شرح ما تقدم قراءته من الأحاديث . حفظ
الشيخ : في باب الرجاء، ذكرها المؤلف -رحمه الله- وهي كثيرة جداً منها:
أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ودليل ذلك قصة هذه المرأة التي كانت في السبي فرأت صبياً، فأخذته وألصقته على صدرها وأرضعته. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أَتُرون هذه المرأة يعني معذبة ولدها في النار . قالوا لا. قال: فالله أرحم بعباده من هذه بولدها ) ، وهذا من تمام رحمته سبحانه وتعالى.
وآيات ذلك كثيرة، منها هذه النعم التي تترى علينا، وأعظمها نعمة الإسلام، فإن الله تعالى أضل عن الإسلام أمماً، وهدى عباده المؤمنين لذلك وهي أكبر النعم.
ومنها: أن الله أرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وكذلك ذكر المؤلف الأحاديث التي فيها أن رحمة الله سبقت غضبه، ولهذا يعرض عز وجل على المذنبين أن يستغفروا ربهم، حتى يغفر لهم، ولو شاء لأهلكهم ولم يرغبهم : (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً )) ، ولهذا قال في الحديث الذي رواه مسلم، قال: ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم ) .
وهذا ترغيب في أن الإنسان إذا أذنب، فليستغفر الله، فإنه إذا استغفر الله عز وجل بنية صادقة، وقلبٍ موقن ، فإن الله تعالى يغفر له، (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) .
ومنها: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما تلا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الأصنام: (( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) ، وقول عيسى: (( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) : رفع صلى الله عليه وسلم يديه وبكى، وقال: يا رب، أمتي أمتي فقال الله سبحانه وتعالى لجبريل اذهب إليه وقل: إنا سنرضيك في أمتك ولانسوؤك ) .
وقد أرضاه الله عز وجل في لأمته، بأن جعل لهذه الأمة أجرها مضاعفاً، كما جاء في الحديث الصحيح: ( أن مثل هذه الأمة مع من سبقها، كمثل رجل استأجر أُجراء، من أول النهار إلى الظهر، فأعطاهم على دينار دينار، واستأجر أجراء من الظهر إلى العصر وأعطاهم على دينار دينار، واستأجر أجراء من العصر إلى الغروب وأعطاهم على دينارين دينارين، فاحتج الأولون وقالوا: كيف تعطينا على دينار دينار ونحن أكثر منهم عملاً وتعطي هؤلاء على دينارين دينارين ؟! فقال لهم الذي استأجرهم: هل ظلمتكم شيئاً؟ قالوا: لا، يعني قال: إذن لا لوم علي ) : في ذلك، ففضل الله على هذه الأمة كثير.
وقد أرضاه الله تعالى في أمته ولله الحمد من عدة وجوه، منها: كثرة الأجر، وأنهم الآخرون السابقون يوم القيامة، وأنها فضلت بفضائل كثيرة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ( أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ) .
فهذه الخصائص له ولأمته عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أن هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله، كلها أحاديث رجاء، تحمل الإنسان على أن يعمل العمل الصالح، يرجو بذلك ثواب الله ومغفرته، والله الموفق.