فوائد قوله تعالى : (( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور )) . حفظ
في هذه الآية فوائد : منها تسلية النبي صلى الله عليه وسلم حينما أعرضوا عن إجابته لقوله : (( فما أرسلناك عليهم حفيظاً )) .
ومن فوائد الآية الكريمة : أنها تسلية للدعاة من بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، أن الداعي عليه إيش ؟ عليه البلاغة، وليس عليه أن يهدي الناس ولا يمكن ذلك، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بأنه رأى النبي وليس معه أحد فكيف نغضب إذا دعونا إلى الله ولم يستجب لنا أحد ؟ إذا كان الأنبياء وهم الأنبياء لا يستجاب لهم كيف بنا نحن ؟ ولهذا نرى بعض الدعاة إذا لم يجد مجيباً استحسر وترك الدعوة هذا غلط، لا يجوز أبدا أن تيأس من رحمة الله، ادع ثم ادع ثم ادع حتى لو أوذيت بدل أن يستجاب لك فلا تيأس.
طيب إذا في هذه الآية تسلية لمن ؟ للدعاة إلى الله عز وجل كما أن فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأنت إنما عليك البلاغ وما أجل أن تقوم بما عليك من البلاغ، أما أن الناس فيهتدون فلا، هذه واحدة .
ثانياً : بعض الناس يريد أن يهتدي الناس بين عشية وضحاها وهذا غلط ، هذا لا يمكن خلاف سنة الله عز وجل، إن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو إلى التوحيد فقط، وفي الآخر إلى الصلاة، ومع ذلك لم يستجب أكثرهم، لم يستجب ملؤهم، حتى ألجئوه إلى إيش ؟ إلى أن يهاجر ويدع بلده، فكيف بك أنت تعيش في قوم أفسدهم الاستعمار العسكري والفكري والخلقي، تريد أن يهتدوا بين عشية وضحاها، من أنت حتى تريد خلاف سنة الله عز وجل ؟ اصبر وبالتدريج، ولا حرج عليك فيما أرى أن تعامل الناس بالتدريج، لا حرج ما دام المقصود الإصلاح، فاصبر على بعض المعاصي ودرج الناس عليهم، يعني مثلاً لو أن إنسان حذر الناس من شرب الدخان الذي ابتلي به كثير من الناس فقال له الشارب: أنا ما أستطيع ، قال: ما فيه مانع كل يوم اشرب عشرة لمدة أسبوع، ثم ثمان لمدة أسبوع، حتى يتقاصر إلى آخر النهاية، هل هذا جائز أو لا ؟ هذا جائز، لأني الآن لم أقره على شرب الدخان، أقررته على بعض المفسدة من أجل أن أتوصل إلى زوال المفسدة نهائيا، وهذا من العلاج ومن الدعوة بالحكمة، وهذا كما أنه في الأمراض المعنوية الدينية فهو أيضاً في الأمراض البدنية، الطبيب يعالج المريض شيئاً فشيئا، ويصبر على ما به من مرض شيئاً فشيئا، ولا يعطه الدواء كاملا للحظة واحدة كما فعل البدوي لما أعطوه نوفالجين وقالوا: خذ هذا كل ست ساعات واحدة فاستبطأ الأمر قال: أخلي كل ست ساعات واحدة ! أبلع الجميع، فبلع الجميع فقضي عليه، نعم استعجل الأمر وهلك، اصبر عالج الشيء بالتي هي أحسن المهم أن تكون عازماً على إزالتها .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس حفيظاً على الأمة لا في حياته ولا بعد مماته، وعلى هذا فلا يستغاث به بعد موته ولا تطلب منه الهداية وإنما الهداية من عند الله عز وجل .
ومن فوائد الآية الكريمة : وجوب الإبلاغ، ولم يبين الله تعالى الوسيلة للإبلاغ، فنقول : كل وسيلة للإبلاغ فهي واجبة، والوسائل لها أحكام ومقاصد، فيما سبق الإبلاغ محصور يبلغ الإنسان أهل بلده ومن يفد إليها من الناس، الآن يمكنه أن يبلغ إيش ؟ أن يبلغ العالم كله، وحينئذ نسأل لو أن شخصا أمكنه أن يجعل له صفحة في الإنترنت أيجوز أن يفعل ؟ يجوز الإنترنت فيها أغاني فيها بلاوي...لا دخل له في ذلك، طيب إذا صار قبله أغنية وبعده أغنية ؟، لا يضره عمل عامل، عجيب ولو أن الذيقبله أغنية وبعده أغنية يفتتح بالأغاني ويختتم بالأغاني ؟، ليس له ذلك، إذا لا يبلغ ؟، يبلغ حتى لو قبله أغنية وبعده أغنية ؟ ما تقولون في قوله ؟ صحيح لأن الأغنية قبل وبعد ليست من فعله، هذا من فعل من يتصرف بهذه المحطة، لكن لا يجوز أن نترك الدعوة إلى الحق لأن في هذه الإذاعة مثلا أو المحطة فيها سيئة، هذا غير صحيح ونظرية قاصرة، زاحم أهل الباطل حتى يتبين الحق، ولا يضرك إذا دخلوا فيها أشياء منكرة، بعض الناس مثلا يقول لنا أو لغيرنا: لا تدخلوا إنترنت، كيف تدخلون فيها وفيها الأغاني وفيها البلاء ما يصير، أيها أولى أن ندخل في هذا المضمار لعل الله أن يهدي بنا واحد من الناس أو أن ندع المجال لأهل الشر ؟ الأول بلا شك،الأول أحسن.
