شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ..." . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في باب المجاهدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى يعني أن الرسول عليه الصلاة والسلام حدّث عن الله أنه قال إلى آخره وهذا يسمى عند أهل العلم بالحديث القدسي أو الحديث الإلهي وأما ما كان من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمى الحديث النبوي هذا الحديث القدسي يقول الله تعالى فيه ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) يقول جل وعلا إني حرمت الظلم على نفسي أي ألا أظلم أحدا لا بزيادة سيئات لم يعملها ولا بنقص حسنات عملها بل هو سبحانه وتعالى حكم عدل محسن فحكمه وثوابه لعباده دائر بين أمرين بين فضل وعدل فضل لمن عمل الحسنات وعدل لمن عمل السيئات وليس هناك شيء ثالث هو الظلم أما الحسنات فإنه سبحانه وتعالى يجازي الحسنة بعشر أمثالها اعمل حسنة تأتك عشر حسنات أما السيئة فبسيئة واحدة فقط قال الله تعالى في سورة الأنعام وهي مكية (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون )) لا يظلمون بنقص ثواب الحسنات ولا يظلمون بزيادة جزاء السيئات بل ربنا عز وجل يقول (( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما )) ظلما بزيادة في سيئاته ولا هضما بنقص من حسناته وفي قوله تعالى ( إني حرمت الظلم على نفسي ) دليل على أنه جل وعلا يحرّم على نفسه ويوجب على نفسه فمما أوجب على نفسه الرحمة قال الله تعالى (( كتب ربكم على نفسه الرحمة )) ومما حرم على نفسه الظلم وذلك لأنه فعّال لما يريد يحكم بما يشاء فكما أنه يوجب على عباده ويحرّم عليهم يوجب على نفسه ويحرّم عليها جل وعلا لأنه له الحكم التام المطلق وقوله تعالى ( وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) أي لا يظلم بعضكم بعضا والجعل هنا جعلته بينكم محرما هو الجعل الشرعي وذلك لأن الجعل الذي أضافه الله إلى نفسه إما أن يكون كونيا مثل قوله تعالى (( وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا )) وإما أن يكون شرعيا مثل قوله تعالى (( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام )) ما جعل أي ما شرع وإلا فقد جعل ذلك كونا لأن العرب كانوا يفعلون هذا ومثل هذا الحديث جعلته بينكم محرما أي جعلته جعلا شرعيا لا كونيا لأن الظلم يقع وقوله ( جعلته بينكم محرما ) الظلم بالنسبة للعباد فيما بينهم يكون في ثلاثة أشياء بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وهو يخطب الناس في الحج في حجة الوداع ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ) قالوا نعم قال ( اللهم اشهد ) فهذه ثلاثة أشياء الدماء والأموال والأعراض فالظلم فيما بين البشر حرام في الدماء لا يجوز لأحد أن يعتدي على دم أحد لا على دم تفوت به النفس وهو القتل ولا على دم يحصل به النقص كدم الجروح وكسر العظام وما أشبهها كل هذا حرام لا يجوز واعلم أن كسر الميت كسر عظمه ككسره حيا كما جاء ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام