تتمة تعليق الشيخ على ما تقدم من قراءة القارئ : " ... وأما ما احتج به المعتزلة من قوله تعالى : (( لا تدركه الأبصار )) ؛ فلا حجة لهم فيه ؛ لأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية ، فالمراد أن الأبصار تراه ، ولكن لا تحيط به رؤية ؛ كما أن العقول تعلمه ولكن لا تحيط به علما ؛ لأن الإدراك هو الرؤية على جهة الإحاطة ، فهو رؤية خاصة ، ونفي الخاص لا يستلزم نفي مطلق الرؤية . وكذلك استدلالهم على نفي الرؤية بقوله تعالى لموسى عليه السلام : (( لن تراني )) لا يصلح دليلا ، بل الآية تدل على الرؤية من وجوه كثيرة ؛ منها : 1 - وقوع السؤال من موسى ، وهو رسول الله وكليمه ، وهو أعلم بما يستحيل في حق الله من هؤلاء المعتزلة ، فلو كانت الرؤية ممتنعة لما طلبها . 2 - أن الله عز وجل علق الرؤية على استقرار الجبل حال التجلي وهو ممكن ، والمعلق على الممكن ممكن . 3 - أن الله تجلى للجبل بالفعل ، وهو جماد ، فلا يمتنع إذا أن يتجلى لأهل محبته وأصفيائه . وأما قولهم : إن (( لن )) ، لتأبيد النفي ، وإنها تدل على عدم وقوع الرؤية أصلا فهو كذب على اللغة فقد قال تعالى حكاية عن الكفار : (( ولن يتمنوه أبدا )) ، ثم قال : (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك )) ، فأخبر عن عدم تمنيهم للموت بـ (( لن )) ، ثم أخبر عن تمنيهم له وهم في النار . وإذا ؛ فمعنى قوله : (( لن تراني )) : لن تستطيع رؤيتي في الدنيا ؛ لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته سبحانه ، ولو كانت الرؤية ممتنعة لذاتها ؛ لقال : إني لا أرى ، أو لا يجوز رؤيتي ، أو لست بمرئي ... ونحو ذلك ، والله أعلم ... " . حفظ