثبت مرة أو يُنفى مرة واحدة فكيف يُجمع بينها وبين الأيات التي تدل على زيادة الإيمان؟ قد عرفنا يا أخي الجواب إنه مادام الإيمان يزيد وينقص فالمنفي هو الإيمان الكامل وليس أصل الإيمان وقد ضربت مثلا آنفا واضحا جدا ( لا إيمان لمن لا أمانة له ) ومثله أحاديث كثيرة لا إيمان كاملا وإلا إذا أخذنا الأحاديث وفسرناها على ما يريد السائل تركنا مذهب أهل السنة جميعا على مابينهم من اختلاف في زيادة الإيمان ونقصانه والتحقنا بالخوارج الذي يكفرون المسلمين بمجرد وقوعهم في بعض المعاصي الكبيرة .