تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقال تعالى (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )) ... " . حفظ
الشيخ : في سياق الآيات التي فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ساق رحمه الله هذه الآية: (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )) اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله والعياذ بالله، ولا يستحقه إلا من فعل كبيرة من كبائر الذنوب، وبنو إسرائيل هم بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فإسرائيل هذه لقب ليعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، إبراهيم له ولدان: إسماعيل وإسحاق، إسماعيل هو الولد الأكبر وهو الذي أمره الله بذبحه، أمره الله أن يذبحه ثم بعد ذلك منّ الله عليهما جميعًا برفع هذا الأمر ونسخه وفداه الله عز وجل بذبح عظيم، وأما إسحاق فهو الولد الثاني لإبراهيم وهو من زوجته، وأما إسماعيل فهو من سُرِيته هاجَر رضي الله عنها، فبنو إسرائيل هم من نسل يعقوب بن إسحاق، وأرسل الله إليهم رسلًا كثيرة وكان منهم المعتدون الذين يقتلون الأنبياء بغير حق والعياذ بالله، وكانوا أيضًا لا يتناهون عن منكر فعلوه، بل يرى بعضهم المنكر ولا ينهى عنه، وقصة القرية التي كانت حاضرة البحر مشهورة معلومة في القرآن الكريم، وهم قوم من اليهود حرم الله عليهم الصيد من البحر يوم السبت، فكان في يوم السبت تأتي الحيتان شرّعًا على وجه الماء من كثرتها ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، فطال عليهم الأمد فقالوا: لا بد أن نتخذ حيلة نتوصل بها إلى الصيد، ما هذه الحيلة؟ قالوا : نضع شباكًا في البحر فإذا جاءت الحيتان يوم السبت مسكتها الشباك، فإذا كان يوم الأحد أخذناها، ففعلوا ذلك فكان منهم قوم يعظون وينهون عن هذا المنكر، وقوم ساكتون، وقوم فاعلون، فعاقبهم الله عز وجل وقال: (( كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِين )) فكانوا والعياذ بالله قردة، بنو آدم انقلبوا قردة خاسئين أذلة، الشاهد من هذا أن منهم قومًا لم يعظوا ولم يقوموا بما أوجب الله عليهم من النهي عن المنكر فكانوا ممن دخلوا في هذه اللعنة، ولهذا قال على لسان داود وعيسى ابن مريم: (( ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )) وداود متأخر عن موسى بكثير، وعيسي ابن مريم كذلك، فهذان النبيان لعنا الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه، وقد حكى الله ذلك عنهما مقرًّا ذلك، فصار من لا يتناهى عن المنكر صار من الملعونين والعياذ بالله، وفي هذا دليل على وجوب النهي عن المنكر وعلى أن تركه سبب للعن والطرد عن عن رحمة الله.