شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) متفق عليه . وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا له، فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب متفق عليه، وهذا لفظ رواية البخاري ... ." . حفظ
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنَّين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي ) متفق عليه .
وعن قيس بن أبي حازم قال: ( دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده، وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلا التراب، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت، لدعوت به، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له، فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب )، متفق عليه، وهذا لفظ رواية البخاري "
.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصّالحين : في كراهة تمنّي الموت لضرّ نزل به إلاّ أن يكون لفتنوت في الدّين : قال عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به ) : مثل أن يصاب الإنسان بمرض شديد، أو بفقر شديد، أو بدين متعب أو ما أشبه ذلك، فيقول: اللهم أمتني حتى أستريح من هذه الدّنيا ، فإن هذا حرام ولا يجوز، لأنّه لو مات فإنه لن يستريح، ربّما ينتقل من عذاب الدّنيا إلى عذاب في الآخرة أشدّ وأشدّ، ولهذا نهى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام عن تمني الموت للضرّ الذي ينزل بك، ولكن قابل هذه المصائب بالصّبر والإحتساب وانتظار الفرج واعلم أنّ دوام الحال من المحال، والله عزّ وجلّ يقدّر الليل والنّهار ويخلف الأمور على وجه لا يحتسبه الإنسان ولا يظنّه، لأن الله إذا أراد شيئا فإنّما يقول له : كن فيكون ، فلا تتمنّى الموت لضرّ نزل بك.
أما ما يتعلّق بفتنة الدّين : إذا افتتن الناس في دينهم، أصابهم فتنة، إما في زخارف الدّنيا، أو غيرها من الفتن، أو أفكار فاسدة، أو ديانات منحرفة أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضا لا يتمنّى الإنسان الموت، ولكن يقول: اللهم اقبضني إليك غير مفتون، فيسأل الله أن يثبّته وأن يقبضه إليه غير مفتون، وإلاّ فليصبر لأنه ربّما يكون بقاؤه مع هذه الفتن خير للمسلمين يدافع عنهم ويناضل ويساعد المسلمين ويقوّي ظهورهم، لكن يقول: " اللهم إن أردت بعبادك فتنة أو اللهم في هذه الفتنة اقبضني إليك غير مفتون " ، قال النبي عليه الصّلاة والسلام : ( فإن كان لا محالة قائلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) : وأنت ما تدري يا الإنسان ، لكن اجعل الأمر إلى الله : ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي ) : يعني إذا كانت، ( وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي ): وإذا دعوت الله بهذا الدّعاء فإن الله تعالى سيستجيب دعاءك، وفي هذا الحديث دليل على جواز الشّرط في الدّعاء، أن تشترط على الله عزّ وجلّ في الدّعاء، وقد جاء ذلك في نصوص أخرى، مثل آية اللعان، فإن الزّوج يقول في الخامسة: (( أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ))، وهي تقول في الخامسة: (( أن غضب الله عليها إن كان من الصّادقين )) : فالشّرط في الدّعاء لا بأس به.
ثم ذكر المؤلّف حديث قيس بن حازم حين دخلوا على خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه وهو من الصّحابة الأجلاّء، دخلوا يعودونه بعد أن فُتحت الدّنيا على المسلمين، والمسلمين كانوا في الأول فقراء ولكنّ الله أغناهم بالغنائم الكثيرة التي غنموها من الكفار بإذن الله وبأمر الله، كما قال الله تعالى: (( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ))، وقال: (( ومغانم كثيرة تأخذونها )) : لما فتح الله على المسلمين كثرة الأموال عندهم، فزادت وتطورت وحصل من بعضهم ترف، وصار بعضهم إذا قدّم له الغداء أو العشاء يبكي على ما كان من سلفه من ضحالة العيش وقلّة ذات اليد، دخلوا على خباب بن الأرتّ رضي الله عنه وهو مريض، وقد اكتوى سبع كيّات، والكيّ أحد الأدوية النافعة بإذن الله : ثلاثة أشياء نصّ عليها الرسول عليه الصّلاة والسّلام وبيّن أن بها الشّفاء بإذن الله : الكيّ والحجامة والعسل، هذه الثلاثة من أنفع ما يكون بإذن الله عزّ وجلّ، في بعض الأشياء ما ينفع فيها إلاّ الكيّ، فمثلا: ذات الجنب وهو داء يصيب الرّئة فتتجلّط وتلصق بالصّدر ويموت الإنسان منها إلاّ أن يشفيه الله عزّ وجلّ بأسبابه، هذا النوع من الأمراض لا ينفع فيه إلاّ الكّيّ، كم من مريض يصاب بذات الجنب، يذهب إلى الأطباء ويعطونه الإبر أدوية وغيرها ولا ينفع ، فإذا كوي برئ بإذن الله .
كذلك في أشياء تصيب الأمعاء تسمّى عند أطبّاء العرب تسمّى الطير، لأنها تتفرّق في الجسد هذه أيضا لا ينفع فيها إلاّ الكيّ، مهما أعطيت المريض من الأدوية ما ينفع إلاّ الكيّ.
فيه أيضا شيء ثالث يسمّى عند الناس الحبّلة: ورم يظهر في الفمّ أو في الحلق إذا انفجر هلك الإنسان ، هذا أيضا لا ينفع فيه إلاّ الكيّ ، وأشياء كثيرة لا ينفع فيها إلاّ الكيّ ، خبّاب بن الأرت رضي الله عنه كوى سبع كيّات، ثمّ جاءه أصحابه يعودونه فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الإنسان يؤجر على كلّ شيء أنفقه إلاّ شيئا يجعله في التّراب ) : يعني في البناء، لأن البناء إذا اقتصر الإنسان على ما يكفيه فإنه لا يحتاج إلى كبير نفقة، يبني له حجرة تكفيه هو وعائلته ، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق بيوته حجر، حجرة واحدة له ولزوجته وليس فيها أكثر من ذلك، وعند قضاء الحاجة يخرجون إلى البر ويقضون حاجتهم في البرّ، لكن تتطور الناس، ومن علامات السّاعة : ( أن ترى الحفاة العراة العالة -يعني الفقراء- يتطاولون في البنيان ) : يتطاولون في البنيان في علوّه في السّماء أو في تزويقه وتحسينه، فهذا المال الذي يجعل في البناء هذا ما يؤجر الإنسان عليه، اللهم إلاّ بناء يجعله للفقراء يسكنونه أو يجعل غلّته في سبيل الله أو ما أشبه ذلك فهذا يؤجر عليه، لكن بناء يسكنه هذا ليس فيه أجر، بل ربما إذا زاد الإنسان فيه حصل له وزر مثل ما يفعل بعض الفقراء الآن، عندنا فقراء يتدين الإنسان يستدين العشر خمسة عشر وإن طال الأجل إلى عشرين من أجل أن يرصّع بنيانه بالأحجار الجميلة، أو من أجل أن يضع له أقواس أو شرفات أو ما أشبه ذلك، فهو مسكين يعمل هذا العمل المنهي عنه ويستدين على نفسه الدّيون الكثيرة، وأما البنيان الذي يكون على حسب العادة، يعني لو أن الناس اعتادوا بنيانا معيّنا وأراد الإنسان أن يبني على ما كان من العادة وما كان ينبسط فيه أهله بدون إسراف وبدون أن يتديّن فهذا لا بأس به ، وليس فيه إثم إن شاء الله، والله الموفّق.