تفسير قوله تعالى:(( رِزْقاً لِلْعِبَادِ )) حفظ
الشيخ : (( لها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبَادِ )) أي فعلنا ذلك لرزق العباد، لأن العباد محتاجون إلى رزق الله سبحانه وتعالى، وفي الحديث القدسي، حديث أبي ذر الغفاري الذي رواه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربه أنه قال سبحانه وتعالى : ( يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ) كل العباد جائعون، من يستطيع أن يخرج حبة من الأرض؟ من يستطيع أن يخرج تمرة من شجرة، أو ثمرة من شجرة؟، لايستطيع ذلك أحد، إذا فالذي أخرج لنا هذه الثمرات من هو؟ الله عز وجل : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ )) بل أنت يا ربنا الزارع، والله لو بذرنا في الأرض كل حبة، وسقيناه بكل ماء وخدمناه بكل طعم، ما استطعنا أن نخرج حبة واحدة منه، ولكن الله تعالى برحمته وقدرته هو الذي يخرجه، (( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ )) يعني لو شاء الله عز وجل لجعله حطاما بعد أن يخرج ويبرز ويطيب يرسل الله عليه آفة من السماء فتحطمه بعد أن تتعلق قلوبنا ونفوسنا به يحطمه الله عز وجل، ولكن من رحمته جل وعلا وقدرته ينميه ويغذيه لنا حتى يطيب أكله ويسهل علينا ذلك، يقول : (( رزقا للعباد )) إذا ما نجد من ثمار النخيل وغيرها من الأشجار ونحصده من الزروع كله رزق من الله لعباد الله عز وجل، وقوله تعالى : (( رزقا للعباد )) هل المراد عباد الرحمن المطيعون لأمره أو جميع العباد؟ المراد جميع العباد، ولهذا نجد هذه النخلات وطلعها موجودا عند أكثر عباد الله، لأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ولكني أقول لكم ما يأكله الكفار من تمرة، وما يرفعون إلى أفواههم من لقمة، وما يتجرعونه من شربة ماء فكله يأثمون به، يأثمون به ويعاقبون عليه يوم القيامة، الدليل على هذا قول الله تبارك وتعالى : (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) إذا هي لغير الذين آمنوا ليست حلالا في الدنيا ولا خالصة يوم القيامة، ولكنها حرام عليهم وهم معاقبون عليها يوم القيامة، وقال تعالى : (( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ))، (( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ))، إذا من لم يؤمن هل عليه جناح فيما طعم؟ أجيبوا؟ نعم عليه جناح فيما طعم، لأن الله يقول : (( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ))، إذا الذين لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات عليهم جناح فيما طعموا، يوم القيامة يحاسبون عليه، يعاقبون عليه، وهذ كما أنه دلالة السمع فهو أيضا دلالة العقل، كيف تتمتع بنعمة الله وأنت تبارز بالعصيان، ما الذي يحلل لك أن تتمتع بنعمه وأنت تكفر به؟ ولهذا قال تعالى : (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ )) وبهذا نعرف قدر نعمة الله علينا بدين الإسلام، نسأل الله أن يتمها علينا إلى أن نلقاه، آمين آمين، هؤلاء الكفار ما رفعوا من لقمة ولا تجرعوا من شربة إلا وهم آثمون عليه يوم القيامة يحاسبون به، وما لبسوا من ثوب إلا وهم محاسبون عليه يوم القيامة يعاقبون على ذلك، فلا تظنوا أن الجنة التي كتبت لهم في هذه الدنيا لا تظنوا أنها ستكون يوم القيامة ورودا بل ستكون عذابا عليهم يوم القيامة، بخلاف المؤمن، المؤمن هي له في الدنيا خالصة يوم القيامة ولله الحمد وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : ( إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) سجن المؤمن وجنة الكافر، كيف نشرح هذا الحديث؟ شرحه أن الدنيا نعيمها بالنسبة لنعيم الآخرة سجن، ولذلك إذا مات الإنسان في يومه يشاهد الجنة في يومه إذا دفن، لا بل قبل أن يدفن، إذا أتته الملائكة تبشره تقول لروحه اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رحمة الله ورضوان فتخرج مستبشرة منقادة يسهل عليها أن تفارق هذا البدن الذي سكنت فيه ما شاء الله أن تسكن، لأنها إيش؟ بشرت بما هو خير، فإذا حمله الناس، إذا حمل الناس الجنازة على أعناقهم تقول قدموني قدموني، يعني أسرعوا بي حتى أصل إلى النعيم، فإذا دفن الإنسان، وأجاب الرسل، الملائكة، الذين يسألونه عن ربه ودينه ونبيه فتح له باب إلى الجنة، ووسع له القبر مد البصر، وأتاه من نعيم الجنة وروحها ما لا يكون أكبر نعيم في الدنيا عند هذا شيئا، لا يساوي شيئا، إذا فالدنيا سجن المؤمن لأنه انحبس فيها عما هو أكبر منها نعيما، وأكبر منها ملكا، لكنها بالنسبة للكافر إيش هي؟ جنة، لأنه حبس فيها عن عذاب وهوان وغضب، فإنه إذا أتاه الملكان أولا يبشر عند الاحتضار يبشر بالعذاب والعياذ بالله، يقال لروحه اخرجي إلى غضب الله، فتخرج مكرهة لا تريد الخروج، ثم تقول إذا حملت، يا ويلها أين تذهبون بها، يا ويلها أين تذهبون بها، فإذا نزلت في القبر وجاءتها الرسل الملائكة ولم تجب بالصواب ضيق عليها القبر حتى تختلف أضلاعه، تختلف، يشتبك بعضها ببعض من شدة التضييق، ويفتح له باب إل النار ويأتيه من حرها وسمومها، طيب، إذا الدنيا بالنسبة لهذا العذاب ماذا تكون إيش؟ تكون جنة، جنة، لأنها الراحة، لكن هذا عذاب، ويذكر أن الحافظ ابن حجر رحمه الله صاحب * فتح الباري شرح صحيح البخاري *، كان قاضي القضاة في مصر، قاضي القضاة في مصر مثل رئيس القضاة عندنا أو وزير العدل أكبر شيء في القضاء، وكان يركب عربة تجرها البغال من بيته إلى مكان عمله، وهذا أكبر ما عندهم في ذلك الوقت، فمر ذات يوم برجل يهودي زيات، يعني يبيع إيش؟ الزيت، والزيات تعرفون، ثيابه دنسة، متعب، فقال، لما مر به ابن حجر أوقفه، قال إن نبيكم يقول : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) وكيف يكون هذا؟ أنت الآن في نعيم وأنا في عذاب، فكيف كانت لي جنة ولك سجن؟ فقال له ابن حجر نعم، لأن ما أنا فيه من النعيم الآن بالنسبة للجنة في الآخرةة إيش؟ سجن، وما أنت فيه الآن من الشقاء بالنسبة لعذاب الآخرة جنة، معلوم، فقال اليهودي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لأن الواقع انطبق تماما على حاله مع حال ابن حجر رحمه الله، فالمهم أن قوله تعالى : (( والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد )) هو لا يخص المؤمنين، هو رزقا للعبد الكفار وغير الكفار، ولكن ستقولون كيف يكون الكافر عبدا؟ نقول كان عبدا بالعبودية الكونية، لا بالعبودية الشرعية، وهذه العبودية قد دل عليها قوله تعالى : (( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )) كل الناس عباد الله، ف(( النخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد )) .