ومثل ذلك ما يقال في الانتخابات إذا كان البلد مبنيا على الانتخابات، يقول بعض الناس: لا تنتخب، يا جماعة ما أرشح واحد من أهل الخير قال: لا، لأن الانتخابات فيها بلاء فيها رشاوي فيها أهواء، إذا كان فيها رشاوي وأهواء أنا لن أدخل في الرشاوي والأهواء ولكن أدخل في ترشيح رجل أعرف أن فيه خيرا، قالوا: إذا رشحت واحد يجيء مائةفاسق، طيب إذا كان مائة فاسق ليس معه مستقيم أو مائة فاسق معهممستقيم ؟ الثاني أحسن، وإذا قالوا: إن هذا لا يجدي ولا ينفع واحد في المائة ما في فائدة، نقول: لا بد أن يكون فيه فائدة إذا أخلص النية لله لابد أن يؤثر، لأن الكلمة لله ليست تؤثر لأن فلانا تكلم بها لكن تؤثر لأنها كلمة الله، واسمع إلى قول الله تعالى: (( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى )) وبعده:(( وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ))[التوبة:40] أو: وكلمةَ الله ؟ بالرفع لأنه لو قال: وكلمةَ الله دخلت في المفعول به،يعني وجعل كلمة الله، وكلمة الله هي العليا بجعله وبغير جعله، ولهذا تبين الآن أن قوله: (( وكلمة الله هي العليا )) لها موقع عظيم جدا، يعني أن كلمة الله هي العليا مهما جاءت هي العليا، ولا يخفي عليكم ما يتكرر في قصة موسى مع السحرة وفرعون، لما اجتمعوا وكان موسى واثقاً بنصر الله عز وجل ولهذا لما قالوا : (( اجعلنا لنا موعداً )) جعل لهم موعد في وسط الليل في حجرة مظلمة ؟ لا، متى ؟ في وضح النهار، وفي يوم الزينة يوم العيد: (( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ))[طه:59]شيء عجيب، جاء السحرة وجمع فرعون كيده:(( فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ))[طه:64]فقال موسى كلمة واحدة قال : (( ويلكم )) كمل يا عبد الله ؟ (( وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ))[طه:61]ما الذي حصل من هذه الكلمة ؟ اسمع:(( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )) في الحال، الفاء تدل على الترتيب والتعقيب والسببية:(( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )) وإذا تنازع الناس فلا تحدث عن الفشل، حدث ما شئت ولا حرج:(( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )) ففشلوا، وفي النهاية أن هؤلاء السحرة الذين جاءوا يكيدون لموسى صاروا مع موسى وهددوا بالقتل والصلب ولكن أبوا، قالوا لفرعون: (( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ))[طه:72]مثلما نقول نحن : سوي الذي تريد،(( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )) الله أكبر، الله أكبر، الإيمان إذا دخل القلب فلا تسأل عن الحزم والعزم والقوة،(( إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا )) والذي لا يموت اليوم يموت غدا.
فالمهم إني أقول: إن بعض الناس إذا رأى الموقف غلب فيه الشر استحسر وتخلى وهذا غلط، خذ غمار القوم والنصر للحق، أنا ما دخلت مع هؤلاء لأوافقهم على باطلهم سأدافع عن الحق الذي اعتقده مهما أملك، ثم إنه من الحكمة أن يفتت القوم المجتمعون، يفتت يعني يؤخذوا واحدا واحدا ويتكلم مع كل واحد ويقال: يا فلان إيشالفائدة من هذا ؟ هذا إثم عليك، هذا سوء في الدنيا والآخرة،كما فعلت قريش في نقض الصحيفة الذين تعاهدوا فيها على مقاطعة بني هاشم والقصة مشهورة صار أحد المعارضين لهذه الصحيفة يأتي كبراءهم، الكبراء الذين وقعوا،ويأتيهم على واحد واحد ويقول: كذا وكذا حتى تفتتوا، وهذه من السياسة لأنك إذا فتت المجتمعين إيش ؟ زالت قوتهم وزال سلطانهم، وحصلت على الخير.
ومن فوائدها أيضا : أن الناس ينقسمون إلى قسمين :
قسم : إذا أصابته رحمة من الله فرح بها فرح أشر وبطر .
وقسم آخر : إذا أصابته رحمة الله تعالى فإنه يستعملها في طاعة الله، وهذا يستفاد من غير هذه الآية .
ومنها : التحذير من الفرح بنعمة الله إذا كان الفرح فرح أشر وبطر، وأما إذا كان فرح استبشار وسرور وقيام بطاعة الله فإنه يمدح قال الله تعالى: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58].
ومن فوائد الآية الكريمة : أن ما يصيب الإنسان من سيئة فإنما هو بسبب عمله لقوله : (( بما كسبت أيديهم )) .
ومن فوائدها : التعبير بالبعض عن الكل إذا كان لهذا البعض تأثير كبير لقوله : (( بما كسب أيديهم )) .
ومن فوائدها : أن الإنسان من حيث هو إنسان إذا أصابته السيئة كفر بمعنى أيس من رحمة الله تعالى أن يصرف عنه هذه السيئة، وأما المؤمن فإنه لا ييأس بل يصبر وينتظر الفرج إيمانا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً ) نعم .
الطالب : ...
الشيخ :ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن قوماً أتوا إليه واشترطوا ألا يصلوا الصلوات الخمس فوافقهم على هذا وقال : ( إنهم إذا أسلموا صلوا ) نعم.