شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ) رواه مسلم وفي رواية في الصحيحين عن أبي هريرة من قوله ( بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( شر الطعام طعام الوليمة، يُدعى إليها من يأباها، ويُومنعها من يأتيها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ) .
قوله عليه الصلاة والسلام : ( شر الطعام طعام الوليمة ) : يحتمل أن يكون المراد بالوليمة هنا وليمة العرس، ويحتمل أن يكون أعم، وأن المراد بالوليمة كل ما دُعي إلى الاجتماع إليه من عُرس أو غيره، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك في الأحكام.
وقوله : ( شر الطعام طعام الوليمة ) : فَسَّر هذه الوليمة التي طعامها شرُّ الطعام وهي التي يُدعى إليها من يأباها، ويُمنعها من يأتيها، يعني يدعى إليها الأغنياء، والغني لا يحرص على الحضور إذا دُعي، لأنه مستغن بماله، ويمنع منها الفقراء، وهو الذي إذا دُعي أجاب، فهذه الوليمة ليست وليمة مقربة إلى الله، لأنه لا يُدعى إليها مَن هم أحق بها وهم الفقراء، بل يدعى إليها الغني.
أما الوليمة من حيث هي ولاسيما سيما وليمة العرس فإنها سنة مؤكدة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن بن عوف : ( أولم ولو بشاة ) : فأمره بالوليمة قال: ( ولو بشاة ) يعني ولو بشيء قليل، والشاة قليلة بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، لأنه من الأغنياء.
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله ) : يدل على أن الإجابة إجابة دعوة الوليمة واجبة، لأنه لا شيء يكون معصية بتركه إلا وهو واجب، ولكن لابد فيها من شروط :
الشرط الأول : أن يكون الداعي مسلماً، فإن لم يكن مسلما لم تجب الإجابة، ولكن تجوز الإجابة ، لا سيما إذا كان في هذا مصلحة، يعني لو دعاك كافر إلى وليمة عرسه فلا بأس أن تجيب، لاسيما إن كان في ذلك مصلحة كتأليفه إلى الإسلام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أن يهودياً دعاه في المدينة، فأجابه، وجعل له خُبزاً من الشعير، وإهالة سَنِخة ) : يعني ودكاً قديماً متغيراً.
وأما العدالة : يعني اشتراط أن يكون الداعي عدلاً فليس بشرط، فتجوز إجابة دعوة الفاسق إذا دعاك إنسان قليل الصلاة مع الجماعة، أو حليق اللحية، أو شارب دخان، فأجبه كما تجيب مَن كان سالماً من ذلك.
لكن إن كان عدم الإجابة يفضي إلى مصلحة بحيث يخجل هذا الداعي ويترك المعصية التي كان يعتادها حيث الناس لا يجيبون دعوته، فلا تجب دعوته، لا تجب الدعوة، من أجل مصلحته، أما إذا كان لا يستفيد سواء أجبته أم لم تجب فأجب الدعوة لأنه مسلم.
ويشترط أيضاً لوجوب إجابة الدعوة : أن يكون ماله حلالاً ، فإن كان ماله حراماً كالذي يكتسب المال بالربا ، فإنه لا تجب إجابته ، لأن ماله حرام، والذي ماله حرام ينبغي للإنسان أن يتورع عن أكل ماله ، ولكنه ليس بحرام ، يعني لا يحرم عليك أن تأكل من مال من كَسبه حرام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من طعام اليهود وهم يأكلون الربا، يأخذون الربا ويتعاملون به، لكن الورع أن لا تأكل ممن ماله حرام.
أما إذا كان في ماله حرام يعني ماله مختلط، يتجر تجارة حلالاً ويكتسب كسباً محرماً، فلا بأس من إجابته، ولا تتورع عن ماله، لأنه لا يسلم كثير من الناس اليوم من أن يكون في ماله حرام، مِن الناس من يغش فيكتسب بالحرام ، ومنهم من يرابي في بعض الأشياء، ومنهم الموظفون، كثير من الموظفين لا يقومون بواجب الوظيفة، تجده يتأخر عند الدوام، أو يتقدم قبل وقت انتهاء الدوام، هذا ليس راتبه حلالاً، ما دام يتأخر عن الوقت الذي يجب عليه الحضور فيه أو يتقدم فيخرج قبل ، فإنه يأكل من الحرام بقدر ما نقص من عمل الوظيفة، لأنه ملتزم بالعقد مع الحكومة مثلاً أنه يقوم بوظيفته من كذا إلى كذا، فلو فتشت الناس اليوم لوجدت كثيراً منهم يكون في ماله دَخَن من الحرام.
الشرط الثالث : ألا يكون في الدعوة منكر، فإن كان في الدعوة منكر فإنه لا تَجِب الإجابة، مثل لو علمت أنهم سيأتون بمغنين، أو أن عندهم شِيَش يشربها الحاضرون، أو عندهم شُرَّاب دخان فلا تجب إلا إذا كنت قادراً على تغيير هذا المنكر، فإنه يجب عليك الحضور لسببين :
السبب الأول : إزالة المنكر.
والسبب الثاني : إجابة الدعوة.
أما إذا كنت ستحضر ولكن لا تستطيع تغيير المنكر، فإن حضورك حرام.
الشرط الرابع : أن يُعيِّنه، ومعنى يعينه يعني يقول : يا فلان احضر أدعوك إلى حضورك وليمة العرس.
فإن لم يعينه بأن دعا دعوة عامة في مجلس قال : يا جماعة ترى عندنا حفل زواج وليمة عرس احضروا، فإنه لا يجب عليك أن تحضر، لأنه دعا دعوة عامة ما نص عليك، فلابد أن يعينك، فإن لم يعينك فإنها لا تجب، ثم إنه ينبغي للإنسان أن يجيب كل دعوة، لأن مِن حق المسلم على أخيه أن يجيب دعوته، إلا إذا كان في امتناعه مصلحة راجحة، فليتبع المصلحة، والله الموفق.
الطالب : شيخ تغيير المنكر بالفعل أو يكفي بلسانه ؟
الشيخ : لا ، لابد أن يغيره ، يعني بمعنى أن تقول : أمسكوا عن هذا العمل فيمسكون ، أما مجرد أن تقول : أمسكوا عن العمل ويستمرون هذا ما يكفي ، لا تحضر.
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( شر الطعام طعام الوليمة، يُمنعها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ) ، رواه مسلم .
وفي رواية في الصحيحين عن أبي هريرة من قوله : ( بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ) "
.